لم تستطع جولييتا تصديق أن والدها هو الجاني.
فهو لم يكن يحمل أي ضغينة تجاه عائلة هارتفيلد. بل على العكس، كان ممتنًا لهم. فقد تمكن من مواصلة أبحاثه بفضل استثماراتهم الضخمة، واستطاع أن يثبت مكانته في المجتمع الراقي المليء بالازدراء والاحتقار، مستندًا إلى نفوذهم.
نعم، لم يكن لديه أي دافع لارتكاب الجريمة. وبما أنها كانت تظن بأنها تعرف والدها جيدًا، بقيت الكثير من علامات الاستفهام حول هذه الحادثة.
لكن مهما فكرت، لم يكن هناك ما يمكن أن يتغير. والدها احتضن الحقيقة، وترك خلفه فقط الغموض، ثم أنهى حياته بنفسه. وكل ما تبقى لجولييتا كان شرف والدها المدنس.
بسبب ذلك، حتى علاقتها بإيفان أصبحت فوضى.
لكن جوليتا لم تكن تنوي الخضوع لقسوته. كانت تهدئ نفسها بتفكيرها أنها ستُحاول الحديث معه مجددًا عندما يهدأ قليلًا.
“إذا انتظرت قليلًا… ربما ستتحسن الأمور لو تحدثنا.”
لكن الأمور لم تسر أبدًا كما تمنّت جوليتا.
وبعد عدة أيام من “تلك الحادثة”،
كانت جولييتا تمكث بهدوء في براكسيتر، تُراقب الوقت المناسب لتتحدث مع إيفان بروية.
إيفان، وريث عائلة هارتفيلد الوحيد، كان مشغولًا جدًا في تلك الأيام.
وكانت هي مترددة في الحديث معه وسط هذا الانشغال الشديد، فاستمرت بإضاعة الوقت. ومرّت فترة عصيبة نفسيًا بسبب ذلك.
لقد توفي والدها في الغرفة القريبة من التي تقيم فيها. تلك الحقيقة تركت أثرًا كبيرًا في نفسها.
حاولت ألا تنظر نحو الغرفة التي رحل فيها والدها، لكن كل أعصابها كانت تتوجه إليها قسرًا.
وما زاد الطين بلّة، أنها كل ليلة، كانت ترى في كوابيسها ليديا الميتة وهي تزحف خارج القبو.
في كل مرة، كانت تصرخ حتى ينقطع صوتها لتفيق مرعوبة.
ومع بلوغها حدًّا من الإرهاق، بدأت جولييتا تمتنع تمامًا عن الطعام.
لم تستطع بلع أي شيء. وحتى إن حاولت الأكل، كانت تستفرغ كل ما تتناوله.
براكسيتر، الذي كان يومًا ما بمثابة الجنة لها، تحول فجأة إلى جحيم.
أرادت الهرب من هذا الواقع الكابوسي بسرعة.
وفي النهاية، لم تحتمل أكثر من بضعة أيام، فتوجهت إلى مكتب إيفان.
عندما رآها تتردد وتدخل بخجل إلى مكتبه، ابتسم باستهزاء.
“إيفان… هل يمكننا التحدث؟”
خلافًا لما توقعت، لم يرفض إيفان، بل نظر إليها بنظرة غامضة.
يبدو أن هناك فرصة للحوار بهدوء. ارتاحت قليلًا، وبدأت تفكر في كيفية فتح الحديث.
أما إيفان، فانتظر بصبر بينما يُخرج سيجارة ويشعلها، وهو يحدّق بها ببطء.
“إيفان، أنا… أريد حقًا أن… أصلح ما بيننا…”
كلما تابعت جولييتا حديثها، التصقت بها نظراته الحادة أكثر فأكثر.
ارتعش صوتها من شدة التوتر. وجوده وحده كان مهيبًا، ونظراته كانت حادة كالسيف، حتى بدأت ترتجف بالكامل.
كان عليها الحديث، لكن شفتيها ما عادت تنطق.
وهنا، هو من بادر بالكلام:
“قلت لك سابقًا. إذا كنت تفكرين في فسخ الخطوبة، فذلك مستحيل.”
“… لماذا تصرّ على هذا الأمر؟”
“ألم أخبرك؟ ستقضين حياتك بجانبي لتكفّري عن خطيئة والدك.”
كانت كلماته كسكينٍ طعنت قلبها دون رحمة.
بشكل لا إرادي، قبضت بيدها على طرف تنورتها، محاولة كتم الانفجار العاطفي داخلها.
وسألت بصوتٍ مرتجف:
“هل تريد أن أعيش تعيسة؟”
نظر إليها بنظرة مائلة، وأطفأ سيجارته في المنفضة، ثم أجاب:
“لا أعلم… لكن ما أعلمه أنني لا أتمنى لك السعادة.”
كان صوته باردًا خاليًا من أي مشاعر.
تنهدت جولييتا تنهيدة ثقيلة بالكاد تُسمع، ثم تمتمت:
“لو استمررنا في تدمير بعضنا البعض، فلن يكون هناك سوى الخراب، إيفان.”
عند كلماتها، اشتد بريق عينيه فجأة.
تحت تلك النظرات الباردة، بالكاد استطاعت إتمام حديثها:
“لهذا… يجب أن ننفصل.”
توقف لحظة ينظر إليها.
عيناه كانتا مثل دوامة من المشاعر المختلطة.
لكن كلماته التالية بقيت باردة:
“هل تتذكرين ليديا التي قُتلت برصاصة؟”
فجأة، شحب وجه جوليتا تمامًا.
ليديا. أخته الصغرى. والاسم الذي يطاردها في كوابيسها كل ليلة.
“ليديا… حتى آخر لحظة من حياتها، كانت تثق بوالدك. تمامًا كما كانت تثق بك.”
“… ذلك ليس…”
ابتلعت جوليتا دموعها المكبوتة وفتحت فمها لتتكلم، لكن الكلمات لم تخرج بشكل صحيح. سرعان ما عضّت على شفتيها، ولم تستطع مواصلة الحديث.
“عائلتي.”
في المقابل، رفع إيفان نبرة صوته وكأنه كان مستعدًا لقول المزيد، وبدأ بالكلام بسلاسة.
“بسبب والدك، ماتوا جميعًا بطريقة مروّعة. بالسلاح الذي أحضره والدك. كان هناك وقتٌ كافٍ لتفادي الأمر، بدءًا من تجهيز السلاح وحتى إطلاقه.”
أغمضت جولييتا عينيها بإحكام. رغم أنها لم تشهد لحظة سقوطهم بأعينها، إلا أنها استطاعت بسهولة تخيل المشهد بوضوح مؤلم.
“هل سبق وأن اعتذرتِ بصدق عمّا فعله والدك لعائلتي؟”
“…”
بينما كانت تستمع لكلمات إيفان المليئة بالسخرية، شعرت جولييتا بالذنب والعار يتسللان إلى جسدها، يخنقانها.
“تقولين إنه لا يوجد سوى الدمار؟ هل تجرئين على قول ذلك لشخص مثلي، غارق بالفعل في هذا الدمار؟”
“أنا، أنا فقط…”
“اصمتي.”
بكلمات قاسية، قطع إيفان حديث جولييتا ببرود تام. أغلقت جولييتا فمها بصمت. ومن خلال هذا الحوار، شعرت بعمق الألم الذي يحمله إيفان، وثقل الواقع القاسي الذي يعيشه. ربما لهذا السبب، شعرت فجأة بأنها لا تستطيع التراجع أكثر، وخرجت الكلمات من فمها دون تفكير.
“إيفان…”
كل الأدلة كانت تشير إلى أن برامس هو الجاني. ولم يكن بوسع جولييتا أن تنكر ذلك.
“أنا… أريد أن أعتذر… بصدق، عمّا فعله والدي. لك… بكل إخلاص.”
في ظل عدم قدرتها على إثبات براءة والدها، لم يكن أمامها سوى تقديم الاعتذار. رغم أنها آمنت بوالدها من أعماق قلبها، إلا أن الواقع أجبرها على الاعتراف بالجريمة.
تردد إيفان للحظة عند سماعه كلماتها المرتجفة، لكنه سرعان ما استعاد بروده.
“اعتذار؟”
أدار رأسه ببطء ونظر إليها.
“هل تعلمين ما هو الاعتذار؟ هو أن تدفعي ثمن تلك الجريمة كاملة، هنا، بين يدي. طالما أنك بجانبي، عليك أن تمنحيني كل ما تملكينه.”
كان صوته حادًا كالسيف، باردًا لا يرحم. وعندما أنهى كلماته، خيّم صمت ثقيل بينهما.
لم تستطع جولييتا أن ترفض. أخفضت رأسها، وقبضت أصابعها بقوة. شفتاها الجافتان، وأطراف أصابعها المرتجفة، كشفت عن صراعها الداخلي ومعاناتها.
أرادت أن تتكلم، لكن الكلمات لم تأتِ. تصريحه ذاك بدا وكأنه أقسى عقوبة يمكن تخيلها.
ثم، جاءت كلمات لا تُصدَّق من أمامها:
“سنتزوج كما هو مقرر.”
كانت كلمات صادمة. ما إن سمعتها جولييتا حتى قبضت يديها بقوة. الزواج؟ لم تتخيل قط أن اعتذاره سيأخذ هذا الشكل.
امتلأ عقلها بالفوضى في لحظة واحدة.
“زواج…؟”
نطقتها جوليتا بصوت مرتجف.
“إيفان، هل تدرك ما تقوله؟ هل تفهم معنى ذلك؟”
كان إيفان لا يزال ينظر إليها ببرود، وأجاب بصوت ثابت:
“لقد قلت لك، يجب أن تدفعي ثمن ما فعله والدك طوال حياتك. لا خيار لكِ. ستبقين بجانبي وتعيشين كما أريد.”
شعرت جولييتا وكأن أنفاسها تتوقف شيئًا فشيئًا. رفعت رأسها بصعوبة ونظرت في عينيه. كانت عيناه مشبعتين بالغضب المتقد، والحزن المتجمد.
“لكن… لا داعي لأن تُدمّر نفسك فقط لتُعاقبني… ما تريده حقًا هو الانتقام، أليس كذلك؟ إيفان، لا تفعل هذا…”
ضحك إيفان ضحكة قصيرة. ضحكة باردة، خالية من أي دفء.
“لا يمكنني استعادة من فقدتهم. لكن يمكنني التأكد من أنك لن تتمكني من الهرب منّي. طالما أنك بجانبي، ستتذكرين في كل لحظة الجراح التي تركها والدك.”
شعرت جولييتا بيأسه العميق خلف تلك الكلمات الباردة. كان جرحه أعمق من أن يُشفى بالانتقام.
ومع ذلك، كانت واثقة أن هذا الزواج ليس الطريق الصحيح. حتى لو كان ذلك جزءًا من العقوبة.
الانستغرام: zh_hima14
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"