انحنى المرافق أمام إيفان وخرج من المكتب. بقي إيفان جالسًا، يفكّر بهدوء في الخطوة التالية.
الآن بعد أن مات أورلاندو، مركيز هارتفيلد، فبحسب وصيته، ستؤول أغلب ثروته إلى إيفان.
ورغم ترقيته إلى رتبة عقيد، لم يكن لدى إيفان أي نية لترك الجيش. السبب الوحيد الذي جعل أورلاندو يرسله إلى الأكاديمية العسكرية في المقام الأول، كان لأسباب سياسية—من أجل تعزيز نفوذه في صفقات السلاح وبناء شبكة علاقات عسكرية. لكن بعد زوال وجود أورلاندو، لم يعد هناك ما يمنع إيفان من الاستقالة.
ومع ذلك، شعر إيفان دائمًا أن زيّه العسكري يمنحه أكبر قدر من الراحة. كان ينوي مواصلة حياته كضابط في الجيش حتى أثناء إدارته للأعمال، وربما يتقاعد فقط عندما يُرزق بطفل من جولييتا.
رغم ما حدث، لم يكن في نيّته الانفصال عنها. أو بالأحرى، لم يكن يفكر أبدًا في أن يتركها.
ضغط على أسنانه بقوة وهو يسترجع صورتها في ذهنه. أخرج سيجارة ووضعها في فمه وأشعلها بهدوء.
ذلك الوجه الكريه، الذي لم يطالب سوى بتبرئة والدها، حتى بعد أن قُتلت عائلته بالكامل. نظراتها الغاضبة نحوه بعد موت والدها القاتل وكأنها هي من فُجعت، وليس هو.
القاتل الحقيقي جعل إيفان يفقد كل شيء… ثم رحل من هذا العالم دون أن يدفع ثمن ما فعله.
بالنسبة لإيفان، كانت جولييتا أمس رمزًا للحقارة والاشمئزاز.
“سأسحق كل ما تملكينه، كما تمّ سحق كل من أحببتُ.
إن لم أستطع قتل جسدك… فسأقتل روحك.”
استنشق دخان السيجارة ببطء، وحدّق في الفراغ بينما يتصاعد الدخان في الهواء. ثم، وبعد أن أنهى سيجارته، أطفأها في المنفضة ونهض واقفًا.
كان ينوي الذهاب لرؤيتها. ليرى إن كانت قد أفاقت.
في تلك اللحظة، فُتح باب المكتب بهدوء. ظهرت من خلاله صورة امرأة تقف مترددة. جلس إيفان مجددًا في مقعده ونطق ببرود:
“ادخلي.”
ترددت جولييتا قليلًا، ثم دخلت. كانت شاحبة كالأشباح. نظرت نحوه، والتقت نظراتهما في فضاء ثقيل.
في الليلة الماضية، أثناء إغمائها، حلمت بليديا. استيقظت صارخة، متمنية أن تكون كل تلك الأحداث مجرد كابوس. لكنها سرعان ما أدركت أن الفوضى في القصر كانت حقيقية، وأن الحلم كان الواقع.
ترددت طويلًا في غرفتها، لكنها أدركت أن الحديث مع إيفان لا مفر منه. كان بينهما ما يجب إنهاؤه.
“لا بد… أن نُنهي هذا.”
هكذا فكّرت.
بعد كل ما حدث، لم يعد هناك سبب للزواج. الفجوة بينهما أصبحت أوسع من أن تُردم.
“إيفان…”
أجابها بنظرة حادة صامتة، ينتظر كلامها.
جمعت شجاعتها وقالت بصوت مرتجف:
“إيفان، ما حدث… مؤسف حقًا. لا أستطيع حتى التعبير عن مدى الألم لما حصل لعائلتك…”
ثم سالت دمعة صامتة على خدها. كانت ترتعش، وصوتها بالكاد يُسمع.
“و… ووالدي… لم يكن أبدًا مثل ما يقال. أنت تعرف ذلك. لماذا قد يقتل أولئك الذين ساعدوه؟”
“هاه…”
ضحك إيفان بسخرية مريرة. بدا وكأنه لا يصدق وقاحتها في الحديث عن براءة والدها حتى الآن. لم تكن ضحكته موجهة للسخرية منها فحسب، بل كانت تحمل احتقارًا صريحًا.
ارتجف جسدها أكثر، لكنها واصلت بثبات:
“أعلم أنك لا تصدق براءته. لكنني سأظل أؤمن به. على أي حال… لم يعد بيننا ما يستدعي استمرار هذا الزواج. فلننهي علاقتنا هنا.”
ساد صمت ثقيل.
“هل قلتِ كل ما لديك؟”
سألها نبرته الباردة.
أومأت جولييتا برأسها ببطء. كانت تنتظر أن يوافق، أن يتقبل الانفصال، مهما قال من كلمات قاسية.
لكن ما جاء على لسانه كان أبعد ما يكون عن ذلك.
“ما الذي تهذين به بحق الجحيم؟”
“…ماذا؟”
فزعت جولييتا من نبرة إيفان القاسية واتسعت عيناها في دهشة. ضرب إيفان الطاولة بقبضته بشدة، ثم نهض من كرسيه.
“الرصاصة التي وُجدت في الجثة كانت تحمل نفس آثار الخدوش المميزة. هذه العلامات ليست من أي سلاح عادي. لقد رأيتها بعيني.”
تقدم إيفان نحو جولييتا بخطوات بطيئة. وكلما اقترب منها خطوتين، تراجعت خطوة مرتجفة من الخوف.
“عندما فحصنا السلاح الذي عُثر عليه في السيارة، تطابقت الخدوش تماماً مع تلك الموجودة على الرصاصة التي استخرجناها من الجثة. حتى العيار كان متطابقاً. لا شك أنها خرجت من ذلك السلاح.”
“……!”
كانت هذه الأدلة حاسمة. فتجمدت جولييتا في مكانها، غير قادرة على الحركة. أحكم الشعور بالذنب قبضته على عنقها.
هل يعقل أن يكون والدها هو الجاني الحقيقي؟
راحت جولييتا تغوص في دوامة من الصراع الداخلي. إن كان والدها حقاً هو القاتل، فإن الوقوف إلى جانبه سيكون خيانة لا تُغتفر في حق إيفان وعائلته.
ما إن أدركت أن مجرد دفاعها عن والدها قد يكون في حد ذاته خطيئة، حتى بدأت تتردد في الدفاع عنه. لكنها لم تستطع كبح إيمانها ببراءته.
“لا يمكن أن يفعلها أبي…”
تذكّرت جولييتا صورة والدها الحنون، وحاولت كبح دموعها. لكن إيفان اقترب منها فجأة وأمسك بكتفيها بعنف.
“أن تنهي علاقتنا؟ قولي ذلك مرة أخرى، وستندمين.”
“ماذا…؟”
حدّقت جولييتا في عينيه الباردتين، ومع مرور اللحظات بدأت تفهم ما يقصده، فصرخت من الأعماق:
“إيفان، لقد انتهى كل شيء بيننا!”
شعرت بيده تقبض على كتفها بقوة أكبر. تأوّهت بألم ونظرت إليه بغضب، لكنه لم يتزحزح. بل قال بصوت بارد:
“بما أن والدك لم يدفع ثمن جريمته، فسيكون عليك أنتِ أن تفعلي ذلك.”
“ما… ماذا تقصد؟”
“ستقضين حياتك بجانبي، تكفيرًا عن خطيئة والدك.”
“……!”
انقبض قلبها وسقطت في صدمة تامة. حاولت الهروب منه وهي تهز رأسها رافضة، لكنه أمسك بمعصمها بقوة.
“إ-إيفان! لا تفعل هذا… نحن… ممم!”
قاطع توسلاتها بأن وضع يده على فمها، ثم انحنى نحو أذنها وهمس بصوت خافت:
“من قال إن الأمر انتهى؟ إنه بدأ الآن فقط.”
“هممم!”
حاولت المقاومة وهي تومئ برأسها رفضاً. وبينما كانت تجاهد، سحبها إيفان خارج المكتب باتجاه غرفته، وهي تتعثر خلفه عاجزة عن الإفلات.
“إن لم تريدي الاعتراف، فسأريك لماذا لا يمكننا الانفصال.”
جرّها إلى غرفته وأغلق الباب خلفه بشدة، ثم دفعها على السرير دون رحمة.
وقبل أن تستوعب ما حدث، كان جسده فوقها، وضغط شفتيه على شفتيها بقوة. لكنها أغلقت فمها بإصرار، مما جعله يتوقف للحظة.
“افتحي فمك.”
قالها بنبرة تهديد، لكنها حاولت دفعه بعيداً وهي تبكي:
“إيفان، أرجوك… توقف…”
لكن كلماتها لم تكتمل، إذ عاد ليقبّلها رغماً عنها. شعرت بجسده يثقلها، وعقلها تجمّد من هول الموقف.
حاولت مقاومته، لكنه لم يتحرك. وبالكاد بدأت دموعها تتساقط، حتى تجمد في مكانه فجأة.
“…تباً.”
عندما سمع نحيبها، تراجع خطوة إلى الوراء. كانت جولييتا تبكي بصمت، منهارة على السرير. نظر إليها ببرود.
“كيف وصلنا إلى هنا…”
بحثت جولييتا عن تفسير لما حدث، لكنها أدركت أن لا شيء يمكنه أن يغير الواقع أو يطفئ نيرانه.
“لن تهربي مني طوال حياتك. تذكّري ذلك جيدًا.”
قال كلماته القاسية وغادر الغرفة، تاركًا جولييتا وحدها.
جلست بهدوء وهي ترتجف. ما حدث للتو تركها منهارة تماماً، فبدأت تمسح ذراعيها ببطء وتبكي بصوت خافت.
لم تعد تدري ما يجب أن تفعله الآن…
الانستغرام: zh_hima14
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"