‘هذا غريب… أين ذهب أبي؟’
تساءلت جولييتا وهي تميل برأسها بتعجب، ثم نظرت إلى الساعة. فمنذ وفاة والدتها، أصبح برامس يتجنب الخروج من المنزل، وإن فعل، لا يخرج إلا بصحبتها. لذا بدا هذا الغياب مفاجئًا وغريبًا بالنسبة لها.
لكنها لم تقلق كثيرًا. فوالدها، وكعادته، سيعود بالتأكيد قبل الرابعة مساءً، لأنه لا يفوّت موعد الاستماع إلى برنامجه الإذاعي المفضل في ذلك التوقيت. نظرت جولييتا إلى الراديو، ولاحظت أن التردد مضبوط على 454.8 كالمعتاد.
‘لابد أنه سيعود قريبًا.’
قالت ذلك في نفسها ببساطة، ثم توجهت نحو المكتبة. هناك، رأت ورقة على المكتب كُتب عليها أرقام حساب مصرفي، وكان إلى جانبها مبلغ مالي كبير. تذكرت أن والدها كان يرسلها كثيرًا لقضاء المعاملات البنكية، فربما أراد منها أن تذهب للبنك مجددًا.
ترددت للحظة فيما إذا كان عليها التوجه الآن، لكنها فضّلت انتظار عودته وإخباره أولًا بأخبار الزواج. في النهاية، لم يكن يعلم أنها عادت اليوم.
ذهبت إلى غرفة الجلوس وجلست على الأريكة تنتظر. لم تكن تنوي النوم، لكن النعاس تسلل إليها دون أن تشعر، وسرعان ما استسلمت لنوم عميق.
استيقظت عند الغروب، وقد تجاوزت الساعة الرابعة بكثير. حدقت في الأفق بدهشة، فلم يكن والدها قد عاد بعد، رغم أنه دائمًا يعود للاستماع إلى الراديو.
راحت جولييتا تنتظره بقلق، لكن الليل حلّ… ولم يظهر.
ثم، في وقتٍ متأخر من تلك الليلة، سُمِع طرق على باب القصر. ظنّت جولييتا في البداية أنه والدها، فأسرعت لفتح الباب.
لكنها فوجئت برجال غرباء واقفين أمامها، وكانت هناك سيارة شرطة مركونة في الخلف.
نظرت إليهم بذهول، حتى تحدث أحدهم بنبرة رسمية:
“هل أنت الآنسة جولييتا لومييغ؟”
“…نعم، أنا هي. من أنتم؟”
“أنا المحقق هانسنت.”
قدّم نفسه بنبرة هادئة، لكن ملامحه كانت جادة للغاية.
“نحن هنا لأمر هام… نرجو أن تدلي بشهادتك بشأن مكان وجود السيد برامس لومييغ اليوم.”
“ماذا؟ لم أفهم…”
“وقع اليوم حادث قتل في براكسيتَر. قُتل جميع أفراد عائلة هارتفيلد. وقد تم توقيف السيد برامس لومييغ كمشتبه رئيسي في القضية.”
في تلك اللحظة، خفق قلب جولييتا بقوة حتى شعرت أنه توقف للحظة. سيطر على عقلها فراغ مخيف، وكأن الكلمات لم تجد طريقها للفهم. تطلّب منها الأمر وقتًا لاستيعاب ما قيل.
ولم تجد أمامها سوى أن تكرر السؤال كمن لم يسمع:
“ماذا… ماذا قلتم للتو؟”
✦✦✦
“لا شيء يخطف قلب امرأة كالألماس.”
قالت إليزابيث وهي تنظر بابتسامة راضية إلى إيفان، بعد أن غادرت جولييتا القصر. دعت ابنها إلى غرفة الاستقبال وقدّمت له كتالوجًا يبدو أنه من مجلة فاخرة.
“هذه مجموعة الألماس الجديدة من كلوكسن. أراهن أنها ستعجب جولييتا.”
تناول إيفان الكتالوج باهتمام وبدأ يقلب صفحاته بهدوء وأناقة، متأملًا التصاميم الفاخرة.
كلوكسن كانت منطقة مشهورة باستخراج الألماس في كوناوت، ومركزًا فاخرًا للتسوق بالنسبة للطبقة الأرستقراطية، حيث كان الجميع يبتاعون منها المجوهرات والهدايا.
وفي الصفحة الأخيرة، لفت انتباهه خاتم زفاف فاخر مصنوع من أنقى أنواع الألماس، بحجر ضخم يتوسّط التصميم. كان بسيطًا لكنه راقٍ وفخم في آنٍ معًا.
“هذا يبدو الأفضل.”
قالها وهو يغلق الكتالوج ويقدمه لوالدته مجددًا.
ابتسمت إليزابيث بفخر وهي تطلّ على الخاتم.
“ذوقك لا يُعلى عليه، كعادتك.”
“سأذهب الآن إلى كلوكسن.”
“الآن؟”
“نعم. المسافة ليست بعيدة، وسأنجز الأمر بنفسي.”
نهض من الأريكة على الفور، وألقى تحية بسيطة لوالدته قبل أن يغادر الغرفة. نظرت إليه إليزابيث بإعجاب وهو يبتعد.
في غرفته، ارتدى إيفان معطفًا أسود، ثم نزل إلى الطابق السفلي. لم يُرد إزعاج الخدم، فقرر أن يقود بنفسه. صعد إلى السيارة، أمسك المقود بيد واحدة، وانطلق بهدوء.
وبينما كان يمر عبر الغابة، أدخل يده إلى الجيب الداخلي لمعطفه ليُخرج سيجارة… وفي تلك اللحظة، لمح سيارة سوداء قادمة من الاتجاه المقابل.
“……”
هذا الطريق كان ممرًا مختصرًا يؤدي إلى وسط المدينة، قلّما يعرفه الناس. لذا حين لمح إيفان سيارة غريبة تسلكه، لم يستطع إلا أن يحدق بها. لم يتمكن من رؤية من بداخلها؛ فقد كانت تسير بسرعة كبيرة.
في تلك الأثناء، عثر على علبة السجائر في جيبه، وأشعل واحدة بلا تفكير وهو يبعد يدًا عن المقود.
“هاه…”
زفر الدخان ببطء، وفجأة تبادر إلى ذهنه وجه جولييتا. خصرها النحيل، وتناسق جسدها المثير، جعل حنجرته تتحرك لا إراديًا.
هز رأسه وكأنما ليطرد تلك الصورة، وأخذ نفسًا عميقًا من السيجارة. مع كل نفَس، كانت تحترق بسرعة، حتى تبقّت منها النهاية فقط، فأطفأها ودسّها في منفضة السيارة.
بينما كان يقود عبر الغابة، تذكّر أن هذا المكان تحديدًا كان حيث التقى جولييتا للمرة الأولى. في ذلك الحين، لم تكن سوى فتاة صغيرة بحجم فأر.
ابتسم إيفان لنفسه ساخرًا وهو يتأمل الغابة المحيطة. كلما فكر في جولييتا، ازداد شعور الرضا داخله. رفع أصابعه إلى شفتيه، وكأنما يستحضر ملامحها.
لم يكن يفكر بخطبة رومانسية أو زواج تقليدي. لم تكن تلك الرحلة لشراء خاتم الألماس سوى اندفاع لحظة. كان كل ما أراده هو أن يصنع علامة تُثبت أنها أصبحت ملكه.
وقد عرف بالفعل مقاس إصبعها عندما أمسك بيدها في الأمس.
ابتسم ابتسامة خافتة وهو يتخيل الخاتم يزيّن إصبعها، وزفر تنهيدة مليئة بالرضا.
غادر الغابة أخيرًا ودخل المدينة. كانت المسافة تستغرق ساعتين عادة، لكنه وصل خلال ساعة بسبب الطريق المختصر.
كانت الساعة آنذاك الحادية عشرة صباحًا. وبحسابه، سيصل إلى كلوكسن بحلول الثالثة عصرًا. الرحلة بأكملها تستغرق ثماني ساعات ذهابًا وإيابًا، لكنه لم يتردد. لم يكن يعلم أن شيئًا كارثيًا يحدث في القصر أثناء غيابه.
✦✦✦
حلّ الليل، وكانت الساعة تقترب من التاسعة.
عاد إيفان إلى براكسيتَر بعد ساعات من القيادة المتواصلة، لكن مشهدًا غير مألوف استقبله عند مدخل قصر العائلة.
السيارات الشرطية مصطفة بكثافة أمام البوابة، وأضواءها تومض، فيما يملأ الضجيج المكان الذي اعتاد أن يكون هادئًا وساكنًا.
ركن إيفان سيارته ببطء وهو يراقب الفوضى أمامه، ثم ترجّل منها.
ما إن نزل حتى أسرع إليه أحد رجال الشرطة بعد أن تعرّف عليه.
“هل أنتم اللورد إيفان دي هارتفيلد؟”
لم يرد إيفان، بل مضى نحو القصر بخطى ثابتة.
“انتظروا لحظة، سيدي! يجب أن أشرح لك ما يحدث قبل أن تدخل!”
أوقفه الشرطي بصعوبة، فتوقف إيفان بوجه متجهم، وحدّق فيه.
“تفضل، ما الذي حدث؟”
تردد الشرطي للحظة، ثم تنهد بعمق وقال بنبرة جادة:
“أعتذر مسبقًا، سيدي، ولكن… وقعت حادثة خطيرة داخل القصر. أفراد عائلتكم… جميعهم… تعرضوا لإطلاق نار وقُتلوا.”
“ماذا… تقول؟”
في تلك اللحظة، اهتز بؤبؤا عيني إيفان، وقد كانت عيناه قبلها باردة لا تعبّر عن شيء.
أمسك بعنقه وأرخى ربطة عنقه بسرعة، ثم سأل بصوت يرتجف:
“ماذا تقصد؟ عائلتي… ماتوا؟”
انحنى الشرطي برأسه دون أن يجيب.
توقّف كل صوت من حول إيفان. حتى الضجيج الصاخب بدا وكأنه تلاشى فجأة من سمعه. لم يعد يسمع شيئًا.
“أين؟”
“في… القبو.”
وبمجرد أن سمع ذلك، انطلق إيفان راكضًا نحو الداخل، كأن شيئًا جمده ثم أطلقه دفعة واحدة.
الانستغرام: zh_hima14
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"