رفعت جولييتا عينيها المرتجفتين قليلًا لتلقي نظرة على الشخص المقابل لها، فرأت إيفان ينظر إليها من فوق بكتفيه العريضين ووجهه الصارم.
كان من المفترض أن يكون مشغولًا، فقد عمل حتى وقت متأخر من الليلة الماضية وغادر في الصباح الباكر، واليوم أيضًا كان من المفترض أن يكون منشغلاً بأعماله. لذلك كان وجوده هنا دون سبب واضح أمرًا غريبًا بالنسبة لها.
بهدوء، مالت مظلة المطر التي يحملها باتجاهها أكثر، وظل وجهه بلا تعبير يصعب قراءته، مما زاد من شعورها بالارتباك.
“أه، منذ متى وأنت هنا؟”
سألت جولييتا بسرعة، خشية أن يكون قد سمع جزءًا من حديثها مع بالمر قبل قليل.
أجابها إيفان بصوت هادئ بلا أي تردد:
“جئت قبل قليل، لماذا؟ هل ناقشتما شيئًا لا يجب أن أسمع عنه؟”
ارتجفت جولييتا وتشنج جسدها. أسلوبه المعتاد كان هادئًا، لكنه حمل شيئًا من الشك الغامض.
“…كان مجرد حديث شخصي.”
في تلك اللحظة، رأت فجأة سيارتين مجهولتي الهوية تدخلان إلى أمام المقهى بسرعة. ارتطمت إطاراتهما بالمياه على الأرض، وفتحت الأبواب في آنٍ واحد كما لو كان مخططًا لها مسبقًا.
نزل جنود يرتدون الزي العسكري من السيارات، وتصطفوا بشكل منتظم ووقور. منظرهم الجاد والمرعب جعل جولييتا تحبس أنفاسها.
“ما هذا…؟”
تنهد إيفان بعمق، فتراجعت جولييتا نصف خطوة بعيدًا عنه، لكنه أمسك بمعصمها على الفور.
“ماذا…!”
قال إيفان بصوت حازم:
“جولييتا لي هارتفيلد، سأستجوبك بصفتي ضابط. يجب أن تتوجهي الآن إلى غرفة التحقيق في القيادة العليا.”
“ماذا…؟”
كان الكلام مفاجئًا، وعندما كبرت عيناها في دهشة، سحبها إيفان برفق إلى جانبه قائلاً:
“تم العثور على احتمال لارتباطك مع الجماعة الإرهابية خلال التحقيقات. ويقال أنك تلقيت رسالة مشبوهة في يوم الهجوم. أليس هذا صحيحًا؟”
توقف قلب جولييتا عن النبض للحظة، وعجزت عن نطق أي كلمة.
شعرت بالفزع لأن إيفان قد اكتشف هذا بالفعل.
‘ماذا أفعل الآن…’
لم تستطع إنكار الأمر، فهي لم تعرف كم اكتشف بعد، وكانت تعلم أن أي كذبة ضعيفة لن تنجح.
“هل ستأخذني للتحقيق؟”
أجابها بهدوء:
“نعم، في الوقت الحالي، لا مفر من ذلك. لقد تم إبلاغ القيادة العليا بالفعل، ويجب أن تخضعي للتحقيق. الوضع ليس جيدًا، جولييتا.”
صمتت جولييتا لحظة، وبدأت الأفكار تتقاطع في رأسها، وشعرت وكأنها على حافة منحدر.
‘ربما من الأفضل أن أكون صادقة وأطلب مساعدته…’
في ظل موقف بالمر الصارم بعدم السماح لها بالتحقيق في جيرين، ربما تكون هذه فرصتها.
“…حسنًا، سأذهب.”
أجابت جولييتا بهدوء، وعندما امتثلت لتعليماته، أطلق إيفان قبضته عن معصمها ووضع ذراعه حول كتفها بثبات.
“قرار جيد بعد وقت طويل.”
شعرت جولييتا بالتوتر بسبب ذراع إيفان القوي على كتفها.
عندما اقتربوا من السيارة، فتح الجنود ذوو الزي العسكري أبواب المقعد الخلفي، وأدخلها إيفان أولًا ثم تبعه هو.
أُغلقت الأبواب، وبدأت السيارة تتحرك ببطء.
نظرت جولييتا إلى إيفان بجانبها للحظة، ثم حولت نظرها إلى الخارج.
“إذا تحدثتِ بالصدق، سينتهي الأمر سريعًا، لذا آمل أن تصرحي بالحقيقة.”
وصل صوت إيفان البارد إلى مسامعها، وبدا أن أفضل خيار لها الآن هو قول الحقيقة.
“…حسنًا.”
قررت جولييتا عدم التمرد بعد الآن.
بعد إجابة جولييتا، خيم الصمت داخل السيارة. جلس إيفان وقد وضع ساقًا فوق الأخرى، يحدق خارج النافذة في تفكير عميق، بينما التزمت جولييتا الصمت ونظرت أمامها.
واصلت السيارة السير عبر المدينة، بين المباني العالية، متجاوزة عدة نقاط تفتيش، حتى توقفت أمام مبنى موحش يشبه السجن تقريبًا.
توقفت السيارة وفتحت الأبواب.
شعرت جولييتا بالرهبة أمام المبنى الرمادي الذي تقف أمامه، فالأجواء القاتمة والباردة للواجهة الخارجية وما حولها أعطتها إحساسًا بأن شيئًا ما قد يحدث في أي لحظة.
ترددت في النزول من السيارة، لكن إيفان سبقها وأشار لها بسرعة لتتقدم.
لم يكن أمامها خيار سوى أن تحرك جسدها المتردد.
“من هنا.”
تقدمت وفقًا لتوجيهات الجنود نحو غرفة التحقيق.
في الممر الطويل المؤدي إلى غرفة التحقيق، شعرت جولييتا برجفة تسري في جسدها.
تبعها إيفان بهدوء من خلفها.
بعد أن سارت فترة طويلة في الممر ذو الجدران البيضاء، توقف الجندي الذي كان يسير أمامها عند باب واحد وقال بجمود:
“انتظري هنا قليلًا.”
فتحت الباب المعدني بصوت صرير، وكان الداخل خاليًا من أي زينة، يحتوي على طاولة حديدية صغيرة وكرسي واحد فقط.
قبضت جولييتا على يديها ودخلت الغرفة خطوة خطوة.
✦✦✦
قسم التحقيق إلى مرحلتين، المرحلة الأولى والثانية.
كانت المرحلة الأولى مخصصة للتعرف على الهوية، حيث سُئلت عن الاسم، تاريخ الميلاد، مكان الولادة، مكان الإقامة الحالي، والعلاقات الأسرية بشكل مفصل، بالإضافة إلى الأشخاص الذين تواصلت معهم بشكل متكرر خلال الأشهر الستة الماضية.
أجابت جولييتا بهدوء قدر الإمكان، لكنها ارتجفت أحيانًا أثناء حديثها، خاصة عند الحديث عن “العلاقات الأسرية”، حيث مر وجه والدها في ذهنها، مما سبب ألمًا في قلبها.
بعد الانتهاء من التحقيق الرسمي نسبيًا، بدأت المرحلة الثانية، التحقيق الرئيسي.
كانت تتوقع أن يدخل إيفان منذ البداية، لكن المرحلة الأولى كُلف بها محقق آخر.
رغبت جولييتا أن لا يدخل إيفان في التحقيق التالي أيضًا، لكنها فوجئت بدخوله للغرفة شخصيًا ليباشر التحقيق معها.
“……”
جلس إيفان أمامها ممسكًا بمجلدات سميكة، بينما كانت جولييتا تحدق في يديها المتشابكتين على الطاولة.
عمّ الصمت الغرفة لفترة.
ظل إيفان يحدق بها بصمت، وكانت هي تتجنب النظر إليه.
“جولييتا لي هارتفيلد.”
كسر صوته المنخفض والثقيل الصمت، وكأنه يفرض ثقله على الغرفة.
“لنبدأ مباشرة. هناك معلومات عن رسالة تلقيتها. سأطرح عليك أسئلة عنها.”
كان صوته أكثر جفافًا وتحكمًا من المعتاد، دون أي أثر للعاطفة.
تراجع جسد جولييتا إلى الوراء تلقائيًا.
“ماذا كان مكتوبًا في الرسالة بالضبط؟”
نظر إليها ضيق العينين، فرفعت رأسها ببطء وعقدت عزمها على الكلام وفتحت شفتيها.
“كانت تقول إنه إذا أردت معرفة سر وفاة والدي، عليك الصعود إلى السطح.”
ارتفعت حاجباه إيفان للحظة، ولم تتغير ملامحه كثيرًا، لكنه بدا مستاءً.
شعرت جولييتا بالعجلة وأكملت حديثها بسرعة:
“حقًا…! في البداية ظننت أنها مجرد مزحة، لكن عندما صعدت إلى السطح، كان صديق والدي هناك.”
تأمل إيفان للحظة ثم أجاب بصوت هادئ ومخيف في هدوئه:
“من كان ذلك؟”
“السيد ستيفن. كان يزور منزلنا كثيرًا في السابق.”
“وماذا قال لك بالضبط؟”
أخذت جولييتا نفسًا عميقًا، وارتجفت عينها وهي تحاول استدعاء ذاكرتي تلك الليلة المروعة.
“قال إن والدي لم يكن من قتل عائلة هارتفيلد…”
“……ماذا؟”
“حاول أن يقول المزيد عن والدي، لكن في تلك اللحظة وقع الانفجار… وقال إن كل هذا كان بسبب جيرين!”
تلعثمت كلماتها من شدة التوتر، وكلما تحدثت، أصبح وجه إيفان أكثر برودة وشحوبًا.
“جيرين……”
تمتم إيفان كمن يحاول عدم تفويت أي شيء.
“…أين هو الآن، ستيفن؟”
أجابته جولييتا بصوت متألم:
“هو… أطلق النار على رأسه، ثم… سقط في البحر…”
ترك إيفان مجلداته على الطاولة، واستند إلى ظهر الكرسي وأطلق تنهيدة مليئة بالضيق.
أخفضت جولييتا رأسها بخوف، تراقب ردة فعله.
أخذ نفسًا عميقًا ثم ابتسم ابتسامة ساخرة ببرود وقال:
التعليقات لهذا الفصل " 39"