ثم بحثت عن قلم، وبدأت تدون الأسماء التي خطرت ببالها على الورق.
سجلت ميولهم، مجالات أبحاثهم، وحتى سوابقهم الماضية.
ورغم أن ما كتبته كان إجماليًا، إلا أنه كان يحمل قيمة كافية.
(هذا يكفي على ما أظن.)
وضعت جولييتا ما أعدته من ملاحظات في مكتب إيفان.
تركت الملف في منتصف المكتب حتى يراه بوضوح.
ثم جلست تنتظر بقلق وهي تحدق في الساعة.
وبعد قليل، عاد إيفان من الاجتماع العسكري إلى القصر، وتوجه مباشرة إلى مكتبه بخطى سريعة.
وسرعان ما جاء ديبيلو يبحث عن جولييتا.
لقد كان ينقل لها رسالة مفادها أن سيده يريد مقابلتها.
غادرت الغرفة على الفور.
طَرق، طَرق.
عندما وصلت إلى باب المكتب، طرقت جولييتا مرتين.
فجاءها صوت إيفان مثقلًا بالتنهيدة من وراء الباب.
“ادخلي.”
دفعت جولييتا الباب بخفقان في قلبها.
إيفان كان جالسًا خلف مكتب من الماهوغاني، تقطب ملامحه بحدة.
وعلى المكتب تناثرت أوراق غير مرتبة.
“لقد استدعيتني…”
قالت جولييتا بحذر.
حينها ارتفع حاجباه قليلًا.
حوّل نظره عن الملف أمامه وحدق إليها مباشرة.
“جولييتا، هناك سؤال أريد أن أطرحه عليك.”
كان في عينيه بريق متعب، لكنه في الوقت نفسه نافذ، كأنه يحاول سبر أعماقها.
ترددت جولييتا لبرهة، ثم فتحت فمها بتوجس.
“نعم، تفضل.”
رفع إيفان الملف الذي تركته على مكتبه، وتحدث ببطء وصوت ثقيل.
“ما هذا العبث السخيف؟”
صوته خرج بلا نبرة واضحة، لا عالٍ ولا منخفض، لكنه كان مشبعًا بانفعال غامض.
انتظرت جولييتا لحظة قبل أن تجيب.
“فكرت أنني ربما أستطيع مساعدتك… في أعمالك.”
“أنتِ؟ ستساعدينني أنا في عملي؟”
ارتفع صوته بالشك، نبرته حادة كحد السكين.
لكن جولييتا تمسكت بثباتها وقالت دون تردد.
“اعتقدت أن بعض المعلومات التي أعرفها قد تكون نافعة.”
ظل إيفان يحدق بها لوقت دون أن ينبس بكلمة.
ثم قال فجأة بجفاء.
“ما الذي طرأ عليك فجأة؟”
(… أليس هذا بالضبط ما قلته له قبل أيام؟)
خطر في ذهن جولييتا أن كلماته الآن تتداخل مع كلماتها السابقة.
بدت وكأنها انتقام طفولي، الأمر الذي جعلها تفقد الرد للحظة.
لكنها سرعان ما أخفت مشاعرها وأكملت.
“سمعت أن أعمالك في التسليح العسكري تواجه عقبات.”
“هاه.”
ضحك بتهكم، ثم وضع الملف جانبًا وأخذ يبحث عن سيجارة.
أشعلها، ومع وهج النار انبعث دخان خانق ملأ الغرفة.
وبينما الدخان يتصاعد، تكلمت جولييتا من جديد.
“أظن أن سبب تعثرك… هو غياب والدي.”
وما إن أنهت جملتها حتى رد إيفان بصوت ممتلئ بالانزعاج.
“إذن… فعلتِ كل هذا؟ هل تظنين أنني سأشكرك على ذلك؟”
“أنا فقط… لا أريد أن أراك تدفع الثمن بسبب أبي بعد الآن. هذا كل ما في الأمر.”
استمع إليها إيفان والسيجارة بين شفتيه.
عيناه لم تتركا وجهها، كان ينظر إليها نظرة مطولة مثقلة.
سحب نفسًا عميقًا من الدخان، ثم أخرجه مع كلماته.
“…كما قلتِ، كنت أجد صعوبة في استقطاب شخص يحل محل برامس لوميير. المعلومات التي أعطيتِني إياها قد تكون مفيدة فعلًا. لكن…”
إيفان نفض رماد سيجارته بأصابعه وهو يقطب جبينه.
“لا يعجبني هذا.”
نظر إلى الملف أمامه بنفور، وكأن ما جمعته جولييتا من معلومات، رغم قيمتها الواضحة، أمر لا يريد الاعتراف به.
“أنا لا أحب الهدايا غير المتوقعة. خصوصًا من هذا النوع. هذه ليست سوى هدية قدمتِها كي يطمئن ضميرك.”
“…….”
أرادت جولييتا أن تعترض على كلامه، لكنها لم تستطع. ارتسمت على وجهها علامات الذهول، فوضعت يديها على فمها لتكتم ارتجافها. نظر إليها إيفان وهو يضحك في سره بسخرية.
لم يكن يعرف ما الذي تأمل جولييتا في الحصول عليه، لكنه لم يكن مستعدًا لقبول ذلك بسهولة.
“هل تظنين أن هذا سيخفف من شعورك بالذنب؟”
لكن جولييتا ظلّت صامتة. أطفأ سيجارته ببطء، ثم أخذ يضرب بأصابعه على الملف وهو يهمس ببرود وقسوة:
“حقًا، لم يكن لك فائدة لو لم تقدّمي مثل هذه المعلومات.”
تجمعت الدموع في عيني جولييتا عند كلماته التي بدت كطعنة. حاولت ابتلاع دموعها، لكن رأسها انحنى والدموع بدأت تتساقط قطرة بعد أخرى.
“…….”
ظل إيفان يحدّق بها بصمت. كان يظن أنها ستتفوه بشيء ما، لكنها لم تقل حرفًا، واكتفت بأن تدير ظهرها. خطت خطوات مثقلة، حتى إن وقع قدميها لم يُسمع. وعندما أمسكت بمقبض الباب لتفتحه، خرجت من فمه كلمات لم يقصد أن يقولها.
“لا أعرف ما هي نيتك حقًا…… لكن لا تحاولي الاقتراب مني بهذه الطريقة مرة أخرى. إنه أمر مزعج.”
أجابته جولييتا دون أن تلتفت.
“…… لا تقلق. لن يتكرر هذا.”
ثم خرجت من الغرفة دون تردد. بقي إيفان وحيدًا في مكتبه، تناول سيجارة أخرى، لكنه لم يشعلها، واكتفى بالتحديق في الملف أمامه.
كانت المعلومات بلا شك ذات فائدة.
ومع ذلك، كان في صدره شعور مزعج يتصاعد ببطء، إحساس لم يعرف كيف يصفه.
ظل إيفان يرمق المكان الذي غادرته جولييتا بعينين غارقتين في الظلال.
✦✦✦
بعد عدة أيام، حضر إيفان اجتماعًا في مقرّ القيادة العامة للجيش. كان الاجتماع يدور حول مشروع تسليحي جديد، يتعلق بتطوير أسلحة حديثة. بالنسبة لإيفان، كان من الضروري بأي ثمن أن يفوز بعقد المشروع، حتى لا يتباطأ تقدم الصناعة الحربية.
لكن المفاجأة كانت حضور أوليفيا الاجتماع. لم تكن تملك حق الحضور، لكنها استندت إلى كونها رمزًا للسلام لتفرض لنفسها مقعدًا فيه.
إيفان حين رأى أوليفيا أمامه في قاعة الاجتماع، لم يستطع إلا أن يبتسم بسخرية. وجودها عقبة غير متوقعة.
“نحن نعمل على إبرام اتفاقية سلام مع كاردين والمجتمع الدولي، فكيف تتحدثون عن تطوير أسلحة جديدة؟ يبدو أنكم، سعادة العقيد، لم تدركوا طبيعة المرحلة الراهنة.”
قالت أوليفيا جيرارد بصوت حازم، فتجمد الجو في القاعة لوهلة.
رفع إيفان بصره عن الأوراق وحدّق بها. كانت تجلس بثقة، وعلى وجهها ابتسامة أنيقة اعتادت أن تخفي خلفها الكثير.
“في ظل الوضع الدولي المتوتر حاليًا، المضي في تطوير أسلحة جديدة بهذه السرعة، هو خيار محفوف بالمخاطر، سياسيًا ودبلوماسيًا. أرى أنه من الواجب إعادة النظر في الأمر.”
زفر إيفان زفرة طويلة، ثم أغلق الملف أمامه وهو يضيّق عينيه.
“تعزيز قوة الجيش ليس خيارًا، بل ضرورة. أما القضايا الدبلوماسية، فهي شأن وزارة الخارجية. وهذا لا يشكّل سببًا لتأجيل تقوية قواتنا.”
“لكن، هل تملكون بالفعل الكوادر البشرية اللازمة لقيادة مشروع كهذا؟ عليكم معالجة ذلك أولًا قبل التسرع في توقيع عقود. إن مثل هذا القرار سيؤثر بعمق على الوضع الدولي. ما رأيكم أنتم، سعادة العقيد؟”
قالت أوليفيا ببرود، من دون أن تفقد هدوءها. بدا كلامها منطقيًا للوهلة الأولى، لكن إيفان أدرك أن خلف حديثها ما هو أبعد من منطق سياسي.
(أوليفيا جيرارد…… امرأة مزعجة فعلًا.)
طرق بأصابعه على الطاولة، غارقًا في التفكير. لكن تعبير الحيرة سرعان ما اختفى، وحل محله ابتسامة واثقة، مشوبة بالاعتداد.
“لقد عثرنا منذ زمن على البديل المناسب لبرامس لوميير. فلا داعي لأن تشغلي بالكِ بشؤون داخلية تخصنا.”
في تلك اللحظة، ارتسمت على وجه أوليفيا علامات المفاجأة. لم يخطر لها أن إيفان تمكّن بهذه السرعة من العثور على من يخلف برامس. ارتكز نجاحه هذا على المعلومات التي قدمتها جولييتا. لم تتوقع أن تنقلب المعادلة بهذه السرعة، فغمر ملامحها ظلّ من الانكسار.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 23"