لم تكن الطريق إلى القصر الكبير الذي سيُقام فيه الحفل قصيرة. من خلف زجاج النافذة راحت أضواء المساء تتوهج واحداً تلو الآخر. جولييتا حاولت أن تهدّئ قلبها وهي تتابع تلك الأضواء، لكن القلق ظل يعاندها.
سألها إيفان فجأة وهو جالس إلى جوارها:
“متوترة؟”
التفتت إليه، فواجهت ملامحه الباردة المعتادة. أجابت بصوت خافت، وقد بدت عليها الوهن:
“……قليلاً.”
قالت الصدق كما هو. إيفان ثبت نظره عليها لبرهة، ثم حوّل بصره بعيداً، وقال بنبرة هادئة:
“لا داعي لأن تشغلي بالك أكثر من اللازم. اليوم مجرد مناسبة لتظهري وجهك، وتلقي التحية على الناس. بعد الخطاب نغادر مباشرة، فلتعلمي ذلك.”
أومأت جولييتا برأسها، وكلماته بعثت شيئاً من الطمأنينة في صدرها. كل ما أرادته هو أن تمر هذه الساعات دون أن تكون قاسية عليها.
وما هي إلا لحظات حتى توقفت السيارة بسلاسة. من خلف الزجاج بان القصر الفخم.
أعمدة من الرخام المزيّن، وحديقة عتيقة الطابع تنفث أجواء مهيبة تشي بخطر كامن. أمام البوابة كانت العربات والسيارات الفاخرة مصطفّة، والخدم منشغلون باستقبال الضيوف. وقبل أن يترجلوا، أعطاها إيفان بعض المعلومات المقتضبة:
“هذا قصر عائلة دوق أورتنشيا. أدق تعبير أنه ملك لدوقة القصر، لوكريتسيا أورتنشيا.”
تمتمت جولييتا:
“إذن هذا هو قصر أورتنشيا…….”
تابع إيفان:
“كما قرأتِ في الوثائق، الدوقة هي صاحبة الدعوة الحقيقية. إن لم تثيري استياءها، سيمر الحفل بسلام. تفهمين ما أعنيه؟”
لم يكن صعباً أن تدرك قصده. لوكريتسيا أورتنشيا تقف في قلب الطبقة الأرستقراطية، ومنال رضاها يعني وجاهةً وفرصاً، أما فقدانه فيعني النفي من مجتمع النخبة عاجلاً أم آجلاً.
استحضرت جولييتا ما تعلمته قديماً من آداب صارمة. منذ أن ارتبط اسمها بهارتفيلد ثم خطبتها لإيفان، أُجبرت على التدرّب لتناسب عالم الطبقة العليا. لكنها، رغم ثقتها بمعرفتها، شعرت بأصابعها تبرد من شدة الاضطراب. ومع ذلك لم تشأ أن تفضح ضعفها أمامه، فعضت على شفتيها لتكتمه.
قال إيفان وهو يفتح الباب:
“هيا.”
أمسك بمعصمها ونزل أولاً، ثم مد يده ليساعدها على النزول. ولم يترك لها مجالاً للتردد، بل ساقها قدماً كأنها تساق إلى مسلخ.
وما إن ظهرا معاً حتى تحولت الأنظار نحوهما. ما إن لمحها الحضور حتى بدت على وجوههم برودة جلية.
تشبثت جولييتا بذراع إيفان وتقدمت، متجاهلة النظرات الحادة. غير أن بعض الضيوف لم يترددوا في التلميح والسخرية:
“لماذا يرافق الكولونيل امرأة مثلها…….”
“كيف تجرؤ على الظهور في محفل كهذا؟”
الهمسات انسابت من هنا وهناك. بعضهم رمقها علناً بنظرات ازدراء، وبعضهم آثر الابتعاد عنها حين مرت قربهم.
شعرت جولييتا أن أصابعها تتجمد. قلبها انقبض. وجودها إلى جوار إيفان لم يبدّد وحشة العزلة، بل بدا أنه يستجلب عداءً أشد.
أرهقتها الكراهية المتدفقة من كل اتجاه، فانخفض رأسها شيئاً فشيئاً، حتى صارت تحدّق بالأرض وهي تقترب من مدخل القصر.
وما إن بلغت عتبة القاعة المشرقة بأضواء الثريات حتى تكاثرت العيون عليها أكثر. دخلت إلى الداخل ورأسها ما زال مطأطأً من الخجل، فيما تولى إيفان قيادتها صعوداً إلى الطابق الثاني. كان واضحاً أن ضيوف الطابق الأول يختلفون عن ضيوف الأعلى. وما إن وصلا حتى دوّى صوته في أذنها:
“ارفعي رأسك.”
ارتجفت ورفعت بصرها فجأة، لتقع عيناها على سيدة في منتصف العمر تقف قبالتها.
كانت ترتدي فستاناً أخضر وتقبض على كأس شمبانيا بيدها، والابتسامة تعلو محياها. غير أن تلك الابتسامة كانت حادة، كابتسامة مفترس يرقب فريسته.
أشار إيفان:
“تلك هي دوقة أورتنشيا. اذهبي وقدّمي تحيتك.”
تمتمت جولييتا بصوت خافت:
“نعم……”
جولييتا ابتلعت ريقها الجاف وهي تسير مع إيفان باتجاه لوكريتسيا.
وما إن لمحتهما لوكريتسيا حتى ومضت عيناها بالفضول، واستدارت نحوهما.
ابتدرها إيفان بتحية مهذبة وهو يمد يده للمصافحة:
“تشرفت بلقائك، مدام أورتنشيا.”
تقبّلت لوكريتسيا مصافحته بسرور ظاهر.
“الشرف لي يا حضرة الكولونيل.”
“أتمنى أن تكوني بخير في هذه الأثناء.”
“بالطبع، وكل ذلك بفضلكم. فأنت بطل النصر في الحرب.”
سكبت لوكريتسيا عبارات الإطراء زمناً طويلاً، قبل أن تلقي بنظرة سريعة نحو جولييتا التي تقف إلى جانبه.
عندها قدّمها إيفان إليها على نحو طبيعي:
“هذه زوجتي، جولييتا لِي هارتفيلد.”
ابتسمت لوكريتسيا ابتسامة رقيقة، لكن جولييتا لم تدرِ أهي ابتسامة حقيقية أم سخرية مستترة تنبع من شعور بالاستعلاء.
رغم ارتباكها مدت يدها لمصافحتها، غير أن لوكريتسيا تجاهلتها تماماً، وأدارت بصرها إلى إيفان قائلة:
“سمعت أنكم ستلقون الخطاب الليلة، أهو صحيح؟”
“نعم، مدام.”
“…….”
كانت لوكريتسيا تتعمّد إهانة جولييتا جهاراً.
وإدراكها أنها تُعامل بتجاهل صريح جعل وجه جولييتا يشحب شيئاً فشيئاً.
ارتجف تنفسها، وارتعشت أطراف أصابعها. أرادت أن تختفي في مكان ما، لكنها لم تستطع.
لذلك لجأت إلى شهيق طويل علّها تسيطر على نفسها، بينما استمرت الأحاديث الجانبية من حولها.
قالت لوكريتسيا:
“لو كانت الليدي أوليفيا حضرت إلى هنا، لكان الأمر رائعاً. للأسف لم تأتِ.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 19"