ظنت أوليفيا أن الحديث يسير تماماً في الاتجاه الذي أرادته، فارتسمت على شفتيها ابتسامة عريضة، ورفعت كأس النبيذ برشاقة.
“جولييتا لوميير ليست سوى ابنة مجرم. دمٌ ملوث بذاك الذي أباد عائلتك. بقاؤك معها ليس سوى حجر عثرة في طريقك، وسيقول الكثيرون الشيء ذاته. لكن لو كنتُ أنا بجانبك ـ”
“يكفي.”
صوته كان هادئاً لكنه حاسم.
رمشت أوليفيا بدهشة، مرتبكة للحظة.
“……إيفان؟”
“كلامك مسلٍّ، بل وأغراني قليلاً. لكن يا ليدي…”
اتكأ إيفان على مقعده وأطلق نحوها ابتسامة بطيئة. كانت خفيفة المظهر، لكنها تحمل حدة لا تخطئها العين. أصابعه نقرت بخفة على الطاولة.
“أنا لا أستسيغ أبداً أن يُملى عليّ شيء كتهديد.”
ارتجف وجه أوليفيا قليلاً بالانزعاج.
“أي تهديد؟ إنني فقط أقدّم لك خياراً أفضل من أجل مصلحتك.”
“خيار أفضل؟”
“بالطبع. أنت تحتاج امرأة مثلي. النسب، الخلفية… ثم أيضاً ـ”
“أنتِ واهمة.”
قاطعها إيفان فجأة، ونظر إليها مباشرة بعينين صارمتين.
“مجرد مقارنتك بزوجتي أمر يثير اشمئزازي.”
تجمّد وجه أوليفيا في لحظة واحدة.
“……إيفان.”
“لا نفع في إطالة حديث لا ضرورة له.”
أزاح كرسيه ببرود، كأن كل هذا الحوار صار عبئاً مملاً.
“لقد راجعتُ خطابك بما يكفي، لذا أستأذن.”
ارتبكت أوليفيا للحظة من ردة فعله غير المتوقعة، ثم عضّت شفتها تكتم غضبها.
“أن تعيش مع تلك المرأة القذرة! لا بد أنك فقدت عقلك تماماً!”
عند تلك الكلمات الأخيرة، توقفت خطوات إيفان.
استدار إليها ببطء، وتمتم بصوت منخفض:
“الليدي جيرارد… أفضل ما يُفعل مع المجانين هو تجنّبهم.”
شحب وجه أوليفيا في لحظة، وكساها فزع بارد.
صوت إيفان كان هادئاً، لكنه حمل تهديداً صارماً لا يقبل الجدل.
“……سي، سيدي العقيد.”
أوليفيا نادت عليه متصنعة الجرح، غير أن صوتها كان يفضح ارتباكاً وغضباً متشابكين. إيفان صرف بصره بلا مبالاة، كأنها لم تعد تستحق اهتمامه، ثم استدار ومضى.
غادر المطعم بخطوات حاسمة، ودفع جسده بعنف داخل السيارة التي كان خادمه بانتظاره فيها، متجهاً نحو براكسيتر.
كلماتها الأخيرة ارتدت في ذهنه: «أن تعيش مع تلك المرأة القذرة! لا بد أنك فقدت عقلك تماماً!»
ابتسم باستهزاء وهو يحدّق في المشهد المارّ خارج نافذة السيارة. أضواء المدينة انزلقت على زجاج النافذة كأشباح عابرة، فرفع يده متوتراً ليمسد جبهته ويعبث بخصلات شعره.
كان يعرف تماماً كيف سينظر الناس إلى زواجه من جولييتا. ومع ذلك، اختارها. بل لم يكن اختياراً بالمعنى الدقيق… بقدر ما كان عجزاً عن تركها. لم يستطع أن يفلتها من يده.
أخذ نفساً عميقاً في الصمت الثقيل الذي يملأ السيارة. أزاح شعره المضطرب إلى الخلف، وأخرج علبة سجائره. أشعل واحدة، وامتص الدخان بحدة، ثم أطلقه خارج شفتيه وأغمض عينيه.
جولييتا.
كلما استحضرها، اضطرب قلبه. رغبة متقدة، تعلق خانق، وشيء من الخوف الغامض كانت تختلط معاً، فتثقل صدره. حتى وقد أصبحت زوجته، وامتلكها بالكامل، ما زال القلق يعصف به. اكتشف أنه يريدها إلى حد الجنون. وكلما ظن أنه امتلكها، ازدادت عطشه الذي لا يروى. أراد أن يقيدها أكثر، أن يبتلعها كلها.
فتح عينيه نصف شارد، وحدّق في فراغ ملبّد بالدخان، ثم تمتم:
“……فلأعش مجنوناً إذن.”
واصلت السيارة شق طريقها، متجاوزة أضواء المدينة، متوارية في العتمة، قبل أن تسلك الممر المؤدي إلى براكسيتر. وبعد مسافة، توقفت أمام القصر.
ترجّل إيفان، تفحّص ساعته، وصعد بخطوات سريعة نحو غرفة النوم. كان الوقت متأخراً، ومن المؤكد أنها غارقة في النوم. لكن القلق ينهشه، لا يهدأ إلا برؤيتها بعينيه.
وصل إلى باب الغرفة، فدفعه بعنف. هناك، على السرير، كانت هي، تغفو وحيدة.
“…….”
ارتاح قلبه المضطرب ما إن أبصرها. وقف برهة يتأملها من بعيد، ثم اقترب ببطء، خطوة بعد خطوة. جولييتا، بملابس النوم الحريرية، بدت هزيلة، وجهها شاحب، تتألم في نومها كأنها عالقة في كابوس.
شعور بالأسى اجتاحه. مد يده ليلملم الغطاء المبعثر عليها، لكنه توقف فجأة.
ذكريات ذلك اليوم المرير انقضّت عليه: الدم الذي غمر القبو، الأرض الملطخة، جثث أسرته الباردة المسجّاة بلا حراك.
“ها…….”
ضحك بمرارة، وسحب يده.
ما الذي كنت أفعله للتو؟ كل شيء بدا مقززاً على نحو لا يحتمل.
✦✦✦
مضت الأيام، وحان موعد الحفل الاجتماعي الموعود. منذ الصباح الباكر، انشغلت جولييتا بالتحضير، ملامحها مشدودة بتوتر. كان أول ظهور رسمي لها كزوجة لإيفان، فكل تفصيل يعني الكثير. حتى إيفان بدا متوترًا بطريقته، إذ حبس نفسه في مكتبه طوال النهار.
جاءت الأخبار بأن أوليفيا جيرارد أعلنت اعتذارها عن الحضور. بدلاً عنها، سترسل أحد أفراد العائلة الملكية كممثل عنها في حفل السفينة، وإيفان سيتولى إلقاء كلمتها القصيرة.
تظاهرت جولييتا بالتماسك أمام غياب أوليفيا، لكن في داخلها تململ إحساس غريب لم تستطع تفسيره. لم يكن في الحسبان أن تتغيب أوليفيا، رمز السلام، عن مناسبة بمثل هذه الأهمية. شعور غامض بالتوجس تسلل إليها وهي تقف أمام المرآة في غرفة التزين.
شعرها الطويل انساب مصقولاً على كتفيها، وفستان بنفسجي أنيق يكسو جسدها. ملامحها حاولت جاهدة أن تعكس وقار زوجة إيفان. ومع ذلك، ظل في أعماقها سؤال يزعجها: هل يحق لي حقاً أن أكون في هذا المكان؟
انقطع تيار أفكارها حين سمعَت صرير الباب يُفتح.
“إن كنتِ جاهزة، فلننطلق.”
كان صوت إيفان، منخفضاً وهادئاً. جولييتا ألقت نظرة أخيرة على انعكاسها، ثم غادرت الغرفة. تفحّصها بنظرة عابرة، ثم استدار من دون كلمة. تبعته، وأمسكت بذراعه بخفة وهما يسيران عبر الردهة.
عند بوابة القصر، كانت السيارة تنتظر. الخدم والحاشية اصطفوا لتحيتهم.
“عودوا سالمين، سيدي، سيدتي.”
انحنى ديبيلو، وتبعه بقية الخدم بالتحية. صعد الزوجان إلى المقعد الخلفي، وما إن جلسا حتى تحركت السيارة بسلاسة.
تنفست جولييتا بعمق وهي تحدق إلى المشهد الخارجي ينساب خلف الزجاج.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 18"