همس إيفان بخفوت في أذنها، ثم ابتعد خطوة عنها.
وما إن ابتعدت منه حتى سارعت جولييتا إلى مغادرة غرفة الاستقبال.
كان وجهها متوردًا وهي تتجه بخطوات سريعة نحو غرفة النوم، لكن خطواتها توقفت فجأة.
«لا أريد البقاء هنا ولو لحظة أخرى.»
لم تعد تحتمل هذا المكان المقيت، الملطخ بصدمة مقتل عائلة هارتفيلد ووفاة والدها.
أبغضت أكثر من كل شيء أن تعيش هنا مجرد دمية بين يدي إيفان، بلا إرادة ولا قوة.
أطلقت جولييتا تنهيدة طويلة ثم واصلت السير ببطء. كيف يمكنها الهرب من هنا؟
بينما كانت أفكارها المليئة بالأسى تدور في رأسها، خطرت ببالها صورة السيد بالمر فجأة.
«إن احتجتِ إلى مساعدة، فأخبِريني فقط… فأنا أثق بك وبوالدك.»
توقفت جولييتا مجددًا عن السير.
ثم غيّرت وجهتها من غرفة النوم إلى مكان آخر.
لقد تذكرت بطاقة السيد بالمر الموضوعة على طاولة إحدى الغرف.
«ربما… ربما تكون هذه وسيلتي الوحيدة للهرب.»
قفزت جولييتا إلى الأعلى مسرعة، متمنية أن تكون البطاقة ما زالت هناك.
وما إن فتحت باب غرفة الضيافة في الطابق الثاني حتى وقعت عيناها على البطاقة الموضوعة بعناية فوق الطاولة.
تقدمت وهي تلهث، التقطت البطاقة دون لحظة تردد، بينما كانت أصابعها ترتجف.
عليها كان مكتوب: «بالمر هاوود»، مع رقم هاتفه.
«بالمر هاوود…»
لم تفارق كلمات الرجل ذهنها. كان قد ألمح بوضوح إلى إمكانية مساعدتها.
قبضت جولييتا على البطاقة بقوة. شعرت أنه يتعين عليها الاتصال به فورًا، لكنها لم تستطع أن تجزم إن كان هذا هو القرار الصائب.
“…عليّ أن أكون حذرة.”
همست لنفسها وهي تلتقط أنفاسها ببطء، محاولة التفكير بهدوء.
رقابة إيفان لم تكن يومًا ضعيفة.
ولو حاولت الاتصال بشكل متهور وتم كشفها، فإن العواقب ستكون كارثية.
«لكن إن بقيت صامتة، فلن يتغير شيء أبداً.»
تنهدت جولييتا بعمق وهي تحدق في البطاقة بين يديها.
ماذا تفعل؟ هل تلتقيه مباشرة؟ أم تكتب له رسالة؟
ظلّت تفكر مرارًا وتكرارًا في الطريقة الأكثر أمانًا.
تعرق كفها حتى ابتلت البطاقة.
وبعد تردد طويل، وضعت البطاقة داخل كمّ ثوبها.
«سأحتفظ بها الآن. لا، ليس من الحكمة أن أتصل به في هذه اللحظة. سأنتظر الفرصة المناسبة.»
اتخذت قرارها بالتريث.
ومع ذلك، كان مجرد امتلاكها أملاً ضئيلاً كافيًا ليعيد إليها بعض الحياة التي بدت وكأنها قد ماتت داخلها.
ولتخفي البطاقة جيدًا، اتجهت إلى المكتبة.
قررت أن تخبئها بين أقدم وأبلى الكتب حتى لا يلاحظها أحد.
وعندما دخلت المكتبة، غمرها المشهد: جدران مكسوة بالكتب العتيقة ورائحة الورق البالي تملأ المكان.
تفحّصت الرفوف إلى أن عثرت على كتاب تاريخ قديم.
أخرجته بعناية، وأخفت البطاقة بين صفحاته.
وما إن أغلقت الكتاب وأعادته إلى مكانه، حتى تنفست الصعداء براحة، وكأنها نزعت ثِقلاً من صدرها.
✦✦✦
منذ زواجها، كانت جولييتا تأمل أن يتبدل سلوك إيفان ولو قليلاً.
لكن كل آمالها تلاشت، فقد عاملها ببرود أشد من ذي قبل.
في المناسبات العامة، كان يتعمد إبعادها، ويعاملها بجفاء وكأنه جدار بارد بلا مشاعر، بل كأنه يتعمد احتقارها.
غير أن إيفان كان يتحول في الخفاء والليل إلى شخص آخر.
فإذا خلا بها، لم يبقَ لتلك القسوة أثر، بل جذبها إليه بأسلوبه الخاص الذي لا يقبل رفضًا.
«آه…!»
حتى بعد ليلة الزفاف الأولى، ظل إيفان غارقًا في العلاقة.
كان يطلبها في أي وقت، ليلًا أو نهارًا، حتى أصبحت مجبرة على تلبية رغباته باستمرار.
وهكذا، حتى في وضح النهار، كانت جولييتا الآن في غرفته، وقد أطفأ الأضواء تمامًا، بينما كان جسده فوق جسدها.
ملابسهما ملقاة منذ زمن على أرض الغرفة، ولم يبقَ سوى التصاق الجسدين.
إيفان كان يحدّق إليها بابتسامة خفية على شفتيه، ابتسامة بدت لها قاسية إلى أبعد الحدود.
جولييتا لم ترغب في تصديق هذا الواقع.
كانت تتمنى لو أنه مجرد كابوس.
لكن ثِقَل جسده الذي يسيطر عليها فوق السرير كان حقيقة لا يمكن إنكارها.
كلما ازداد اقترابها منه، شعرت وكأن روحها تُسحق ببطء.
وفي كل مرة كانت تخدع نفسها بقول: «إنها مجرد واجبات بين زوجين لا أكثر.»
«آه… آه!»
ارتفعت أنفاسها المتقطعة وصوت أنينها رغماً عنها.
عضّت شفتها السفلى محاولة كبح موجات اللذة، لكنها لم تستطع المقاومة.
وفي النهاية، لم تجد بُداً من التشبث به كدمية محطمة بين يديه.
«أُه…»
هواء الغرفة كان لا يزال حارًّا.
بعد وقت طويل من الوصال، التصق جسدا الاثنين ببعضهما، يتبادلان دفء جلدهما.
انهارت جولييتا من الإرهاق، مستندة إلى كتف إيفان.
لكن إيفان، وكأن أمره قد انتهى، غادر السرير بلا تردد وقال:
“من الآن فصاعدًا ستقفين بصفتي زوجتي في المناسبات الرسمية.”
“…….”
“ومن هذه اللحظة، ستقومين بواجباتك كزوجة لعائلة هارتفيلد.”
أصغت جولييتا بصمت إلى كلماته، وهو يرتدي ثيابه.
اختفى جسده المثالي تحت قميص أبيض ناصع.
“……حسناً.”
أجابت جولييتا بصوت واهن.
نظر إليها إيفان بطرف عينيه، لكنه لم يطل النظر.
أنهى ارتداء ملابسه، وغادر الغرفة دون أن يوجه لها كلمة واحدة، ببرود تام يناقض حرارته قبل قليل.
تغيّرت ملامح جولييتا إلى حزن، ثم دخلت وحدها إلى الحمّام المتصل بغرفة النوم.
حين وقفت أمام المرآة، رأت عنقها وصدرها وقد امتلأا بالآثار التي تركها عليها.
‘ما الذي يفكر فيه إيفان…… تجاهي؟’
راحت تتحسس عنقها وهي تستحضر صورته المربكة.
كلما اقترب منها، كان يحتضنها بحرارة مدهشة، وكأنه يحبها حقًا.
لكن ما إن ينتهي الأمر، يعود فجأة إلى بروده القاسي، وكأن شيئًا لم يكن.
ذلك التناقض جعلها في حيرة، بين الدهشة والخذلان.
‘هل يعقل أنه…… يبادلني مشاعر خفية؟’
قفز قلبها بقوة عند هذا الخاطر.
لكنها سرعان ما هزّت رأسها، طاردة الفكرة.
ولتتخلص من هواجسها، غاصت في حوض الاستحمام الممتلئ بالماء.
كان هذا من تعليمات إيفان: كلما استدعاها إلى غرفته، كانت إيما تملأ الحوض مسبقًا.
جولييتا كانت تصر دائمًا أن تغتسل وحدها بعد أن تلتقي به، دون مساعدة من أي خادم.
كانت تتملكها مشاعر ذنب خانقة؛ لذلك كانت ترفض أن يرى أحد غيرها آثار تلك العلاقة، حتى لو كان مجرد خادم.
وقد أدرك إيفان ذلك، فاكتفى بأن يطلب من إيما أن تملأ الحوض، دون أن يفرض حضور أحد.
إلا أن هذا الاهتمام الصغير منه لم يزد قلبها إلا ارتباكًا.
حاولت ألا تفكر فيه، فاغتسلت بعناية، ثم جففت جسدها على عجل، وارتدت رداء الحمّام.
دخلت غرفة الملابس، وأطلقت تنهيدة ثقيلة وهي تفتح الخزانة.
مدّت يدها لتأخذ أي ثوب، فإذا بها تفاجأ بملابس جديدة لم ترها من قبل.
كانت كلها من خامات فاخرة، ومصممة على أذواقها المفضلة.
‘لا بد أنه أمر بشرائها أيضاً….’
هزّت رأسها نافية، ثم التقطت أول ما وقع تحت يدها.
ارتدت فستانًا أزرق داكن أنيقًا، وانتعلت حذاءً أبيض بسيطًا.
وما إن خرجت من غرفة النوم، حتى وقعت عيناها على ديفيلو، كبير الخدم.
انحنى باحترام وقال:
“سيدتي، السيد يطلب منكم أمرًا. أيمكنكم تخصيص بعض الوقت؟”
تردّد صوته في أذنيها: ‘من الآن فصاعدًا، ستقومين بواجباتك كزوجة لعائلة هارتفيلد’.
أومأت جولييتا برأسها، وأجابت بخفوت:
“نعم…… ما الأمر؟”
ابتسم ديفيلو بأدب وقال:
“أشكركم سيدتي، تفضّلوا إلى المكتبة.”
وبينما كان يرشدها بخطوات هادئة، بدأ شعور ثقيل من القلق يتسلل إلى قلب جولييتا.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 14"