كان طرد جميع الخدم وإعادة توظيف غيرهم أمرًا مرهقًا للغاية، ولا يمكن أن يحدث إلا لسببٍ كبير. ولم يكن هناك شك عند جولييتا أن الدافع وراء ذلك لم يكن سوى “ذلك الحادث”.
ارتجفت قليلًا وهي لا ترتدي سوى ثوب النوم الخفيف الذي جعل جسدها عرضة للبرد. ولمّا لاحظت إيما ارتجاف سيدتها، سألتها بهدوء:
“هل تودين أن أجهّز لكِ الطعام أولًا؟”
لم تكن جولييتا في مزاجٍ يسمح لها بالابتسام، لكنها ابتسمت لإيما رغمًا عنها وأجابت:
“لا، سأستحم أولًا.”
“كما تشائين، سيدتي.”
رافقت إيما سيدتها إلى الحمّام، حيث كان الحوض قد مُلئ بالماء الساخن الذي تصاعد منه البخار. خلعت جولييتا ثوب النوم بحذر ثم انزلقت داخل الحوض. ومع انغماس جسدها في الماء الدافئ، شعرت بشيء من التعب يغادرها.
وبعد أن غسلت جسدها بعناية، توجهت إلى غرفة الملابس. لم تنتبه بالأمس لشدة اضطرابها، لكن الآن رأت أن خزانة الثياب قد مُلئت بملابسها بالفعل. اختارت منها فستانًا أزرق فاتحًا، اللون الذي اعتادت ارتداءه دومًا.
وبينما تتأمل المكان، انتبهت إلى أن غرفة الملابس والحمّام قد زُيّنا ببذخ يفوق حتى غرفة النوم. جدران الحمّام مكسوّة بالرخام والذهب، أما غرفة الملابس فغلب عليها اللون الأبيض وزُوّدت بمرآة ضخمة تغطي الحائط بأكمله.
رغم فخامتها، شعرت جولييتا بضيق خانق. هذا المكان الواسع المترف لم يكن يمنحها راحة، بل ذكّرها بزوجي هارتفيلد الراحلين. فكرة أن تنام هنا مع إيفان، في الغرفة نفسها التي عاشا فيها وماتا، كانت تثقل قلبها بالذنب وتثير فيها شعورًا بالخطأ، أشبه بالخيانة.
تمتمت وهي ترتجف:
“هذا… هذا ليس صوابًا…”
عاد طيف الزوجين إلى ذهنها فجأة حتى شعرت بقشعريرة باردة تسري في عمودها الفقري.
وعندما عادت إلى غرفة النوم، بادرتها إيما التي كانت تساعدها بصمت قائلة:
“هل أجهّز لكِ الطعام الآن؟”
“لا… لا رغبة لي في الأكل. سأتخطاه.”
“… كما تريدين، سيدتي. لكن بعد الطعام، أوصاني السيد بأن تحضري إلى قاعة الاستقبال. هل تودين الذهاب الآن؟”
تنهدت جولييتا بعمق عند سماعها أن إيفان يطلبها. ثم أخبرت إيما أنها ستذهب وحدها، فلا حاجة لأن ترافقها. أومأت إيما باحترام وانسحبت.
‘قاعة الاستقبال؟ هل هناك ضيف؟’
راودها القلق وهي تمشي في الممر، لا تعرف من ينتظرها. كان قلبها يخفق كطفلة تساق إلى العقاب. وحين وصلت إلى الباب، سمعت من الداخل صوتًا يطلب الدخول:
“ادخلي.”
فتحت جولييتا الباب بحذر. كانت القاعة مزينة بألوان البيج، مضاءة بثريا فاخرة تنثر ضوءها الرقيق، وتضم أرائك وثيرة متقابلة تتوسطها طاولة منخفضة وضعت عليها أدوات الشاي والحلوى.
رأت إيفان يجلس مرتاحًا، ساقاه متشابكتان، يتحدث مع رجل بدا واضحًا أنه طبيبه الخاص. وما إن لمحها من فتحة الباب حتى أشار بجانبه قائلًا بلهجة آمرة:
“اقتربي، واجلسي هنا.”
شعرت جولييتا بالانزعاج من نبرته، لكنها جلست إلى جواره دون اعتراض. عندها التفت إليها الطبيب، رجل في منتصف العمر، وألقى التحية بأدب:
“تشرفت بلقائكم، سيدتي. أبارك لكما زواجكما من صميم القلب.”
أحسّت بالارتباك من الموقف، لكنها ردّت عليه بهدوء:
“شكرًا لك… لكن، ما الذي جاء بك إلى هنا؟”
ابتسم الطبيب وأجاب بنبرة ودودة:
“حضرت لأصف لكِ دواءً مانعًا للحمل.”
تجمدت ملامح جولييتا، وارتجف جسدها عند سماع الكلمة. التفتت نحو إيفان بقلق، لكنه بدا غير مبالٍ، ملامحه جامدة كعادته. عندها وضع الطبيب زجاجة صغيرة على الطاولة ودفعها باتجاهها.
“إنه دواء يُدعى فانتستون. يجب تناوله بانتظام في ساعة محددة كل يوم. أنصحكِ بتناوله حوالي الساعة الحادية عشرة صباحًا.”
ترددت قليلًا قبل أن تأخذ الزجاجة بيدها، ثم سألت بخفوت:
“هل يمكنني تناوله مع مضادات الاكتئاب وأقراص النوم التي أستعملها؟”
ابتسم الطبيب بثقة وردّ:
“لا بأس بتناوله معها، لكن من الآن فصاعدًا لن أصف لكِ مضادات الاكتئاب ولا أقراص النوم.”
اتسعت عيناها دهشة وسألته بحدة مكبوتة:
“ولماذا؟”
ارتبك الطبيب من حدة سؤال جولييتا، فرفع يده ليحك مؤخرة رأسه في حرج. عندها فقط، وبعد طول صمت، تحركت شفتا إيفان أخيرًا.
“مضادات الاكتئاب وأقراص النوم، جميعها لا يجوز تناولها قبل الحمل. من الأفضل أن تتوقفي عنها إذا كنتِ تفكرين في إنجاب طفل.”
اتسعت عينا جولييتا دهشة وسخرية في آن واحد. إنها تتناول حبوب منع الحمل أصلًا، فما فائدة هذا الكلام؟ ثم إن فكرة إنجاب طفل من إيفان لم تخطر لها يومًا. بل إن مجرد البقاء بجانبه كان عبئًا ثقيلًا، فكيف بإنجاب طفل منه؟ بدا الأمر ضربًا من العبث. ارتفع صوتها دون أن تشعر، وقد غلبها الارتباك:
“هل أنت جاد فعلًا، إيفان؟”
فأجابها ببرود قاطع:
“أم تظنين أن زواج الأمس كان مجرد لعبة؟”
أطبقت جولييتا شفتيها بقوة، غير قادرة على الرد. وسرعان ما خيّم صمت ثقيل وبارد بينهما. الطبيب، العالق بين التوتر، حاول أن يخفف حدة الموقف، فتحدث باحترام إلى سيده:
“سيدي، معذرة على تطفلي، لكن السيدة بحاجة فعلًا الآن لمضادات الاكتئاب وأقراص النوم. سأحرص فقط على تقليل الجرعات تدريجيًا بما يضمن حملًا آمنًا. ما رأيك؟”
فكر إيفان قليلًا ثم سأله:
“وهل يمكنك أن تدير الأمر بحيث لا يؤثر على الحمل مستقبلًا؟”
“نعم، إذا وضعت لي خطة واضحة، أضمن ألا يحدث أي خلل.”
“لا نريد طفلًا فورًا، لكن اجعلها مستعدة من الآن ليكون الحمل ممكنًا في أي وقت. هذا أفضل.”
“أمر مفهوم، سيدي.”
جلست جولييتا تستمع إلى الحوار دون أن يُستشار رأيها. لم يُسمح لها أن تنطق بكلمة. كل شيء يُحسم من حولها وكأنها لا وجود لها. شعرت بالذل، بالمهانة، باللاجدوى. قبضت كفيها حتى غاصت أظافرها في راحتيها.
كم هو مخزٍ أن يقرر كل شيء دون أن أستطيع الاعتراض… مهما فعلت، سينتهي الأمر بكلمته وحده.
ترددت قليلًا، ثم جمعت ما تبقى لها من رباطة جأش، وتحدثت بصوت بدا هادئًا رغم ارتجافه:
“إيفان، أريد أن أقرر أنا ما يخص جسدي.”
قطب حاجبيه للحظة ثم سرعان ما فردهما، وقال ببرود:
“أنتِ الآن زوجتي.”
“…وما علاقة ذلك بهذا؟”
“علاقتك بي تعني أنك ستنجبين طفلي. هذا دورك. ولا أرى في ذلك ما يستحق اعتراضك.”
لم تستوعب جولييتا منطقه. هزت رأسها وقد ارتجف صوتها وهي تجيب:
“لا، هذا جسدي أنا، إيفان. ثم إنني… لا أريد طفلًا منك.”
ابتسم بخفة، ابتسامة تحمل سخرية باردة، ثم التفت إلى الطبيب وأمره بالمغادرة. الطبيب، الذي بدا في غاية الارتباك من احتدام الموقف، أسرع يجمع أوراقه وأدواته قبل أن يغادر القاعة.
وحين بقيا وحدهما، نهض إيفان من على الأريكة واتجه بخطوات ثابتة نحو النافذة. وقفت جولييتا تحدق في ظهره، في كتفيه المشدودتين اللتين يبعثان شعورًا بالهيبة والتهديد. انتظرت كلماته بوجه شاحب مرتعد.
وأخيرًا، انطلق صوته ببرود أشد من الجليد:
“كان خطأي أن فكرت في أخذ رأيك. سواء رغبتِ في طفل أم لا، هذا لا يهم.”
بدأ يكشف عن وجهه الحقيقي بلا أقنعة.
“ستفعلين ما آمرك به. لا تنسي أن عليك سداد دينك لي.”
استدار ببطء نحوها، وعيناه الباردتان تخترقانها بلا رحمة.
“لم تنسي السبب الذي يجعلكِ هنا، أليس كذلك؟”
ابتلعت جولييتا ريقها بصعوبة. أجل، كانت تعرف السبب أكثر من أي أحد. لكنها استجمعت شجاعتها لتقول بصوت مرتعش:
“لن… لن أسدد دَيني بهذه الطريقة.”
قالت ذلك بأسنان مشدودة، لكنها لم تستطع إخفاء ارتجاف صوتها. ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة متجمدة:
“لن يكون أمامك خيار. ستفعلين ما أريد، سواء شئتِ أم أبيتِ. لذا تخلصي من هذه الأفكار الفارغة.”
بدأ يقترب منها بخطوات وئيدة. خطوة بعد خطوة حتى وقف أمامها تمامًا، يحدق إليها من علٍ بعينين قاسيتين.
رفعت جولييتا بصرها إليه بعينين فارغتين من كل أمل، فاهت شفتيها وكأنها ستتكلم، لكنها لم تستطع إخراج صوت.
كانت تعرف أن إيفان رجل بارد، لكن لم يخطر لها أنه سيكون بهذا القدر من القسوة. شبكت أصابعها المرتجفة ببعضها محاولة إخفاء ارتجافها.
هذا مجرد بداية…
المستقبل أمامها بدا مظلمًا ومخيفًا، لا تدري أي مصير ينتظرها.
تمتمت بصوت خافت يكاد لا يُسمع:
“إن انتهى الأمر، هل يمكنني أن أذهب الآن؟”
رفع كتفيه باستهانة، ثم انحنى قليلًا نحوها. وما لبث أن لامس خدها بقبلة خفيفة، أصدرت صوتًا رتيبًا جعل معدتها تنقبض بغثيان.
“إذن… نلتقي الليلة.”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"