كلامه البارد جعل جسد جولييتا يتجمد في مكانه، لكنها رغم ذلك مدت يدها برباطة جأش نحو رباط ثوب النوم محاولة حله. وما إن بدأت بفكه حتى انطلق صوته فجأة يقطع اللحظة:
“هل تذكرين كم كانت وفاة ليديا مأساوية بسبب والدك؟”
“……!”
توقف جسد جولييتا عن الحركة في الحال. رفعت وجهها الشاحب نحو إيفان للحظة، ثم أسدلت جفنيها ببطء.
ليديا.
بمجرد أن خطر اسمها ببالها، اندفع شعور قاتل بالذنب كاللهيب عبر ظهرها، يصعد إلى كل جزء منها. شعرت وكأنها تجمدت في مكانها، فيما عرق بارد أخذ يتصبب منها. الذنب والعار سحقاها حتى لم تستطع حتى أن تطرف بعينيها، واكتفت بالتحديق في إيفان بعجز. أما هو فابتسم بسخرية دون أن يزيح عينيه عنها.
“كلما تجرأتِ على نسيان خطايا والدك، تذكري ليديا. تذكري كم كانت ميتتها وحشية.”
كلماته سلبتها آخر ما تبقى من قوتها. تنفسها صار مضطربًا، وفي تلك اللحظة بدأ إيفان يخلع عنها رداءها الحريري. لم تكن تجهل ما يعنيه ذلك، لكنها، وقد استسلمت تمامًا، لم تستطع سوى البكاء بصمت تحت لمسته.
“آه…!”
حاولت جولييتا الالتواء بجسدها بين يديه، غير أن صراخها المختنق وارتجافها لم يزده إلا شعورًا بالمتعة. كان قد أراد أن يتجرد من مشاعره ويظل باردًا، لكنه أدرك بوضوح أنه بدأ يرغب بها، وكل محاولة للسيطرة على نفسه كانت تذوب أمام اندفاع رغباته التي لا تنطفئ.
“إيفان… هل… هل تحبني؟”
انفلت السؤال من بين دموعها، سؤال بدا أحمق حتى في مسامعها. لكنها لم تستطع أن تمنع نفسها من طرحه، فقد كان الجواب بالنسبة لها أهم من أي شيء.
غير أن إيفان أجاب بصوت كالصقيع:
“كفى هذيانًا.”
“آه…! أيها الحقير…!”
بدأت جولييتا تهز رأسها بقوة محاولة الهروب من إحساساتها، لكنها في كل مرة كانت محاولاتها تذهب سدى.
“هاه… آه…”
لمنع أنينها من الانفلات، عضت بشدة على شفتيها حتى غمر طعم الدم فمها. وإذ رأى ذلك، مال إيفان عليها وقبّل شفتيها بعنف. كان قبلاً مالحًا بنكهة الدم، قبلاً جامحًا التهمها التهامًا.
جولييتا فقدت قدرتها على التفكير وسط تلك القبلة القاسية.
‘أنا… ماذا أفعل… ومع من؟’
كانت عيناها المطفأتان تلمعان بالحزن وهي تحدق به بذهول. رأسها يدور، وأفكارها تتبعثر، وكل ما تبقى في قلبها كان حزناً عميقًا لأنها وصلت إلى هذه اللحظة معه.
أما إيفان فقد ارتسمت على وجهه ابتسامة رضا لم يستطع كبحها. لم يكن ينوي أن يصل الأمر إلى هذا الحد، لكن اندفاعه كان أقوى من أي مقاومة. ولم يكن يريد أن يقاوم أصلاً.
لقد امتلكها.
وهذا وحده كان كافيًا ليغمره إحساس بالمتعة العارمة.
لكن كلما ازداد شعوره ذلك، انطفأت نظرات جولييتا أكثر. عيناها تحدقان في الفراغ، وقد تدلت منهما دموع صامتة، فيما شفتيها المكبوتتين تطلقان أنينًا واهنًا. لم يعد لها من مقاومة سوى أن تهتز بجسدها العاجز وتبكي.
✦✦✦
كان أول يوم دُعيت فيه إلى قصر براكسيتر يومًا قائظًا من أيام الصيف. وما زالت جولييتا تتذكر كل لحظة منه بوضوح شديد؛ حرارة الجو، رطوبة الهواء، وحتى لسعة الشمس التي كانت تخز بشرتها كالإبر.
في ذلك اليوم، كانت ليديا، بجمالها الساحر الذي بدا كأميرة حقيقية، قد اقترحت على جولييتا اللعب معها في الغابة. لم تستطع جولييتا أن ترفض عرضًا يأتي من فتاة متألقة مثلها، فتبعتها مسحورة بخطواتها، لكنها سرعان ما أضاعت الطريق بين أشجار الغابة الكثيفة.
وبينما كان الرعب يسيطر عليها في قلب تلك الغابة، ظهر رجل يمتطي جوادًا. شعره البني الداكن يلمع تحت أشعة الشمس، وعيناه الخضراوان تبرقان ببريق بارد كالسماء في يوم صافٍ. كتفاه العريضتان، قامته الممشوقة، وكل هيبته التي جعلت جولييتا ترفع رأسها بصعوبة للنظر إليه… كان ذلك الرجل هو إيفان.
في تلك اللحظة، شعرت جولييتا وكأن قلبها يغوص عميقًا في صدرها بثقل غير مفهوم.
اقترب منها بخطوات واثقة، أنفاسه هادئة لكنها تحمل خشونة، وصوته المنخفض بدا حاسمًا لا يقبل الجدل.
“أأنتِ… الفتاة التي ستصبح زوجتي؟”
كانت تلك أولى الكلمات التي سمعتها منه. احتاجت جولييتا بعض الوقت لتفهم مغزاها تمامًا، لكنها لم تحتج طويلًا لتتقبل معناها. فمنذ ذلك اليوم لم يكن بوسعها سوى أن تحب إيفان.
لقد كان بالنسبة إليها كيانًا عظيمًا.
الطفلة الصغيرة جولييتا كانت تُسخِّر كل حواسها من أجل كلمة منه أو نظرة من عينيه. في كل مرة يجلسان معًا إلى مائدة العشاء، وحين يرفع عينيه نحوها من الجهة المقابلة، أو حتى عندما تلتقي نظراتهما صدفة، كان يداهمها دوار خفيف كأن الأرض تدور من تحت قدميها.
وكلما وطأت قدماها قصر براكسيتر، كانت تتساءل في سرها: هل سيتحدث إليها اليوم؟ هل سيبتسم لها؟ وظلت على هذا الأمل المؤلم، الممزوج بالخوف والانتظار.
لكن إيفان لم يكن يومًا سهلًا في كلماته، ولا باذلًا للابتسامات. ملامحه كانت دومًا جامدة، ونظرته صلبة كالجليد.
ومع ذلك، أحبت جولييتا إيفان. بل لم تستطع إلا أن تحبه. حتى وإن لم يحدثها، أو يرسم على شفتيه ابتسامة من أجلها، كان مجرد وجوده كافيًا ليمنحها قوة تعيش عليها.
تعمق حبها حتى غمر كيانها كله. وكلما كبر، أخذت تفكر أحيانًا: لعل الأفضل أن تتخلى عن هذا الشعور الذي لا يلقى أي صدى.
لكن بينهما كان عهد، وخطوبة معلنة. تمسكت بذلك الخيط من الأمل، وظلت تحدق به، مقتنعة أن اللحظة المنتظرة ستأتي حين تتحد مصائرها بمصيره.
لكن حين ظنت أنها أخيرًا ستظفر به… وقع ما لا يمكن احتماله.
كارثة مروعة قلبت حياتها رأسًا على عقب.
تمنت جولييتا لو أن كل ذلك مجرد حلم، أو كذبة قاسية. لكن الواقع كان أبرد من أن يمنحها عزاء.
انتهت تلك الذكرى الطويلة التي غمرتها في نومها، لتفتح جولييتا عينيها بتعب على السرير. نظراتها الباهتة ظلت معلقة بالفراغ برهة، قبل أن تنهض ببطء. وما إن فعلت حتى وقعت عيناها على آثار ليلة البارحة.
كانت الملاءات مبعثرة بلا نظام، وعلى الأرض تناثرت ثياب نومها وملابسها الداخلية.
التقطت تلك المشاهد بعينيها المرتجفتين، ثم رفعت يديها تغسل وجهها الجاف بتنهيدة طويلة.
إيفان لم يكن بجوارها. مضى وقت طويل على مغادرته، فالمكان إلى جانبه كان باردًا بلا أثر للدفء.
تنهدت جولييتا وهي تحاول أن تنهض، لكن ما إن وضعت قدميها على الأرض حتى اجتاح جسدها ألم حاد، وخدر مؤلم جعلها تتوقف.
“آه…”
تأوهت بصوت خافت، ثم توقفت لتلتقط ثوب نومها الملقى على الأرض، وارتدته فوق جسدها المرتعش. ألقت بنظرة سريعة حول غرفة النوم.
منذ طفولتها وهي تجوب أرجاء قصر براكسيتر، لكن هذه الغرفة ما زالت تسحرها بجلالها. الجدران مزينة بخيوط ذهبية باذخة، وعلى الأرضية امتدت سجادة منسوجة بخيوط الذهب، تزيد المكان رفعة. سرير ضخم يعلوه أريكة فخمة، وعلى أحد الجدران عُلِّقت غنيمة صيد هائلة تجذب الأنظار.
تسمرت عيناها عليها للحظة، وشعرت وكأنها، هي الأخرى، مجرد جائزة معلّق، أسير لا حول له ولا قوة.
وفجأة، فُتح باب الغرفة على مصراعيه. دخلت منه خادمة، ويبدو أنها سمعت حركتها في الداخل.
“صباح الخير يا سيدتي. اسمي إيما، وسأكون من الآن خادمتك الخاصة.”
رفعت جولييتا بصرها نحو المرأة، بدت في منتصف العمر، لكن وجهها لم يكن مألوفًا.
“أأنتِ جديدة هنا؟” سألتها جولييتا بحذر.
انحنت إيما برأسها وأجابت بهدوء:
“نعم، سيدتي. منذ البارحة طُرد جميع الخدم باستثناء كبير الخدم، السيد ديبيلو.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"