1
الفصل 1 :
في عامها الحادي والعشرين، كانت ديانو أورتينسا سيدةً تمتلك العديد من المزايا.
كانت جميلةً إلى حدٍّ يجذب أنظار المارّة حين تخرج إلى الشارع من دون أن تستخدم مظلتها.
لم تكن تؤمن بالدين، لكنها كانت تستطيع تلاوة الكتاب المقدّس كاملًا من أوله إلى آخره عن ظهر قلب، وكانت تمتلك خطًّا جميلًا لدرجة أنّها كانت تكسب المال في أيام الدراسة من كتابة رسائل الحبّ للآخرين.
ولم يكن بوسعها أن تتباهى بهذا أمام الناس، لكنّها كانت أيضًا تتمتّع بجسدٍ حسن القوام.
لم تكن تحمل لقبًا نبيلًا، ولن تحمله في المستقبل، لكن بالنظر إلى أنّها لم تكن معرّضة لخطر بيعها كزوجةٍ ثالثةٍ لأحد الشيوخ، فقد كانت حياتها لا بأس بها مقارنةً ببنات الأسر النبيلة الفقيرة.
كانت ديانو أورتينسا ترى نفسها محظوظة.
حتى وصلتها رسالة واحدة من القصر الإمبراطوري.
—
“أهلًا بكِ في قصر البلوط، الآنسة أورتينسا. يبدو أنّها المرة الأولى التي نلتقي فيها وجهًا لوجه.”
كانت السيدة أورنين، الكونتيسة إيفيلينا، كبيرة وصيفات الأميرة، في أوائل الثلاثين من عمرها، وهي صاحبة الرسالة التي وضعتها ديانو بعناية داخل حقيبة يدها الوحيدة المخصّصة للخروج.
وقد بدت مشابهة تمامًا لخطّها الأنيق الرفيع.
شعرها الأسود المرفوع لم يكن يتفلّت منه خيطٌ واحد من تحت الشبكة، وفستانها الكحليّ الخالي من أيّ زينةٍ غير ضروريّة بدا أنيقًا إلى حدّ الاختناق من شدّة الانضباط.
كان من سلّم رسالة الكونتيسة أورنين إلى ديانو أحد خدم قصر البلوط.
وقد افترض أفراد بيت الدوق، بطبيعة الحال، أنّ الرسالة القادمة من القصر موجّهة إلى الدوقة إيرفينجل، فاستغرب الخادم عندما طُلب منه تسليمها إلى مجرّد معلمة منزلية بدلًا من إحدى أفراد العائلة الإمبراطورية.
لكنّ أحدًا لم يكن أكثر دهشةً من ديانو نفسها.
“إلى الآنسة ديانو أورتينسا،
أتمنى أن تصل هذه الرسالة إليكِ بسلام.
أنا الكونتيسة إيفيلينا أورنين، كبيرة وصيفات الأميرة الإمبراطورية إلفينليرا كاتالوس إي كاتالوس، شقيقة جلالته الإمبراطور ريشيون كاتالوس إي كاتالوس.
لديّ أمر عاجل أودّ التحدث به معكِ، لذا أرجو أن تزوريني بعد ثلاثة أيام في فترة ما بعد الظهر في قصر البلوط حيث أقيم حاليًّا.
لقد حصلتُ على إذن الدوقة إيرفينجل مسبقًا، فلا تقلقي من تلك الناحية.
الكونتيسة إيفيلينا أورنين.”
كان الخادم الذي يفترض أن يتسلّم الردّ قد عاد بالفعل إلى القصر، لذلك لم تكن هناك أيّ وسيلةٍ للرفض، ولا حتى فرصة لمعرفة سبب الاستدعاء.
والأسوأ أنّ الدوقة إيرفينجل، التي كان يمكنها أن تشرح الأمر، كانت في زيارةٍ لمقاطعتها في الشرق.
في النهاية، اختارت ديانو أجمل ما تملك من ثياب الخروج، وركبت العربة التي أرسلها القصر الإمبراطوري.
وبعد رحلةٍ طويلةٍ من مقرّ الدوقية في العاصمة، وصلت أخيرًا إلى القصر.
كان قصر البلوط، الذي اعتادت الإقامةَ فيه بناتُ الإمبراطور وأخواته غير المتزوجات جيلاً بعد جيل، يقع في أعمق مناطق القصر الإمبراطوري، لذا اضطرت ديانو إلى السير خلف الخادم لفترةٍ طويلة.
ففي أرجاء القصر الواسع، وحدهم أفراد العائلة الإمبراطورية يحقّ لهم ركوب المحفات أو الخيول.
عند مدخل قصر البلوط، استقبلتها الكونتيسة أورنين، وقادتها عبر طريقٍ ممهدٍ على ضفاف البحيرة.
وسار خلفهما وصيفتان ترتديان ملابس مشابهة لتلك التي ترتديها الكونتيسة، إضافةً إلى أربع خادمات.
لم يُقدَّم أحد منهنّ رسميًا، لكن من الواضح أن الوصيفات أيضًا من أسرٍ نبيلة.
كان من الغريب أن يتبعها مثل هؤلاء وكأنهم في موكبٍ يخصّها.
حافظت الكونتيسة أورنين أثناء السير على سلوكٍ ودودٍ لكن يحمل مسافةً محسوبة من الرسمية.
“هل كانت رحلتكِ مريحة؟”
“نعم. العربة التي أُرسلت جعلت الطريق سهلاً ومريحًا. أشكركِ جزيل الشكر.”
“لا داعي للشكر. أنا من دعوتكِ، لذا كان واجبي أن أؤمّن راحتكِ. كنت قلقةً لأنّ الدعوة كانت عاجلة وقد تُسبّب لكِ حرجًا.”
“ليس الأمر كذلك. الدوقة إيرفينجل كانت قد منحتني الإذن.”
“صحيح، يُقال إنّكِ مقيمة في بيت الدوق منذ أكثر من عام، أليس كذلك؟”
“نعم.”
اختصرت ديانو كلماتها.
فالمعلمة المنزلية لدى أسرةٍ نبيلة كانت في موقعٍ غريب، لا هي من العائلة ولا هي خادمة.
ورغم أن عملها لا يُدعى “وظيفةً” رسميًّا، فإنها كانت تتلقى دعمًا ماليًّا كبيرًا، وكان من الطبيعي أن يُقابل ذلك بدرجةٍ من الولاء.
كانت أسرة الدوق إيرفينجل من أقرباء العائلة الإمبراطورية وأحد أبرز داعمي العرش.
ورغم أن ديانو لم تظن أنّ كبيرة وصيفات الأميرة جاءت لتسألها عن شؤون الدوقية، فإنّ الحذر واجب دائمًا.
لكن الكونتيسة أورنين لم تُظهر أيّ اهتمامٍ بالدوقية أو سياستها، بل ركّزت أسئلتها كلّها على ديانو شخصيًّا.
“كيف أصبحتِ معلمة منزلية يا آنسة ديانو؟ هل كان ذلك حلمكِ؟”
بالطبع لم يكن كذلك.
فمهما كانت أسرتها متواضعة، لم يكن مألوفًا أن تختار سيدةٌ نبيلة أن تعمل بمحض إرادتها.
صحيح أنّ النساء أصبحن قادرات على وراثة الألقاب، لكن ما يزال معيار الفضيلة لدى السيدات النبيلات هو الزواج من شريكٍ مناسب.
والمشكلة أنّ الزواج المناسب يتطلّب مهرًا مناسبًا.
لم يكن لدى ديانو مهر.
فالمبلغ القليل الذي ورثته أنفقته كلّه على دراستها.
وبما أنّ السيدة النبيلة من دون مهر لا تستطيع عقد زواجٍ مشرّف، فقد كان الطريق الوحيد أمامها لحياةٍ كريمة هو أن تعمل معلمةً منزليةً لدى أسرةٍ راقية.
من المؤكد أنّ امرأةً بمكانة الكونتيسة أورنين، كبيرة وصيفات الأميرة، تعرف تلك البديهيات.
لذلك، حين سألتها، أدركت ديانو أن وراء السؤال قصدًا خفيًّا، لكنها لم تعرف ما هو.
“لستُ أظنّ أن قصتي الشخصية مثيرةٌ لاهتمامكِ، يا سيدتي.”
“لم أطرح السؤال بدافع الفضول فحسب.”
“إذن… لماذا ترغبين في معرفة ذلك عني؟”
توقّفت الكونتيسة أورنين أمام شجرةٍ ضخمة تُطلّ على منظرٍ جميلٍ للبحيرة، وكان تحتها طاولة أُعدّت عليها أصناف من الشاي والحلوى.
“لنجلس أولًا، الآنسة أورتينسا.”
جلست ديانو مقابلها، وبعد أن أتمّت الوصيفات إعداد الطاولة، انسحبن مع الخادمات بهدوء.
وبينما كانت ديانو تتظاهر برشف بعض الشاي حفاظًا على اللباقة، قالت الكونتيسة أورنين وهي تنظر إلى البحيرة المضيئة بأشعة الظهيرة:
“في الحقيقة، لستُ أنا من استدعيتكِ اليوم.”
“عفوًا؟”
“من طلب حضوركِ هو جلالة الإمبراطور نفسه.”
وضعت ديانو فنجانها بحذر.
كان وجه الكونتيسة لا يزال محتفظًا بابتسامةٍ هادئة، وحاولت ديانو أن تبادلها ابتسامةً مماثلة، لكنها لم تكن واثقة من نجاحها في ذلك.
“الآنسة أورتينسا، ما مقدار ما تعرفينه عن سموّ الأميرة إلفينليرا؟”
عن الأميرة؟
بالقدر الذي يعرفه أيّ مواطنٍ في الإمبراطورية.
إلفينليرا كاتالوس إي كاتالوس، المرأة الوحيدة التي يُسمح لها بحمل اسم الإمبراطورية ذاته.
هي شقيقة الإمبراطور ريشيون كاتالوس إي كاتالوس، الذي تولّى العرش في العشرين من عمره ويُكمل الآن عامه السادس في الحكم.
دخلت الأميرة الحياة الاجتماعية قبل عامين، أي أنّ عمرها الآن ثمانية عشر عامًا.
وإن كانت الصور المنتشرة لها صادقة، فهي فتاةٌ رائعة الجمال بشَعرٍ ذهبيٍّ براق وابتسامةٍ مشرقة.
بمعنى آخر، لم تكن تعرف عنها شيئًا حقًّا.
“كيف لي أن أدّعي معرفتها، يا سيدتي؟”
“الأميرة حاليًّا في مفاوضات زواج مع وليّ عهد إمبراطورية أراسوس.”
لم تُظهر ديانو دهشتها علنًا، لكنها في داخلها كانت مصدومة.
فالإمبراطوريتان كاتالوس وأراسوس لم تكونا يومًا على وفاقٍ، لا في الحرب ولا في السياسة.
ومنذ أن كانتا دولتين متجاورتين تتقاسمان الحدود، خاضتا حروبًا طويلةً ومؤامراتٍ حتى وصلتا إلى سلامٍ هشٍّ بالكاد يُحافَظ عليه.
‘أتذكّر أنّ أراسوس أرسلت وليّ العهد ممثلاً عنها في جنازة الإمبراطور الراحل.’
وقتها قال الناس إنّ الإمبراطور العجوز في أراسوس بدأ يُبدّل موقفه من كاتالوس، لكن لم يتخيّل أحد أن يبلغ هذا التبدّل حدّ الحديث عن زواجٍ إمبراطوريّ.
ارتشفت الكونتيسة أورنين رشفةً صغيرة من الشاي قبل أن تضيف بنبرةٍ عادية:
“بالطبع، لا يجوز أن يخرج هذا الخبر إلى العلن. أظنّكِ تفهمين ذلك من دون أن أشرح.”
ابتسمت ديانو ابتسامةً مسالمةً تمامًا.
“كيف لي أن أفشي أمرًا كهذا؟”
“جيد. يبدو لي أنّكِ سيدةٌ ذكية، لذا لا بدّ أنّكِ خمنتِ سبب استدعائكِ إلى هنا.”
لم يكن من الصعب استنتاجه.
أميرةٌ تُناقَش خطبتها التاريخية.
وصيفةٌ كبرى للأميرة.
معلمةٌ منزليةٌ تعمل لدى أقارب الإمبراطور.
النتيجة كانت واحدة.
“بأمرٍ من جلالة الإمبراطور، ستتولين تعليم سموّ الأميرة حتى يتمّ إبرام الخطبة رسميًّا.”
وهكذا أصبحت ديانو أورتينسا، في الحادية والعشرين من عمرها، معلمةً منزليةً للأميرة الإمبراطورية.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
أنستا: fofolata1 ✿
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 1 منذ يوم واحد
- 0 - المُقدمة منذ يوم واحد
التعليقات لهذا الفصل " 1"