استمتعوا
“أليس هذا ما فعلتهِ الآن؟
تدخين سيجارة ثم شفاء رئتيكِ بالقوة المقدسة؟”
بوجه مليء بالفضول، وضعت السيجارة بين شفتيها،
لكن ما إن استنشقت الدخان حتى تقطّبت ملامحها.
ثم، بسرعة فائقة لم يضاهيها أحد، عالجت رئتيها وحلقها.
من يستطيع أن يحبس ضحكته بعد رؤية ذلك المشهد؟
ضحكت ديانا وديلان، اللذان كانا واقفين بجانب بعضهما، بهدوء.
كانا يشبهان بعضهما كثيرًا كالتوأم فعلاً.
فتح ديلان فمه وهو يراقب ديانا.
“إذا استطعنا جذب القديسة إلى جانبنا،”
“فيجب أن نفعل ذلك فورًا.”
إذا تبعت هيلي ديلان إلى الشمال،
فسيكون بالإمكان تقليل الأضرار الناتجة عن حملة القضاء القادمة ضد بلوتاروس إلى الحد الأدنى.
***
“سأذهب لأسلم قائمة أولئك الذين كانوا يدخنون قبل قليل.”
“حسناً.”
اتجهت إيفي إلى غرفة القيادة وهي تحمل بعض السجائر،
آملة أن ينال المتدربون المتغطرسون عقابًا شديدًا.
مع أنها كانت تمسك بسيجارة في فمها هي الأخرى،
من التي تمت مصادرتها.
الفجر الهادئ.
على عكس غرف الصلاة المركزية والشرقية التي يزورها عدد لا بأس به من المؤمنين حتى في الفجر، كانت غرفة الصلاة الغربية خالية تمامًا لوقوعها في مكان ناءٍ.
ويعود السبب في ذلك إلى إشاعة مفادها أن أحد الكهنة قد انتحر فيها منذ زمن بعيد، لذا يُقال إن الأشباح تظهر هناك.
وبمجرد أن خرجت إيفي من الغرفة، بقيت هيلي وحدها فيها.
شعرت وكأنها الوحيدة المتبقية في هذا العالم.
ولم يكن ذلك الإحساس مزعجًا، بل على العكس، كان مريحًا.
قررت هيلي أن تستمتع بأجواء غرفة الصلاة الفارغة.
جلست هيلي على الكرسي،
وقد وضعت الوشاح الأبيض على رأسها.
في حال تم الإمساك بها وهي تتسكع مع إيفي،
كانت تخطط للتظاهر بأنها كانت تصلي في غرفة الصلاة الغربية،
لأن الغرفة العامة تكون مزدحمة.
وبسبب التعب في هذا الفجر الباكر، أغلقت هيلي عينيها ببطء.
خطوات تقترب –
سمعت صوت خطوات لشخصين.
توقفت هيلي عن الالتفات.
‘سيكون الأمر مزعجًا إن حاول أحد التحدث معي بلا داعٍ.’
قد يشعر المؤمنون بسعادة عند رؤية القديسة،
لكن من وجهة نظر هيلي، فهم مجرد غرباء تمامًا.
لذا اختارت تجاهل القادمين وإغلاق عينيها مجددًا بدلًا من النظر إليهم.
وقد جعلتها تلك الوضعية التقية والمتعففة تحت وشاحها الأبيض تبدو ككاهنة مخلصة حقًا.
‘…ما هذا؟’
توقفت الخطوات أمام هيلي.
وعندما شعرت بشيء غريب، فتحت عينيها.
وعلى عكس هيلي التي ترتدي وشاحًا أبيض،
كان هناك شخصان يرتديان وشاحًا أسود، يقفان امامها مباشرة.
فجر، وغرفة صلاة نائية.
بدلًا من النظر نحو مقدمة الغرفة، كانا الاثنان يحدقان مباشرة في وجهها، مخفيين وجهيهما تحت وشاح أسود.
وعندما بدأت أنفاس هيلي ترتجف، قام الاثنان برفع الوشاح عن وجهيهما كما لو كانا يطمئنانها.
“لا داعي للذعر. لم نأتِ لنؤذيك.”
مع صوت امرأة، وكأن الليل قد تم مسحه،
ارتفع الوشاح الأسود وكُشف عن وجهي الشخصين.
بشرة داكنة.
وشعر أسود قصير، وعيون ذهبية ترمز للعائلة المالكة.
امرأة ورجل.
كيف لها ألا تعرف من هما؟
كانت العيون الذهبية التي تشبه القمر تتلألأ،
فخورة بأصلها النبيل.
توأما إمبراطورية تيلون.
الأميرة الأولى ديانا والدوق الأكبر هايدل.
ظهرت ملامح الدهشة للحظة على وجه هيلي، ثم ابتسمت بهدوء.
‘لم أتوقع أن ألتقي بهما بهذه السرعة.’
رغبت في لقائهما، لكنها لم تتوقع أن يحصل ذلك بهذه السرعة.
لم تغب عن ديانا ابتسامة هيلي التي جمعت بين الدهشة والفرح، فسألتها أولًا.
“بماذا تمنيتِ؟”
خرج صوت جميل من بين شفتيها المفتوحتين قليلاً.
“لا شيء.”
“إذن لماذا كنتِ مغمضة العينين؟ هل كنتِ نائمة؟”
“نعم.”
ضحكت ديانا بصوت عالٍ على جواب هيلي البسيط.
وعندما وخزها ديلان في ذراعها طالبًا منها التزام الهدوء،
توقفت عن الضحك. ثم نظرت إلى هيلي من أعلى.
“سمعت أن هذه الغرفة نادرًا ما يرتادها الناس،
ومن الغريب أن نلتقي بك هنا.”
لقاء مقصود تم ترتيبه عن طريق مصادفة مفتعلة.
همست ديانا، مائلة بجسدها نحو هيلي.
“ألا ترغبين في تحويل هذه المصادفة إلى قدر؟”
انحنت عيناها الذهبيتان اللتان تشبهان القمر.
“قدر جميل، إن أمكن.”
رغم أنها كانت مقابلة مفاجئة،
إلا أن هيلي تخيلت هذا الموقف عشرات المرات مسبقًا.
لأنه لم يكن لديها شيء آخر تفعله خلال فترة التأديب.
لذلك أجابت هيلي بهدوء بما يجب أن تقوله، وما كانت تود قوله.
“ما الذي عليّ فعله؟”
عندما نظرت ديانا إلى ديلان وأومأت برأسها،
فتح ديلان فمه بعد تردد.
“…أولًا، أعتذر عن الحادث الذي وقع المرة السابقة.”
رجل تلتقي به للمرة الأولى اليوم، يعتذر فجأة عن ‘حادث سابق’.
‘أي حادث… آه.’
بما أن هناك حادثًا واحدًا فقط تعرضت له، فهمت هيلي ما يقصده.
سألت، وملامح وجهها تدل على عدم التصديق:
“لا تقل… هل كنتَ أنت صاحب العربة؟”
“لم تكوني تعرفين حقًا، أليس كذلك؟” همست ديانا.
“سمعت أن صاحب العربة ظن أنني مجنونة وغادر ببساطة.”
“هذا غير منصف قليلًا.
أنا من صدمك بالعربة، لكنني أنا أيضًا من أوصلك إلى المعبد.”
معلومة لم تكن هيلي تعرفها.
وبدا أن ديلان شعر بالظلم، فاستمر في الحديث.
“انتظرت استيقاظك لأسبوع، لكنك لم تفتحي عينيك، فقلقت عليك.
كنت أرغب بالبقاء أكثر، لكن أوضاع المقاطعة ساءت،
فاضطررت للمغادرة فورًا.”
في الواقع، لم تستيقظ هيلي لفترة طويلة.
من أواخر ديسمبر حتى أوائل مارس، كانت كالجثة.
‘قال إن أوضاع المقاطعة ساءت…’
كانت تعرف السبب.
فقد تزامن ظهور الوحوش على الحدود الشمالية لبلوتاروس مع فترة غيبوبتها. غادر ديلان العاصمة عندما سمع بظهور الوحوش هناك.
“أنا بخير الآن. كما ترى، أنا بصحة جيدة.
ثم إن ذاك الطريق لم يكن ممهدًا للناس على أي حال.”
سألت ديانا، التي كانت تراقب الحديث بصمت، هيلي فجأة:
“من أخبرك أن صاحب العربة غادر؟”
“…قداسته، أقصد البابا.”
‘لماذا صدقت كلام البابا؟’
فكرت هيلي.
يبدو أنها كانت لا تزال مشوشة حينها.
“إذن، لا بد أن رسالتي التي أرسلتها لم تصلك.
لقد تلقيت ردًا يقول إن كل شيء على ما يرام ولا داعي للقلق.”
‘رسالة؟’
ما الذي يتحدث عنه الآن؟
تجهم جبين هيلي عند سماع ذلك.
لم يكن هناك من كتب ردًا، ومع ذلك حصل على رد.
ثم قالت بهدوء:
“الرسائل التي تصل إليّ تُراجع أولًا من قبل المعبد.
يبدو أنهم تخلصوا منها، واختلقوا الرد أيضًا.”
“المعبد يراجع الرسائل أولًا؟”
بدا عليه الذهول.
“نعم. أحد الحمقى بعث رسالة دعم لي مع ورقة ملوثة بدمه.
ومنذ ذلك الحين، يقوم المعبد بفحص الرسائل أولًا.”
“…”
ابتسمت هيلي وهي تشرح الموقف.
كانت ابتسامة شخص يبدو أن شيئًا ما فيه قد انكسر.
“السبب الذي دفعكما لزيارتي اليوم هو أنكما بحاجة إلى كاهن يذهب إلى بلوتاروس، أليس كذلك؟ لا بد أنكما سمعتم أنني تطوعت.”
أومأ ديلان برأسه ببطء.
“…صحيح. أود أن توفري القوة المقدسة لبلوتاروس.”
صوت ذلك الرجل القوي اهتز قليلًا.
وشعرت هيلي بالإخلاص في ذلك الارتجاف.
“حسنًا. سأذهب إلى بلوتاروس.”
ما إن قبلت هيلي عرض ديلان،
حتى أمالت ديانا رأسها بابتسامة على جانب فمها.
“إذن أخبرينا برغبتك.”
“رغبتي؟”
“أنت كنتِ في انتظارنا، صحيح؟ لذلك ابتسمتِ عندما رأيتينا.”
مع أنها لم تتوقع مجيئهما اليوم، إلا أن ذلك صحيح.
“لقد اكتشفتما ذلك.”
تنهدت تنهدًا خفيفًا، ثم تحدثت بعد لحظة من التردد.
“…ما أريده هو أن أتحرر تمامًا من المعبد ومن منزل الماركيز. وسيكون من الأفضل لو تم طردي رسميًا.
لكن في الوقت نفسه، سيضعني ذلك في خطر.”
فالعديد من الأشخاص يطمعون في القديسة التي تمتلك طاقة مقدسة أقوى من غيرها.
ومن المفارقة أن المعبد، الذي يقيدها، هو أيضًا من يحميها.
“إذا تم طردي من المعبد بسلام، فسأوفر القوة المقدسة لبلوتاروس طوال حملة القضاء. لذا، أرجو منكما أن تضمنا سلامة حياتي بعد الطرد.”
“ليست مطالبة صعبة.”
ما إن وافق ديلان على كلام ديانا،
حتى سُمعت خطوات تتجه نحو غرفة الصلاة.
أعادت ديانا وضع الوشاح على رأسها.
لم يكن من الجيد أن يراهم أحد في مثل هذا الموقف.
وقبل أن يستدير ليغادر، التقى ديلان بنظرات هيلي وقال:
“جيد. إذن، سنلتقي هنا مرة أخرى غدًا في نفس الوقت لنتابع النقاش.”
وما إن أومأت هيلي برأسها،
حتى قفز التوأمان من النافذة واختفيا من أمام عينيها.
هل يتعلم أفراد العائلة المالكة الدخول والخروج من النوافذ؟
بخلاف الستائر التي كانت تتطاير بفعل الرياح التي دخلت عبر النافذة المفتوحة، ساد الصمت في غرفة الصلاة.
وكأن هيلي كانت وحدها هناك منذ البداية.
“أوه؟ هل قمتِ بتهوية الغرفة، هيلي؟”
“نعم. كان هناك الكثير من الغبار.”
سألتها إيفي، التي دخلت للتو إلى غرفة الصلاة،
فأومأت هيلي برأسها ببساطة.
كان فجراً صاخباً، بالنسبة لها وحدها فقط.
***
في صباح اليوم التالي،
جاء ديلان إلى غرفة الصلاة الغربية كما وعد.
لكن الغرفة كانت فارغة تمامًا.
‘هل لم تستيقظ بعد؟’
ربما كان من الصعب النهوض في هذا الوقت المبكر.
أو ربما تخلت عن الاتفاق.
وبينما كان ديلان يسير داخل الغرفة بانتظار هيلي،
برزت يد بيضاء من تحت الطاولة.
“أنا هنا.”
“…قديسة؟”
ثم لاحظ خصلات شعر فضية طويلة تخرج من تحت الطاولة.
“لماذا أنتِ هناك؟”
“شش.”
اقترب منها، فمدت يدها وسحبته تحت الطاولة.
ولم يقاوم.
“هناك كاهنة تُدعى إيفي تبحث عني.”
إيفي؟
‘هل تقصد إيفيجينيا التي ترافقها؟’
إن كانت هي، فلا داعي للقلق.
فـإيفيجينيا لم تكن مؤمنة بحاكم الأرض بل من أتباع ديانا المتعصبين.
وهي من أوصل نتائج الاجتماع إلى ديانا وديلان،
اللذين طالما نبذهما المعبد بسبب ديانة والدتهما.
‘لا حاجة للاختباء…’
لكنه لم يرغب في فقدان ثقة أي طرف، لذا قرر أن يلتزم الصمت.
وبما أن جسد ديلان الكبير انضم إليها تحت الطاولة،
اضطرت هيلي لتقليص جسدها أكثر.
وقد لامس شعرها الأرض.
وبما أنهما قد اختبآ،
قرر ديلان رفع شعرها الفضي الجميل عن الأرض بلطف.
كان شعرها كأن شعاع قمرٍ قد حُبس فيه.
ثم رفع عينيه لينظر في عينيها.
“المعبد لن يقوم بطردك بسهولة.”
لن يسمحوا بفقدان شخص كهيلي.
“أعرف. لهذا طلبت مساعدتك.”
“حتى بعد الطرد، ستكون الأمور معقدة.”
حتى إن تم طردها، فاسمها ما زال ‘ترافيا’.
أي أنها ما تزال تابعة لعائلة الماركيز ترافيا.
لذا، لا بد من تغيير انتمائها بعد الطرد.
وبينما كان ديلان يفكر،
خطر له أولًا طريقة لتغيير انتمائها قبل أن يجد وسيلة لطردها.
“لكن هناك طريقة واحدة يمكننا بها تغيير انتمائك بعد الطرد.”
كانت هناك طريقة لا بأس بها.
طريقة تجعلها تنفصل عن ترافيا وتبقى تحت حماية ديلان.
“وما هي؟”
“بسيطة جدًا. نتزوج.”
قالها ديلان بوجه جاد تمامًا.
كأنه يشرح خطة عسكرية لجنوده.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 8"