استمتعوا
يغوص جسد إينو المبتلع في عمق البحر. كانت تظن أنه لن تفتح عينيها مجددًا، لكن أمام هبوب الموت ببطء، تفتح إينو عينيها تدريجيًا.
ثم تبدأ تسترجع ذكريات شبابها.
في يومٍ من الأيام، في مقاطعة كوتيا التابعة للكونت، حيث اجتمع النبلاء، التقت إينو برجل.
رجل أعمال وسيم يتمتع بصوت ناعم.
كان ذلك الرجل من بين الزائرين للكونت، أرقى وألطف من قابلته إينو.
وبما أن له علاقة طيبة مع خالها من جهة الأم، استمر في زيارة القصر بين الحين والآخر. كان ينظر إلى إينو بعينين مفعمتين بالحب، وأيضًا وقعت إينو في غرامه.
نعم، كانت إينو تعتقد حقًا أنه مجرد رجل أعمال.
لم تكن تعرف اسمه، أو طبيعة عمله، أو إن كان متزوجًا. فهي التي قضت حياتها في الإقليم الريفي المعزول، لم تكن تعلم شيئًا.
لأن ذلك الرجل كان يلتقي بها دون أن يخلع خاتم زواجه.
وبعد وفاة والديها، ورغم أن خالها استولى على لقبها، لم تعرف إينو كيف تشك في الناس بعمق. وكان ذلك أمرًا مخزيًا بحق.
في اليوم الذي عرفت فيه أن اسم الرجل هو ترافيا.
وفي اليوم الذي اكتشفت فيه أن لديه زوجة محبة وطفلين.
علمت إينو أن في بطنها طفل ذلك الرجل. وبمظهرها المتعب، قالت.
“…… يجب أن أجهض.”
احتضنها إيدن، بيده الدافئة المرتعشة، على كتفها.
“لكن إينو، فكري مرة أخرى. إن لم يكن ماركيز ترافيا، سيزوجك خالك لرجل آخر. ألا تتذكرين كيف جاء لوين إلى القصر وطلب خطبتك؟“
أومأت إينو برأسها وهي تبكي.
“حتى وإن كان عشيقًا، فهو يحبك، ومن الأفضل أن تعيشي بجانب من تحبين. الماركيز سيفعل كل ما ترغبين فيه.”
فكرت في الطفل في بطنها.
بصوت قلق، قال إيدن.
“وهذه فرصة، إينو. فرصة للهروب من هذا المكان الحقير دفعة واحدة.”
اختارت إينو أمانها وحبها. آه، هل يصح أن تقول إنها اختارت الحب؟ ربما منذ تلك اللحظة أصبح أمانها أهم من الحب.
ومع ولادة الطفل، دخلت إينو إلى قصر الماركيز.
هناك، التقت بتلك الفتاة الصغيرة مجددًا.
هيلي كانت تحدق فيها، وإينو تجاهلت تلك النظرات.
“كوني صارمة، إينو. فكري في ابنك. ماذا ستفعلين لو أُزيل مليكير من ذلك البيت؟“
كانت إينو حساسة جدًا بشأن طفلها. كان مليكير سبب حياتها وكأنّه كل وجودها.
هيلي التي كانت تعاني من إصابة في ساقها، اتهمت إينو بأنها الفاعلة. لكن إينو هزّت رأسها بالنفي، لأنها لم تكن هي الفاعلة حقًا.
بدأت إينو تشك في إيدن. وبعد تحقيقات متكررة، اعترف إيدن بفعلته.
“أنا من فعلها، رأيتي، كان لا بد من فرض السيطرة.”
“لماذا… لم تخبرني مسبقًا؟“
“لأنك كنتي ستبدين واضحة. لم يعجبك؟ اذهبي وأفشي الأمر إن أردت.”
عرفت إينو لاحقًا أن جريمتها لم تُمحى بمجرد جهلها.
إيدن ارتكب ذلك من أجل إينو ومليكير، وإينو لم تفضحه، فكانت شريكته في الجريمة.
“هل ستذهب إلى المبنى الفرعي؟“
“نعم. سأذهب لأقنع فريكسوس بالراحة. رغم شفائه من المرض، جسده لا يزال ضعيفًا، فالأفضل أن ينزل إلى الريف.”
كان يقصد الذهاب للتهديد لا الاقتناع.
“لذا، لا تدعي هيلي تقترب من المبنى الفرعي. هل فهمتِ؟ إن أتت وأحدثت فوضى… هاه… قد أضربها فعلاً. انظري إلى هذا الكدمة؟ هي ضربتني بعصا المشي.”
ضحك إيدن ساخرًا متباهياً.
فأمسكت إينو هيلي، ولم ترغب في أن تذهب إلى المبنى الفرعي حتى يعود إيدن إلى المبنى الرئيسي.
عندما سمعت نبأ وفاة فريكسوس، أصابها اليأس.
هل كان يجب أن ترسل هيلي إلى المبنى الفرعي؟ لو فعلت ذلك، لما مات فريكسوس. لو وصلت قبل موته، ما كان ليحدث ما حدث. لو أرسلتها قبل أن يرتكب إيدن فعلته…
نظرت إينو إلى إيدن المغمى عليه. مثل هيلي، حاولت قتله لكنها تراجعت.
‘هل أستطيع أن أحمي مليكير في القصر بدون إيدن؟‘
لم تكن واثقة.
‘لو استطعت حماية مليكير بدونه…’
ربما عندها ستتخذ قرارًا مختلفًا، فكرت إينو.
حين عادت مع إيدن إلى القصر بعد زيارتها لقبر فريكسوس، مرت الأيام، ورأت إينو هيلي التي جاءت على ظهر حصان. بعدما تخلى عنها عربة المعبد وهربت، استأجرت حصانًا من الصيادين. حدقت إينو فيها مذهولة.
“أريد أن أركب الحصان وأركض بسرعة. أريد أن أذهب إلى أي مكان.”
“يمكنك الركوب في العربة. سأعطيك شخصًا تثقين به. ركوب الحصان خطير. هناك من سقط ودهس رأسه الحصان. لو تأذيتِ، فماذا سيكون شعوري؟“
هل هذا همس حب أم لعنة قيد؟
لو كان الأمر في الماضي، ربما اعتبرت هذه الكلمات علامة حب وفخرت بها، لكن إينو رأت هيلي وهي تمسك بالزمام، ولم تعد تفكر كما كان.
في حضن زوجها الدافئ، لم تشعر إينو بالحب بل بالغربة.
لا أستطيع ركوب الحصان، إلى أين يمكنني المشي؟
‘ربما لن أمشي كثيرًا.’
يد إيدن ودفء حضن زوجها.
دافئان جدًا لدرجة كادت قدماي تذوبان.
لن أمشي كثيرًا، لكن قدماي لم تذوبا بعد. هل يجب أن أنهض قبل أن تذوب؟
عندما عادت هيلي إلى العاصمة، أخبرتها إينو بمكان نيفيلي.
لم تكن تتمنى موت نيفيلي.
رؤية تيمستو، مساعدة زوجها، وهي تلبس قرطًا يشبه قرطها، أعطى إينو رؤية أوضح عن المستقبل.
حان وقت أن تُترك هي. إذا أنجبت تيمستو طفلًا، سيموت ميليكير.
لم ترغب إينو في أن تُترك، فاختارت أن تَترك أولاً. سلمت الصندوق المقدس التي أخفاها زوجها للأميرة الأولى، وأبلغت بسر مخطط الاغتيال الذي استمعت إليه سرًا.
كانت ترغب في العيش مع ابنها.
حين استمعت هيلي لصوت الحاكم، كانت إينو الغارقة في البحر تستحضر صوت هيلي.
“إينو، لماذا اخترتِ ذلك الخيار؟“
لماذا أسألتني عن اختياري؟
‘… لأنك جئت على ظهر الحصان.’
كنت تمسكين بالزمام.
أيام حبنا ضبابية، لكن صورتك وأنت تأتين على الحصان لا تفارق ذهني.
السموم التي تسري في جسدي تحاول سلب حياتي.
لا أحد يهتم بقصتك، إينو، فلتصمتي الآن كأنك تهددين.
رغم عزيمتها على الموت، قاومت إينو تلك الضغوط.
لم تكن تريد البراءة أو الشفقة.
كانت فقط تتوسل أن تُسمع قصتها لمرة واحدة فقط.
وفي أعماق البحر حيث لا صوت، تُخمد قصة إينو.
***
قالت كاليستو لهيلي إن تيتيس ستنقذ إينو وتخرجها إلى الشاطئ، فنزلتا الجبل معًا نحو الساحل. كان هناك قارب صغير بالقرب من الشاطئ، حمل تيتيس وإينو.
التفت تيتيس، التي كانت تضغط على صدر إينو، إلى هيلي الواقفة على الرمال. وما إن التقت عيناهما، حملت تيتيس إينو ومشت مسرعة نحو اليابسة من البحر، بحركة عاجلة وجريئة كالأمواج.
وقفت تيتيس أمام هيلي وقالت.
“ألم تقرر سموك بالفعل إنقاذ هذا الشخص؟ أليس لذلك أطلقتي سهمك نحو إيدن؟“
السهم المغروس في جسد إيدن كان سهم هيلي. لم تُدرك كيف رأت ذلك.
“أرجو مرة أخرى… أن تشفي إينو.”
“لماذا تطلب الكونت ذلك؟ لا علاقة لكِ بها.”
“لقد أمروني بأن أنقذ إينو ومليكير وأهرب بهما إلى الخارج. لكنني لم أستطع الإمساك بإيدن، ولم أنقذ مليكير. ما زال علي تنفيذ الأمر المتبقي. سأنقذ إينو وأرسلها إلى الخارج. قد يقولون إنني تأخرت وأفسدت الأمر، لكنني أريد أن أفعل ذلك على الأقل.”
كانت تيتيس ترغب في إنقاذ إينو. تأخر العلاج يعني الموت. وأسرعت تشرح السبب بدون توقف.
كانت مياه البحر تقطر من شعر تيتيس وملابسها. حدقت هيلي فيها، ثم مدت يدها لتشفي إينو. كانت قد مدت يدها لإينو من قبل، وهذه المرة لم تحتاج إلى نفس الحزم.
وراء تيتيس، امتدت البحار الزرقاء.
بينما كانت تنظر بين البحر وتيتيس، أدركت هيلي شيئًا.
البحر عاصف وله زوايا غبية، لكنه يحتضن كل شيء.
وتيتيس، رغم كبر حجمها وتهديدها، يُقال عنها حمقاء.
البحر سيحتضنك.
صوت الحاكم الذي سمعته قبل قليل، وصل متأخرًا ليحك أذن هيلي.
من حلقها المتصلب كالكهف الماطر، جهدت هيلي لإخراج صوتها.
“…كنتِ أنتِ البحر.”
“ماذا؟ آه، اسمي يعني البحر، لكن لماذا…؟“
ومع دهشة تيتيس، رمشت عينيها الكبيرتين.
انتهى شفاء إينو، وضحكت هيلي بابتسامة مشوهة وانحنت برأسها. قطرة دمعة سقطت على الرمال وتركت أثرًا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 79"