استمتعوا
نوك… نوك… نوك…
كان ثمّة من يطرق الباب.
ففتح روبين، الذي كان يحرس مخبأ إينو، الباب بحذر.
“ما الأمر؟“
“آه، سُمِعت إشاعة عن وجود مريض.”
ابتسم الكاهن رون بلطف وأشار إلى المنشفة البيضاء المعلّقة على الباب.
‘يا للحرج.’
كان من المفترض إزالة المنشفة البيضاء عن الباب بعد أن يُنجز الكاهن مهمّة الشفاء. غير أن المنشفة ما تزال معلّقة على باب المنزل الذي تقيم فيه إينو، ذلك لأن حالة هيلي المفاجئة سبّبت بعض الفوضى.
أجاب روبين بابتسامة ودودة أيضًا.
“لا، لقد قامت السيدة بعلاجها منذ وقتٍ قصير. نسيتُ فقط إزالة المنشفة.”
“أهكذا الأمر؟ حسنٌ إذًا، ما دام لا توجد مشكلة. سأعود إذاً.”
“نعم، شكرًا على اهتمامك.”
أغلق روبين الباب لا ببطء ولا بعجلة.
‘لو أن الارشيدوقة كانت قد وصلت من قبل، لما اضطررتُ للمجيء. حسنٌ، الآن يمكنني العودة إلى المعبد والحصول على قسط من الراحة.’
أخذ رون، المنهك حتى العظم، نفسًا عميقًا وأطلقه بارتياح. كان يستعد للعودة إلى المعبد بعد أن أنهى علاج منطقته برفقة الفرسان المقدّسين… ولكن…
“…!”
ظهر من خلال النافذة المفتوحة قليلاً طيفُ امرأة. كانت امرأة ذات شعرٍ أحمر مربوطٍ لأعلى، ترتب الستائر، تبدو وكأنها لوحة فنية حيّة.
تلاقى نظر الكاهن ونظر المرأة.
كانت إينو تُهوِّي هواء الغرفة بعد أن تلقّى المريض العلاج، وقد ارتعبت حين شعرت أن هناك من يراقبها. لم يكن السبب جمال الرجل، بل كانت الصدمة من وجود شخص يراقبها دون علمها.
أغلقت النافذة بسرعة وأسدلت الستائر. أما رون، فظلّ ينظر إلى المكان الذي كانت واقفة فيه.
‘أهذا… حب؟ هل أنا واقع في الحب الآن؟‘
في عربة العودة إلى المعبد، وفي مسكنه داخل المعبد، لم يستطع رون استجماع شتات ذهنه. وجه المرأة التي رآها في وضح النهار لم يغب عن ذهنه.
في اليوم التالي.
كان أحد الكهنة الأكبر سنًّا قد رأى وجه رون الشاحب أثناء جولته على خيام العلاج، فسأله.
“رون، ما خطب وجهك؟ ألم تنم؟“
“…آه، أخي، تعلم المنزل القديم هناك عند سفح الجبل؟ كنت أظنه خالياً، لكن تبيّن أن فيه ساكنًا.”
“حقاً؟ لم أكن أعلم.”
بدأ رون يمدح إينو بنظرةٍ حالمة.
“لكن، المرأة التي تعيش هناك… جميلة، جميلة بشكل لا يوصف. يا إلهي، كيف لم ألحظ هذا من قبل؟ هل انتقلت حديثاً؟“
“يا هذا، أأنت ذهبت لعلاج الناس أم لمشاهدة وجوه النساء؟ لهذا السبب لم تنم؟ كنت تفكر في وجهها طوال الليل؟“
“لا يمكنني التحكم في الأمر! كيف لإنسان أن يكون بهذا الجمال؟ لم أرَ امرأة مثلها من قبل. لو لم تكن متزوجة، لكنتُ دعوتها لتناول وجبة معي.”
لم يكن ينوي التعمّق، لكن الفضول دبّ في الكاهن الأكبر أيضًا.
“كيف يبدو وجهها إلى هذا الحد؟“
“يا له من جمال ساحر! شعرها الأحمر يلمع مع كل حركة، حتى إن قلبي ارتجف حين رأيتها!”
ظلّا يتحدثان طويلًا دون أن يدركا أن هناك من كان يستمع إلى حديثهما من بعيد.
***
بعد أن فقدت وعيها، لم تستفق هيلي إلا بعد مرور يومٍ كامل.
“أوه؟ أفقتي، هيلي؟“
ما إن فتحت عينيها حتى كان موري بجوارها، يراقب حالتها، وقد بدا من إمساكها بأصابعها أنه كان ينقل لها القوة الروحية.
“هل أنت بخير؟“
“…شكرًا لكِ. بفضلكِ أنا بخير، أشعر بالانتعاش.”
ابتسم موري بفخر وبدأ يسرد ما حدث البارحة.
“لقد توليت أنا المنطقة التي كانت مخصصة لكِ! لو لم تكوني بخير اليوم أيضًا، كنت سأكمل نيابةً عنكِ. الكهنة هنا ليسوا بالكفاءة.”
“لا بأس. دعنا نذهب معًا.”
“حسناً، حسناً.”
تناولت هيلي كوب الماء الذي قدّمته إحدى خادمات القصر. وبدأت ذاكرتها تستعيد ببطء ما حدث قبل أن تُغمض عينيها.
لكنها لم تحصل على الإجابة التي كانت تبحث عنها.
‘يبدو أن القدر لا يريدني أن أعرف ما في قلب إينو.’
إذًا، فلنكفّ عن السؤال. سأكتفي بما يخبرني به قلبي.
وقفت هيلي لتخرج. شعرت أن عليها أن تتحرك لتزيح التفكير بإينو عن ذهنها.
ولعدة أيام، حتى تم تطوير العلاج المناسب، ظل نصف الحاكم والإنسان يجوبان المناطق المختلفة، يبذلان القوة المقدسة بلا توقف. ورغم أن الكهنة والجنود القادمين من المعبد والمقاطعات المجاورة قد وصلوا، بقي الاثنان يعملان بلا كلل.
فهيلي كانت تحاول أن تتخلّص من أفكارها.
وموري كان يسعى لغفران والدته.
وحين استقرت الأحوال أخيرًا، سقط الاثنان في نومٍ عميق كما لو كانا قد أُغمي عليهما.
***
خلال غفوتهما، ذاب الجليد وحلّ الربيع. وبفضل جهود هيلي وموري، استقرّت أوضاع الإقليم بشكل كبير.
في الأيام الأولى من استيقاظها، لم تغادر هيلي سريرها. أما موري، الذي كان قد أُغمي عليه أيضًا، فقد شعر بالملل لدرجة أنه زار غرفة هيلي وهو محمول على ظهر أحد الفرسان.
كان بإمكانها العودة إلى العاصمة على الفور، لكنها لم تكن تشعر بالنشاط، فأرسلت إلى ديلان تطلب تأجيل عودتها أسبوعًا.
وفي أحد الأيام بعد عدّة ليالٍ، ساد الاضطراب في القصر.
“سمعت أن السيدة هنا أيضًا! أين هي؟! أين هي؟!”
كان السبب هو زيارة كاليستو إلى إقليم ماركونتي، بناءً على أمر من ديانا. ومع أن الأمر كان شكليًّا، إلا أن كاليستو اعتبرتها إجازة انتزعها بعد جهد.
وبعد أن أنهت عملها، ظلت كاليستو يراقب هيلي بقلق.
“أتودّين الذهاب للصيد؟ أرغب برؤية مهاراتك في الرماية التي درّبتك عليها.”
“…ستتفاجئين حين تريها.”
ويبدو أن تدريبها اليومي في بلوتاروس تحت إشراف روز قد أثمر.
أصرت كاليستو على اصطحابها إلى ميدان تدريب تيتيس، متذرّعة بأنها تريد التحقق بعينيها من تقدمها. رؤية هيلي تتحرك بعد أن كانت طريحة الفراش أراحَت أهل القصر كثيرًا.
“بالمناسبة، سمعت أن الأمير ميلياغروس. يرسل رسائل إلى روز كثيرًا هذه الأيام. هل كنتِ تعلمين؟“
‘ميلياغروس… ماذا؟‘
ما إن ورد الاسم إلى ذهنها حتى عضّت على لسانها.
‘يا لهذه اللعنة.’
لطالما كانت سهامها تصيب الهدف بدقة، لكنها هذه المرة حادت عن المركز.
“ستخرج عيناكِ من فرط التركيز.”
في القصة التي قرأتها، كان ميلياغروس الحبيب الأول لروز، والذي توفي مبكرًا. ألم يكن هناك مشهدٌ تتذكر فيه روز حبيبها السابق بينما تواعد رجالًا آخرين؟
‘هل سيموت مبكرًا هذه المرة أيضًا؟‘
لكن الكثير تغيّر. ديلان لم يمت، وبتبديل اسمها، تبدّل مصير روز كذلك. فهل يا ترى سيتغير مصير ميلياغروس أيضًا؟
بقلقٍ يختلط بالأمل، أمسكت هيلي بقوسها مجددًا.
***
بعد عدّة أيام، خرجت هيلي للصيد في الغابة بناءً على اقتراح كاليستو. بدت كاليستو متحمسة للغاية وهي تغنّي أغنية صيد الدببة، كأنما تشعر بالحرية بعد مغادرته العاصمة.
رافقهما فارسَان، وكان من المفترض أن تنضمّ إليهم تيتيس وفارس آخر لاحقًا في الجبل.
‘ما هذا؟‘
شعرت هيلي بشيء مريب في منزل إينو القريب وهي تصعد الجبل.
‘…أنا حقًا مريضة.’
لو خطت داخل هذا المنزل مرةً أخرى، لربّما نقص من عمرها سنوات. فحوّلت عينيها عن مخبأ إينو.
وزّعت كاليستو صفّارات صغيرة على الفُرسان، كانت قد أُعطيت لها من قبل تيتيس قبل الانطلاق.
“أنا والسيدة سنصعد إلى القمّة، وسنبدأ التفتيش من المنطقة رقم واحد القريبة. لو رأيتم شيئًا، أطلقوا الصفّارة.”
“مفهوم. أتمنى أن نتمكن من صيد غزال رائع.”
“الغزال صغير جدًا! أتمنى أن نصطاد دبًا!”
“لا تظهر الدببة هنا.”
فقالت كاليستو مستاءً “تفو، الغزال لا يبدو مثيرًا.”
أخذت هيلي الصفّارة المعلّقة بخيط، ووضعتها حول عنقها مثل الآخرين.
“تعلمين؟ السيدة ديانا نفخت فيها يومًا على سبيل المزاح، لكن تيتيس هرعت إليها فورًا رغم بعد المسافة! كانت مفاجأة مذهلة.”
حاسةٌ بهيمية بحق. فكّرت في النفخ بها، لكنها آثرت ألّا تختبر تيتيس المشغولة الآن.
وحين وصلا إلى القمّة، أمسكت كاليستو برسغ هيلي بلطف، ثم وضعت إصبعها على شفتيها وهمست.
“…يوجد رجلٌ مسلّح بالأعلى. يبدو أنه يتجادل مع شخصٍ ما، لا أرى وجهه بوضوح.”
في تلك اللحظة، بدأت هيلي تشعر بوجود غريب. ومن زاويتها، استطاعت رؤية وجه الرجل.
“…!”
كادت شهقةُ ذهول أن تخرج منها، لكنها غطّت فمها بكفّها.
كان إيدن، الهارب، موجودًا هناك.
‘ثمة آثار حروق!’
شعره الأحمر صُبغ بالأسود، وامتدّت الحروق من جبهته حتى أسفل أنفه.
‘هل أحرق وجهه عمدًا؟‘
انحنت كاليستو قليلاً كما لو كانت تحميها، وبدأت تراقب الموقف. لم تستطع هيلي التكلّم من شدة المفاجأة، فكتبت اسم إيدن على كفّ كاليستو. فأومأت برأسها دون انفعال.
“نعم، إيدن يوجّه سلاحه نحو إينو، والفتى الملقى بجانبه هو على الأرجح ميليكير.”
كانت إينو تبكي بحرقة، ودماء تسيل من ظهر ميليكر الممدّدة.
‘لا أستطيع سماع ما يقولونه، من الصعب الحكم. لكن، من كمية الدم تلك… لا شك أن ميليكر قد مات بالفعل.’
تنهدت كاليستو وهي يراقب الوضع. لقد كانت إينو الطعم، لكنها كانت قد حصلت على وعد من ديانا بالانتقال مع ميليكر إلى بلدٍ آخر. لذا، كان من الضروري إيقاف إيدن قبل أن يقتلها.
استدار نحو هيلي لإعلامها بضرورة التدخل. لكنّه رأى قبضتها قد اشتدّت على القوس.
“هل ستطلقين السهم؟“
أومأت هيلي برأسها بصمت، وقد حبست أنفاسها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 77"