استمتعوا
البابا سقط أرضاً، وبدأت فترة التأديب التاسعة لهيلي ترافيا.
عادت هيلي إلى غرفتها، واستحمت، ثم تمددت على السرير تتناول العنب، وأخذت تعيد التفكير بهدوء في أحداث الشهر الماضي.
ليست كاهنة رفيعة، بل ‘القديسة’.
يُطلقون على هيلي لقب ‘القديسة’، ويستخدمونها أداة دعائية كاملة باسم المعبد، دون أن يمنحوها أي سلطة حقيقية.
تلك كانت طريقة المعبد في التعامل مع هيلي.
عندما استحضرت هيلي وضعها الحالي،
قطّبت حاجبيها وكأن رائحة عفن انتشرت في الغرفة.
“……اريد حقا أن أطرد من المعبد.”
أرادت مغادرة المعبد فوراً،
لكن المعبد لم يكن ليدعها تذهب بهذه السهولة.
“الهرب لن يكون سهلاً أيضاً.”
من الواضح أنها ستُكتشف خلال أقل من يوم إن حاولت الهروب.
والأسوأ من ذلك، أن وقوعها في يد جماعة مشبوهة قد يؤدي إلى استغلال قوتها المقدسة.
خصوصاً وأنها قدّمت عرضاً أمام شعب الإمبراطورية وهي تنشر الزهور، لذا فالتوقيت سيئ للغاية.
“ماذا لو هربت وانتهى بي الأمر في مزرعة للحشيش؟”
تخيلت هيلي نفسها تتعرض للجلد وهي تنفخ قوى مقدسة في نبات الحشيش، فسقطت حبة العنب من يدها.
كان هناك خيار أفضل نسبياً.
أن تدخل منزل نبيل ثري وتقوم بعلاج أفراد عائلته.
رغم أن هذا أفضل من زراعة الحشيش تحت الجلد،
إلا أنها لم تكن تميل لذلك أيضاً.
إن مارس المعبد أو عائلة ترافيا ضغوطاً،
سيقوم هؤلاء النبلاء بتسليمها فوراً.
“أحتاج شخصاً يحميني……”
يجب أن تتشبث بشخص قوي بما فيه الكفاية ليواجه عائلة ترافيا، ولا يقوم بأعمال غير قانونية مثل زراعة الحشيش.
‘لكن، هل يوجد شخص كهذا؟’
في تلك اللحظة، تذكرت هيلي اسمين.
“آه، فعلاً… هناك من هو مناسب.”
توأما تيلون، الأميرة الأولى ديانا والأمير الأول ديلان.
خصوصاً الأخ الأصغر، ديلان.
كان في خلاف مع البابا والإمبراطور بسبب الدين،
ولم تكن علاقته جيدة مع ماركيز ترافيا المقرب من الإمبراطور.
إرسال الإمبراطور له إلى الشمال،
إلى بلوتاروس، كان دليلاً على ذلك.
ديلان، الذي كان على وشك البدء في حملة تطهير الوحوش، سيحتاج إلى قوى هيلي.
ولكي يحصل على قوتها، سيكون مستعداً لحمايتها.
“……لكن كيف سأقابله؟”
تخضع هيلي لمراقبة شديدة من قبل المعبد،
ولا يُسمح لها بالخروج بسهولة.
منذ أن خالفت أوامر المعبد، زادت شدة المراقبة أكثر.
لذا لم يكن أمامها خيار سوى الانتظار حتى يأتي ديلان بنفسه إلى المعبد.
لكن اللقاء يبدو بعيداً أكثر مما توقعت، وبدأ رأسها يؤلمها.
‘لا، ليس بالضرورة.’
في مكانٍ ما في هذا المعبد الواسع،
لا بد أن هناك آذاناً تنتمي إلى الأميرة أو الدوق الاكبر.
إذا وصل ما قالته هيلي في الاجتماع اليوم إلى مسامع أحدهما، فلا شك أنهما سيبادران بالاقتراب منها.
وهيلي كانت تؤمن بذلك.
***
بينما كانت هيلي تمضغ العنب وتفكر في مكانٍ تلجأ إليه،
كان توأما تلون ينتظران نتائج اجتماع المعبد.
الأميرة الأولى ديانا، التي جلست في المقعد الأعلى بفارق ست دقائق عن أخيها، أظهرت وجهًا يدل على أنها ستموت من الملل.
أما الأمير الأول ديلان، دوق هايدل، الذي عاد إلى العاصمة من الشمال فجر الأمس، فكانت عيناه تعكسان توتراً واضحاً.
نوك نوك—
بعد قليل، سُمع طرقٌ خفيف على الباب، فأذنت ديانا بالدخول.
كان الطارق أحد الخدم الذين أُرسلوا إلى المعبد لجلب أخبار الاجتماع قبل الإعلان الرسمي.
“قدّم تقريرك.”
وبدأ الخادم بنقل ما سمعه من جاسوسهم داخل المعبد.
“خلال مناقشة إرسال ثلاثة كهنة إلى الشمال،
توقف الاجتماع فجأة.”
ثلاثة كهنة.
بمجرد سماعه ذلك، غطى ديلان وجهه بكفه.
هناك وحوش تظهر عند الحدود الشمالية،
والمعبد يرسل فقط ثلاثة كهنة؟
من المؤكد أن قواهم المقدسة لن تكون كافية.
يوجد كهنة في بلوتاروس.
لكنهم ليسوا ممن يمتلكون قوى مقدسة،
بل ممن يسمعون صوت الحاكمة فقط.
ليسو مناسبين للمشاركة في حملات التطهير.
“هاه……”
“المعبد فقد صوابه.”
قالت ديانا ساخرة، وهمست بشتيمة بصوت منخفض.
ثم، وقد تذكّرت كلمات الخادم، سألت:
“لكن، ما الذي أوقف الاجتماع فجأة؟ هل حدث أمر طارئ؟”
“يبدو أن البابا أغمي عليه خلال الاجتماع.”
“أغمي عليه؟ البابا؟ أليس لديه قوى مقدسة؟
لماذا أغمي عليه فجأة؟”
لا بد أنه يتظاهر بالمرض.
أو ربما أُصيب بجروح قاتلة دون أن يتمكن أحد من معالجته.
غير ذلك، فلا يوجد سبب حقيقي لسقوط البابا.
“ذلك……”
أزاح ديلان يده عن وجهه وقد بدا عليه الفضول.
أمال هو وديانا رأسيهما في الوقت ذاته.
وقد بدا الخادم متوتراً من ضغط النظرات الذهبية الأربع عليه،
فخفض عينيه وقال:
“إنه… قهر داخلي، كما قيل.”
“قهر؟”
تفاجأ ديلان بالكلمة غير المتوقعة. ثم،
“فهاها!”
انفجرت ديانا ضاحكة.
كانت ضحكتها عالية كعادتها.
ضربت ركبتها وقالت:
“أجل، المشاعر لا تُعالج بالقوى المقدسة!”
الجراح النفسية والاكتئاب لا تُشفى بالقوى المقدسة.
في هذه المرحلة،
لم يكن هناك سبب يجعل البابا يطيل الاجتماع بادعاء المرض.
على الأقل حسب ما تعرفه ديانا.
لذا من المؤكد أنه قد سقط فعلاً.
بسبب الغضب.
وبينما كانت لا تزال تضحك،
بدأت ديانا تحلل الأمور بعقلها، ثم هدأت من ضحكتها.
“البابا يسقط من القهر، والقديسة تُعاقب بالتأديب.”
تألقت عيناها الذهبيتان اللتان تشبهان عيني وحش.
“هل يمكن أن يكون غضب البابا سببه القديسة؟”
“نعم، قيل إنها أثارت فوضى في قاعة الاجتماع.”
استعادت ديانا صورة هيلي كما عرفتها.
شعر فضي نقي، وعيون زرقاء، كأنها نعمة من الحاكمة.
لقب ‘قديسة’ يبدو جميلاً، لكنها في الحقيقة مجرد أداة للمعبد.
لطالما كانت تُساق بهدوء إلى الطقوس أو لمساعدة الناس بالعلاج.
على الأقل، هذه كانت صورة هيلي المطيعة كما رأتها ديانا قبل أن تهرب نيفيلي.
“لم تكن تبدو كشخص قد يثير الفوضى.”
هزّت ديانا رأسها غير مصدقة.
وعندما سمع ديلان كلمة ‘القديسة’، أغلق عينيه بقوة.
“قيل إنها طالبت بنفسها بالذهاب إلى بلوتاروس.”
“……بنفسها؟”
اتسعت عينا ديلان.
“نعم، رغم معارضة البابا والكهنة الآخرين الذين قالوا إنها يجب أن تبقى في العاصمة، أجابت بقولها: ‘من المناسب أن يذهب من يستطيع المساعدة إلى المكان الذي يحتاج إلى المساعدة.'”
لم يكن الأمر قابلاً للتصديق.
أن تطالب بنفسها بالذهاب إلى الشمال،
المكان الذي يكرهه المعبد بأكمله؟!
المعبد لن يمد يده أولاً إلى بلوتاروس.
إنه يعادي التوأمين المولودين من الإمبراطورة المخلوعة.
إذاً، قرار هيلي بمساعدة الشمال كان نابعاً من إرادتها الحرة تماماً.
‘أتراها أصرت على موقفها فأفسدت علاقتها بالبابا،
ما أدى إلى فرض عقوبة العزل عليها…؟’
تلك الاحتمالية الوحيدة تربعت في ذهن ديلان، تثبت أقدامها فيه.
“وهل عوقبت بالتأديب بسبب ذلك؟”
“ليس فقط لهذا السبب…… قيل إنها سخرت من البابا والكهنة الآخرين أيضاً.”
“……؟”
البابا يُصاب بالقهر، والقديسة تسخر منه؟
الكلمات غريبة وغير متناسقة.
لم تستطع ديانا كبح فضولها وسألت:
“بماذا سخرت منه؟”
“قالت، أن طاقتهم… تافهه.”
“تافهه؟ خـ، فهاهاهاها!!!”
انفجرت ديانا ضاحكة برأسها للخلف.
كانت بالكاد قد هدأت من الضحك قبل قليل، لكنه عاد أقوى.
“آه… هذا مضحك فعلاً.”
مسحت دموعها، وأخذت نفساً.
بعد مغادرة الخادم وتوقف ديانا عن الضحك،
قال ديلان بصوت جاد:
“لماذا قد تقوم القديسة بهذا؟
يبدو أنها تتصرف بشكل إيجابي تجاهنا.”
“لست أدري. ربما لم تعرف أنك من صدمها بالعربة.
لماذا لا تغير اسمك من ديلان إلى ‘الشرير’؟”
“……ديانا، أرجوكِ.”
عند ذكر العربة، شحب وجه ديلان أكثر.
في يوم وفاة فريكسوس وهروب هيلي من قصر الماركيز،
كان هو مالك العربة التي صدمتها.
بعد الحادث، نقل ديلان هيلي إلى المعبد،
وانتظر أسبوعاً حتى تستيقظ.
لكنه اضطر إلى السفر سريعاً إلى الشمال بعد ظهور الوحوش.
عندما علم أن هيلي أصبحت ‘القديسة’،
أرسل رسالة إلى المعبد فوراً.
وبعد عدة أسابيع، تلقى الرد.
“……أخبروني أنها بخير ولا داعي للقلق.”
“وهل تأكدت أن الخط في الرسالة كان خطها؟”
“ماذا؟”
ازداد وجه ديلان شحوباً.
يده كانت ترتعش كما لو أنها ورقة أخيرة معلقة على شجرة شتوية.
“……أظن أنني يجب أن أقابل القديسة.”
ليتأكد إن كانت هي من كتبت الرسالة، وليطلب دعمها أيضاً.
“إذاً، سأذهب أنا أيضاً.”
“لماذا أنتِ؟”
“فقط، أصبحت مهتمة بتلك الفتاة.”
على عكس ديلان، كانت ديانا تبتسم بخفة وهدوء.
***
بعد ثلاثة أيام، انتهت فترة تأديب هيلي.
وكانت أول من طرق بابها هي إيفي،
التي شعرت بالوحدة في غيابها.
اقترحت أن تتسللا إلى غرفة السكرتارية التي كانت خالية،
وتتركا صلاة الفجر جانباً ويتسكعا هناك.
أُغرِيت هيلي بالفكرة، فنهضت من سريرها وذهبت معها.
وأثناء توجههما إلى قاعة الصلاة،
رأتا من خلف المبنى وهجاً صغيراً.
في نفس الوقت، شمّتا رائحة دخان.
فظهر بعض المتدربين خلف المبنى.
شعرت هيلي بأن هناك شيئاً مريباً،
فسحبت إيفي معها وتقدمت نحو الخلف.
ثم أطلت برأسها بين الكهنة.
“مهلا، أنتم، ما الذي تفعلونه هنا؟”
“القـ، القديسة؟”
تفاجأ الجميع من نبرة كلامها اللامبالية والعامية.
لم تكن هذه هي الصورة التي يعرفونها عن القديسة.
لكن صدمتهم لم تكن فقط من مظهر هيلي،
بل لأنهم حاولوا إخفاء شيء.
“آه، هذا!”
“أنتم تقومون بالتدخين داخل المعبد؟ قومو بتسليمها، مصادره.”
قامت هيلي بتفتيشهم تماماً.
وسقط كل شيء—أرواحهم، سجائرهم.
إيفي حفظت أسماء المخطئين ثم جعلتهم يذهبون.
كانت تحمل السجائر والولّاعات، وابتسمت وهي تقول:
“سأقوم بأرسال بعضها للمكتب، والباقي سيكون لي!”
وبفرحة كبيرة، وضعت واحدة في فمها،
قائلة: كم مر وقت طويل منذ آخر مرة!
نظرت هيلي إلى السيجارة في فم صديقتها،
فضحكت إيفي ضحكة خفيفة وقرّبت السيجارة من فم هيلي.
“هيلي، افتحي فمك.”
فتحت هيلي فمها قليلاً، فدفعت إيفي السيجارة بين شفتيها.
شعرت هيلي أن الخطوة التالية بديهية، فاستنشقت الدخان.
حينها،
“كخ، ياااه، كح كح! كيف يرغب هؤلاء في تدخين هذا الشيء سرًا حتى؟”
كان الدخان لاذعا للغاية، ودمعت عيناها.
سعلت طويلاً، وعيونها حمراء.
أرادت فقط أن تجرب، لكنها ندمت.
“كان الأولى بي أن آكل التراب……”
“فهاهاها!”
تجاهلت ضحك إيفي، وأطفأت السيجارة على الحائط.
ثم بسرعة، استخدمت قوتها المقدسة لعلاج حلقها ورئتيها.
قديسة الإمبراطورية تعرف جيداً أين ومتى تستخدم قواها.
وفي تلك اللحظة،
“ها.”
سمع صوت ضحكة ساخرة قريبة.
كان صوت ديانا، التي كانت تراقب هيلي منذ قليل،
وعيناها مليئتان بالاهتمام.
نظرت ببطء إلى ديلان لتلاحظ ردة فعله.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 7"