بالنظر إلى بقاء تيلون، ظلت الاوراكل عالقة في ذهنها تؤرقها.
“اتّحاد مَن نال نعمة الحاكم مع العائلة الإمبراطورية في تيلون، سيقود البلاد إلى السلام.”
ذلك ‘الاتّحاد‘ كان يعني العلاقة التي ستتشكّل حين يُعاد الصوف الذهبي .
فإن لم يُعاد، ستغزوهم الوحوش وتُهدد السلام، فإعادته كانت الخيار الأفضل.
‘هل يريدون منا عقد معاهدة عدم الاعتداء مع التنين؟…’
تحمّلت صداعًا شديدًا وأصدرت تعليماتها للمساعد.
“ابحث عن الكتب القديمة التي تحوي أساطير تتعلّق بالتنانين. وانظر إن كانت تذكر شيئًا عن مواثيق، أو عهود، أو وعود، أو عقود.”
حتى إيريس، التي كانت تدّعي أنها من أنصار التفكير العقلي لا الميدان العملي، مثل أختها تيتيس، أُخذت جرًّا إلى المهمة رغم تذمّرها.
***
في وقت متأخر من الليل، دخل الماركيز غرفته، وراح يمرّر يده بحذر على شعر إينو الأحمر، كأنه تفاحة خريف ناضجة. كانت نظرته ولمسته مشبعتين بالمودّة.
“سمعت أنك تذهبين إلى المعبد كثيرًا هذه الأيام.”
“آه، نعم.”
كان الزوجان يستندان جنبًا إلى جنب على السرير، يتبادلان حديثًا هادئًا. أمسك الماركيز يد إينو بلطف.
“ما الذي دعوتِ لأجله؟“
“دعوتُ لسعادتك وسعادة ميليكير.”
“سعادتي وسعادة الطفل أمر جميل، لكن كان عليكِ أن تدعي لسعادتك أولًا.”
“ولكن، كيف لي أن أكون سعيدة وأنت لست كذلك؟“
راقت له كلماتها، وارتسم على وجهه ابتسامة راضية زادت بمرور اللحظة.
“بالمناسبة، قبل أيام، التقيتُ بسموّ الأميرة الأولى في غرفة الصلاة.”
اختفت الابتسامة تدريجيًا من شفتيه، كما لو أن غيمة حجبت الشمس. بدا القلق واضحًا في وجهه، تجاه زوجته، وتجاه الأميرة الأولى.
“حديثها قاسٍ، خشيتُ أن تكوني قد تأذّيتِ منها.”
“كلّ ما حدث هو تحية قصيرة، لا شيء يستدعي القلق.”
توهّجت إينو بابتسامة صافية حين شعرت بحب زوجها.
كانت ابتسامتها تشبه شمسًا يُحبّها أتاس ترافيا.
نوك نوك نوك—
دوّى صوت طرقٍ شديد، قطع هدوء اللحظة، فأجاب الماركيز بتأفف.
“ما الأمر؟“
“أمرٌ خطير لوردي، الآن…”
امرأة ذات وجه شاحب نظرت بتردّد إلى إينو داخل الغرفة. كانت ثيمستو، مساعدة الماركيز. وما إن استوعبت الموقف حتى سارعت إلى الماركيز وهمست في أذنه.
وما إن سمع ما قالت، حتى تغيّرت ملامحه. سُمع صخب شجارٍ من الأسفل.
‘فشل ريكام.’
فهم أن مخططات البابا لم تنجح.
‘بما أن البابا يعرّف على ما في الصندوق، فلا شكّ أن هيلي فهمت أيضًا حقيقته. لقد هزمت ريكام قبل أن يفتح الصندوق وسرقت محتواه.’
وهذا يعني أن الأمير الأول سيأتي قريبًا إلى العاصمة. كان البابا مستعدًّا لقطع الخيط في هذه المرحلة.
يمكنه أن يدّعي أنّ الصندوق الذي أُخذ من مكان امتلأ بالقوة المقدّسة، سلّمه إلى المعبد بظنّ أنه أثرٌ مقدّس، وأنه لا يعرف ما جرى بعد ذلك.
لكن رغم كل ذلك، كان هناك أمر يُقلقه.
لم يكن من المنطقي أن تأتي الأميرة الأولى وتعتقله دون دليل.
‘إذًا، لا بدّ أن بيدها دليل قاطع…’
شعر أن مصيره الموت في الظلّ، إن اعتُقل بهذه الطريقة.
‘لا… لا أريد أن أنتهي هكذا.’
بفعل غريزته، التفت نحو الخزنة التي تخفي الصندوق.
كانت، في تلك اللحظة، ملاذه الوحيد.
ربما يُعتقل إيدن الذي شاركه في المخطط تحت ذريعة التحقيق، لكن إينو لن تُعتقل.
‘ستُحتجز فقط في المنزل حتى تُثبت التهمة… يا لحسن الحظ.’
إذاً—
‘سأسلّم الصندوق لـ إينو . إن كانت هي، فستستطيع الوصول إلى الأميرة الأولى. ثم، عندما تكون الأميرة الأولى و الأمير الاول معًا، يمكنها أن تفتح الصندوق أمامهما—’
وستفعل إينوذلك. لأنها تحبّه. فسعادته هي سعادتها.
ضغط على توتره وراح يُفكّر بسرعة.
الإمبراطور يحتضر، الأمير الثاني محتجز. وإن لم يستفق التوأم، سيتوقّف سير الحكم.
‘لم يُجرّد الأمير الثاني من حق الوراثة بعد.’
ولو مات التوأم، فلن يتردّد النبلاء في تقديم الأمير الثاني نائبًا عن العرش.
لذا، كان عليه إزاحة الأميرة الأولى و الأمير الاول مؤقتًا عن المشهد.
‘نعم، لنستخدم الصندوق.’
كان هذا الصندوق المتبقي مخصصًا لخطّة اغتيال الأميرة الأولى لاحقًا، في حال فشلت المحاولة.
لكن لم يعد هناك وقت. الفرسان سيقتحمون الغرفة في أي لحظة.
عليه النجاة أولًا.
بتوتّر، أزاح اللوحة الكبيرة المعلّقة على الحائط، وفتح الخزنة خلفها.
لكن ما رآه جعله يتنهّد تنهيدة مملوءة بالفراغ والذهول.
“ماذا؟ مستحيل…”
تحسّس خزنةً فارغة.
رغم علمه بأنها فارغة، ظلّ يتحسسها بلا فائدة.
اختفى الذهب، واختفى الصندوق.
توسّعت عيناه بشكل هستيري.
من؟ من سرقها؟
‘لا يمكن… هل يكون إيدن…؟!’
الآن فقط، لاحظ أنه لم يرَ إيدن منذ قليل.
شعر بصداعٍ لاذع. كيف يخونه؟ كيف؟
وفي حين اقتحم الفرسان الغرفة وقيدوه، لم يملك حتى إرادة المقاومة، فقد ابتلع الفراغ كلّ قوته.
فقط إينو وثيمستو، بوجهَين شاحبَين، نظرا إليه بقلق عميق.
⸻
وصلت هيلي وديلان إلى العاصمة بسرعة، وتوجّها مباشرة إلى القصر. كانت ديانا في انتظارهما.
وما إن التقيا بها، حتى أصيب الاثنان بدهشة شديدة. ديلان سأل بصوتٍ مشدوه.
“أبي سقط؟! وضربه ذاك الرجل على رأسه؟ أليس بينهما تفاهم؟ ما الذي حصل فجأة؟“
“لقد دأب على زيارة أمي ليلًا، وهذا أغضب أبي. وخلال شجار دار بينهما، ضربه على رأسه. تعرف كيف يدخّن أبي حين يتوتر. وكان من سوء الحظ وجود منفضة سجائر على الطاولة.”
“لكن لماذا تتورّط أمي في الأمر؟“
شرحت ديانا الموقف بهدوء، فشهقت هيلي من شدّة الذهول.
‘بهذا الشكل، ستتفوق الصحف على الروايات في المبيع.’
وديلان، الذي بدا مذهولًا بنفس القدر، أمسك جبهته.
“حقًا… ما الذي يحدث في هذا المنزل؟“
في بلوتاروس، كانت الأخبار تصل متأخّرة ومبرّدة بفعل الرياح الشمالية، لذا كانت هذه الحكايات الطازجة غريبة ومثيرة.
“ما عدا البابا، كنت أرى أن القبض على الماركيز خطوة خطيرة بسبب امتلاكه الصندوق. لكن كيف أُلقي القبض عليه؟“
“أنا أملك الصندوق. حصلت عليه عبر مُبلِّغ قبل فترة.”
اتسعت أعين هيلي وديلان في دهشة بالغة.
مرة لأن ديانا تملك الصندوق، ومرة ثانية لأن هناك مُبلِّغًا.
“أهناك من سلّمك الصندوق؟“
“نعم. ومن الأفضل أن تتحقّقا أنتما منه.”
رغم أنه تم التحقّق سابقًا، إلا أن فحص من شاهده عن قرب لا غنى عنه.
دخلت كاليستو بالصندوق. كان مطابقًا تمامًا لذلك الذي شاهدوه في بلوتاروس.
“ربما كان علينا إحضار موري أيضًا؟“
“لا حاجة، أستطيع التحقق منه بنفسي.”
لا يمكن فتح الصندوق، لذا كان عليها الاعتماد على الهالة المنبعثة منه.
حملت هيلي الصندوق الموضوع أمامها. بدا صغيرًا وعاديًّا، لكنه كان ثقيلًا… بثقل كوابيسها.
“تقصدين بذلك، موري، نصف الحاكم؟“
“نعم. أرسلته إلى المنزل مع ريكام.”
فيما دار الحديث بين التوأم، أنهت هيلي التحقّق.
“هو نفس الصندوق. ما رأيناه في بلوتاروس كان قد فُتح وترَك وراءه أثر الكابوس. أما هذا، فلم يُفتح إطلاقًا.”
“يا لها من راحة .”
حوّلت هيلي نظرها من الصندوق إلى ديانا، وسألتها.
“هل يمكنك إخباري بمن سلّمه لك؟“
كانت عيناها تقولان إنها تعرف الإجابة مسبقًا.
وكانت مسألة حماية المُبلِّغ من الأولويات. لكن هيلي كانت تملك الحق الكامل في معرفة الحقيقة.
ترددت ديانا قليلًا، ثم قالت.
“…لا أعلم. لا أرغب بإخبارك حقًا.”
لكن تلك الكلمات كانت كافية.
“لم تعودي بحاجة لإخباري.”
لأنها أدركت من كان.
‘…إينو.’
إينو ترافيا هي مَن سلّمت الصندوق إلى ديانا.
منذ لحظة سماعها بوجود مُبلِّغ، كانت تشكّ بها. لذا، لم تتفاجأ كثيرًا. بل راودها شعور بـ‘كما توقّعت‘، وليس ‘لماذا؟‘ .
لأنها، مسبقًا، استغربت تصرفات إينو الغريبة.
لذا لم تصب بالدهشة. بل ظهرت عليها ملامح انتظار غير مُفاجئ. مما جعل ديانا تظن أن هيلي قد خلطت بين الأشخاص.
‘لمَ فعلت إينو ذلك؟‘
لمَ خرجت عن مخططات الماركيز، الذي أحبّته حتى الفناء؟
تمنّت لو كانت إينو شريرة حقًا، وتركته فقط من أجل إنقاذ نفسها.
وليس لأنها لم تستطع تقبّل شرّه.
لكن، هناك ما لا يُفسّر…
‘لمَ أخبرتني بمكان والدتي؟‘
كان الماركيز يسعى لقتل نيفيلي. لكن بفضل رسالة غريبة من إينو، سبقتها إليها، وأنقذتها.
‘أكانت تحاول إنقاذ أمي؟‘
ولكن… لماذا؟ لا علاقة لتلك الخطوة بسلامة إينو. اختفاء نيفيلي كان يصبّ في مصلحتها.
‘ما الذي يدور في ذهنها؟‘
لم تكن هيلي ترغب في فهم إينو، ولا في مسامحتها.
فـ إينو و إيدن تسببا في مقتل فريكسوس منذ أقل من عام، ووالدتها أُهينت، وهي ذاتها طُردت إلى الجناح الخلفي بعد إصابة ساقها.
مسامحة إينو كانت مستحيلة.
لكن، رغبتها الوحيدة الآن كانت في معرفة الدافع فقط.
شفتاها المتبسّمتان بدأتا ترتجفان بشكل غريب.
“هل يمكنني الانصراف؟ هناك أمور عليّ التفكير بها.”
شدّت على شفتيها المرتجفتين وغادرت بهدوء.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 62"