المكان الذي بلغ إليه ثيسيوس بعد فراره، لم يكن سوى قصر ميديا. وخلال طريقه إليه، لم تفارق رأسه فكرة واحدة.
‘من أين انطلقت تلك الشائعات؟‘
قالت له ميديا أن يكتب رسالة تُعلم بزيارته، ففعل كما أمرته. وكانت تلك الرسالة دليلاً دامغًا، يُثبت عدد المرات التي قصدها فيها.
‘هل كانت صورة الإمبراطور مخبّأة عمدًا؟‘
لقاؤه بالإمبراطور اليوم جعله يتيقن من أمرٍ واحد، لم تكن ميديا لتحب رجلاً كهذا.
أجل، صورة الإمبراطور لم تكن سوى حيلة، تخفي بها من يُدعى أوينوني، وتزرع في الوقت ذاته الشقاق بينه وبين الإمبراطور.
لكن من المستفيد من ذلك الخلاف؟
لم يتأخر اسم الأميرة الأولى عن الظهور في ذهنه.
‘…ديانا.’
وحين خرج بجوابٍ مفاده أن ميديا تواطأت مع الأميرة، صرّ على أسنانه حتى كاد يحطمها.
سأقتل ميديا، ثم أقتل تلك المرأة معها.
بسهولة تسلق شجرة مجاورة، ومن ثم دخل من نافذة إلى غرفة ميديا. كانت جالسة على الأريكة نفسها التي جلس عليها سابقًا.
وبدون أن تلتفت، شعرت بوجوده وقالت بهدوء.
“جئت اليوم أيضًا دون إخبار.”
أدارت رأسها ببطء، وتقابلت نظراتهما. كانت عيناها تتفقدان جسده المتورم والمصبوغ بألوان الدم. عضّ ثيسيوس على شفته ووجهه متجهم.
‘كنت سأقتلها حتمًا.’
لكن لمَ؟ لماذا، عندما رأى وجهها، شُلّت إرادته؟ تذكر تلك الابتسامة الخافتة التي منحته إياها وهو جالس على تلك الأريكة.
‘هكذا كان الأمر حين رأيتك لأول مرة في هذه الحياة.’
في ذلك اليوم، حين توسّط الإمبراطور في لقائهما، أخفى خنجرًا في ردائه احتياطًا لأي طارئ. لكنه، ما إن التقت أعينهما وتحدثا، حتى فقد الخنجر حدّته، وتبددت نيران الغضب داخله دون أن تترك أثرًا.
إنه ليس حبًا، بل لعنة. شعور لا يُفسَّر بغير السحر الأسود.
لقد وُلد من جديد ليقتل ميديا ويحصل على كل شيء، لكنه لم يعد قادرًا على قتلها.
دموع غزيرة انهمرت من عينيه، لكنها لم تُوقف ميديا عن الحديث.
“الخدوش زادت عمّا كانت عليه المرة السابقة.”
نهضت من مكانها، وأخرجت زجاجة صغيرة من أحد الأدراج، ثم ناولتها لثيسيوس، الذي ظل واقفًا كالأبله.
“اشرب.”
“…كيف لي أن أعرف ما هذا؟“
“ألست تهلوس؟“
“وكيف علمتِ…؟“
لم تتعرف إليه، لكنّها عرفت حالته بدقّة، أكثر من أي أحد. وكان ذلك، في نظره، أمرًا جميلًا.
تناول الزجاجة بيد، وأمسك يدها الأخرى، ثم طبع قبلةً عليها بلطف.
كان من المتوقع أن تهتز مشاعرها ولو قليلاً، لكنها نظرت إليه بثبات، دون اضطراب.
كان هناك زمن بعيد، حيث كانت تلك العينان الحمراوان تفيض حُبًّا له. وزمن خاف فيه منهما. لكن تلك كانت ذكريات في قلبه وحده، لا يشاركه بها أحد.
قطرات من الدموع تجمعت على أطراف رموشه، ثم سقطت على خده، كأنها تهرب.
لا يزال ممسكًا بيدها، همس لها.
“ميديا، تظنين أنك تعلمين…”
لكنها لا تعلم.
ولهذا وجب أن يخبرها الآن.
“كنت أظن أني أكنّ لك الحقد، لكن بعد مضي الوقت، لم يتبقّ في قلبي إلا الحب. كأنني أُنخل رمال الغضب وأستخرج الذهب منها، فإذا بي أجد الحب فقط، يتلألأ بوقاحة.”
وفي لحظة انبهار عميقة بتلك البريق، أفلت يدها وشرب الدواء.
ثم تهاوى وعيه شيئًا فشيئًا.
عيونه ارتعشت ببطء، وهو يشعر بضبابية ثقيلة.
نهضت ميديا من جواره وابتعدت، بدا وكأنها تتحدث لشخص جاء إليها.
‘آه… هل هاجم الإمبراطور؟…’
لا شك أن الفرسان جاءوا للقبض عليه. مدّ ثيسيوس يده نحو ميديا، لكنها سقطت خائرة بلا قوة.
ميديا تبتعد، وهو عاجز عن اللحاق بها.
منظر مألوف بالنسبة له.
لم يستطع النطق باسمها، لكن قلبه ناداه.
‘ميديا…’
يا ساحرتي، التي تمنيت نسيانها حدّ الألم، ثم تمنيت رؤيتها حدّ الذلّ.
في الحياة الماضية، هو من تركها. فربما يكون من العدل في هذه الحياة، أن تكون هي من يهجره.
في زمنٍ سحيق، حين كانت تيلّون لا تزال مملكة، خائن الساحرة ميديا، إياسون، ابتسم حين رأى ميديا بعثت من جديد.
***
اليوم الذي سجنت فيه ديانا ثيسيوس وبدأت وصايتها على العرش بعد سقوط الإمبراطور، كان هو نفسه اليوم الذي بدأ فيه هجوم بلوتاروس.
في خضم انشغالها بالعمل، جاءها أحد الفرسان برسالة من جهة ديلان، وقد بدا عليه التعب كأنه ركض طوال الليل.
“أحد كهنة بلوتاروس، المبعوث بأمر البابا، أخفى كلمات الوحوش ولم يبلغ عنها.”
كان كل ما جرى من إثارة للحرب، وامتناع الكنيسة عن إرسال كهنة بالقدرات المقدسة، مخططًا بإتقان من قبل رجال الدين.
“الكاهن، بأمر البابا، فتح صندوق الكوابيس. ونتيجة لذلك، نام كل من سموه، واثنين من الفرسان، والكاهن نفسه. لكن الجميع استعادوا وعيهم الآن، بفضل الحاكم. وهناك رسائل تبادلوها مع البابا يمكن أن تُقدَّم كدليل. ونستطيع استدعاء ليكام كشاهد أيضًا.”
ولأن ديانا كانت على علم مسبق بأمر الصندوق، لم تجد صعوبة في تصديق القصة.
“قلت إنهم ناموا عند فتح الصندوق، فكيف استيقظوا؟“
“سموّ الارشيدوقة، التي استعانت بقوة نصف حاكم، دخلت إلى الحلم وأعاد تالجميع.”
نصف حاكم.
تذكرت أن ديلان تحدث عن ذلك من قبل. أن حاكم الأحلام، الذي ارتكب إثمًا، قد نُفي إلى عالم البشر.
وإذا صدقت كلماته، فإن من نال بركة الحاكم لم تكن هيلي، بل شخص آخر. وكانت الرسالة التي أرسلتها ديانا تؤكد هذا الاحتمال. بعد تفكير، سألت.
“هل هناك احتمال أن يكون هذا الخبر قد وصل إلى البابا؟ خبر فشل ليكام؟“
البابا كان يعلم أن ليكام سيغرق في النوم. لذا ربما اتخذ احتياطات بديلة ليتأكد من تنفيذ خطته.
“لكن سمو الارشيدوق، فور استيقاظه، أمر بإغلاق بوابات بلوتاروس مؤقتًا، لذا لا أظن أن المعلومات قد خرجت.”
“هذا جيد.”
“كما أوصى سموّه بضرورة الحذر من احتمال أن يفتح الماركيز الصندوق الآخر الذي بحوزته.”
وقد قيل إن هذا الكائن نصف الحاكم استخدم آخر ما تبقى من قواه ليحذرهم من أن فتح الصندوق سيؤدي إلى كارثة لا رجعة فيها.
بعد تفكير قصير، قررت ديانا.
“نلقي القبض على ماركيز ترافيا والبابا الآن.”
رأى الفارس التردد في توقيت هذا القرار، فهي لا تملك حجة قوية لاعتقال الماركيز، لكنها أوضحت.
“الشخص الذي سلّم الصندوق للبابا كان هو الماركيز.
لذا، فلا بد أن يكون متورطًا في الأمر.”
ربما لم يتواطأ بوضوح، لكنه لم يكن بريئًا.
أما البابا، فإن وجود ليكام كدليل كان كافيًا لاعتقاله فورًا. لكن لا يمكن الانتظار حتى يعترف البابا باسم الماركيز، فلو أُمهل الوقت، سيجد وسيلة للإفلات.
‘صحيح أني أعطيت الصندوق للبابا، لكني لم أقل له أن يستخدمه في بلوتاروس. لا أعرف شيئًا عمّا حدث هناك.’ هذا ما سيقوله بلا شك. لهذا السبب، لا يمكن أن يُمنحوا الوقت للتفكير.
وقبل كل شيء…
‘إن وُضع الماركيز تحت الإقامة الجبرية… فلن نستطيع حماية المخبر.’
ثم سلّم الفارس رسالة من ديلان.
عينان ذهبيتان قرأتا الرسالة بهدوء، ثم تزلزلتا بدهشة.
الشخص الذي نال بركة الحاكم لم تكن هيلي… بل كان تنينًا نائمًا منذ زمن سحيق.
‘…تنين؟ أهو لا يزال حيًّا؟‘
كانت تفترض أن ‘الكيان‘ المبارك قد لا يكون بشريًّا، لكنها لم تتخيل أبدًا أن يكون تنينًا.
‘ألم يقتله إياسون؟!’
الجميع يعلم قصة أن إياسون قتل تنينًا شريرًا، وجلب الصوف الذهبي كغنيمة، مما جلب الرخاء للمملكة.
لكن الحقيقة أن إياسون لم يقتله، بل أخضعه للنوم فقط.
والسبب الذي دفع التنين لإرسال الوحوش، كان أبسط مما توقعت.
التنين طالب باستعادة الصوف الذهبي، الذي نهبه منه أمير تيلّون إياسون. وإذا لم يُعاد الصوف خلال ثلاثة أشهر، فسيُرسل عددًا أكبر من الوحوش.
ثم جاء تعليق هيلي وديلان.
‘يبدو أن الصوف يساعد على استعادة التنين لقوته.’
لكن كان عليها أن تسأل نفسها.
‘هل هناك ضمان بأن التنين، بعد أن يستعيد قواه، لن يهاجم شعب تيلّون؟‘
لا يمكن الوثوق بنوايا تنين يحمل حقدًا لإياسون.
بل ربما يكون قتله الآن، وهو ضعيف، الحل الأمثل.
وهي لا تفكر بذلك طمعًا في الصوف الذهبي، بل لأجل بقاء امبراطورية تيلّون.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 61"