استمتعوا
منذ أن غادرت نيفيلي معبد تيلون، أصبحت هيلي،
وقد زال عنها أي رادع، الفاسدة الكبرى في المعبد.
لكن شعب الإمبراطورية لم يكن يعلم بذلك، لأن إدارة المعبد كانت تبذل جهدًا كبيرًا لحماية صورة هيلي المقدسة.
وفي تلك الأثناء، وجدت هيلي زميلة لها تشاركها الحياة في المعبد التي كانت أشبه بالسجن.
إيفيجينيا، الابنة الكبرى لعائلة دوق كينين،
كانت قد طُردت من عائلتها بعد انكشاف تعاطيها للمخدرات،
ثم أُرسلت إلى المعبد بعد أن تفتحت بصيرتها الروحية.
“كنت أعتقد أنني أسمع هلوسات بسبب المخدر،
لكن اتضح أن ذلك كان صوت الحاكمة!”
قالت إيفيجينيا هذا في أول لقاء جمعها بهيلي.
ولأنها لم تدخل المعبد بإرادتها مثل هيلي،
لم تكن مهتمة كثيرًا بشؤون المعبد.
وبعد أن أنهت صلاة المساء التي لم تكن تعني لها شيئًا،
خرجت هيلي مع إيفيجينيا تتمشيان، ثم ألقت هيلي بنفسها على الأرجوحة الموضوعة في زاوية المعبد.
إيفي، المستلقية على الأرجوحة،
نظرت إلى السماء المسائية وسألت:
“هيلي، ما رأيك أن نتخلف عن الاجتماع؟”
هزّت هيلي رأسها ردًا على تذمر إيفي التي لم تكن تفهم لماذا يتم استدعاؤهن للاجتماع بينما يتم اتخاذ القرارات مسبقًا دونهن.
“مع ذلك، يجب أن نعرف ما يجري.
إذا لم نعرف تفاصيل الاجتماع، نحن فقط من سنتضرر.”
الساعة الثامنة مساءً.
كان من المقرر عقد اجتماع الأرض، الذي يجمع الكهنة الممثلين لمعابد الأرض المنتشرة في أنحاء الإمبراطورية.
كان اجتماعًا كبيرًا ومهمًا نظرًا لمشاركة ممثلين عن جميع أنحاء البلاد.
وعندما سمعت هيلي ضحكات قادمة من مكان قريب،
أدارت رأسها وهي مستلقية،
فرأت أطفالًا يركضون وهم ممسكون بأيدي بعضهم.
كانوا أطفالًا يتلقون التعليم في المعبد منذ الصغر ليصبحوا كهنة.
‘حتى أنا كنت أركض ممسكة بيد فريكسوس في صغري.’
لكن، كل ذلك أصبح من الماضي.
فريكسوس مات.
هزّت هيلي كتفيها محاولة نسيان الماضي.
رغم أن ثقل الذكريات لا يزال على كتفيها،
إلا أنها أصبحت معتادة عليه منذ وقت طويل.
لذا، لم تكن تدرك أنه كان ينهشها من الداخل.
***
دخلت هيلي وإيفي غرفة الاجتماع في تمام الساعة الثامنة.
لكن رغم مرور وقت طويل، لم يبدأ الاجتماع.
كالعادة، كانت الأحاديث الجانبية تطغى على هذه الاجتماعات.
قالت هيلي، وهي تتثاءب أثناء استماعها لأحاديث الكهنة القادمين من مختلف المناطق:
“هؤلاء الناس لا يزالون يتحدثون! في المستقبل،
يجب أن نحضر متأخرين بنصف ساعة.”
“حسنًا، فليكن. ولكن، هل لديهم كل هذا الكلام يتبادلونه فيما بينهم؟ عندما التقيت بالبابا، لم أجد ما أقوله، فاكتفيت بشرب الشاي ورحلت.”
“يا فتاة، عندما تذهب إلى مكتب البابا، عليك أن تتناولي الحلوى! كيف تكتفي بشرب الشاي وتعودين؟ إن ذلك المكان يُزار من أجل تذوّق الحلوى!”
تجهم وجه إيفي عند سماع حديث هيلي.
“ماذا؟ البابا أعطاك حلوى؟ لماذا لم يعطني أنا؟
اللعنة… يبدو أن اكزافير يفضل بعض الأشخاص!”
“لا تسميه تفضيلًا. كان يحاول تهدئتي بالحلويات.”
وبينما كانت هيلي تثرثر مع إيفي،
تذكرت هذه الأخيرة موقفًا مروعًا، فأغمضت عينيها بشدة.
“…آه. أرجو أن ينتهي الاجتماع بهدوء هذه المرة! تتذكرين؟
في الاجتماع قبل الماضي، تشاجر ممثلا منطقتي تيليس ولوتين حتى أمسك أحدهما بياقة الآخر. كانت مشاهدة الشجار ممتعة، لكن لا أريد أن يطول الاجتماع!”
وفي النهاية، تحول الشجار إلى عراك جماعي،
حيث تشابك الجميع بياقاتهم.
طبعًا، هيلي استغلت الفوضى وهربت من القاعة مع إيفي.
تذكّرت هيلي ذلك الموقف وضحكت كطفلة مشاغبة.
“أما في الاجتماع الماضي،
فقد اشتعلت لحية ممثل منطقة سيليتابون، وكانت فضيحة.”
عندما رفعت هيلي كوب الماء،
كان ممثل سيليتابون يتوقع أن تطفئ له النار،
لكنها تجاهلته وشربت الماء ببطء، رغم أنهما تبادلا النظرات.
ومنذ ذلك الحين، اصبح كاهن سيليتابون يعاملها كعدوة.
“أظن أن كاهن سيليتابون يحدق بك الآن.”
“يبدو أنه يريد التحية. لنلوّح له إذن.”
لوّحت هيلي وإيفي بمرح للكاهن من منطقة سيليتابون.
***
بدأ الاجتماع أخيرًا،
وبدأ ممثلو المناطق بتقديم تقارير عن أوضاع مناطقهم.
ثم انتقل النقاش إلى مسألة إرسال كهنة علاج إلى الشمال،
حيث بدأت تظهر وحوش مؤخرًا.
اقترحت بعض المعابد إرسال دعم إلى بلدة بلوتاروس.
بلوتاروس، التي يسيطر عليها برد قارس، كانت منحة إمبراطورية للأمير الأول ديلان سول تيلون، باعتباره دوق هايدل.
“الوحوش لم تصل إلى داخل الإقليم بعد، وإنما ظهرت على الحدود فقط. أظن أن إرسال ثلاثة أشخاص سيكون كافيًا، أليس كذلك؟”
“بالطبع، ومن الأفضل أن يبقى الباقون في العاصمة حيث يقيم الإمبراطور.”
‘ثلاثة؟ ومن سيستفيد من هؤلاء؟’
انعقد حاجبا هيلي بينما كانت تصغي بهدوء.
“السيد ميكائيل، الآنسة فيندر، والسيد هيلم، يبدو أنهم الأنسب.”
عندما سمعت هيلي أسماء الكهنة،
أدارت رأسها بهدوء لتتفحص طاقتهم المقدسة.
ميكائيل، فيندر، هيلم. جميعهم لديهم طاقة مقدسة ضئيلة جدًا.
حتى علاج كدمة بسيطة يستغرق منهم أكثر من عشرين دقيقة.
فرسان بلوتاروس الذين خرجوا في حملة قد يموتون أثناء تلقيهم العلاج. وستجتاح الوحوش الإقليم، ويموت السكان من إصاباتهم دون أن يجدوا علاجًا.
‘الآن فهمت سبب موت الأمير الأول.’
قيل إن الأمير الأول مات وهو ينقذ البطلة روز من أعداد هائلة من الوحوش.
ورغم أن الحملة الأولى نجحت، فإن المشكلة كانت في الحملة الثانية، حيث تزايدت أعداد الوحوش بشكل كبير ولم يكن هناك كهنة يملكون طاقة كافية.
‘وأيضًا، قُتل الكهنة ذوو الطاقة الضعيفة في بداية المعركة،
رغم صعوبة تجميعهم.’
تذكّرت هيلي المشهد الذي تشرح فيه البطلة روز سبب كراهيتها للمعبد لأحد أبطال القصة.
بعد رحيل ديلان، يبدو أن شقيقته التوأم ديانا قد بذلت جهودًا جبارة لتسوية الأمور بطريقة أو بأخرى، لكن تلك العملية لا بد أن كانت بالغة التعقيد والصعوبة.
‘…لا أعرف التفاصيل الكاملة.’
لكن إن سارت الأمور حسب رغبة المعبد، فلن يطول الوقت قبل أن تحل الكارثة على بلوتاروس.
طبعًا، ما يحدث في بلوتاروس لا يهم هيلي.
ما دام المعبد في العاصمة حيث تقيم، فكل شيء بخير.
لكن،
‘يقولون عدو عدوي هو صديقي.’
أعداء هيلي هم المعبد ووالدها الذي رماها في المعبد.
ومن يعمل على تطهير فصيل ولي العهد الثاني الذي يدعم المعبد هو الأميرة الأولى ديانا.
فكيف لا تعتبر ديانا حليفة؟
إذا أصبحت بلوتاروس في خطر، سيضعف فصيل ديانا أيضًا، لأن دوق هايدل، ديلان، كان من مؤيديها.
ولا يمكن ترك ديانا تتولى وحدها إعادة إعمار بلوتاروس المحترقة.
‘وإلا، ستتأخر عملية تطهير فصيل ولي العهد الثاني.’
تمنت هيلي أن ينهار والدها والمعبد بأسرع وقت ممكن…
وبعد هذا التفكير،
توصلت إلى أن بلوتاروس لا يمكن أن تُترك لتنهار.
‘رغم أنه قرار متهور بعض الشيء،
لكن سأقف إلى جانب دوق هايدل.’
رفعت هيلي يدها بعد أن حسمت أمرها.
“يا قداسة البابا، أرى أن هناك مشكلة في توزيع الأفراد.”
“هممم؟”
أمال البابا رأسه كما لو أنه يطلب التوضيح.
“سأذهب أنا إلى بلوتاروس.”
هزّ البابا رأسه ببطء، ثم خاطب هيلي بصوت لطيف:
“لا، لا يمكن.
لا يمكن أن نرسل شخصية مثلك إلى الشمال القاسي.”
“بما أن الشمال صعب، فلا بد أن الإصابات كثيرة.
أليس من المنطقي إذًا أن أكون أنا من يذهب؟”
وضعت يدها على صدرها الأيسر، مرتدية وجه الكاهنة المقدسة.
“يجب أن يكون من يقدم أكبر قدر من المساعدة، في المكان الذي يحتاج أكثر إلى المساعدة. لذا أرجوك، يا قداسة البابا، أرسلني إلى بلوتاروس.”
وحين لم يتلقَ البابا القرار بسهولة، بدأت هيلي تتفحص بعض الكهنة بنظرة متعالية، كما لو أنهم لا يستحقون.
ثم تحدثت بعد صمت طويل:
“حرمة المعبد على المحك، فكيف نرسل أمثال هؤلاء إلى دوق هايدل؟ هل يمكننا أن نسميهم كهنة؟”
دوي!
ما إن أنهت هيلي كلامها، حتى نهض بعض الكهنة غاضبين.
“كلامكِ قاسٍ للغاية!”
“تقولين عنّا ‘أمثال هؤلاء’! هل انتهيتِ من الكلام؟”
لكن هيلي لم تتراجع، وصرخت بصوت مرتفع:
“أجل، قلت كل ما لدي.
كيف لهؤلاء أن يشاركوا في المهمة بطاقاتهم المقدسة التافهة؟”
“تافـ… تافهة؟!”
ثار الكهنة.
“لماذا تغضبون؟ مقارنة بهيلي،
طاقتكم المقدسة تافهة فعلًا، أليس كذلك؟”
قالت إيفي هذا بابتسامة هادئة.
لم يستطع أحد الرد على هيلي، لأن كلامها كان صحيحًا.
لم يجدوا شيئًا يقولونه،
فبقوا فاغري الأفواه يحدقون بهيلي كالأغبياء.
نظرت هيلي نحو البابا، وتحدثت بهدوء لم يسبق له مثيل:
“ما يحدث الآن هو تجاهل للشمال الذي يحتاج إلى أكبر قدر من الطاقة المقدسة. هذا يجعل الأمر يبدو وكأننا نأمل في أن لا تتعافى بلوتاروس من أضرار الوحوش.”
“……”
رغم أن هدفها كان مجرد السخرية،
ساد صمت ثقيل القاعة فور انتهاء كلامها.
كانت هيلي تعرف أن الإمبراطور لا يحب أبناءه من الإمبراطورة: الأميرة ديانا والأمير ديلان.
لكن بلوتاروس تمثل جدار الحماية الشمالي للإمبراطورية.
وإذا انهارت أمام الوحوش، فإن العاصمة ستكون مهددة.
‘رغم جنونهم، لا يمكن أن يتمنوا دمار العاصمة… فهل يحاولون عرقلة دوق هايدل عن الاهتمام بالشؤون المركزية،
وإضعاف فصيل الأميرة ديانا في نفس الوقت؟’
حين وصلت استنتاجات هيلي إلى الحقيقة…
“آنسة هيلي.”
ناداها البابا، مبتسمًا ابتسامة طيبة، بصوت ناعم.
“نعم، يا قداسة البابا.”
“لن أسمح بأي فوضى أخرى.”
ابتسمت هيلي وهي ترد:
“لن تسامح، يا قداسة البابا؟”
“أجل. لذا أوقفي هذه المزحة.”
“هل تود أن تكون هذه نهاية مزحتي، يا قداسة البابا؟”
“هيلي!!!”
“لماذا تستمر في مناداتي، يا قداسة البابا؟”
بدأ وجه البابا يحمر، وكأنه اشتعل غضبًا.
“آه… لم أصادف في حياتي أحدًا لا يسمع كلامي مثلك!”
“فلتطردني إذًا، يا قداسة البابا.”
“كفى مناداتي ‘قداسة البابا’!”
“لكنني فقط أناديك بلقبك، فلماذا تغضب، يا قداااسة البابا؟”
“أنت تناديني باللقب لكنك لا تعاملينني كبابا البتة!”
“أحسنت الملاحظة. ظننت أنك لم تلاحظ، يا قداااسة الـ-“
“قوليها مرة أخرى فقط، وستكون…”
“هل تقصد… الطرد؟”
بدأ قلب هيلي يخفق بشدة.
كانت تشعر بسعادة خفية، وإيفي تنظر إليها بحسد،
مما زاد من غضب البابا الطيب اكزافير.
“سأصدر عقوبة حبس في الغرفة لمدة ثلاثة أيام!”
“ستصدر عقوبة حبس، يا قداااسة البابا.”
“خذوا هذه القديسة إلى غرفتها فورًا!”
“سأُقتاد الآن إلى غرفتي، يا قداااا-“
“آآآآآه! توقفــــــــــي!!!”
دوي-
صرخ البابا وهو يمسك رأسه، ثم انهار أرضًا من شدة الغضب.
“لقد أغمي على قداسة البابا!”
وكالعادة، انتهى الاجتماع في فوضى،
وعادت هيلي إلى غرفتها المخصصة في المعبد لقضاء مدة العقوبة.
“آه….”
كتب السكرتير،
الذي أصبح معتادًا على هذه الفوضى لدرجة أنه سئم منها،
اسم ‘هيلي ترافيا’ في قائمة ‘مخرب اجتماع اليوم’
تحت عنوان <♡مخرب اجتماع اليوم♡>.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 6"