بعينين يملؤهما الحيرة والارتباك، حدّقت هيلي في ديلان الصغير.
‘أنا بالفعل داخل حيز الحلم،
والآن ينبغي عليّ الدخول إلى حلم ديلان داخل هذا الحلم؟‘
كان من الواضح أن موري لم يتوقّع وضعًا كهذا.
ولو كان يعلم، لأعطى هيلي تعليماته قبل أن تغمض عينيها.
“صاحب السمو… عالق في حلمٍ آخر، أليس كذلك؟“
“نعم، هذا صحيح.”
“حضرتك تقولين إن صاحب السمو موجود داخل حلم هذا الطفل؟ إذن، ماذا علينا أن نفعل الآن؟“
كانت ليلا وسيلين قادرين على الاستفاقة من الحلم بوعي واحد فقط. أما ديلان، فقد كان يرزح تحت حلمين متداخلين، لذا فإن الاستفاقة الكاملة تتطلب مرحلتين.
“سأدخل إلى حلم صاحب السمو بنفسي.”
“سأتبعك أنا أيضًا.”
لكن هيلي أومأت نافية باتجاه ليلا.
ففي هذه اللحظة، وحدها هيلي، المرتبطة مباشرة بموري،
كانت تملك القدرة على الدخول.
“ذلك مستحيل. إن القوة الضعيفة لموري منحت الإذن فقط لمن يحمل قوى مقدسة مثلي.”
نظرت هيلي إلى ساعة الغرفة.
تيك، تاك—
ولحسن الحظ، لم يكن الوقت داخل الحلم يمرّ بسرعة أو ببطء مبالغ فيه. كان يمضي بنفس سرعة العالم الحقيقي.
كانت الساعة تشير إلى الرابعة مساءً.
“إن مرّت خمس ساعات ولم أعد، فاسلكوا الخيط المربوط في إصبعي. سيوجهكم إلى مخرج هذا الحلم.”
لقد حذرهم موري بأن البقاء الطويل داخل الحلم يهدد الحياة.
ومع ازدياد المخاطر، أرادت هيلي أن تُنقذ على الأقل الشخصين الآخرين.
“لا تلتفتوا إلى الخلف أبدًا، ولا تمسوا الطعام.
فإن فعلتم، لن تتمكنوا من مغادرة هذا الكابوس.”
“كيف يمكننا المغادرة وترككما خلفنا؟“
“هذا فقط في حالة الطوارئ. لم يستغرق الأمر أكثر من ثلاث ساعات حتى التقيت بكما وأيقظتكما، لذا إن حالفني الحظ، سأجد صاحب السمو وأوقظه قبل انقضاء هذا الوقت.”
تصوّرت هيلي أسوأ سيناريو، مثلما فعل ديلان.
“لكننا جميعًا نواجه تجربة غير مسبوقة؛ حلمًا داخل حلم. فإن وقع أي خلل وأبطأ الأمر، ستكون حياتكما أيضًا في خطر. لذا عليكما الخروج أولًا.”
لم يكن بمقدور ليلا وسيلين دخول حلم ديلان. وكانت مهمتهما حماية هيلي وديلان اللذين سيكونان في وضع غير محمي أثناء نوم هيلي.
“إذن، عليك أن تعودي في الوقت المحدد، رجاءً.”
ولتهدئة وجليهما، ابتسمت هيلي ابتسامة خفيفة وأومأت برأسها. لكن فور أن عقدت العزم على دخول حلم ديلان، اجتاحها التعب دفعة واحدة.
وبدأت عيناها ترمش ببطء. ثم أُغلقت جفونها، وسقطت في حضن ليلا كما لو أغشي عليها.
احتضنتها ليلا، ثم تمددتها بلطف على الأريكة داخل جناح ديلان. وقد بدأ صوت عقارب الساعة يتردّد في أذنيها بوقع أثقل من ذي قبل.
***
بعد برهة، فتحت هيلي عينيها وسط الأعشاب.
وكان أول ما فعلته هو التأكد من وجود الشعرة المربوطة في إصبعها. لا تزال مشدودة وواضحة.
‘يا لها من راحة، لم تنقطع.’
تنفست الصعداء، ونظرت حولها بتأنٍّ. كانت قد حضرت حفل خطوبة الأمير الثاني والانسة النبيلة، لذا خمّنت أن المكان الذي هي فيه الآن يقع داخل القصر الإمبراطوري.
‘لا شك أنه القصر، لكن… أي مبنى فيه؟ لا أدري.’
لو كانت تعلم أنها ستتوه بهذه الطريقة، لحرصت على حفظ معالم القصر حين زارته سابقًا.
والعجيب أن الأعشاب هنا تملأ المكان، حتى أن هيلي،
التي لا تميز الزهور، رأت كل شيء كأنّه مجرد نباتات برية.
‘أولًا، عليّ إيجاد ديلان. ليس من الحكمة البقاء هنا طويلًا.’
بينما كانت تتجوّل في حديقة داخل القصر، توقّفت فجأة.
كان ثمة شخصان في الأدغال.
ولحسن الحظ، كانت تعرفهما جيدًا.
ديانا وديلان.
لم يكن واحدًا بل اثنين، مختبئان وسط الأعشاب.
ولم يدركا وجود هيلي،
التي وحدها كانت تراقبهما في ذلك العالم الحالم.
‘ما الذي يفعلانه هنا؟‘
ولمّا تساءلت هيلي في نفسها،
سمعَت صوتًا غريبًا يأتي من الجوار.
“أنجبتِ طفلة، ولهذا فقدتِ قواك السحرية.”
استدارت هيلي بسرعة نحو مصدر الصوت.
كانت هناك امرأة تشبه ميديا في شبابها، تتحدث مع شخصٍ ما.
ولأن هيلي لم ترَ ميديا المعزولة في القصر من قبل،
شعرت بأن المشهد أمامها لا ينتمي لهذا الزمن.
‘إذًا هذا قبل عزل الإمبراطورة. من تلك المرأة التي تحادثها؟‘
بدا أن المتحدثة كانت خادمة، لكنها تحدثت مع الإمبراطورة بلغة مألوفة وشخصية، وفحصت حالتها، مما يعني أنها لم تكن خادمة عادية.
وسرعان ما انكشف وجهها، لتظهر امرأة ذات شعر أسود وعيون حمراء، تشبه ميديا إلى حدٍّ صادم. لم يكن قناعًا، بل سحرًا لا لبس فيه.
‘لا شك أنها ساحرة. تشبه ميديا لدرجة لا تُصدّق…’
كانت كيركي، التي لم تستطع لقاء ميديا بشخصيتها الأصلية، فتنكّرت بخادمة لتدخل القصر.
‘كيركي جاءت لرؤية الإمبراطورة قبل نفيها.’
لم يكن لذلك من تفسير آخر.
ثم حرّكت ميديا شفتيها وتفوهت بكلمة قصيرة.
“سعيدة أنكِ عدتِ سالمة.”
“هل ندمتِ؟“
بذلك السؤال، أفرغت ميديا مكنون صدرها بصوت خالٍ من العاطفة.
“نعم، ندمت. كل ليلة ألوم نفسي، وأتمنى عبثًا لو أعود إلى الماضي.”
أعربت عن ندمها بصوت جاف، كما لو أنها لم تندم قط.
“ولِمَ اتخذتِ ذاك القرار؟ ألم تعرفي أن المستقبل سيندمكِ؟“
“… فقط، لأن الجميع عاش هكذا.”
ديانا وديلان.
كانا يختبئان في الأعشاب،
ويسترقان السمع إلى حديث ميديا وكيركي.
لم يكن أحد يتوقع ذلك.
كان وجه ديلان شاحبًا، يضع يده على فمه من الذهول،
فيما كانت ديانا تصغي بكل هدوء.
بينما كانت هيلي تركّز في الحديث وتنسى هدفها الأساسي، استرجعت كلمات ميديا القديمة.
“ذات يوم، اختفت كل قواي السحرية.
كيف أجرؤ بعدها أن أصف نفسي بساحرة؟“
“صحيح، لقد عجزتِ عن استخدام السحر لأكثر من عشرين عامًا.”
وكان عمر التوأمين، ديانا وديلان، ثلاثة وعشرين عامًا هذه السنة.
“السبب في فقدان السحر هو أنني قمتُ بفعلٍ معين.”
وكان ذلك الفعل، كما اتضح، هو إنجاب طفلين.
في ذلك اليوم، عرف ديانا وديلان السر الذي أخفته عنهما ميديا طويلًا.
فقد وُلد التوأمان إلى مهدٍ دافئ،
بينما دفنت ميديا نفسها كساحرة في قبر النسيان.
رغم علمها بكل شيء، أنجبتهما، لكنها لم تَفِرّ من ندمٍ لا مفرّ منه.
بعد الحديث القصير، غادرت كيركي الحديقة، وتبعتها ميديا بعد قليل.
أما التوأمان، فانهارا جالسين في مكانهما، مذهولين.
“ديـ… ديانا… للتو…”
“أنت تفهم، أليس كذلك؟ لا ينبغي أن يعلم أحد بما سمعناه.
فقط أنت وأنا نعرفه.”
“حتى الكهنة في المعبد؟“
“بالطبع لا. أولئك هم الأخطر. إن عرفوا أن أمنا كانت ساحرة، سيقولون إنها تعبد حاكم أخر. لن يتركوها وشأنها. لا تُخبر أحدًا.”
لم يملك ديلان إلا أن يومئ برأسه وقد غطى الشحوب وجهه.
لم يكن مسموحًا لأحد أن يعرف أن والدتهما كانت ساحرة،
وأن ولادتهما كانت قبرًا لسحرها.
ورغم أن ديانا حذّرته مرارًا،
لم تطمئن إلا بعد أن أكدت عليه مرارًا وتكرارًا.
فلو كُشف أمر السحر،
فإن الخطر سيهددهم جميعًا، لا ميديا وحدها.
سارت ديانا مع ديلان، وهيلي تراقبهما عن كثب.
كان ديلان يسير خلف شقيقته بصعوبة،
جسده أنحف وأصغر من جسدها بكثير.
‘لا يبدو أبدًا أنهما ولدا في اليوم ذاته، بل كأن ديانا تكبره بعامين.’
وبينما كانت ديانا تمشي بوجه عبوس وقلب مثقل،
توقفت فجأة وقد بدا عليها التنبّه.
حينها فقط، استطاع ديلان اللحاق بها،
وواصلت السير بخطى أبطأ، لأجله وحده.
فهمت هيلي في تلك اللحظة أن طيبة ديلان جاءت من دفء أخته.
وفجأة، خرقت ديانا الصمت تحت السماء الزرقاء، وكأن شيئًا لم يكن.
نظرت إلى زهرة بجانب الطريق وقالت بفرحٍ خفيف.
“انظر، هذه زهرة يالن التي حدثتني عنها من قبل.”
لكن ديلان حرّك رأسه نافيًا.
“… لا، هذه نهاياتها مستديرة. زهرة يالن نهاياتها مثلثات.”
“أحقًا؟ إذًا ما اسم هذه الزهرة؟“
“زهرة ليفيرون. تُستخدم لعلاج لدغات البعوض.”
“هاه، كم أنت ذكي. إن بقيت بجانبي، فلن أموت بسبب فطرٍ سام.”
قالت ديانا ذلك وهي تبتسم ماكرة،
فتورّدت أنامل ديلان الصغيرة خجلًا.
وحين رأته يلهث وقد احمرّ وجهه من المشي القليل، أخرجت من جيبها منديلًا، ولفّت به رأسه كما تُلفّ ورقة خس حول طعام.
وما إن تبعتهما هيلي قليلًا، حتى بدأت معالم القصر المألوفة تظهر في الأفق.
ثم هرع الخدم المفترض أنهم تابعون للأمير والأميرة.
“صاحبا السمو! أين كنتما طوال هذا الوقت!؟“
“في القصر.”
أجابت ديانا بفتور،
إذ لم يكن بإمكانها القول إنها كانت في حديقة الإمبراطورة.
“لقد نبهناكم أن بقاء سمو الأمير في الخارج طويلًا خطرٌ على صحته!”
“كنا في الظل طيلة الوقت.
ولما عدنا ولم نجد ظلًا، لففت رأسه بالمنديل بنفسي!”
“لكن، يا سمو الأميرة—”
“آه، لقد حان وقت وصول الكونت هيريل، عليّ الذهاب الآن. إلى اللقاء، ديلان. أراك غدًا.”
قطعت ديانا حديث الخادم لتودّع ديلان،
على ما يبدو ضجرة من التوبيخ.
“حسنًا، إلى الغد.”
ولوّح ديلان بيده وهو ينسى أن يعيد المنديل، ينظر إلى أخته وهي تبتعد.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 51"