استمتعوا
بعد أن قمعوا الفرسان المقدّسين، بدأ الفرسان الذين نزلوا إلى القبو بتحطيم باب غرفة الصلاة التي دخلها ريكام.
دَوِيٌّ، دَوِيٌّ، دَوِيٌّ—
وأخيرًا، تَحَطَّمَ القفل. ولج الفرسان إلى الداخل دون أي تردد.
“البقية ينتظرون هنا، سأدخل أنا ورايلا وسيلين فقط.”
كان هذا القرار نابعًا من التخوّف من أن يُقدم ريكام على فعلٍ متطرّف إن اقتحم عدد كبير من الفرسان الغرفة دفعة واحدة.
خلف الستار الأبيض الذي يزيّن المذبح، كان هناك رجل واقف.
“ريكام.”
نطق ديلان اسمه بصوتٍ ممتزج بالغضب، ورفع بصره إليه.
أما ريكام، الواقف على منصة المذبح العالية، فلم تظهر عليه أدنى علامات الارتباك، بل نظر إلى ديلان بهدوء واسترخاء.
“كما توقعت. ما دمت أنا، الدليل الحي، أعلن رغبتي في الموت، كنت واثقًا أن جلالتك ستأتي.”
لكن الشيء الذي أمسكه ريكام لم يكن سيفًا حادًّا، بل صندوق صغير فحسب.
“إذًا لم تكن تنوي الموت من الأساس.
ولا يبدو أنك كنت متألمًا على أية حال.”
بمجرد أن استل ديلان سيفه، ابتسم ريكام ابتسامة مشرقة.
لكن تلك الابتسامة التي اكتنفها الجنون،
تسببت في اضطرابٍ طفيفٍ في قلب ديلان.
هل حقًا كان الحاكم يرغب في صراع بين الوحوش والبشر؟
‘أبدًا.’
حرّك الكاهن، الذي كان يبتسم كطفل، يده،
ومع صوت طقطقة خفيفة، انفتح الصندوق.
“ما هذا الذي يحدث الآن…؟“
كان أول من سقط هو ريكام.
تلاه سيلين.
أما ديلان، الذي شعر بضعف قواه وتشتّت وعيه،
فقد صاح نحو رايلا، الأقرب إلى الباب.
“رايلا، أسرعي وأغلقي—”
كان ينوي أن يأمرها بإغلاق الباب والخروج من هناك.
لكنه لم يتمكّن من إتمام حديثه،
إذ شعر وكأن شيئًا ما يجذبه من روحه.
“تبًّا لهذا الجنون…!”
وفي اللحظة التي كان وعي رايلا يتلاشى فيها أيضًا،
دفعت باقي الفرسان إلى الخارج وأغلقت باب غرفة الصلاة.
“سموك! رايلا!”
“لا أحد، لا أحد يدخل!!”
كان ذلك آخر صراخٍ أطلقته رايلا.
وعندما نظرت نحو الباب المغلق، شعرت بالامتنان لأن الضرر لم يمس سوى القفل دون أن يُدمَّر الباب بأكمله.
‘…حين يصل صاحب القوّة المقدّسة،
فهل سيكون بإمكاننا الاستيقاظ؟‘
إن أغمضت عينيها هذه المرة، فقد لا تفتحهما مجددًا.
وربما إلى الأبد.
انهار ديلان ورايلا في الوقت ذاته، واستسلموا للنوم العميق.
وغرق الأشخاص الأربعة داخل غرفة الصلاة تحت الأرض،
في كابوسٍ طويلٍ لا نهاية له.
***
“…تقول إن الصندوق قد فُتح في بلوتاروس.”
حين نطق موري بتلك الكلمات، شحب وجه هيلي.
لقد تذكرت بوضوح ما قاله لها يوم التقيا لأول مرة.
“حين يُفتح الصندوق، يغرق من كان قريبًا منه في نومٍ قسري، ويُبتلى بكابوسٍ لا يُمكن الخلاص منه بقوةٍ بشرية.
وسيموت في النهاية من وطأة ذلك الكابوس.”
الصندوقان اللذان امتلك أحدهما البابا،
والآخر ماركيز ترافيا، قد تم فتح أحدهما في بلوتاروس،
وتحديدًا بعد أن توجّه ديلان للعثور على ريكام.
أحدهما، لا شك، سلّم الصندوق لريكام.
‘لقد تلقّى ريكام أمرًا بجعل ديلان يغفو.
لكن ذاك الأمر لم يصدر من والدي مباشرة، بل من البابا.’
هل جميع الفرسان الذين رافقوا ديلان قد غرقوا في النوم؟
إن كان كذلك، فذلك يعني أن ديلان الآن في قلب المعبد بلا حماية.
إن غفا، فعلى الأقل يجب أن يكون هناك من يحرسه.
ترك الأمور على حالها يعني أن ديلان والفرسان الآخرين سيعانون من عذابٍ نفسي مروّع حتى الموت.
قبضت هيلي يدها بغير وعي،
وندمت على شيء واحد من بين كل الأمور.
‘…كان يجب أن أستمع إلى ما أراد ديلان قوله آنذاك.’
في تلك الليلة، بعد انتهاء المعركة،
حين أراد أن يقول لها شيئًا قبل أن يفترقا.
لم يكن عليها أن تقاطعه.
بدأت الآن تدرك لماذا ينطق أبطال القصص بتلك العبارات قبل خوض معارك مصيرية.
حتى وإن لم تستوعب كل شيء،
فهي بدأت تفهم قلوبهم بعض الشيء.
‘لقد كانت نيته التمسك بالعودة، وعهدًا بذلك.’
بل إن كلماته تلك، غرست في قلب المستمع بصيص أمل.
حتى وإن مات ذاك الشخص، ولم يعد مجددًا—
‘يمكن لمن تبقى أن يعيش مستذكرًا تلك الكلمات.’
كما لو أنها ورقة مطوية، تُفتح كلما اشتاق المرء.
هيلي، التي اضطربت مشاعرها، حاولت استعادة هدوئها،
وسألت موري بصوتٍ ثابت استعدادًا لأي طارئ.
“موري، هل من الممكن أن يكون جميع سكان الإقليم قد غرقوا في النوم؟“
“بصراحة، لا. الكوابيس التي تخرج من الصندوق تضعف تدريجيًا، وتتجذر فقط فيمن دخل الكابوس بالفعل.”
“إذًا الخطر يهدد فقط من كان قريبًا من الصندوق حين فُتح.”
والشخص الذي فتح الصندوق، لا بد أنه غفا هو الآخر.
‘من الذي فتح الصندوق؟ هل فعله ديلان بنفسه؟‘
إن كان الكاهن ريكام هو من فتحه، فهو لا بد أنه سقط في نومٍ عميق، واحتمالية هروبه ضعيفة.
تقدّمت روس، التي تعرف هوية موري، وقالت.
“سأقوم بإبلاغ القائد فورًا والاستعداد لما يلزم.”
“قولي له إنني وموري سنذهب مباشرةً إلى المعبد.”
فموري يدرك تمامًا ما يحدث، وهيلي تملك أقوى قوى النور.
مهما كان ما ينتظرهم، عليهم الذهاب للمعبد لرؤية الوضع بعينهم، وإن لزم الأمر، صبّوا قوة النور فوق أولئك الذين سقطوا في شرك الكابوس.
***
في طريقها إلى المعبد برفقة الفرسان، صادفت هيلي فارسين قادمين مسرعين على صهوة الجياد من جهة قصر الدوق.
فتحت نافذة العربة فورًا لتتأكد من هويتهما.
لقد كانا من الفرسان الذين ذهبوا مع ديلان إلى المعبد قبل قليل.
‘لكن رغم فتح الصندوق، لا يزالان مستيقظين.
يبدو أنهما لم يكونا بقربه عند فتحه.’
استمعت هيلي وموري من داخل العربة إلى تقريرهما.
“ما إن فتحنا باب القبو، حتى قام ريكام، الذي كان داخل غرفة الصلاة، بفتح صندوق غريب. وبعد لحظات، سقط ريكام،
ثم سقطت رايلا وسيلين، وكذلك جلالته.”
“لكن لماذا لم تغفوا أنتما أيضًا؟“
وفقًا للتقرير، كانا قريبين جدًا من الغرفة.
المفترض أن يكونا ضمن من تأثر بالكابوس،
ومع ذلك، بقيا مستيقظين.
أجاب أحد الفرسان مترددًا.
“أعتقد… أن رايلا أغلقت الباب قبل أن تسقط.”
تلك اللحظة التي أغلقت فيها رايلا الباب أنقذت باقي الفرسان من الكابوس.
وحين أعيد فتح الباب، كان أثر الكابوس قد خفّ بالفعل.
وحدهم ديلان، ورايلا، وسيلين، وريكام ظلوا تحت وطأته.
مجرد أن هناك من لم يسقط، وأن بجانب ديلان من يحرسه،
كان مدعاة لشيء من الطمأنينة.
ومع ذلك، لم يكن كافيًا.
لذلك، كانت هيلي تتمنى في قرارة نفسها لو أن العربة أسرع مما هي عليه.
وبعد لحظات، وصلت هيلي إلى المعبد،
وكان أول ما طلبته هو إحضار الصندوق الذي كان بحوزة ريكام.
ظهر صندوقٌ خشبي صغير، لا يبدو عليه شيء من الخطر.
حدّقت هيلي فيه بصمت.
من كان ليتوقع أن كابوسًا مرعبًا يسكن في هذا الصندوق البريء الشكل؟ رأت موري وهو يتفاعل معه.
“هذا صندوقك، أليس كذلك؟“
“نعم، هو. وكما توقعت، داخله فارغ.”
وهذا معناه أن الكابوس قد غرس جذوره في من كان بالقرب لحظة الفتح.
قيل لها إن الفرسان نقلوا ديلان، ورايلا،
وسيلين إلى غرفة النوم داخل المعبد.
وللتحقق من حالتهم، سارت هيلي نحو هناك برفقة دليل من الفرسان، وموري يتبعها بصمت.
داخل غرفةٍ ساكنة.
كان ديلان، ورايلا، وسيلين مستلقين على ثلاثة أسرّة بيضاء مصطفّة. أما ريكام، فكان ممددًا على الأرض.
‘ذاك الوغد، فليبقَ على الأرض كما هو.’
لم يكن ميتًا، لذا قيّده الفرسان بالحبال.
حين سمعَت هيلي أنينًا خافتًا، ضرب صوتُه قلبها كالصاعقة.
كل من في الغرفة كان يحلم بكوابيس.
نظرت إلى ديلان بصمت، تنهدت،
ثم أمسكت يده وبثّت فيه قوّة النور.
أحاطه الضوء الأزرق،
هدية الحاكم التي مُنحت لها خطأً، لكن لم يُجْدِ ذلك نفعًا.
قوّة النور لا تشفي الألم النفسي.
رغم علمها بذلك، بثّت قوّتها أكثر من مرة في جسد ديلان والآخرين، وكأنها بذلك تواسي نفسها.
ثم نادت موري، الحاكم نصف الكامل.
“موري.”
“نعم؟“
كان موري يمسح عرق رايلا البارد بمنديلٍ مبلّل، ثم التفت إليها.
“بما أنك حاكم الأحلام، فلا بد أنك تعرف وسيلةً لحلّ هذه الأزمة.”
“…كما تعلمين، قوتي الآن ناقصة. لا أستطيع التحكم الكامل بالأحلام. لا يمكنني إيقاظهم بنفسي.”
فهو قد ارتكب خطأً فادحًا،
وفُرضت عليه العقوبة بسلب سلطته كحاكم الأحلام.
وبينما كانت هيلي على وشك الاستسلام أمام ملامحه البائسة، قال.
“لكن هناك طريقة واحدة… رغم أنها خطيرة.”
“وما هي؟“
“أستطيع، باستخدام قوتي الحالية، أن أُدخلك إلى الداخل.”
“إلى الداخل…؟“
سألتها وقد اتسعت عيناها دهشة.
وبمجرد سماعها أنه ثمة وسيلة،
عاد النور ليتوهّج في عينيها الزرقاوين.
“أيعني ذلك أنني أستطيع دخول الحلم؟“
“نعم. ستدخلين الكابوس، وتُخرجينهم بنفسك.”
دخول أحلامهم التي تتعذّب من آلام الماضي،
وإيقاظهم بوعيٍ كامل أنهم في حلم.
ثم اصطحابهم إلى الخارج.
تلك كانت الوسيلة الوحيدة لتحريرهم.
“سأفعل. أدخلني فورًا.”
رغم تحذيره من الخطر، لم تتردد هيلي ولو للحظة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 49"