اقترب منها ثيسيوس وأمسك يدها بحنو كما لو كان يحتضنها، وكأن كفها اختفت داخل كفّيه. ثم جاء صوته، خافتًا كالضباب.
“لهذا قررت أن أجمع كل مشاعرك السلبية.
رأيت أن وجودها خير من الفراغ.”
“قرار خاطئ. ولا مجال لإعادة التفكير فيه.”
سحبت يدها بقوة، فتأمل ثيسيوس الفراغ مكانها للحظة،
ثم وقعت عيناه على كتاب ملقى بلا اكتراث على المكتب.
كان كتابًا للأطفال بعنوان فرينا،
فقهقه بصوتٍ عالٍ، ضحكًا جنونيًّا طويلًا.
لم تفهم ميديا سبب ضحكه.
في البداية ظنت أن وجود كتاب كهذا في مكتبتها الغارقة في الجدية يستحق الضحك.
لكن، كل هذا الضحك؟ ألا يبدو مبالغًا فيه؟ كأن ضحكه انقلب إلى بكاء، فقد أخذ يمسح دموعه من زاوية عينيه.
“هذه الحكاية كُتبت في زمن كانت فيه تيلّون مملكةً.”
“أجل.”
“…ولِمَ قرأتِ هذا الكتاب؟“
لم تكن ميديا راغبة في أن تذكر اسم روز أمام هذا الرجل الملوّث.
ويبدو أنه توقّع منها ذلك، فطرح سؤالًا آخر مباشرة:
“هل سبق وتخيلتِ كيف وُلدت هذه الحكاية؟“
“لا.”
“فلنفكر معًا، إذًا.”
“اخرج…”
“إن لم تجيبي، فسأبيت في الغرفة المجاورة الليلة.”
كان تهديده مستفزًّا جدًا،
خاصة لشخصٍ يشعر بالإرهاق كما تشعر هي.
“ليس تهديدًا لائقًا لمن خُطب قبل أيام فقط.”
“أتشعرين بالغيرة؟“
أيها المعتوه…
تجاهلت ميديا آخر كلماته،
وقررت أن تجيبه فقط كي تتخلّص منه سريعًا.
‘كيف وُلدت هذه الحكاية، إذًا؟‘
تأملت قليلاً ثم قالت.
“ربما ألهمهم منظر جبلٍ شتوي.
ربما عاشت فوق ذلك الجبل امرأة قاسية الطباع.”
“أجل، الكُتّاب يستلهمون من الواقع. ربما كانت هناك امرأة حقًّا، فظّة، تعيش فوق الجبل. وربما كان هناك رجل يصعد إلى هناك مرارًا لرؤيتها.”
وربما شاهد أحدهم هذا المشهد، ونسجه في قالبٍ من الحكاية.
“وماذا بعد؟ لا أفهم لماذا أضيع وقتي في الحديث عن هذا معك.”
لمَ عليها أن تتبادل قصص الأطفال مع الأمير الثاني، ابن الرابعة والعشرين؟
ميديا لم تكن مهتمة بالقصص. كل ما أرادته الآن أن تأخذ دواءها وتنام. مع أنها تدرك أن لا دواء سينفع مع هذا الصداع. كانت تنوي فقط تناول منوّم.
‘لكن هذا الوغد…’
كان يفاقم ألمها. شعور الحشرات تمخر رأسها لم يكن أمرًا يطاق.
رغم أنها لم تُظهر الكثير من الانزعاج، إلا أن ميديا كانت في غاية الضيق. وما إن خرج ثيسيوس، كانت تخطّط لرفع شكوى رسمية إلى القصر.
إلى آيغيل، الرجل الذي أنجب الابن الثاني قبل الأول وخلط أنساب العائلة، ستكتب: “إن كنت لم تُحسن ضبط سروالك، فاضبط على الأقل ابنك هذا.”
حين رآها تبدأ تفقد روحها بالتدريج، لجأ ثيسيوس إلى عرضٍ مغرٍ.
“إن عرفتِ أصل القصة، فلن أظهر أمامك مرة أخرى أبدًا.”
آه، لماذا لم تقل هذا من البداية؟!
رفعت ميديا رأسها أخيرًا، ونظرت في عينيه.
الآن فقط بدأت تشعر ببعض الفضول حول أصل الحكاية.
لا، بل بدأت تتساءل عن نواياه هو.
‘هو يعلم أصل هذه القصة. بل ويتمنى أن أعرفه.
لكنه لا يخبرني مباشرة، بل يريدني أن أكتشفه بنفسي. لماذا؟‘
لو أراد حقًا أن تعرف، لقالها ببساطة.
لكنه وضع شرطًا: إن اكتشفتِ، فلن تريني مجددًا.
لماذا إذًا؟
هل أنت هو الصبي في الحكاية؟ الرجل الذي ألهم القصة؟
لكن هذا مستحيل. كنت صغيرًا جدًّا آنذاك.
‘وليس ثمة أي علاقة تجمعه بالكاتب أصلاً.’
فالقصة كما قال، كُتبت منذ زمن بعيد، حين كانت تيلّون لا تزال مملكة.
قررت ميديا أن تتعقّب أصل فرينا.
لا لاهتمامها بالقصة، بل لأنها كانت تعرف.
‘إن رفضت، فسيواصل القدوم إليّ.’
لذا بدأت تتأمل الأصل.
إن كان ذلك سيُبعده عن ناظريها، فستفعل أي شيء.
لكن…
‘حتى لو عرفتُ بداية القصة، هل سيكفُّ فعلًا عن المجيء؟‘
لا يبدو شخصًا بهذه البساطة.
شخص يأتيها بهذا الشكل الأهوج،
لن يتراجع هكذا لمجرد أنها عرفت الحقيقة.
‘آه…’
ثمة طريقة قد تتيح له مقابلتها دون أن يأتي إليها بنفسه.
‘هل يريد أن أكون أنا من يبحث عنه في النهاية؟‘
رغم أنها لم ترغب في تخيل هذا الاحتمال، إلا أن يقينه بهذه الفرضية جعله يعِدها بعدم الظهور مجددًا.
في هذه المرحلة، بدأت تشك في أن وراء الأمر مكيدة ما، فقررت أن تقبل عرضه. بل أجّلت فكرة إرسال الشكوى إلى القصر.
“حسنًا. إن عرفتُ الأصل، لا تجرؤ على الظهور مجددًا أمامي.”
نجح ثيسيوس أخيرًا في جذب انتباه ميديا، لكنه لم يدرك أبعاد ما أنجزه. ولو علم، لربما نام الليلة دون كوابيس.
“هذا يعني أنني مسموح لي بالظهور أمامك في أي وقت، حتى تعرفي الإجابة.”
حرارة جسدها كانت تتصاعد، وصوتها يتكسر وهي تردّ.
“لا بأس. إن كان الثمن ألّا أرى وجهك مرة أخرى، فأنا مستعدة لتحمّل أي شيء. لكن أرجو أن تُخبرني قبل أن تأتي.
لا أحب استقبال زوّار في الأيام التي أكون فيها مريضة.”
“…أأنتِ مريضة؟“
مدّ يده فورًا نحو جبهتها. دفعتها بعيدًا، لكنه أعاد لصقها.
أنفاسه الساخنة عبرت المسافة بينهما.
“حقًا. لديك حرارة مرتفعة.”
وما إن سحب يده، حتى لاح على وجهه لمحة قصيرة من الارتباك والأسف. لكنها ما لبثت أن انقلبت إلى شعور بالرضى. لاحظت ميديا ذلك، فراحت تتمعّن فيه. كان ثمة جرح ظاهر داخل كمّه.
‘هل خُدش بفعل أظافر؟‘
اقترب منها، وكان عبقه عذبًا، ما يعني أنه لم يكن قذرًا أو مهملاً.
‘ولا يبدو أنه تحسّس جلدي.’
لكنها لم تكن ترى أي داعٍ لأن تُبدي لطفًا تجاهه.
لذا لم تسأله عن الجرح، ولم تعرض مساعدتها.
وأثناء ما كانت تحدّق فيه، كان هو يرمق شيئًا آخر في الغرفة.
إطار على المكتب، يحوي لوحة تُصوّر ميديا في شبابها.
“ربما كان هناك من طرق بابك قبلي.”
ثم، كما لو كان ذلك الموضع هو بابٌ حقيقي،
لمسها بأطراف أصابعه برفق.
ليس الإمبراطور بالتأكيد. فهل هو أحد طفليكِ؟
صوته كان هادئًا، لكن عينيه كانت تومضان بعنف.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 44"