استمتعوا
كان حفل خطوبة الأمير الثاني وابنة الدوق فخمًا للغاية،
لدرجة أن كل من حضره ظن أنّ أموالًا طائلة قد أُنفقت فيه.
لكن أكثر من جذب الأنظار كانت الآنسة أريادن من دوقية كريتا.
كانت تلك الفتاة أشبه بمن يغلفه الحب كحجاب رقيق.
شعرها بلون البلاتين وعيناها حمراوان.
كانت تنظر إلى خطيبها بعيني شخص مغرم بحق.
نظرت ديانا إلى الأمير الثاني.
لم يعد فيه شيء يذكّر بالشاب المرتبك الذي وصل إلى القصر الإمبراطوري قبل أشهر.
كان يبدو ماهرًا إلى درجة لا تفسَّر بأنها نتيجة التدريب فقط.
‘أهذا الأحمق سبق له أن خُطِب من قبل؟‘
بينما كان الجميع مفتونين بالأمير الثاني وابنة الدوق،
راود ديانا هذا التفكير غير الضروري.
عندها همست روز، التي كانت تشاهد الأمير الثاني لأول مرة، إلى ديانا الجالسة بجانبها.
“حقًا، إحدى عينيه فقط ذهبية.”
“صحيح. كان يرتدي عصابة على عينه حين قدم إلى القصر،
لكن أمام والدي خلعها، ولا تتخيلي كم أصيب الجميع بالدهشة.”
“هل تفاجأتِ أنتِ أيضًا؟“
“نعم. ما إن رأيت عينه حتى أدركت كل شيء.”
كانت روز ترى هذا الجانب من ديانا للمرة الأولى،
وأحست وكأنها تطأ أرضًا جديدة، فقالت مبتسمة.
“بما أنه أكبر من ديلان، فهذا يعني أن لديكِ أخًا اكبر الآن.”
خفضت ديانا صوتها وقالت.
“أتالانتي، لم يكن لي إخ اكبر في حياتي، ولن يكون.”
أعجب روز أن ديانا نادت اسمها الجديد،
فضحكت بصوت عالٍ ثم غطت فمها خجلة من صوتها المرتفع.
ابتسمت ديانا ابتسامة خفيفة وربّتت على رأس روز.
راودها شعور قوي بأنها تريد جلب هذه الفتاة إلى العاصمة وجعلها تعيش باسم أتالانتي.
ثم تصافح الأمير الثاني وابنة الدوق بالكؤوس،
وملأ صوت رنين الكريستال القاعة.
لفت انتباه هيلي مشهد الإمبراطور الجالس بعيدًا وهو يجهش بالبكاء.
كان يمسح عينيه بمنديله.
ورغم أن ديلان لن يحبّ ذلك، فكّرت هيلي في نفسها أن هذا المشهد بالذات يُظهر مدى شبهه بالإمبراطور.
***
في الليلة الأولى لحفل الخطوبة.
“سأظهر لوهلة وأغادر فورًا.”
“نحن أيضًا…”
لم يكن هيلي وديلان وديانا يرغبون في البقاء طويلًا في الحفل.
لم يكن هناك داعٍ فعلي للبقاء.
وكان لهيلي سبب آخر لذلك.
‘بما أن أبي وإينو سيأتيان، لا داعي للبقاء وتعكير المزاج.’
لم تكن تريد مواجهة نقاش عقيم، لذا قرر الجميع المغادرة مبكرًا.
كانت ديانا هي الوحيدة التي ستبقى للتعامل مع الإمبراطور المتذمر من نبذ أولاده من زواجه الأول لأجل الأمير الثاني.
بما أن ديانا ستتكفل بالأعباء العاطفية، قرر ديلان وهيلي أن يدعوها تغادر أولًا، ثم يخرجان بعد ذلك.
وسط أجواءٍ لطيفة، كانت هدية الخطوبة التي أعدّتها ديانا عبارة عن حُليّ خصصتها لابنة الدوق فقط.
لم تكن تنوي تقديم شيء لقيسيوس.
فهذا مجرد خطوبة، وليست زواجًا،
وكل هذا الفخامة بسبب الإمبراطور لا أكثر.
أنهت ديانا مهمتها وغادرت القاعة بخطى خفيفة، كمن أنهى واجبه.
نظر إليها ديلان وهيلي بنظرات يغمرها الحسد.
‘متى يحين دورنا بالمغادرة…؟‘
‘…لنصمد نصف ساعة فقط.’
همس ديلان بأنّه طالما وصلا إلى العاصمة،
فلنستمتع بما لذّ وطاب ونغادر بشيء من المكافأة.
وهكذا ظلّ الاثنان يتجولان في القاعة ويتناولان هذا وذاك حتى شعرا فجأة بإحساس سيئ.
تطلّعا حولهما لمعرفة السبب، حتى توقفت نظراتهما عند…
‘ابنة الدوق.’
كان الأمير الثاني يتحدث إلى دوق كريتا،
بينما كانت الآنسة أريادن تنظر إليهما بفضول واضح.
شعرت هيلي بشيء مريب، فربّتت كتف ديلان بإشارة خفيفة.
“يبدو أنها ستأتي إلينا بعد انتهاء حديثهم.”
وما إن قالت ذلك، حتى أنهى الأمير والدوق حديثهما.
وها هي الآنسة أريادن، ممسكة بذراع الأمير،
تشير باتجاه ديلان وهيلي وتدعوهما إليها.
استدار ديلان نحو هيلي، مغمضًا عينيه بقوة.
“فات الأوان. تبادلنا النظرات بالفعل. اهربي إن استطعتِ.”
ولأنها لا تودّ التفاعل مع الأمير الثاني، وافقت هيلي دون تردد.
“سأنتظرك في تلك الشرفة.”
“حسنًا.”
لوّح لها ديلان بخفة، متصنعًا وجهًا حزينًا.
نظر إلى ظهرها وهي تتجه نحو الشرفة، ثم…
“مرحبًا، ديلان. مر وقت طويل.”
توقف ديلان عن الابتسام وتحوّل، مجبرًا نفسه على ضبط ملامحه.
“مرحبًا. مضى وقت طويل.”
“هل تستمتع بالحفل؟“
“بالطبع. بالمناسبة، مبارك على الخطوبة.”
ابتسم ديلان لأريادن، فأومأت له بخجل.
كاد الحديث أن ينتهي بود، لولا ما قاله قيسيوس بعد ذلك.
“…لكن أشعر ببعض الأسف.
أجواء حفلنا مختلفة عن أجواء زفافك، أليس كذلك؟“
‘هذا اللعين…’
الزفاف الذي أقيم في ظل دعاء الجميع ومباركتهم.
في المقابل، زواج ديلان وهيلي كان في الخفاء، وسط انتقادات واتهامات لانتهاك المحرمات، مجرد تسجيل رسمي ومغادرة العاصمة فورًا.
الفرق كان شاسعًا.
وما زاد الطين بلة أنّ ثيسيوس بدا وكأنه يعبّر عن أسفه بصدق، مما أغاظ ديلان أكثر.
‘يبدو أن العيش في القصر الإمبراطوري جعله أكثر نفاقًا.’
فكر ديلان في كل ما مرّت به هيلي، فتشوّهت ابتسامته قليلًا.
“صحيح. لو لم يلاحق اخي زوجتي،
لما اضطررنا للإسراع في الزواج. بالفعل، أشعر بالأسف لذلك.”
“…”
كان من حسن الحظ أنّه أرسل هيلي بعيدًا.
كان ديلان يبتسم بوجه عام، لكن لسانه بدأ يتصرف بحرية.
هكذا تبدأ الحفلات الحقيقية.
***
بينما كان ديلان يطلق لسانه بحرية،
وجدت هيلي نفسها في موقف مشابه، تضطر فيه للرد بقسوة.
كانت قد أخذت زجاجة نبيذ وهربت إلى الشرفة،
لكنها فوجئت بزائر غير مرحّب به.
“رفضتِ لقائي مرارًا، وفي النهاية نلتقي هنا.”
“أبي…”
كان هذا أول حوار بينهما منذ زمن بعيد.
شعرت هيلي أنها ربما كان من الأفضل أن تبقى وتواجه الأمير الثاني مع ديلان.
لكنها سرعان ما تخلّت عن هذا الندم.
“سمعتِ أنكِ أرسلتِ رجالًا إلى شبه جزيرة بولا.”
ألقى الموضوع الرئيسي كالشوك في وسط الحديث،
فأصبحت هيلي مجبرة على التركيز.
“الأخبار تصل إليك بسرعة.”
‘إذًا هو يعلم بمكان أمي الآن.’
ربما أرسلوا له تقريرًا بعد أن وصلت الرسالة إلى هيلي وفيها عنوان نيفيلي.
“كنت أعلم. لا يمكن لامرأة سرقت مالي أن تموت بتلك السهولة.”
“يعني، كنتَ تشك في أن أمي على قيد الحياة؟“
“نعم.”
“كالمتوقع. قدرتك على التنبؤ مدهشة يا أبي.
أما أنا، فلم أكن أعلم شيئًا.”
فوجئ الأب من أن ابنته التي كانت تحتقره اصبحت تمدحه، فنظر إليها بريبة.
رغم نظراته المزعجة، ظلت هيلي مبتسمة،
كصفحة ماء هادئة لا تُدرى أعماقها.
كان إصبعها الخنصر يرتجف خفية.
كانت ترتعش دائمًا أمامه.
لذا شدّت قبضتها وأكملت.
“بما أنك كنت تعلم أن أمي على قيد الحياة، فهذا يعني أنك تزوجت إينو رغمًا عن ذلك… لكن قانون تيلون لا يعترف بتعدد الزوجات، أليس كذلك؟“
عندما طال الزمن ولم يستطع بعد أن يُبقي ميلكير خارج نسبه، أعلن وفاة نيفيلي رسميًا وسجّل إينو وابنها.
لكن بما أنه اعترف الآن بمعرفته بأن نيفيلي حية،
فإن زواجه من إينو يعتبر باطلًا، ويعود زواجه من نيفيلي كما كان.
“حسنًا إذن. كنت أفكر أين ستعيش أمي بعد عودتها إلى العاصمة. والآن عرفت الجواب. لتعد إلى قصر العائلة. اجعل إينو تخلي الغرفة.”
“…”
اصبحت هيلي تضغط على والدها بصوت كأنه يتلو كتابًا مقدسًا.
وكسر الصمت بعدها كان من قبل الأب، الذي ضحك بسخرية.
“أنتِ دائمًا…”
“ماذا؟“
“…كلامكِ لا يتغير.”
بززززز—
رنّ صوت مزعج في أذن هيلي،
مصحوبًا بألم حاد كأن شيئًا يخترق أذنها.
كان هذا الألم لا يستجيب حتى للعلاج الروحي، إذ سببه نفسي.
وكان يعذبها وحدها، لا يُصيب مَن تسبب به.
“أنتَ أيضًا لم تتغير يا أبي. هذا مدح، فلا تغضب.”
“أنتِ!”
صرخ الأب بغضب.
“ماذا؟!”
ردّت هيلي بالصراخ أيضًا.
كراش—
“…!”
سقطت زجاجة النبيذ من يدها وتهشّمت.
انحنت والتقطت عنق الزجاجة المكسور.
أصبح شكلها وكأنها سلاح قاتل.
تساقط النبيذ الأحمر كأنه دم على ذراعها.
ها هي تعود، تلك القديسة العصبية سيئة المزاج.
رغم أنها لم تقصد ذلك، إلا أن نظراتها الهائجة جعلت الأمر يبدو وكأنها ستطعن نفسها في أي لحظة، فتجمّد الأب في مكانه.
أما هيلي، فلم تهتم.
كانت تمسح جبينها بعصبية.
“رأسي يؤلمني. رجاءً، لا تصرخ وأنت تتحدث.”
‘لم أشعر بهذا الألم في بلوتاروس أبداً… يبدو أن البيئة حقاً تصنع الفارق.’
ما عدا الهجوم على موري، كانت حياة هيلي في بلوتاروس هادئة.
لم يكن هناك ما يدعو للغضب، وكانت الضحكات كثيرة.
‘البيئة تصنع الإنسان حقاً.’
هكذا توصلت هيلي إلى هذه الحقيقة وهي تهزّ رأسها وحدها.
عندما بدأت تهدأ قليلًا، نظر إليها والدها وكأنها مجنونة،
وقد نسي أن تلك المجنونة هي ابنته.
كان ينوي أن يطلب منها إزالة الزجاج، لكن فجأة…
“هممم…”
سمعا صوتًا من جهة الباب.
التفتا بارتباك ليروا من هناك.
“…سمو الارشيدوق، الأمير.”
كان القادم هو ديلان نفسه.
كم من الوقت كان واقفًا هناك؟
بعد أن نظر إلى الجو بصمت، أغلق الباب وغادر.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 40"