استمتعوا
هيلي وديلان صعدا إلى تلٍّ يمكن من خلاله رؤية الشارع الذي تقام فيه الاحتفالات.
كان بإمكانهما رؤية أشخاص يتشاجرون، وآخرين يستمتعون بالمهرجان مع عائلاتهم وأحبّائهم، يضحكون ويبتسمون.
مشهدٌ لا يمكن أن تنقله الخرائط أو الوثائق كان يتجلّى أمام أعينهما. بالفعل، لا شيء يفوق الرؤية المباشرة.
‘كنت أظن أن ما يحدث في بلوتاروس لا يعنيني بأي شكل من الأشكال…’
بينما تستنشق نسيم الليل لمكانٍ ستقيم فيه لبعض الوقت، تراجعت هيلي عن تفكيرها الطائش الذي خطر لها سابقًا في المعبد.
وعندما كان ديلان متردّدًا يحاول أن يمسك بيدها بلطف،
“احملني على ظهرك! احملني!”
“ولِمَ عليَّ أن أحملك؟“
“موري، إذا لم تعتنِ بلياقتك الآن، ستعاني لاحقًا.”
شعر الاثنان بوجود أشخاص يصعدون من الطريق الذي جاءا منه.
كان موري وروز يصعدان التلّ برفقة فرسان الحراسة،
بينما كان موري يتدلّل على الحراس طالباً أن يحملوه.
“إنه موري.”
“همم، فلنتظاهر أننا لم نرَ شيئًا.
وجود هذه النصف حاكم مزعج للغاية.”
ابتسم ديلان ابتسامة مرحة ووضع ذراعه على كتف هيلي،
ثم استدار نحو الطريق المنحدر في الجهة المقابلة.
ولو كانت روز وحدها من تصعد إلى ذلك المكان، من دون موري، لكان ديلان قد انضمّ إليها دون تردّد.
لقد كان حقًا يجد في موري عبئًا مزعجًا.
وأثناء نزولهما من التلّ، بدأت هيلي تتذكّر الحديث الذي دار بينهما في المعبد.
“ألم تقل إنك شديد الإيمان؟“
“فقط لحاكم الأرض. وذلك الشخص نُبذ من قِبَل حاكم الأرض ونُفي إلى هنا كنصف حاكم.”
رفع أحد طرفي فمه بابتسامة ساخرة.
لكن هيلي، وهي تنظر إلى تلك الابتسامة، شعرت بنفور خفيف.
رغم أنها تناسبه كثيرًا،
إلا أنها بدت كملابس جميلة لا تليق بمقاسه.
عندما توقّفت هيلي عن المشي، توقّف ديلان بدوره.
استشعر ديلان نظرتها الغريبة وسأل.
“لماذا تنظرين إليّ هكذا؟“
لم تجب مباشرة، بل رتّبت أفكارها أولًا.
‘آه.’
تلك الابتسامة التي لا تناسبه، ذكّرَتها بشخصٍ ما.
وعندما كان ذلك الشخص يبتسم بها، لم تكن تشعر بأي تناقض.
كانت كأنها ترتدي ثوبًا يليق بها تمامًا.
وهذا يعني أن صاحب الابتسامة الأصلي كان موجودًا بالقرب من ديلان.
“هل تظن…”
ما بين بداية جملتها واستكمالها،
خيّم بياض الصمت كفراغ على ورقة.
وسط ذلك الصمت، التقت أعينهما.
“هل تظنّ يا ديلان أنك تُقلّد سموّ الأميرة ديانا؟“
رغم أن الجملة كانت على هيئة سؤال،
إلا أن في نبرتها كان هناك يقينٌ عميق.
في البداية، اعتقدت أنهما يشبهان بعضهما كونهما توأمًا،
لكن الحقيقة كانت مختلفة.
ديلان هو من كان يقلّد ابتسامة ديانا.
تنفّس ديلان بحدة من هول المفاجأة.
وكأنه يقرّ بأن حدسها كان صحيحًا.
في ظلام الليل، حيث يسهل التخفي والاختباء،
انكشف السر الذي كان يحرص على إخفائه.
كانت الأضواء خافتة، أُضيئت بالكاد لمنع الحوادث،
لكن بالنسبة إلى ديلان، بدا المكان مشرقًا على نحوٍ لا يُطاق.
“أنا… يعني، ذلك…”
ذات مرة، علّمت إحدى القصص أن أشعة الشمس أكثر فاعلية من الرياح عندما يتعلق الأمر بجعل المسافر يخلع معطفه.
وعندما سمعت ديانا الصغيرة تلك القصة، تمتمت قائلة.
“إذن، الإقناع أنفع من التعذيب، أليس كذلك؟“
لكن ديلان كان يفكر بشيء آخر في تلك اللحظة.
كانت هيلي تشبه الريح.
ريحًا باغتته دون سابق إنذار وسلبت منه معطفه.
تحت ذلك المعطف الأنيق، كان يرتدي ملابس بالية لا تُرى،
ومع أن المعطف أُخذ منه، لم يستطع إلا أن يشعر بالخزي.
سأل ديلان، وقد شحب وجهه.
“إذًا… هل كان واضحًا لهذه الدرجة؟“
لم ينتبه أحد لهذا من قبل.
“أجل، كنت تقلّدها بالفعل.”
قالت هيلي بهدوء تحت الضوء الخافت،
“…نعم، صحيح.”
اعترف ديلان بذلك دون تردّد.
“ولكن، لماذا تقلّد سموّ الأميرة؟“
في الواقع، لم يكن يُقلّد الابتسامة فقط،
بل كان يقلّد طريقة تعاملها مع الناس وسلوكياتها.
بشكل خفي وسامّ.
وهو نفسه كان يدرك ذلك جيدًا، فتمتم بصوت خافت.
“لأن الناس كانوا يحبّونني أكثر عندما أفعل ذلك.”
كان ضعيف البنية، يتلعثم بالكلام.
مما جعله يخاف التحدث مع الآخرين.
ثم في أحد الأيام.
استيقظ الطفل ديلان على سريره فاقدًا بعض ذكرياته.
ومنذ ذلك الحين، توقّف عن التلعثم.
فرح الجميع في قصر الأمير بذلك.
كانت تلك أول مرة يحظى فيها بردة فعلٍ إيجابية.
لم يستطع نسيان ذلك اليوم أبدًا.
لأنه منذ ذلك اليوم، بدأ الناس يحبّونه أكثر.
فقرّر أن يتغير، واتخذ من ديانا معيارًا له.
ولماذا ديانا بالذات؟
لأنها كانت الشخص الأكثر إشراقًا بين كل من حوله.
كانت تملك جاذبية تجعل من حولها ينجذبون إليها.
“هل كنت مخطئًا؟ أنا فقط…”
بدأت شفتاه تتحرّكان، وكأنه على وشك البكاء.
كانت هيلي تنوي أن تخبره بأنه ليس مضطرًا لقول شيء،
لكن ديلان استجمع شجاعته وقال.
“أنا فقط… أردت أن أكون محبوبًا.”
حقًا، هذا كل ما في الأمر.
أراد فقط أن يحبّه الناس أكثر قليلًا.
كان خائفًا من أن تشعر ديانا بالاستياء إذا عرفت بذلك.
وكان خائفًا من أن يكتشف الناس ضيقه الداخلي المحدود.
رفع رأسه وسأل هيلي أمامه.
“لا بأس إن لم تحبّيني كما في السابق،
لكن… هل من الكثير أن أطلب ألا تكرهيني؟“
ضحكت هيلي.
لم يكن رد فعلٍ توقعه.
مسحت دموعه الخفيفة العالقة على خده بحركة عفوية وكسولة.
“لا تقلق بشأن أشياء كهذه.
أظن أن كراهيتك ستكون صعبة عليَّ، مهما كنتَ.”
“حقًا؟“
اتّسعت عينا ديلان.
وكأنه توقف عن التنفس لحظة.
“نعم. لذا، لا حاجة لأن تقلّد سموّ الأميرة ديانا بعد الآن.
وأعتقد أن هناك الكثيرين ممن سيحبّونك على حقيقتك.”
“…شكرًا لأنك قلتِ ذلك.”
“على الرحب والسعة.”
هزّت هيلي كتفيها بلا مبالاة، وكأن الأمر لا يستحق الامتنان.
وبالفعل، بالنسبة إليها، لم يكن ذلك بالكلام المهم.
فمقارنةً بما فعله ديلان سابقًا، حين عرض لوحات كاريل في متحف بلوتاروس، لم يكن هذا شيئًا يُذكر.
كان ديلان يحدّق في هيلي.
أراد أن يقول شيئًا آخر بعد شكره،
لكنه لم يستطع نطق الكلمات، فالتزم الصمت.
‘أولئك الذين سيحبّونني كما أنا.’
كان يتمنّى أن تكون هي منهم، لكنها كانت أمنية أكبر من أن يقولها بصوته الضعيف في حالته البائسة الحالية.
***
كانت ملامح ديلان وهيلي داخل العربة المتجهة إلى العاصمة قاتمة.
والسبب في ذهابهم إلى العاصمة رغم اقتراب حملة التطهير،
هو حضور حفل خطوبة الأمير الثاني، ثيسيوس، والآنسة أريادن.
قبل عدّة أيام فقط،
“آآآه…”
بدأ صباح بلوتاروس المبكر بتنهيدة ألمٍ من ديلان.
أمسك رسالة الإمبراطور الموضوعة على مكتبه كما لو أنها ملوثة، بأطراف أصابعه.
“هل يجب عليّ فعلًا قراءتها؟“
“نعم، ويجب أن تقرأ أيضًا رسالة سموّ الأميرة ديانا.”
أخيرًا قرر ديلان قراءة رسالة الإمبراطور أولًا.
بالأصل، هو من النوع الذي يؤجل الأمور المكروهة حتى النهاية، لكن بناءً على نصيحة ديانا بأن “من الأفضل إنهاء الأمور الكريهة أولًا“، قرر تغيير طريقته.
إلى جانب ذلك، إن أرسل الإمبراطور رسالة مزعجة،
كانت ديانا غالبًا تتوقّع محتواها وتبعث له حلًا مناسبًا.
لذا من المنطقي أن يقرأ الرسالة المسببة للمشكلة أولًا،
ثم الرسالة التي تحتوي الحل لاحقًا.
رغم عدم رغبته، فتح ديلان رسالة والده.
ثم انعقد حاجباه.
في الوقت الذي بدأت فيه التحضيرات لحملة التطهير،
خيّم التوتر على بلوتاروس، وبدأ جوٌّ باردٌ يسود المكان.
ولأسباب أمنية،
أعلن ديلان مسبقًا أنه لن يحضر حفل خطوبة الأمير الثاني.
وديانا وافقته الرأي. لكن رغبة الإمبراطور كانت مختلفة.
「 يجب حضور حفل الخطوبة والوليمة الخاصة بالأمير الثاني، دون استثناء. 」
كان هذا أمرًا وليس اقتراحًا.
عضّ ديلان شفته السفلى أثناء قراءته الرسالة.
هل يريدون منه الحضور شخصيًا إلى القصر ليقدّم تقريرًا مباشرًا؟
‘منذ متى وأنت تهتم بشؤون بلوتاروس أصلاً؟‘
ويطلب منه إحضار هيلي أيضًا؟
‘وأنت من رفض مقابلتها أولًا!’
كان الأمر مثيرًا للسخرية.
وكأن الإمبراطور يتمنّى فشل حملة التطهير.
رماها ديلان على المكتب بلا مبالاة،
ثم فتح رسالة ديانا.
كالعادة، كانت مختصرة.
「يا هذا، إن كنتَ مشغولًا، فلا تأتِ. سأتصرف بنفسي.」
هذه المرة، خابت آماله.
رسالة ديانا لم تكن حلاًّ.
‘…ديانا، أود فعل ذلك، لكن هذه مرّة ‘أمر إمبراطوري‘ .’
لو كان غير ذلك، لاختبأ وراءها كالعادة.
لكن مع صدور الأمر من الإمبراطور، تغيّر الوضع تمامًا.
والآن، ها هو في طريقه إلى العاصمة برفقة شقيقته وهيلي.
وهي بدورها لم تبدُ سعيدة بالأمر.
حاول ديلان كسر جو العربة الكئيب وقال.
“روز، لم تري الأمير الثاني من قبل، أليس كذلك؟ كنتِ دائمًا في بلوتاروس.”
“نعم، لكني قرأت عنه في الصحف.”
ما تعرفه روز كان التالي.
ابن غير شرعي للإمبراطور، عاد كبطل.
شخص ينافس ديانا على العرش، ويحظى بمحبة والده المطلقة.
وكانت تعرف سبب الخلاف بين ديلان وثيسيوس.
أولًا، لأن ظهور الأمير الثاني المفاجئ جعل منه منافسًا مزعجًا لديانا.
والسبب الثاني.
‘هو العلاقة مع الآنسة هيلي، أليس كذلك؟‘
الإمبراطور حاول أن يزوّج الأمير الثاني إلى القديسة هيلي بذريعة الاوراكل، لكن الحب الذي نشأ بين ديلان وهيلي أفسد خطته.
رسمت روز مخطط العلاقات في ذهنها بتلك الطريقة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 38"