استمتعوا
بعد رحيل إيدن،
شعرت إينو برغبة في استنشاق الهواء، فخرجت من غرفتها.
حتى هذا القرار اتخذه بعد تردد طويل، خوفًا من أن تصادف إيدن صدفة.
وأثناء نزولها الدرج، لمحت امرأة تدخل القصر.
كانت رسولًا تعرفه جيدًا، من طرف الماركيز.
“ ما الأمر؟“
“ آه، سيدتي، هناك أمر يجب إبلاغ الماركيز به.”
“ الماركيز غائب حاليًّا، أخبريني بالأمر وسأنقله إليه فور عودته.”
أجّلت إينو خروجها للنزهة، واتجهت إلى غرفتها برفقة المرأة.
تلك المرأة التي بدت يداها متصلبتين من كثرة العمل،
لخفضت صوتها لتبلغها بالمعلومة.
تجمد تعبير وجه إينو فور سماعها.
سلّمتها المرأة مظروفًا أصفر، فأخذته وفتحته على عجل لتقرأ محتواه.
“ أحسنتِ.”
بعد لحظة من الشرود، تماسكت ملامحه مجددًا،
ثم فتحت أحد أدراج مكتبها وأخرجت كيسًا صغيرًا فيه حلي.
“ خذي هذا مكافأة لكِ.”
ناولتها كيس الحلي كمقابل للمعلومة،
وانصرفت المرأة بعد أن أدّت تحيتها.
ابتسمت إينو كما تفعل دائمًا.
إنها تلك الابتسامة التي كان الماركيز ترافيا يحبها أكثر من أي شيء آخر. لم تعُد اذكر كيف كانت تبتسم قبلها.
***
مر وقت طويل، وخفتت حدة الشك بموري بين سكان قصر الارشيدوق.
“ هيّا بنا إلى المهرجان، هيّا!”
“ المهرجان! المهرجان!”
مؤخرًا، لم يتوقف موري وروز عن ترديد رغبتهما في حضور مهرجان الأرض، الذي يُقام كل عام، حتى اصبحت أصداء الحماس تعم القصر.
اقترب موري وجلس أمام هيلي التي كانت تتناول فطورها المتأخر.
“ هيلي، هيلي! ألا ترغبين في الذهاب للمهرجان؟“
“ أنا لا أحب الأماكن المزدحمة…”
وحين همّت بالانسحاب،
تدخلت روز وديلان اللذان كانا قد خرجا لقطف الزهور.
“ سيكون الأمر أكثر متعة إن حضرتِ معنا آنسة هيلي!”
“ حتى أنا متحمّس قليلًا.
العام الماضي لم أتمكن من الذهاب لانشغالي.”
“ في هذه الحالة… الذهاب مرة واحدة لا يبدو خيارًا سيئًا.”
بدّلت هيلي رأيها فجأة.
“هاه …”
اندهش موري من دهائها، لكنه لم يعبأ بذلك.
***
مهرجان الأرض.
في كل خريف، تقام الاحتفالات في جميع أنحاء تيلون تكريمًا لحاكم الأرض.
قبل أن يضرب برد بلوتاروس القارس،
خرجت هيلي مع ديلان وروز وموري للاستمتاع بالمهرجان.
وكان سكان البلدة أيضًا ينعمون بذلك البرود اللطيف قبل حلول الشتاء، مستمتعين بأجواء المهرجان الحيوية.
في تلك اللحظة، أراد ديلان التحدث إلى هيلي.
“هيـ …”
“ هيلي! تذوقي هذا، إنه لذيذ!”
“ شكرًا لك.”
قطع موري حديث ديلان، بعدما عاد من شراء الوجبات الخفيفة، ووضع قطعة من اللحم في فم هيلي بسعادة وفخر.
“ أليس لذيذًا؟“
لكن تعبير هيلي سرعان ما تغير.
‘ ما الذي يجعل الناس يشترون شيئًا كهذا؟‘
كان الطعم مريعًا، مزيجًا غير متناسق من النكهات والروائح.
تحديدًا، الصلصة لم تتناسب مع اللحم.
ترددت هيلي في تقييم الأمر،
هل موري خدعها عمدًا؟ أم أنه فعلاً رأى أن الطعم لذيذ؟
تذكّرت كيف كان فريكسوس يمازحها أحيانًا بمثل هذه الحيل، قائلًا، “ جربي هذا، إنه لذيذ“ ، ثم يتضح أنه سيئ للغاية.
وكان يضحك وهو يتلقى الضرب منها، مستمتعًا بردة فعلها.
فهل فعل موري الشيء نفسه؟
لكن حين رأته يتناول الطعام بشهية حقيقية، بدّد ذلك شكوكها.
لم يكن يمزح، بل ظنه فعلًا لذيذًا.
“… أجل، لذيذ.”
“ أرأيتي؟!”
رغم أنها لم تحبه، إلا أنها شكرته، لأنه أهداه لها بنية صادقة.
حتى لو كان الحلم المهدى إليها بلا فائدة كـ‘ صائد أحلام‘ ،
أو الطعام لا يناسب ذوقها، فإن النية خلف ذلك تبقى ثمينة.
وحين رآها تبتسم ابتسامة خفيفة، سألها.
“ هل تريدين واحدة أخرى؟“
“ لا. لأنه لذيذ، فلتأكل المزيد بنفسك.”
رغم امتنانها، لم ترغب في أكل قطعة أخرى.
وفي اللحظة التي همّ فيها ديلان بمناداة هيلي مجددًا.
“هيـ …”
“ أوه! انسة روز!”
“ لقد عدت!”
كانت روز قد عادت تحمل مشروبًا مع الحراس،
ولوّحت بيدها الفارغة.
“ موري! المسرحية التي تحدثت عنها بدأت هناك!”
“ حقًا؟ أريد أن أراها من المقاعد الأمامية!”
“ طلبت من لوث أن يحجز لنا مقاعد! هيا بنا!”
دائمًا ما كانت قصص الحب بين الحاكم والبشر تحظى بشعبية جارفة. لم تكن هيلي تكترث لها، لكن الحشود بدأت تتدفق في الشوارع استعدادًا للمسرحية.
“ أوه؟ آنسة هيلي! أخي!”
“ هيييلييييي!”
صاحت روز وموري وهما يُدفعان وسط الحشود.
أمسك ديلان بمعصم هيلي وسحبها في الاتجاه المعاكس.
وبعد لحظات، أصبحت الشوارع خالية،
ولم يبقَ سوى ديلان وهيلي.
بما أن موري وروز قد انجرفا مع الجماهير،
فلم يكن هناك حاجة لانتظارهما.
نظرت هيلي إلى الزحام، ثم سألت.
“ ما العمل الآن؟“
“ حقًا… مع هذا الازدحام، سيكون من الصعب لقاؤهم مجددًا.”
وحين التقت عيناهما،
ابتسم ديلان بمكر، كأنه حاكم ماكر يغوي البشر.
ثم أعاد نظره من جديد إليها، كأنما عاد إلى موضعه الطبيعي.
“ هيلي. بما أن هناك ازدحامًا شديدًا هناك، لماذا لا نقضي الوقت نحن فقط؟ الحراس جميعهم هناك، لذا روز ستكون بخير.”
“ فكرة جيدة.”
لطالما كرهت الأماكن المزدحمة، سواء في المعبد أو الآن،
لذا كان عرض ديلان مقبولًا للغاية.
كما أنها شعرت بأنها تجاهلته قليلًا أثناء حديثها مع موري.
فور أن وافقت، حرر ديلان يدها بلطف، ثم مد يده وسألها.
“ من أين نبدأ؟“
كانت أصابعه ترتجف قليلاً.
“ من أي مكان.”
أمسكت هيلي بيده فجأة،
كطائر يختطف دودةً من الأرض، وابتسمت.
***
تجولا سويًا في أرجاء الشوارع التي أصبحت أكثر هدوءًا،
واشتروا بعض بذور الزهور من كشك أمام محل الزهور.
كان صاحب الكشك هو نفسه صاحب المتجر.
وبما أن المهرجان يُقام تكريمًا لحاكم الأرض،
فقد منح لكل زهرة رمزية من خلال بذورها، وجعل منها تذكارًا.
وما كان مثيرًا للاهتمام، أن نوع الزهرة التي ستنبت من هذه البذور كان مجهولًا. لن تعرفها حتى تُزرع وتنمو.
بعد أن تسلمت هيلي البذور وبرفقة ورقة تشرح طريقة الزراعة، سألت البائع.
“ إن لم تنبت الزهرة، فلن أعرف أبدًا أي نوع كانت، أليس كذلك؟“
“ في تلك الحالة، تعالي إليّ.
لقد دونت كل شيء في السجلات، من استلم أي بذور.”
وبينما كانت تتفحص الكيس، قالت هيلي ببساطة.
“ لا داعي للقلق، أستطيع أن أجعلها تتفتح بقوتي.”
فبقوتها المقدسة، لم يكن عليها انتظار شيء.
“ ماذا لو جربنا هذه المرة من دون استخدام القوة؟“
“ ولماذا؟“
ظنته سيوافق، فهو يحب الزهور.
لكن رده المفاجئ جعلها تسأله، فأجاب بخجل.
“… لأني أريد أن أحتفظ بلحظة الانتظار.”
فتحت فمها، لكنها لم تجد الكلمات.
المجهول، والانتظار.
لطالما كرهت هذا النوع من المشاعر.
لكن الآن، ربما لن يكون بذلك السوء، لأنها لن تنتظر وحدها.
“ حين يأتي الربيع، لِنزرعها معًا.
ونترقّب سويًا ما الزهرة التي ستنبت.”
قد يكون الأمر مملًا وحدك،
لكن إن كنا معًا، فحتى الملل سيتحوّل إلى ذكرى محببة.
نظر إليها ديلان وهو يقول ذلك.
عيناها الزرقاوان اللامعتان كانت تشبه البحر في صفائه،
وكأن بريقهما قادر على سلب الإرادة.
تذكّر ديلان كتابًا قديمًا قرأه، تحدث عن وحش بحري يُدعى سايرن، يستخدم صوته ليغوي البحّارة ويغرقهم.
لكنهم لم يكونوا وسط أمواج البحر، ولم يسمعوا صوت السايرن.
ومع ذلك، في تلك اللحظة، نظرته هيلي جعلته يشعر برغبة في أن يُلقي بكل شيء من أجلها.
“ حسنًا.”
ابتسمت هيلي وأومأت،
لكن بقي سؤال واحد في صدرها لم تنطق به.
تلك كانت رعشة خفية تحت مشاعرها الجميلة.
‘ هل سنكون معًا حتى حين تتفتح الزهرة؟‘
قبلت الخروج مع ديلان، لكنها لم تكن تعرف ماذا بعد.
‘ ربما إن لم نتفاهم، نفترق لاحقًا.’
وماذا لو ظهر الشخص الحقيقي المختار من قِبل الحاكم؟
ماذا سيحدث حينها؟
لكنها، منذ فترة، بدأت تأمل أن يستمر هذا،
أن يكون الغد معه أيضًا.
وهذا ما كان ديلان يشعر به كذلك.
فكلاهما كانا يقفان على علاقة لا يضمنان نهايتها.
وهذا ما يميز كل العلاقات، لكن ديلان كره عدم اليقين فيها بشدة.
أن تكره شيئًا بلا شكل أو هيئة، إنه لأمر ساخر.
نعم، أمر ساخر حقًا.
لكنها لم تكن المرة الأولى.
‘…الريح .’
حين رحلت ديانا مع القراصنة في مغامرتها، كره ديلان الريح.
لم يكن قادرًا على فعل شيء سوى الدعاء كل ليلة أن تعود شقيقته التوأم سالمة.
‘ لكن الآن… ليس بعد الآن.’
لم يعد ذلك الطفل الذي لا يملك سوى الصلاة.
الآن، لن يجلس فقط ويصلي للحاكم أن تحقق أمنيته.
بل سيتحرك بنفسه.
وسيمضي نحو من يحب.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O ━O ━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 37"