استمتعوا
هاه، لا يُصدق.
أطلقت هيلي ضحكة يائسة وهزّت رأسها ساخرة.
“ألا تعلم جيدًا أنني لست على علاقة من ذلك النوع مع موري؟“
يعرف تمامًا أنه لا شيء بينهما،
ومع ذلك تظاهَر بالخذلان وكأن الأمر جديد عليه.
لو كانت للوقاحة سماكة، لبلغت ما يعادل كُتب هذا المكتبة جميعها.
وبينما كانت هيلي تفكر بذلك،
كان ديلان يتأمل كلماتها ووجهه يتغير قليلاً.
‘الذي يعرفها منذ أيام فقط هو موري، وأنا الأمير…’
انقبض صدره وتقلّب مزاجه، فعبس وأخرج شفتَيه قليلًا.
لكن سرعان ما اختفت تلك التعابير،
وارتسمت على وجهه مجددًا ابتسامة
. كانت تلك نفس الابتسامة الوقحة التي تجيد ديانا رسمها أمام النبلاء.
“روز تلقبينها بـ ‘سموكِ‘، وديانا تلقبينها كذلك، وأنا أيضًا.
إنه أمر مربك جدًا، أليس كذلك؟“
“أمم… بالنسبة لي، لا بأس بذلك.”
أجابت هيلي ببرود، وقد أدركت ما يحاول فعله، ورفعت كتفيها بلا مبالاة.
“لا، أنا هو من يرتبك. عندما تنادين روز بـ ‘سموكِ‘، ألتفت بسرور ظنًا أنكِ تقصدينني، ثم أراكِ تمسكين بيدها وتذهبان للتنزه… أشعر بحرمان شديد في تلك اللحظة.”
“ومن يشعر بالحرمان بسبب شيء كهذا؟“
“للأسف، قلبي ضيّق قليلًا.”
تبادلا الضحك وهما ينظران إلى بعضهما،
وقد غطّيا أفواههما براحة أيديهما لئلّا يُسمع صوتهما.
شعرت هيلي بوخزٍ على طرف لسانها،
فعضّت شفتها السفلى بخفة، ثم نادت اسمه.
فقد سبق له أن ناداها باسمها.
“ديلان.”
“…”
اتسعت عينا ديلان حين سمع اسمه على لسانها.
لم يرَ في عينيه الذهبية البراقة سوى انعكاس صورتها.
ارتبكت هيلي حين نطقت اسمه للمرة الأولى، فضحكت بخجل.
“هل هكذا أناديك بشكل صحيح؟“
“أوه… نـ، نعم…”
كان هو من طلب منها أن تناديه باسمه،
ومع ذلك بدا مذهولًا وكأن اسمه ترك أثرًا غريبًا في أذنه.
‘هل كان اسمي يبعث على هذا الشعور اللاذع؟‘
شعر بشيء غريب فتلمّس أذنه دون وعي،
ثم استعاد تركيزه على هيلي وأمسك بكتفها برفق.
“…انتظري هنا قليلًا، لا تذهبي.”
“إلى أين ستذهب؟“
“سأذهب لأضع علامة على التقويم في المكتب.”
ماذا بحق السماء…
رفعت هيلي حاجبيها باستغراب، فأكمل ديلان بابتسامة عريضة.
“إنه اليوم الأول الذي ناديتني فيه باسمي.
سيكون من المؤسف نسيانه.”
“…؟“
وما إن أنهى جملته، حتى ركض خارج المكتبة.
هيلي بقيت تحدّق مذهولة في المكان الذي كان يقف فيه.
هل هو مجنون؟
‘لا يمكن ان يكون قد وضع علامة على يوم زواجنا أيضًا؟‘
بالطبع، كانت تتذكر ذلك اليوم.
ليس كيوم زفاف، بل كيوم تم نفيها فيه.
****
في ظهيرة مشمسة.
كانت هيلي تهم بفتح الصفحة الأولى من كتاب شعر كان ديلان قد اقترحه عليها.
نوك! نوك! نوك!!!
دويّ طرق شديد على الباب كاد يكسره، تبعه مباشرة صوت موري.
“هيلي! هيلي!”
“ما الأمر؟ ماذا هناك؟“
نهضت هيلي من سريرها وفتحت الباب.
حاول موري التسلل عبر فتحة الباب،
لكن الحارسين المرافقين له منعاه.
“أنا وروز سنقوم بجلسة قناع بالخيار، هل ترغبين بالانضمام؟“
‘منذ متى أصبحا مقربين هكذا؟‘
لم تأتِ روز لزيارتها مؤخرًا،
وتبيّن الآن أنها كانت تمضي وقتها مع موري.
شعرت هيلي بشيء من الغيرة، لكنها اكتفت بهز رأسها موافقة.
“سأكتفي بالمشاهدة.”
“رائع!”
كانت تستعد للخروج حين لفت انتباه موري شيء ما في الغرفة، فأشار نحو النافذة.
“أوه؟ لماذا علّقتِ هذا هناك؟“
ما أشار إليه كان صائد أحلام كانت روز قد أهدته لهيلي.
“تلقيته هدية من الأميرة الثانية لأنني رأيت كوابيس.”
رغم علمها أنه لا يمنع الكوابيس،
فقد علّقته لأنها تأثّرت بنيّتها الطيبة.
لكن موري تساءل بنبرة مستغربة.
“أنتِ لا تزالين ترين ذلك الحلم؟ كان يجب أن ينتهي الآن.”
“ماذا؟“
توقفت هيلي في مكانها.
“أقصد، الحلم الذي يظهر فيه أخيك التوأم.”
لم ترَ هيلي حلمًا عن فريكسوس منذ فترة. لكن موري قال إن ‘الحلم انتهى‘.
بدا الأمر غريبًا. لمحت هيلي لحارسيه بعينيها.
“أريد الحديث معه على انفراد.”
فباشرا بتفتيشه مجددًا.
كان نفس الشخص الذي حاول طعنها سابقًا، لذا لم يثقوا به.
“أوه، قلت لكم لا شيء عندي! حتى قبل لقائي بالأميرة فتّشتموني! توقفوا، هذا يَدغدغني!”
رغم احتجاجه، استمر الحارسان بالتفتيش دون انفعال.
وعندما لم يعثرا على شيء،
ابتسما برفق لهيلي وسمحا له بالدخول.
أُغلق الباب، وسألت هيلي بصوت منخفض.
“…كيف عرفتَ بأحلامي؟“
عبّر عن استيائه من التفتيش، لكنه رفع كتفيه بلا مبالاة.
“رغم أنني فقدت قوة التحكم بالأحلام، إلا أنني ما زلت أشعر ببعضها. رأيتِ حلمًا مؤخرًا، أليس كذلك؟ وكان فيه شمعدان يتدحرج.”
أومأت هيلي برأسها في صمت.
“ذلك كان الأخير.”
الأخير؟
“تقصد، كانت هناك عدد محدد من الأحلام منذ البداية؟“
“نعم. كانت لديك 21 فرصة لتغيّري ماضيك وحاضرك.
لأنك كنتِ تبلغين 21 عامًا حينها.”
ضيّقت عيناها وهي تعيد التفكير في كلامه.
“ماذا تعني بتغيير الماضي والحاضر؟“
كان هناك الكثير مما لا تفهمه.
لكنها لحسن الحظ، أمامها الآن نصف حاكم يمكنه أن يوضح.
شخص يمتلك معرفة لا يمكن لبشر أن يصل إليها.
شدّت قبضتها بشدة.
“في ذلك الحلم، عندما كنتِ تضمّين جثة أخيكِ وتبكين،
تدحرج شمعدان من الزاوية، تذكُرين؟“
“…أجل.”
نعم، تتذكر ذلك.
بينما كانت تبكي على فريكسوس، تدحرج شمعدان من الزاوية.
نفس الزاوية التي كانت واقفة فيها داخل الحلم.
“أنتِ من جعل ذلك الشمعدان يتدحرج.”
“لكن… كان ذلك حلمًا.”
“صحيح، حلم.”
ثم نقر جبهتها بخفة،
بنفس إصبع يده الذي أشار به إلى صائد الاحلام.
“والأحلام لا تحمل معنى واحدًا فقط، أليس كذلك؟“
الأحلام لها معنيان.
حلم نراه أثناء النوم، أو حلم نرغب في تحقيقه بشدة.
وهذان المعنيان التقيا.
ففي الحلم، حققت أمنيتها.
تحركت شفتاها الجافتان عدة مرات.
بالكاد استطاعت أن تتماسك وسألت بصوت متهدج.
كانت عيناها محتقنتَين بالدموع.
“هل هذا… ممكن؟“
“هذا حدث لأن مصيرك انحرف. بعدما حلّت قوة إلهية في جسدك، تغيّر مسارك، وظهرت لك الفرصة.”
لقد انتهزت تلك الفرصة التي أُعطيت لها.
“هل كان من المستحيل إنقاذ فريكسوس؟“
“نعم. تُمنح الفرص في اللحظات الأكثر يأسًا.”
هذا يعني أن اللحظة الأكثر يأسًا في حياتها لم تكن عندما علمت بنبوءة موته، بل عندما وجدت جثته.
لذلك، بدأت الفرصة فقط بعد تلك اللحظة.
“…”
يا للسخرية… شعرت بالأسف، وفي نفس الوقت بالارتياح.
لو عاشت وهي تعلم أنه كانت لديها فرصة ولم تنقذه،
لكان الشعور بالذنب أثقل بكثير.
“ولو أنني، في حلمي الأخير، لم أدحرج الشمعدان…”
“لكنتِ غادرتِ القبو ببساطة. دون أن تكتشفي القاتل.
وحتى هذه اللحظة، لما كنتِ تعرفين كيف مات اخيك.
كنتِ ستغادرين والقاتل خلف ظهرك.”
“…هاه.”
حتى لو لم ترَ إيدن في تلك اللحظة، لكانت شكّت في إينو.
لأنها هي من أبقت فريكسوس في القصر.
لكنها لم تكن لترى الحقيقة كما هي دون رؤيتها بعينها.
ولربما آمنت حينها أن فريكسوس سقط من الدرج ومات كما تنبأت النبوءة. ولَما شكت في أحد.
ربما كانت لتلوم نفسها أكثر على عدم منع النبوءة.
موري بدا مصدومًا من ردة فعلها.
“ظننتُ أنك تعلمين… لكنك لم تكوني تعرفين.”
كانت تريد أن تصرخ عليه وتقول: “كيف لي أن أعلم؟“،
لكنها لم تملك القوة لذلك.
مجرد سماع القصة كان يُتعبها.
شعرت بأن قوتها تخور، فجلست على طرف السرير.
نظر موري إليها، بعين لم تكن بشرية، بل عين حاكم.
ثم قال بصوت هادئ.
“مبارك لكِ. من اكتشف قاتل أخيك،
ومن ساعد في ذلك… كلاهما أنتِ.”
‘كانت أنا…’
لم يكن تدحرج الشمعدان مصادفة.
بل فرصة خلقتها رغبتها العميقة.
وهيلي الحاضرة ساعدت هيلي الماضية.
ومع ذلك، فإنها لم تكن لتنجح دون عون أحدهم.
“…وإن عاودك الحلم مرة أخرى، جربي أمرًا.”
“ماذا؟“
“حين يتحول جسدك كله إلى حجر داخل الحلم، وحتى قبل أن تستيقظِ، استعملي ما بقي لديك من حركة في يديك أو رأسك، وافعلي شيئًا.”
تسارعت أنفاسها.
كانت جالسة في مكانها بلا حراك، لكن قلبها يخفق بقوة.
ومع ذلك، شعرت بأنها تنفّست أخيرًا.
“موري.”
“نعم؟“
رفعت رأسها ببطء.
وجهها الشاحب بدأ يستعيد بعض اللون،
وارتسمت عليه ابتسامة باهتة.
“سأؤجل مشاهدة جلسة القناع بالخيار لوقت آخر.”
كانت الحقيقة التي واجهتها ثقيلة،
ساقاها بالكاد تستطيعان الوقوف.
لكنها بحاجة للنهوض الآن.
لكي تذهب لمقابلة ديلان، من منحها الفرصة الأخيرة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 35"