استمتعوا
هيلي هزّت كتفيها محاولةً التخلّص من مشاعرها،
ثم غيّرت موضوع الحديث.
“بالمناسبة، ذلك الرجل… أليس بإمكانه البقاء في القصر؟“
“الرجل الذي هاجمكِ؟“
ضيّق ديلان عينيه، موضح أنه لم يُعجبه اقتراح هيلي.
“ذلك الرجل يملك قوة إلهية. أعتقد أنه يمكنه المساعدة كمعالج في حملة الإبادة، بشرط أن يبقى هنا لفترة.”
“وماذا إن هاجم مجددًا؟“
“لقد أدرك أن قتلي لن يُزيل الخطأ، لذا لن يؤذيني إطلاقًا.
ثم… أعتقد أنه استسلم بسهولة أكثر مما توقعت.”
هل من الممكن أن يكون الحاكم بهذا البساطة؟
هيلي ضحكت ساخرًة وهي تسترجع صورة ذلك الرجل.
“…”
ليس ‘لن يؤذي‘، بل ‘لن يؤذي إطلاقًا‘.
نبرة هيلي الواثقة أثّرت على ديلان، فأومأ على مضض.
“لكن، فقط للاحتياط، لا تبقي معه بمفردكما.
من الأفضل أن يرافقك الفرسان الذين كانوا معكِ اليوم،
وأخبريهم أنه نصف حاكم.”
“حسنًا.”
وهكذا، أصبح ذلك الرجل يؤدي دور الكاهن الزميل الذي في إجازة ويزور هيلي.
***
بطلبٍ من الرجل الجائع، قدّمت له هيلي طعامًا.
جلست أمامه تراقب كيف يلتهم الطعام بنهم.
كانت لايلا وروث تقفان خلفها.
بعد أن عرفت الاثنتان حقيقة الرجل، شعرت هيلي ببعض الإحراج لكذبها عليهما بشأن كونه زميلًا من المعبد، لكن ذلك لم يدم طويلًا.
قامت هيلي بتقطيع اللحم للرجل المنشغل بأصناف الطعام الأخرى.
وعندما بدأ يُبطئ من الأكل، سألته.
“ما اسمك؟“
“…مورفيوس.”
“طويل جدًا. هل يمكنني مناداتك بـ ‘موري‘؟“
“لكنّك تنادين فريكسوس باسمه الكامل! وما الفرق،
حرف واحد فقط! ما الصعب في هذا؟!”
ابتسمت هيلي بلطافة وكأنها تقاطعه،
ثم غرزت شوكة في قطعة لحم ودفعتها إلى فم موري.
“لذيذ، أليس كذلك يا موري؟“
“همم. لذيذ فعلًا.”
هزّ رأسه بينما كان يتذوق الطعام، ونسي أن يعترض.
لم تعد هناك حاجة لإطعامه، لذا وضعت هيلي الشوكة في يده.
حين كانت تنوي التعمق في الحديث مع موري،
أطلت روز برأسها من الباب نصف المفتوح.
“آنسة هيلي! حان وقت التدريب على الرماية… من هذا؟“
ضيّقت روز عينيها حين رأت موري.
“أنا صديق هيلي، آنسة روز. في إجازة من المعبد.”
حينما شعرت روز بالريبة منه،
حاول موري أن يُظهر ودّه بابتسامة عريضة.
فقد كان يمثل دور الكاهن الزميل الذي أتى لزيارة هيلي كما اتفقا.
“إذًا، يبدو أنكِ لن تذهبي للتدريب اليوم بسبب وجود ضيف…”
كانت هيلي تتدرب على الرماية وفقًا لنصيحة ديانا وكاليستو،
وروز كانت تأتي لتذكيرها.
“لا، سأذهب. بما أنكِ أتيتِ لأخذي.”
هيلي نهضت فورًا حين رأت روز حزينة.
وعندها، أمسك موري بمعصمها على عجل.
سُمِع صوت سقوط الشوكة، لكن صوته كان أعلى.
“مهلًا، هيلي! ستتركينني؟ أنا لا زلت أتناول الطعام!”
“همم؟ تابع أنت الأكل. أنا ذاهبة للتدريب.”
“لكنني سأشعر بالوحدة!”
اقتربت روز من موري وربتت على كتفه وهي مستديرة بحيث لا يرى وجهها إلا هو.
“أول مرة دائمًا ما تكون الأصعب.
مع الوقت ستعتاد الأكل بمفردك.”
رغم نبرة صوتها اللطيفة،
إلا أن ابتسامتها الساخرة جعلت فم موري ينفتح بدهشة.
نظر إلى هيلي بسرعة، لكنها لم ترَ تعبير روز.
“هيا، آنسة هيلي.”
“نعم، سموك.”
أمسكت روز بيد هيلي وسحبتها للخارج.
قبل أن يُغلق الباب، تلاقت عينا روز وموري.
“بـ ـلـ ـهـ ـه“
أخرجت لسانها بوجهه بشكل ساخر قبل أن تغلق الباب.
“ما هذا!؟“
غضب موري غضبًا حقيقيًا لأول مرة منذ مدة.
“طفلة مزعجة…”
وأخيرًا جلس أحد أمامه أثناء الأكل، لكنها خَطَفَته.
هل أخذت هيلي عمدًا؟ يا للوقاحة.
بلا وعي، أمسك موري بتفاحة ولحق بهما.
وكان خلفه فارسان يراقبانه عن كثب.
“لكن، لحظة… أين رأيت تلك الفتاة من قبل؟“
شعر وردي بلون الربيع، وعينان ذهبيتان تشبهان الحيوانات.
متأكد أنه رآها سابقًا.
أمال رأسه وهمس لنفسه.
***
كانت هيلي تُمارس الرماية، وروز تجلس على حصيرة خلفها.
لكن أحدهم جلس بجانب روز فجأة.
وحين رأت أنه موري يأكل تفاحة، تجمّد وجهها.
“لماذا أتيت؟“
“لأن هيلي هنا.”
تجعد وجه روز وغضبت، ثم خفضت صوتها وسألته.
“قل لي، أنت…”
“نعم؟“
“هل كنت حقًا حبيب هيلي؟“
“هاه؟! بالطبع لا!”
أن يحب إنسانًا؟ بل إنسانة كان سيقتلها قبل فترة!
طقطق
سقطت التفاحة من يده، غير مصدق لما سمعه.
“أحد الخدم قال إن رجلًا كان يحب هيلي، لكنها رفضته، فعاد للانتقام.”
“ماذا؟! لا، أبدًا! أنا فقط كاهن زميل، لا شيء آخر!”
أنكر موري بكل قوته.
كان يبدو يائسًا لدرجة أن روز قررت تصحيح المفهوم.
“حقًا؟ حسنًا، إذًا تناول الطعام وحدك. لا نريد شائعات غريبة.”
“…”
أومأ موري بحزن.
يبدو أنه سيتناول الطعام مع الفرسان بدلًا من هيلي بعد الآن.
‘لكنهم لا يتحدثون، ولا ينظرون إلا بنظرات مخيفة.’
طبيعي.
فهم لا يرون سببًا للجلوس والضحك مع نصف حاكم حاول قتل سيدة القصر.
حين قرر أن يسأل روز إن كانت ستتناول الطعام معه بدلاً عن الفرسان، قال فجأة.
“آه! تذكرت!”
فمه انفتح فجأة.
“أنتِ! الفتاة التي كانت تصلي في جبل سبِّس!”
الآن فهم لم كانت مألوفة له.
لكن روز نظرَت إليه بريبة.
“رأيتني في الجبل؟“
“أنا كاهن، أليس كذلك؟ والصلاة في الجبل جزء من حياتي. اعتقدت أنه من الطبيعي أن أذهب هناك.”
كانت كذبته تتدفق بسلاسة الآن.
وبهذا، نجا من شكوك روز.
ولتغيير الموضوع، سألها.
“هل استجاب حاكم الأرض لصلاتك؟“
“لا حاجة ليستجيب. سأنجز ما أريده بيدي.”
أجابته بثقة جعلته يتوقف للحظة.
“…”
“لماذا تحدق؟“
كانت الأميرة الثانية روز حساسة للنظرات،
لكنها لم تسأل بدافع الخوف هذه المرة.
“أنظر إلى جلالتك، طبعًا.”
“ولماذا؟ لأنني رائعة؟“
“نعم. رائعة فعلًا.”
“حقًا؟ حسنًا، أُحسنت.”
ابتسمت روز، فردّ موري بابتسامة مماثلة وأشار بإبهامه.
هو يعرف ماذا طلبت في صلاتها.
كان واضحًا.
كانت هناك نبوءة بأن الصبي سيصبح بطلًا.
فهي لا بد طلبت أن تصبح بطلة أيضًا،
وتتحرر من تلك النبوءة القديمة.
لكنها قالت إنها ستحقق ذلك بيدها.
‘ربما أحدهم فَسَّر النبوءة بشكل صحيح.’
غالبًا كانت هيلي، التي كانت ترمي السهام هناك.
في الواقع، جميع الأطفال يُولَدون بإمكانات غير محدودة،
والنبوءة فقط تحدد الطريق لا غير.
هبّت الرياح، فتطاير شعر موري الرمادي.
***
أمسكت هيلي كتابين من الروايات التي قرأتهما مؤخرًا،
وتوجهت إلى مكتبة القصر.
وأثناء سيرها في الممر، التقت بموري وروز يلعبان بالقرص في الخارج.
“هيلي!”
“آنسة هيلي!”
توقّف اللعب، وبدآ يلوّحان كالمجانين.
ابتسمت هيلي بخفة ولوّحت لهما.
كانت على وشك متابعة طريقها نحو المكتبة، لكنها توقفت.
كان ديلان واقفًا بجانبها.
نظر ديلان إلى الكتب في يدها.
“ذاهبة إلى المكتبة؟“
“نعم. أنهيت قراءة هذه الكتب.”
أخذ الكتابين منها وتصفح عنوانيهما.
“تحبين هذا النوع من الروايات؟“
“ليس بالضرورة، لكن يبدو أنني قرأت اثنتين من نفس النوع بالصدفة.”
كلاهما ينتهي بإرسال الأشرار إلى المقصلة.
فأدارت هيلي رقبتها وكأنها تتخلص من عبء.
“أرغب بقراءة شيء مختلف.
بعد نهايتين دموِيّتين،بدأت أشعر برائحة الدم في أنفي.”
عندها، سألها ديلان.
“هل يمكنني أن أُوصيك بشيء؟“
“بكل سرور.”
قراءة كتابٍ مع أحدٍ ومشاركة الانطباع تُعد متعةً حقيقية.
بعد قليل، وصلا إلى المكتبة،
وهناك أخرج ديلان كتابًا مألوفًا له بسرعة.
كان يتردد كثيرًا، لذا يعرف أماكن الكتب جيدًا.
“هل تقبلين كتب الشعر؟“
هزّت هيلي رأسها بالإيجاب، وأخذت منه الكتاب النحيف.
“بالمناسبة، هيلي، هل سمعتِ بالأخبار؟“
خفض ديلان صوته كما لو كان في مكانٍ مزدحم،
رغم أن الموجود هو أمين المكتبة فقط.
كان وجهه مشرقًا بحماس وسعادة، فخفضت صوتها وسألته.
“أي أخبار؟“
نظر إليها بعينين نصف مغمضتين وقال.
“زوجكِ غاضب جدًا.”
“… عذرًا؟“
هل يقصد نفسه الآن؟
“غاضب؟ من ماذا؟“
ارتفع صوت هيلي قليلًا من شدة الدهشة من طريقته في الكلام، لكن ديلان قال بكل برود.
“قلتُ إني سأنتظركِ في المنزل بلُطف،
لكنكِ جلبتِ رجلًا لا نعرفه، وقلتِ إنه سيعيش معنا.”
ثم همس.
“بل وسمعتُ منكِ أنكِ كنتِ تنوين الطلاق في نفس اليوم.”
“وفوق ذلك، ذلك الرجل يبدو وسيمًا.”
“…”
“أليس من حقي كزوجٍ أن أغضب؟“
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 34"