استمتعوا
هيلي تذكّرت ما حدث في تلك الليلة الممطرة، ثم هزّت رأسها.
“لا. فقدت وعيي فور رؤيتي للضوء، لذا لم أرَ أي صناديق.”
“هاه، إذًا من يكون؟“
من المؤكد أنه لم يكن فريكسوس.
ذلك الأحمق لم يكن ليملك التركيز الكافي لذلك.
“إذا كانت تلك الصناديق قد أُرسلت إلى نفس المكان الذي أُرسلت إليه القوة، فمن المرجح أن والدي هو من يحتفظ بها.”
فلو كان ماركيز ترافيا قد سمع شرح هيلي،
لأمر بتفتيش غرفة وسرير فريكسوس.
وفريكسوس لم يكن ليُخبرها بذلك.
بحجة أنه لا يريد أن يقلقها. لأنه يكره أن تغضب بسببه.
لطالما كان كذلك. يخبرها عن أمور تافهة كظهور حشرة تحت السرير، لكنه لا ينبس بكلمة حين يتعلق الأمر بأمور خطيرة.
على أي حال…
‘حسنًا…’
بينما كانت تراجع ما دار في حديثها مع ذلك الرجل،
وضعت هيلي يدها على جبينها. وبعد تفكير طويل، قالت.
“إذًا، تعافي جسدي وامتلاكي لقوة إلهية كان نتيجة لخطئك، أليس كذلك؟“
“…نعم.”
وهكذا، لم تكن هي شخصًا قد نال نعمة الحاكم،
بل شخصًا لوثته غلطة الحاكم.
“لو كنت فعلًا قد نلت نعمة الحاكم، لما كنت قضيت ذلك الوقت الصعب في المعبد.”
“صحيح.”
قالت ذلك وهي تضحك من غرابة الموقف.
“هل تعرف إذًا من هم الذين ينالون نعمة الحاكم فعلًا؟“
هزّ الرجل رأسه. فضربته هيلي بكفّها على كتفه بخفة.
“حقًا لا تعرف؟ لست تكذب عليّ؟“
“حقًا لا أعرف!”
‘لا يبدو أنه يكذب…’
ومهما يكن، استطاعت هيلي أن تؤكد، من خلال هذا الحاكم المنفي إلى عالم البشر، أنها لم تكن يومًا من أصحاب نعمة الحاكم.
“لكن، لماذا تحاول قتلي؟ هل إذا متّ ستعود القوة إلى والدتك؟“
“لا. الأمر ليس كذلك.”
فحتى إن مات الهدف، لن تعود القوة إلى صاحبها الأصلي.
“والقوة التي لديك ضئيلة جدًا، فلا تأثير لها على والدتي.
ثم إن لم تكوني مثلي منفية إلى عالم البشر، فإن قوة الحاكم لا تنضب.”
انعكست صورة هيلي في عينيه الرماديتين الباردتين.
“أنت تعلمين أنك كان يجب أن تموتي العام الماضي، أليس كذلك؟“
“…أجل.”
“بسبب خطئي، اصبح هذا العالم أكثر تعقيدًا.”
وبشكل أدق، لأنه هيلي التي نجت، حاولت أن تغيّر شيئًا، مما زاد تعقيد الأمور.
“أمي قالت في بعض الأحيان إن مثل هذه المتغيرات ليست بالأمر السيئ، لكنني في النهاية عوقبت، أليس كذلك؟“
تابع الحاكم المنفي حديثه.
“لذلك، ظننت أنه إذا قتلتك، فسوف تسامحني. لأن بموتك يزول خطئي.”
“…”
“لكن، القوة اختفت، ومحاولة القتل فشلت، وانتهى بي الأمر ممسوكًا من شعري… ما هذا الموقف السخيف.”
تمتم الرجل بتذمر.
‘قال إن القوة اختفت؟‘
ضيّقت هيلي عينيها وهي تنظر إليه.
رغم كلامه عن اختفاء القوة،
كانت تشعر بطاقة الحاكم تتدفق من جسده.
بعد لحظة تفكير، تكلمت هيلي.
“قلت إنك أردت قتلي لتُكفّر عن خطأك، صحيح؟“
“نعم.”
“لكن، هل تظن فعلًا أن والدتك ستفرح بذلك؟“
“…ماذا تعنين؟“
“فكر جيدًا. صحيح أن قوة التحكم بالأحلام اختفت،
لكن ما زال لديك القدرة على الشفاء. ماذا يعني هذا برأيك؟“
ارتعشت عينا الرجل وهو يرمش بعنف.
“لـ… لمساعدة الناس؟“
خدمة البشر.
“أليس هذا تفسيرًا أكثر منطقية؟“
‘أفضل من التفكير بأن قتل شخص بريء سيكفّر عن الخطأ، أليس كذلك؟‘
مسحت هيلي كتف الرجل بلطف أكثر من ذي قبل، وهمست.
“عادةً ما يطلب الخاطئ الغفران من الحاكم من خلال الأعمال الصالحة، أليس كذلك؟“
“كم هي فكرة عميقة…!”
نظر إليها الرجل بعينين مبهورتين، فرفعت هيلي طرف شفتيها في ابتسامة ماكرة، ثم جمعت تعابيرها وابتسمت بعينيها وهي تسأل.
“سؤال جانبي، كم مدة نفيك؟“
“لماذا بدأتِ تتحدثين بصيغة الاحترام فجأة؟ لا تليق بك.”
حاولت أن تكون لطيفة لأنها تنوي استغلاله لاحقًا،
لكن محاولتها لم تفلح.
وردّ الرجل جعلها تتخلى عن تظاهرها مباشرة.
“مدة النفي؟“
“…ثلاث سنوات بحساب الزمن البشري.”
“أعتقد أن بإمكانك القيام ببعض الأعمال التطوعية خلال هذه المدة. ما رأيك؟“
“أنتِ…”
كان عرضًا عقلانيًا.
وجود شخص آخر يملك قوة إلهية سيكون مفيدًا في حملات التطهير.
وإن حدث مكروه لها، فستحتاج إلى كاهن بديل.
بدأت تشعر بالقلق من أنه قد اكتشف نيتها في استغلال الحاكم.
“أنتِ حقًا فتاة طيبة، أليس كذلك؟“
“…”
رد فعل الحاكم المنفي غير المتوقع جعل هيلي تضحك بمرارة.
ربما هذا الحاكم هو الأغبى بين جميع الحكام.
سواء كان غبيًا أو عبقريًا،
فقد نجحت هيلي في تأمين شخص يمكنه الشفاء.
***
بعد انتهاء حديثها مع الرجل، طرقت هيلي باب مكتب ديلان.
“إنه أنا.”
فتح ديلان الباب فورًا وكأنه كان يقف خلفه مباشرة.
“إلى أين كنت ذاهب؟“
“لا، كنت على وشك المجيء إليكِ، لكنك سبقتني.
سمعت أنك تعرّضتِ لهجوم؟“
تفحّصها ديلان بنظرات سريعة،
ثم دار حولها يفحصها من كل زاوية.
“لم أُصب. سيطر على الموقف قبل أن يقترب مني.”
“ذلك الحقير، ليس كاهنًا، صحيح؟“
تغيرت نظرات ديلان إلى الجديّة.
“ليس كاهنًا، بل نصف حاكم.”
“نصف حاكم؟“
“نعم. ارتكب خطأ، ولهذا أُرسل إلى عالم البشر لمدة ثلاث سنوات.”
“أي نوع من الأخطاء كان؟ لا، وماذا له علاقة بالهجوم عليك؟“
خطأ الحاكم والهجوم على هيلي.
بربط الحادثتين معًا، تظهر نتيجة واحدة.
“هناك شيء يجب أن أخبرك به.”
وما إن نطقت هيلي بتلك الكلمات، حتى استشعر ديلان شيئًا في أعماقه.
“…غريزتي تقول لي الآن. تحجّج بعذر طارئ، وغادر المكان حالًا.”
“ولعلّني كنت أنا ذلك العذر الطارئ.”
لقد باتت المواجهة حتمية، ولا مفرّ منها.
فحين قرر أن يواجه ما لا مهرب منه، أشار إلى الأريكة.
“اجلسي.”
جلست هيلي وبدأت الحديث فورًا.
“سأبدأ من الخلاصة.”
كلا، ليتها بدأت بالمقدمة، وتريّثت في السرد.
بل حتى لو شغلت المقدمة ثلثي الحديث، لما اعترض
فكر ديلان في نفسه محاولًا إخفاء توتره.
“أنا لستُ من نالت نعمة الحاكم.
بل كنتُ نتيجة لغلطة الحاكم.”
غلطة الحاكم.
ابتلع ديلان ريقه.
“ما الذي يجعلك تعتقدين ذلك؟“
لا شك أنها وجدت دليلًا خلال حديثها مع النصف الحاكم.
رغم علمه بذلك، سألها إن كانت تملك دليلًا، متمنيًا ألا تملك شيئًا.
“تحدثتُ مع ذلك الحاكم . قال إن سبب شفاء جسدي وامتلاكي لقوة إلهية يعود إلى تسرب قوة منه أثناء إدارته لقوة حاكم الأرض.”
وعلى عكس توتر ديلان، شرحت هيلي الأمر بهدوء، فبدأ يلومها في نفسه على هدوئها.
“تم نفيه بسبب هذا الخطأ… وهاجمني لأنه ظن أن قتلي سيمحو خطأه.”
“يا له من أحمق.”
نُسيَت مشاعره تجاه هيلي لوهلة، وبدأ يشعر بالضيق من ذلك النصف الحاكم.
خطؤه هو، ويحاول قتل إنسانة بريئة؟ وقاحة ما بعدها وقاحة.
“…وقد وصلتني بالأمس رسالة من سمو الأميرة الأولى، وقالت إنه يجب أن نضع في الحسبان أن الكائن الذي نال النعمة قد لا يكون إنسانًا.”
فالحاكم لم يقل إنه منح النعمة لـإنسان، بل قال كائن.
“…”
وأخيرًا، نقلت هيلي محتوى الرسالة التي وصلتها من ديانا.
لو كانت أخبرته من قبل،
لقال لها إن عليهما تأجيل الطلاق لغياب الدليل.
لكن ظهور نصف الحاكم قدّم الدليل بنفسه.
“الخطة الأولى كانت أن نُبقي على الزواج حتى تتولى سمو الأميرة العرش، أليس كذلك؟“
“صحيح.”
حين عرض ديلان على هيلي الزواج، قال إن الأمر سيكون مؤقتًا.
لكن صدور الأوراكل الذي أمر باتحاد صاحبة النعمة بأحد أفراد العائلة الإمبراطورية، جعلهما يتزوجان دون مدة محددة.
“بما أنني لست صاحبة النعمة، فلنعد إلى الخطة الأصلية.”
“أي نبحث عن ذلك الكائن، ثم نتطلّق حين تتولى ديانا العرش.”
“نعم.”
في وجهها الهادئ الخالي من التردد،
شعر ديلان بالارتباك الشديد.
“…لا أريد.”
“ماذا؟“
قالها وهو يخفض رأسه، متجنبًا النظر في عينيها.
“هناك الكثير من الأمور الممتعة التي يمكننا القيام بها معًا… فلماذا الطلاق تحديدًا؟“
هناك الكثير من اللحظات الجميلة التي يمكنهما تقاسمها،
لكنها اختارت الطلاق، الذي يقطع كل شيء من مرة واحدة.
“لأنني ببساطة لستُ صاحبة الوحي.”
“…”
لحسن الحظ، كان ديلان بارعًا في التصرف بتوسّل.
كما تعلم الوقاحة من ديانا التي لا تتردد في طلب ما تريد.
جمع بين التوسّل والوقاحة ورفع رأسه قائلًا.
“الطلاق غير مقبول.”
“ولماذا؟“
“…لأني ما زلت أرغب في أن أُعاملك بلطف مرات عديده بعد.”
كان يريد أن يبقى محبوبًا منها، لوقت طويل… بل للأبد إن أمكن.
“…ماذا؟“
اتسعت عينا هيلي من الدهشة.
ظنت بداية أنه يمزح.
أن يرفض الطلاق فقط لأنه يريد أن ‘يُعاملها بلطف‘؟ من يفعل ذلك؟
لكن قبل أن ترد، تكلّم ديلان.
“الرسالة وصلتني بالأمس. وأنتِ أخبرتني الحقيقة اليوم فقط.”
أنا أيضًا تلقيت الرسالة البارحة.
قالها بابتسامة مصطنعة.
‘حتى هو تلقى الرسالة؟‘
لم تفكر بذلك.
‘كيف لم أفكر أن ديانا أخبرته بما أخبرتني؟‘
ضربت جبهتها بكفّها وقالت مبرّرة.
“…كنت أبحث في المكتبة لأتأكد من الحقيقة أولًا.”
“فقط لذلك؟“
تلاقت أعينهما.
“ألم تترددي؟“
صمتها كان دليلًا على ترددها.
وحينما لاحظ ديلان ذلك، شعر بالارتياح.
“أنا ترددت. كنت خائفًا، فلم أستطع قول الحقيقة.”
“…”
“فلنترو قليلاً. صحيح أن اليوم يوم واحد فقط،
لكن من يعلم، ربما كنا نشعر بالمثل في ذلك اليوم.”
وربما لا زلنا نشعر بالمثل حتى الآن.
لذا لا تتصرفي وكأن النهاية محسومة، قالها بلطف.
أن يشعران بالمثل…
ارتعشت عينا هيلي.
‘…ما الذي يعنيه بهذا الشعور؟‘
لم تكن تعرف حقًا.
لم تكن تعرف كيف تُسمي ذلك الشعور،
أو ربما كانت تعرف لكنها لا تستطيع النطق به.
نظرت إلى ديلان محاولة إخفاء اضطرابها.
لماذا يتحوّل إلى شخص غامض في كل لحظة مصيرية؟
دائمًا ما يتركها دون إجابات.
حتى حين قال إن من يده باردة قلبه دافئ، لم يشرح قصده.
ولن يفعل هذه المرة أيضًا.
لذا، يجب أن تجد الجواب بنفسها…
كما فعلت يوم استعارت كتابًا من روز.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 33"