استمتعوا
بعيدًا عن مضمون الرسالة، جذب الخطّ الأنيق الأنظار بشدة.
نظرت هيلي إلى اسمها الذي كتبته ديانا،
وبدأت تقرأ الرسالة ببطء.
[ لقد تأكدت أن الشخص الذي ورد ذكره في الاوراكل كـ ‘الكيان الذي نال نعمة الحاكم‘ قد لا تكون أنتِ.
الحاكم قال ‘كيان‘ وليس ‘إنسان‘،
مما يعني أن الاحتمالات أوسع بكثير.
إذا وجدنا ذلك الكيان الذي ورد ذكره في الوحي،
فيمكننا المضي قدمًا وفق الخطة الأصلية التي وضعناها. ]
بمعنى آخر، إن استقرت الأوضاع،
يمكنهما الطلاق كما كان مخططًا له من البداية.
كانت رسالة هيلي أطول بسطرٍ واحد من رسالة ديلان.
توقفت عيناها عند السطر الأخير منها.
[ إن حقّقت ما أصبو إليه، فسأمنحكِ حصانًا.
حتى تتمكني من إمساك اللجام بنفسك. ]
في اليوم الذي خرجتا فيه للصيد،
قالت ديانا إنها يجب أن تمسك بلجام حياتها بنفسها.
لكن هيلي لم تملك حصانًا.
والأشخاص الذين يسيرون بلا حصان، غالبًا ما يرهقهم المشي، ويصبحون عرضة لتسليم زمام حياتهم للآخرين.
لذا، وعدتها ديانا أن تمنحها شيئًا يمثّل ذلك ‘الحصان‘.
شيئًا يمكّنها من أن تسيطر على حياتها.
حتى وإن تم الطلاق، فإنها ستخرج بشيء في يدها،
فلا حاجة للخوف.
‘لكن لماذا…’
لماذا تشعر بهذا الشعور الغريب؟
بإمكانها مغادرة بلوتاروس فورًا، ومع ذلك،
كانت تشعر وكأنها تترك شيئًا خلفها. شيئًا بلا شكل.
‘على أية حال، ذلك الكيان الذي نال نعمة الحاكم…’
… إن لم أكن أنا، فمن يكون؟ أو ما هو؟
إمكانية أن لا يكون إنسانًا أزاد الارتباك.
هل يجب أن تذهب مباشرة إلى ديلان لتناقش الأمر؟
‘لا. لا بد أنه مشغول. من الأفضل أن أبحث أولًا عن معلومات عن هذا الكيان، ثم أذهب للتشاور معه.’
بالرغم من أنهما كانا يتجولان سويًا قبل قليل،
تحججت بأنه مشغول لتؤجل اللقاء.
***
في اليوم التالي، قررت هيلي الذهاب إلى مكتبة بلوتاروس.
فقد فشلت في إيجاد معلومات ذات فائدة في مكتبة القصر.
‘صحيح أنه لا يوجد ضمان أنها ستكون أفضل،
لكن ربما أجد فيها كتبًا غير موجودة هنا.’
في تلك اللحظة، كان ديلان في مكتبه،
مستندًا مجددًا إلى حافة النافذة.
عندما أبعد الستائر، رأى هيلي تستعد لمغادرة القصر.
بالأمس، شعر طوال الوقت وكأنه يرقص على حافة هاوية.
فرح لأن هيلي لم تأتِ إليه فور قراءتها الرسالة،
لكنه خشي أن تأتي لاحقًا وتتحدث عن الطلاق.
كان يراقبها من النافذة كما يراقب قطٌ طائرًا من خلف الزجاج.
وفجأة، التقت عيناه بعينيها عندما استدارت.
“…آه.”
لوّحت هيلي له بخفة بيدها، كما لو كانت تودعه.
كانت حركة صغيرة جدًا.
لكن تلك الحركة الصغيرة كانت كالعاصفة.
ديلان، الذي جرفته العاصفة، فتح النافذة بسرعة وصرخ.
“لا تذهبي بعد! انتظري!”
“نعم؟“
وأشار بيده مشيرًا إلى أنه هو من سيأتي،
وطلب منها أن تبقى مكانها.
أذهلتها ردة فعله غير المتوقعة، فرفّت عيناها بدهشة.
وكانت الحارستان المرافقتان، لايلا وروث، في حيرة أيضًا.
“هل حدث أمر ما؟“
“ربما يريد الذهاب معها؟“
لكن هيلي هزّت رأسها.
“لا أظن، سمعت أن لديه اجتماعًا بعد قليل.”
وبعد لحظات، وصل ديلان يلهث من الجري ووقف أمامها.
“ما الأمر؟“
“تسألينني ما الأمر؟“
ولأنها كانت تسأل بصدق،
كادت هيلي أن تومئ برأسها، لكنّه سبقها بالكلام.
“ألم تفعلي قبل قليل شيئًا لطيفًا هناك؟“
شيء لطيف؟
أنا؟
هزّت هيلي رأسها بدهشة.
“لم أفعل شيئًا.”
“كذب. إذًا ما هذا؟“
وقام بتقليد حركتها قبل قليل، التلويح بيده.
ما هذا؟ كانت إجابتها بسيطة.
“كنت ألوّح لك.”
“لكن بدا الأمر لطيفًا للغاية بالنسبة لي.”
“ما هذا الـ…؟“
وقبل أن تستطيع إنهاء جملتها وتسأل عمّا يهذي به،
وضع ديلان يده على خدها.
“هل يمكنني؟“
رغم أن من تلقّى المكافأة على ذلك التصرف ‘اللّطيف‘ هو هيلي، فإن ديلان هو من بدا وكأنه يتوق لتلك المكافأة.
ومع تلك النظرة المشتعلة، ترددت قليلًا، ثم أومأت برأسها.
شعرت بشيءٍ يذوب داخلها.
بمجرد أن حصل على الموافقة، قرّب جبهته من جبهتها بلطف.
وعندما تلامستا، أغلق عينيه بتوتر كما لو أنه يُقبّل للمرة الأولى.
راقبت هيلي ملامحه بينما كانت ترمش.
وضحك بصوت خافت كأن رموشه دغدغته.
ثم ابتعد قليلًا ورفع يده عن خدها.
“عودي سالمة.”
“وانتظرني جيدًا.”
“سأنتظر بطريقة لطيفة.”
وكانت تلك طريقة غير مباشرة ليطلب منها أن تعود وتدلله.
فهمت هيلي قصده وأومأت برأسها.
***
فتّشت هيلي في الكثير من الكتب داخل المكتبة، لكنها لم تستطع التوصل إلى ما يعنيه ‘الكيان الذي نال الحاكم الإله‘ .
وبعد خمس ساعات من البحث، خرجت من المكتبة بخُفّي حنين.
وأثناء خروجها، رأت كاهنًا يقف عند البوابة.
‘زيّ الكهنة؟‘
لقد مر وقت طويل منذ رأت زيًا كهذا، فشعرت بالانزعاج.
وحين همّت بإزاحة نظرها،
استدار الكاهن وحدّق بها بنظرات حادّة.
‘ما هذا؟‘
في معبد بلوتاروس، كان هناك كاهن واحد فقط.
الكاهن ريكام الذي يتمتع بحاسة سماع الوحي،
ويعدّ بمثابة القائد.
أما الآخرون، الذين لا يتمتعون بالقوة الروحية،
فكانوا يتولّون الأعمال الإدارية.
استحضرت هيلي هذه المعلومات التي رأتها سابقًا.
‘الآن بينما أفكر في الأمر، لا عجب إن كان يكرهني.’
فكاهنٌ مخلص للبابا، لا بد أن يمقت هيلي التي ارتكبت فضيحة كبرى وتعرّضت للطرد.
وحين لاحظ ريكام نظرات هيلي، شرحت لايلا،
التي يتضح من مظهرها أنها من عائلة نبيلة، قائلة.
“عندما ظهرت الوحوش على الحدود،
كان هذا الكاهن من أكثرهم رفضًا للتعاون.”
“بمجرد أن رأى الوحوش، بدأ يتوسل ليعود أدراجه.”
ضحك روث وقال إنه ربما تبول على نفسه من صوت الوحوش، فتلقّى صفعة من لايلا التي نبّهته بأنه لا ينبغي قول ذلك أمام سموّها.
صحيح أن ريكام يسمع الوحي، لكنه ليس صاحب قوة روحية،
لذا لم يكن وجوده ذا نفع في القتال أصلًا.
“أتمنى أن يُطرد هو أيضًا.”
قالت هيلي ذلك على سبيل المزاح،
لكن بنبرة تحمل بعض الصدق، ثم أبعدت نظرها عنه.
لكن فجأة…
“يااااا!!!! أأأنتِييييي!!!!!!”
شخص مختلّ يركض نحوها بسيف،
بشعر رمادي طويل يتطاير خلفه.
‘ما بال هذا المجنون الآن؟!’
قفزت بيل لتحمي هيلي، واندفع الحارسان الاثنان لمواجهته.
تفاجأت هيلي بشدة من هذا الهجوم المفاجئ.
“سموكِ!”
لكن ما أربكها أكثر هو…
“آآآخ! آآي، مؤلم!”
فور أن اصطدم بـلايلا، سقط المهاجم أرضًا.
شبهته كالييسو سابقًا بالأخطبوط،
لكن هذا الرجل بدا كورقة شجرة، سقط بسرعة.
رغم أنه شُلّ فورًا، إلا أن نظراته المليئة بالكراهية كانت موجّهة مباشرة إلى هيلي.
“صندوقي، أنتِ من أخذه، أليس كذلك؟ أعيديه لي فورًا!”
“صندوق؟“
لماذا أملك صندوقك أنا؟
لم تره من قبل…
‘أوه، لا، رأيته من قبل.’
تذكرت أنه كان هناك على الجبل، عندما ذهبت خلف روز.
أرسلت الحراس للبحث عنه، لكنهم لم يعثروا عليه.
الشيء المثير للاهتمام،
أنه يملك نفس القوة الروحية التي تشعر بها هيلي.
نظرت إليه بتمعّن، فسألها روث.
“هل تعرفينه؟“
أومأت برأسها.
‘لو أخذناه إلى القصر وحقّقنا معه، قد نحصل على معلومات.’
فكّرت في أن تخبرهم أنه هو الشخص الذي رأته في الجبل، لكنها امتنعت، لأنها توقعت أن يلومها الحارسان على تفويت الإمساك به.
في ذلك الوقت، لم يكن بشريًا.
لذا، لا داعي لتأنيب النفس على عدم الإمساك بكائن غير بشري.
‘في ذلك الوقت، بدا وكأنه بلا أطراف من شدة غموضه. أما الآن…’
فهو واضح تمامًا.
لم أرَ شيئًا كهذا من قبل…
قررت هيلي اصطحابه إلى القصر.
“كان زميلًا لي في المعبد. لكنه يتصرف بغرابة أحيانًا. هل يمكن أن آخذه إلى القصر؟ أريد الحديث معه عندما يتحسّن.”
قالت ذلك بابتسامة مشرقة.
ثم أضافت للحراس القلقين
“أبقوه فاقدًا للوعي حتى نصل، حتى لا يفعل أي شيء طائش.”
فما كان من روث إلا أن يضربه على مؤخرة عنقه حتى فقد وعيه.
عندها فقط شعر الثلاثة بالارتياح.
***
قيّده روث ولايلا في كرسي داخل غرفة فارغة. وعندما هدأ قليلًا، أخرجت هيلي الجميع من الغرفة، وبقيت معه وحدها.
أمسكت شعره الرمادي الطويل، الذي التف بسهولة حول يدها.
“أعِدِ إليّ صندوقي!”
“لم آخذ صندوقك أصلًا.”
ارتجّت عيناه عند سماع الرد.
“ألستِ من أخذته؟“
“لا. ولا أعرف حتى أي صندوق تتحدث عنه.”
“آه، رأسي… يؤلمني…”
بدأ يذرف الدموع فجأة، مما جعل الموقف أكثر إرباكًا.
من أين جاءت هذه الدراما؟
“ماذا عساي أفعل بك؟ لقد هاجمتني بسيفك.”
“لن أهاجمك ثانية، فقط حرّريني، أرجوك.”
“سأحرّرك إن أجبتني، من أنت؟ ما هو هذا الصندوق؟ ولماذا ظننت أنني سرقته؟“
“سأخبرك بكل شيء.”
فور أن تركت شعره، تنفّس بعمق وبدأ يتكلم.
“أنا… حاكم. أتعامل مع الأحلام.”
حاكم؟
ضاقت عينا هيلي بدهشة من هذا الجواب غير المتوقع.
“لكنني ارتكبت خطأً جسيمًا. كنت أساعد في أعمال إضافية لفريق آخر، وحدث أن تسرّبت بعضٌ من قوة والدتي إلى مكان خاطئ. لهذا السبب تم نفيي إلى عالم البشر.”
تسرّبت قوة الحاكم إلى مكان آخر، ثم جاء يبحث عني؟
“لا يكون ذلك المكان… غرفة فريكسوس؟“
“… نعم. انتقلت إليها قوة والدتي وصندوقاي معًا.
وأظن أنك حصلتِ على ذكريات غريبة بسبب ذلك.”
ذكريات غريبة؟ أي أنه يعني معرفتها بأن هذا العالم رواية.
والضوء أسفل السرير هو قوة حاكم الأرض،
التي عالجت جسدها ومنحتها القوة الروحية.
لكن، ماذا عن الصندوق؟
“هل هذا الصندوق مهم إلى هذه الدرجة؟“
“المهم هو ما في داخله.”
“وما الذي في داخله؟“
“… النوم. وتحديدًا، الكوابيس.”
قال ذلك بوجهٍ مظلم وأردف.
“إذا فُتح الصندوق، سينام كل من حوله رغماً عنهم.
وسيشاهدون كوابيس لا يستطيع البشر الاستيقاظ منها.
سيظلون يتعذّبون حتى الموت.”
“… هذا شيء خطير حقًا.”
“نعم. وبما أنه انتقل مع القوة في نفس الموقع،
ظننت أنه بالتأكيد اصبح بحوزتك.”
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 32"