استمتعوا
منذ ذلك اليوم، تلقّى ديلان بعض المظاهر اللطيفة الأخرى.
أصبح من المألوف لديه أن يتفاخر بأشياء تافهة على هذا النحو.
كان ديلان يستريح عندما وقف أمام نافذة مكتب عمله.
من خلف الزجاج، ظهرت هيلي تسير برفقة إحدى الخادمات، يبدو أنهما في نزهة.
بعد أن سارتا في الحديقة بنشاط، جلست هيلي على مقعد وعبست، ثم رفعت يدها لتقي وجهها من أشعة الشمس.
عندها، بدا أن الخادمة استأذنت وتوجّهت نحو القصر.
‘هل ذهبت لإحضار مظلّة؟‘
قام ديلان من مكانه وهو يدندن بلحن خفيف.
“سموك، إلى أين أنت ذاهب؟“
“للتنزه.”
رد ديلان باقتضاب على سؤال مساعده،
ثم خرج من المكتب بخطى خفيفة وسعيدة.
عندما نزل الدرج بسرعة بعض الشيء،
لمح الخادمة بيل وهي توشك على الخروج.
فاعترض طريقها.
“بيل.”
“…سموك؟“
مدّ ديلان يده بوقاحة محبّبة.
“أعطني هذه.”
“آه، هل سموّك تنوي استخدامها؟“
“بالطبع.”
ابتسم ديلان بلطف،
ثم أضاف بصوته الجاد وهو ينظر إلى بيل المتفاجئة.
“سأستخدمها مع هيلي.”
“آه!”
صفّقت بيل بعدما ذهب عنها الحرج.
ولما تراخت قبضتها عن المظلّة، انتزعها ديلان سريعًا من يدها.
“عندما تنتهي النزهة، ستدخلين معي، فانتظريني بالداخل.”
“أمرك سموك!”
خرج ديلان من القصر متجهًا نحو المقعد حيث كانت هيلي جالسة.
كان الطقس رائعًا، والممر الذي يسلكه هو المفضل لديه.
طقس جميل، وطريق محبّب،
وفي نهايته تنتظره من تفيض عليه بلطفها.
لا عجب أن يشعر بالسعادة.
وقف أمام هيلي مبتسمًا ببهجة كشمس مشرقة.
يبدو أن هيلي كانت منزعجة من وهج الشمس،
فغطّت عينيها بظهر يدها.
وعندما سمعت وقع خطواته، تحدّثت وهي مغمضة العينين.
“وصلت؟“
“نعم، آنسة هيلي.”
خرج صوت غليظ من فم ديلان وكأنه بدلًا من بيل،
مما جعل هيلي تفتح عينيها بفزع.
فوجئت حين رأت ديلان بدلًا من بيل.
وارتسمت الدهشة على شفتيها،
بينما مال ديلان برأسه وابتسم لها.
“…لقد أفزعتني.”
“صباح الخير.”
انتقل نظرها إلى المظلّة البيضاء في يده.
‘تبدو مختلفة عن عندما كانت بيل تحملها.’
عندما أمسكتها يده الكبيرة، بدت المظلّة صغيرة جدًا.
“بيل ستحضر واحدة قريبًا.”
“لقد انتزعتها منها.”
قالها ديلان بفخر.
يسرق اللوحات، ويخطف المظلّات،
وكأن هذا الارشيدوق قاطع طريق، مما جعل هيلي تنفجر ضاحكة.
فتح ديلان المظلّة، ثم لفّ ذراعه الحاملة لها حول كتف هيلي، وجلس إلى جوارها.
كان يبدو وكأنه كازانوفا* لا قاطع طريق.
*الشرح بنهاية التشابتر
“لماذا تضحكين؟ أأنا جميل إلى هذه الدرجة؟“
أخفى الاثنين في ظلّ المظلّة البيضاء.
قالها مازحًا، لكنه كان يتوق في داخله لسماع جواب صادق.
هزّت هيلي رأسها بنفي.
“لسنا في تلك المرحلة بعد.”
“بعد؟“
ابتسم ديلان بخبث، وشعرت هيلي أنها وقعت في الفخ.
فأدارت وجهها بسرعة، لكن ديلان أمال جبهته نحو كتفها وهمس.
“لا تفعلي هذا.”
“ماذا تعني؟“
“أحضرت المظلّة خصيصًا كي أشاركك الظلّ.
أليس من المفترض أن تكافئيني بلطف؟“
“قلتَ إنك انتزعتها من تلك الفتاة الصغيرة.
لست متأكدة كم كانت ترتجف حين رأتك.”
“لكنها كسبت وقتًا للراحة. أراهن أن كل ما حصل قبل دقائق اختفى من ذاكرتها من شدة السعادة.”
قال ذلك بوجه جاد، مما جعلها تضحك رغم غرابة الكلام.
“طالما أنها ترتاح، لا بأس.”
ثم قالت مستسلمة.
“ارفع رأسك، سأربّت على شعرك.”
رفع ديلان رأسه بلطف،
ومن مسافة قريبة تهمس بها الأنفاس، سأل.
“لكنني أرغب بشيء مختلف هذه المرة، هل يمكنني ذلك؟“
“مثل ماذا؟“
“مثل هذا.”
اقترب برأسه حتى لامس جبينه جبهة هيلي.
وأغمض عينيه بهدوء.
شعرت هيلي بدغدغة من ملامسة خصل شعره لجبهتها، فضحكت.
ولما ضحكت، تبعها ديلان ضاحكًا أيضًا.
دومب، دومب، دومب.
سمعت صوتًا غريبًا في أذنيها.
وهدأ تعبيرها تدريجيًا.
‘…غريب.’
رغم أنها لم تكن تركض، إلا أن قلبها كان يخفق بسرعة غريبة.
استخدمت قوّتها الإلهية لتخفيف الأمر، لكن لم تجد فائدة تُذكر.
‘إذا لم تنفع القوة، فالمشكلة ليست جسدية.’
لا، عند التفكير مجددًا، لم يكن هناك ‘مشكلة‘ أصلًا.
فالشعور لم يكن سيئًا.
بل، تمنّت لو يستمر هذا الحال قليلًا.
كان ديلان يحبّ أن يُربّت أحد على رأسه.
لكن هيلي لم تكن تحبّ ذلك.
كانت تكره تشويه شكل شعرها، والأهم من ذلك،
كانت تكره الإحساس نفسه.
حين حاول عمّها مدّ يده على رأسها وهي صغيرة، عضّته.
لذلك، لم تكن تفهم لماذا يحبّ ديلان هذا.
لكن رؤيته يبتسم جعلها سعيدة،
ولهذا ربّتت على رأسه بسعادة أيضًا.
‘لكن إن كان مثل هذا الأمر…’
كان شعورًا لطيفًا، لدرجة أنها شعرت أنها قد تفهم الآن لماذا يرغب أحدهم بتلقي ذلك النوع من الحنان.
نظرت هيلي إلى ديلان الذي كان يلامس جبينها بعينيه المغمضتين.
كان جسده يرتجف قليلًا.
فابتسمت وربّتت على كتفه.
“لا تنسَ أن تتنفس.”
“…آه.”
بمجرد أن استوعب كلامها،
أخذ نفسًا عميقًا كما لو أنه يثبت أنه ما زال حيًا.
وبعد لحظة، رفع ديلان جبهته بهدوء.
كان خديه بلون الورد.
نظر إلى هيلي بعينين مليئتين بالأسى، فقالت.
“كان ذلك جميلًا.”
شكّ ديلان في سمعه.
“…جميل؟“
جميل، فعلًا؟
“نعم. لا أعرف كيف أشرح، لكنه منحني شعورًا بالقوة.”
“هذا غريب، وأنا لا أملك حتى قوّة إلهية.”
“أجل، غريب.”
“…لكن في الوقت نفسه، أشعر بالارتياح.
لم أكن الوحيد الذي شعر بالسعادة.”
لم يكن الأمر وكأنه فرض تقاربه على من لا يرغب به.
اخفض رأسه قليلًا، ثم قال وهو يضبط أنفاسه.
“أتعلمين، الأمر يبدو غير عادل قليلًا.”
“بأي معنى؟“
سألته هيلي بنبرة خفيفة، فشهق ديلان وكأن قلبه توقف.
بينما كان يكافح لتهدئة مشاعره،
بدا أن هيلي تشعر بشيء من الظلم.
لكنها ردّت بهدوء تام.
“أنت تحصل على مكافآت مقابل تصرّفاتك اللطيفة، أما أنا فلا.”
“أردت فقط أن أتأكد من أنني فهمتكِ بشكل صحيح.”
“تفضل.”
“هل يعني هذا أنك أنتِ أيضًا ترغبين بالحصول على بعض الحنان؟“
أومأت برأسها.
تطاير شعرها الفضي مع نسمة خفيفة.
“إذًا، ما رأيك بهذا؟ كما أنني أقدّم لك أفعالًا لطيفة وأتلقى شيئًا بالمقابل، يمكنكِ أنتِ أيضًا إن قمتِ بفعل لطيف أن تطلبي مني لمسة مثل هذه… أو أي شيء آخر ترغبين به.”
قالها ديلان بارتباك، كأنه فقد السيطرة على كلماته.
فعل لطيف؟
‘ما نوع الأفعال اللطيفة؟‘
فكّرت هيلي لوهلة ثم مالت برأسها، قبل أن توافق على اقتراحه.
“امم، موافقة. لا أعرف بعد ما يُعتبر تصرفًا لطيفًا، لذا سأفكر بالأمر وأبدأ من الغد.”
فأبدى ديلان استغرابه.
“ألم تقومي للتو بواحد منها؟“
“قلتُ لك، سأبدأ من الغد.”
“حقًا؟ أظن أني أخطأت التقدير.”
مع أنه كان مقتنعًا بذلك… شيء غريب فعلًا،
قالها ديلان وهو يهز كتفيه بخفة.
في هذه الأثناء…
كان مساعد ديلان يقف في المكتب وقد تجمّدت عيناه على المشهد الخارجي.
“…ما هذا؟“
“ما الأمر؟“
سأل قائد فرقة الفرسان، فرفع المساعد إصبعه مشير إلى النافذة، وكأنه خاف أن يكون الوحيد الذي رأى ذلك المشهد.
“في الخارج! انظر!”
“هل تمطر؟“
آه، نسيت أني نشرت الغسيل!
قفز القائد إلى النافذة منزعجًا،
ليجد الارشيدوق جالسًا على المقعد وهو يلهو بالمظلّة كطفل.
سأل جيروم، المساعد، بدهشة.
“ألم يكن زواجًا تمّ بناء على اوراكل؟“
“لا أعلم… لا أعلم حقًا…”
فتح القائد فمه بدهشة، ثم هزّ رأسه، وكأنه لم يجد تفسيرًا.
***
عاد ديلان إلى مكتبه بعد النزهة متسللًا بخفة.
ولما رأى المساعد وقائد الفرسان واقفين عند النافذة، توقف.
“لماذا أنتما واقفان هناك هكذا؟“
“سموك، لقد رأينا كل شيء.”
“رغم أننا أسدلنا الستار من الحرج، لكننا رأينا كل شيء.”
“لماذا تتجسّسون؟ هذا محرج.”
قالها بصوت غير محرج أبدًا، رغم كلماته.
استرجع القائد المشهد خارج النافذة وسأل بحذر.
“ألم يكن زواجًا تمّ تنفيذًا للأوراكل؟“
“…”
كان ذلك صحيحًا.
ولم يكن سببًا يثير الدهشة بالنسبة لديلان،
بصفته أحد طرفي هذا الزواج.
لكن فمه انفتح قليلاً.
وبدا الارتباك على وجهيهما.
“سموك؟“
تمتم ديلان بصوت خافت.
“آه… صحيح، الاوراكل.”
“سموك؟“
“لقد نسيت سبب الزواج.”
ماذا؟! هل هو جاد؟!
تصرف ديلان وكأنه اكتشف الحقيقة الآن،
ثم نظر إليهما بوجه خالٍ من الخجل.
“ما المشكلة؟ على أي حال، سنعيش معًا.
من الأفضل أن نكون على وفاق، أليس كذلك؟“
“هذا صحيح، ولكن…”
“إذًا لا بأس.”
هزّ كتفيه وأنهى الحديث بإشارة بيده،
كأنه لا يرغب في مواصلة هذا الموضوع.
جلس يربّت على جبهته. كان على مكتبه رسالة من ديانا.
فتحها دون تردد.
‘…تبًّا.’
تغيّر تعبير ديلان فورًا.
لم يكن محتوى الرسالة مضحكًا، بل العكس تمامًا بالنسبة له.
‘هل أرسلت ديانا نفس الرسالة إلى هيلي أيضًا؟‘
سأل بوجه متجمد.
“جيروم، هل كانت هناك رسالة من ديانا إلى هيلي؟“
“نعم، واحدة وصلت. بيل أخذتها إلى غرفتها قبل قليل.”
يا للمصيبة.
بينما ذهب ديلان لمقابلة هيلي بعدما منح بيل وقتًا للراحة،
كانت بيل قد أدّت واجبها وأوصلت الرسالة.
لا شك أن الرسالة تحتوي على نفس المحتوى.
‘من المستحيل أن تكون ديانا قد أرسلتها لي فقط.’
تمنّى لو أن هيلي لم تطّلع عليها.
لكن هذا الاحتمال ضعيف للغاية.
بما أن هيلي تربطها علاقة جيدة بديانا،
فلا بد أنها فتحت الرسالة فورًا.
لذا، تمنّى ألا تأتي للقائه. وإن أتت، فليكن ذلك بعدما تهدأ نفسها.
هكذا تمنّى.
***
بعد عودتها من النزهة، عثرت هيلي على رسالة على طاولتها.
المُرسِلة: ديانا.
‘ما الأمر يا تُرى؟‘
منذ وقت قصير، زارت ديانا بلوتاروس للاطمئنان،
وها هي ترسل رسالة الآن، ما أثار فضول هيلي.
فتحت الرسالة بمزيج من القلق والتطلّع، وبدأت تقرأ.
****
كازانوفا هو شخصية تاريخية حقيقية تُدعى جيامباتيستا كازانوفا.
كان مغامرًا وكاتبًا ودبلوماسيًّا وفيلسوفًا، لكن شهرته الأكبر جاءت بسبب أسلوب حياته المليء بالمغامرات العاطفية والعلاقات النسائية، حتى اصبح اسمه مرادفًا للرجل العاشق الذي يُتقن فن الإغواء.
كتب مذكراته بعنوان ‘قصة حياتي‘ ، وسجّل فيها تفاصيل مغامراته الرومانسية والاجتماعية والثقافية في أوروبا، فأصبح رمزًا عالميًا للرجل الفاتن والمخادع في الحب.
لذلك، حين يُقال عن شخص إنه ‘كازانوفا‘، فإن المقصود هو رجل جذاب جدا
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 31"