استمتعوا
فجأة، تردد صوت مدوٍ في رأس هيلي، فتمايلت متأثرة به.
هرع إيدن ليمسك بذراعها وسألها بلهفة:
“هل أنتِ بخير؟”
نسيت هيلي أن تدفع يد إيدن بعيدًا،
فقد استحوذ الصوت الذي سمعته للتو على كل حواسها.
كان هذا، بلا ريب، صوت الحاكمة.
‘…لكن لماذا أنا من يسمع صوت الحاكمة؟’
صوت الحاكمة لا يسمعه إلا عدد نادر جدًا من الكهنة
‘الذين فُتحت آذانهم’ .
وإن لم يكن المرء كاهنًا من هؤلاء، كان عليه أن يكون مخمورًا بالغازات والعقاقير ليتمكن من سماع صوت الحاكمة.
وكثيرًا ما كان البشر العاديون يفقدون وعيهم إذا ما سمعوا صوت الحاكمة.
‘الصوت الذي سمعته للتو، جاء من أذن واحدة فقط.’
لم يتردد الصوت في كلتا الأذنين.
كانت الأذن اليمنى، التي تعافت منذ فترة قريبة.
بالتأكيد، جاء صوت الحاكمة من أذنها اليمنى وحدها.
‘إذن، هل هذا أيضًا بسبب ذلك الضوء البارحة… لا،
لا يهم الضوء أو غيره، هذا ليس المهم الآن.’
فريكسوس سيموت.
وسيموت بسقوطه من جبل.
‘ما الذي اقترفه ذلك الفتى بحق السماء؟’
إنه شاب بائس طُرد إلى الملحق بسبب اضطهاد العشيقة وأبنائها.
ومع ذلك، يقال إنه سيموت قبل نهاية هذا العام؟
‘…هذا ظلم فادح حقًا.
العالم مليء بالأوغاد، فلماذا فريكسوس بالذات…؟’
غطت هيلي وجهها بيديها، مغلوبة بالاستياء واليأس.
كانت الرؤية أمامها معتمة.
حتى لو أزاحت يديها عن عينيها،
كانت تعتقد أن الظلام سيظل يعميها.
جبل يمكن تسلقه في خمس وعشرين خطوة.
‘أين يكون هذا المكان بحق؟ بل هل هو جبل أصلًا؟’
لم تسمع قط عن جبل منخفض إلى هذا الحد.
فكرت في سؤال إيدن الواقف إلى جوارها، لكنها أدركت أن إفشاء سماعها للنبوءة سيؤدي حتماً إلى سحبها إلى المعبد ككاهنة، فاستبعدت الفكرة.
“…”
أدركت هيلي متأخرة أن إيدن لا يزال ممسكًا بها،
فدفعت يده بعيدًا.
***
رحب فريكسوس بهيلي عند عودتها من المعبد.
عندما رأت وجهه، لم تستطع أن تفتح فمها بسهولة.
‘لكن إخفاء الأمر لن يفيد بشيء.’
حتى لو صُدم فريكسوس، بدا أن الصراحة ومناقشة سبيل للبقاء على قيد الحياة معًا أفضل من تحمل الهم بمفردها.
نظرت هيلي إلى فريكسوس وفتحت فمها.
“فريكسوس.”
“نعم؟”
“لقد سمعت نبوءة اليوم، تقول إنك ستموت قبل نهاية هذا العام.”
“…ماذا؟”
تفاجأ فريكسوس وفغر فاه بسبب إعلان الموت المفاجئ.
“بالتحديد، قيل إنك ستموت بسقوطك من جبل يمكن تسلقه في خمس وعشرين خطوة.”
“…هه، هل يوجد جبل كهذا؟”
“بالفعل. أين يكون جبل يُصعد في خمس وعشرين خطوة؟
أنتِ تقرئين كثيرًا، ألا تعرفين شيئًا عن هذا؟”
“هل هذا يُسمى جبلًا؟ حتى التلال ليست بهذا الانخفاض.”
ضحك فريكسوس بهدوء بعد قوله ذلك.
بسبب النبوءة المفاجئة، لم يستوعب بعد فكرة موته.
وسلوك هيلي المعتاد ساهم أيضًا في عدم شعوره بالخطر.
بعد تفكير قصير، تحدث فريكسوس بهدوء.
“ربما ليس جبلًا. النبوءات غالبًا ما تحمل معاني رمزية.”
فالثمرة الثالثة قد تعني الابن الثالث،
وتعبير الحصاد الثالث قد يشير إلى الجيل الثالث.
لذا، من المحتمل أن يكون الجبل أو الخمس والعشرين خطوة تعبيرًا رمزيًا.
“ومع ذلك، لا تتجول في أي مكان بتهور لفترة.
ولا تذهب إلى أي جبل مهما كان.”
“…حسنًا.”
ابتسم فريكسوس بوهن وأومأ برأسه.
لم تلحظ هيلي، التي كانت غارقة في التفكير وهي تمزق شعرها بالهم، الظلال التي ارتسمت على وجه فريكسوس.
‘قيل إنه سيموت هذا العام، لذا دعنا نحاول تجاوز هذه السنة بأي طريقة. عندها قد يتغير هذا المصير البائس.’
الآن نهاية ديسمبر، لذا إذا صمد قليلًا فقط، سيكون ذلك كافيًا.
***
كانت ليلة لا يأتي فيها النوم بسهولة.
تخلت هيلي عن محاولة النوم ونهضت من السرير.
وقفت أمام إطار النافذة بوضعية أكثر راحة من ذي قبل.
“…هم؟”
تجهم وجه هيلي عندما نظرت خارج النافذة.
“ما هذا؟ لماذا ذلك الفتى هناك؟”
كان فريكسوس يتسلل خارج الملحق.
تجاهل تحذيرها بعدم التجوال خارج القصر بلا مبالاة.
يا له من أخ أحمق!
“ما الذي سمعه من كلامي بحق السماء؟”
فتحت هيلي النافذة بنزق.
“يا! فريكسوس، أنت!”
“آه!”
شحب وجه فريكسوس.
أشارت هيلي بإصبعها وهي متكئة على إطار النافذة،
فضحك فريكسوس بحرج وجاء إلى غرفتها.
ما إن فُتح الباب حتى رمت هيلي وسادة في وجهه.
“يا، هل تعتقد أن كلامي مزحة؟”
“لا، أنا…”
“هل أنت متلهف للموت؟”
“هيلي، استمعي.”
أمسك فريكسوس بكتفي هيلي.
هدأت هيلي غضبها وتنفست بهدوء، راغبة في سماع ما سيقوله.
نظرت إليها عينان زرقاوان مليئتان بالدفء.
“فكرت في الأمر، وأنا سأموت على أي حال. لا يمكنني الهروب من القدر. لم ينجح أحد قط في الفرار من القدر الذي نطقت به الحاكمة.”
القدر لا يمكن تفاديه.
لذا سأتقبل هذا القدر.
عند سماع كلام فريكسوس، تجهم وجه هيلي.
“يا-“
“لذا… إذا كنت سأموت على أي حال، أليس من الأفضل أن أخرج وأستمتع قبل موتي؟ طوال هذا الوقت، لم أستطع الخروج بسبب الشائعات عن مرضي.”
“…”
واصل فريكسوس كلامه وهو يراقب تعبيراتها،
بدا متحمسًا بعض الشيء.
“هناك معرض لكاريل في العاصمة، وهو مستمر حتى اليوم فقط. أنتِ تعلمين، أنا أحب كاريل.”
الرسام كاريل.
الرسام المفضل لفريكسوس.
لم تكن هيلي مهتمة بالرسم.
لم تفهم أبدًا الأشخاص الذين يتأثرون ويذرفون الدموع أمام اللوحات.
لكن بسبب هوس فريكسوس بكاريل منذ الطفولة،
كانت تعرف اسم هذا الرسام.
“نعم، أعرف. أعرف أكثر من أي شخص.”
نحن توأمان، وكنا دائمًا متفاهمين منذ صغرنا.
“…لذا، يجب أن تعرف أيضًا، فريكسوس، أنني لا أريد موتك.”
إذا كنت أعرف ما في قلبك، فأنت أيضًا تعرف ما في قلبي.
أنت تعرف مشاعري جيدًا، فلماذا تفعل هذا؟
كانت تريد قول الكثير، لكن هيلي عضت شفتيها لتكبح كلماتها.
شعرت بطعم الدم على طرف لسانها الرقيق.
وبعد أن اختارت كلماتها بعناية،
انسابت من فمها صوتٌ مفعم بالرجاء.
“…لا تذهب، أرجوك.”
كنا دائمًا معًا.
فإذا مت، يا فريكسوس، سأظل وحيدة إلى الأبد.
أمسكت هيلي بكم فريكسوس وأغمضت عينيها بقوة.
ملأت أنفاسها المرتجفة حجرة الغرفة.
“ها…”
بعد صراع داخلي عميق وتنهيدة طويلة، قال فريكسوس.
“…حسنًا. سأبقى في الملحق فقط. سألعب معكِ، ما رأيك؟”
“إذا حاولت الخروج مرة أخرى، سأقتلك بيدي.”
“حسنًا.”
ليريح أخته، ربت فريكسوس على ظهر هيلي.
“لكن، هيلي، أنا-“
سأموت.
القدر لا يمكن تفاديه.
كلما حاولت الفرار منه، زاد خناقه على عنقك، هكذا هو القدر.
“…ـكسوس.”
أيها القدر الحتمي للموت.
قرر فريكسوس أن يقضي ‘الوقت المتبقي’ له بجانب أخته،
وليس مع لوحات كاريل التي يحبها.
لأنه لن يتمكن من البقاء معها إلى الأبد بعد الآن.
***
قبل أن يعود الاثنان إلى القصر الرئيسي،
كان على هيلي أن تنجز بعض المهام.
سبقت فريكسوس بأيام إلى القصر الرئيسي،
وأمرت بتغيير أثاث غرفتها وغرفة فريكسوس.
ثم بدأت في اختيار خادم خاص لفريكسوس.
همم، ذلك الوغد يبدو بوضوح جاسوسًا أرسلته إينو، مرفوض.
ذلك الرجل يبدو زلقًا جدًا، مرفوض.
ذلك الشخص فضفاض الفم، مرفوض.
كانت هيلي صارمة جدًا في اختيار الخادم الخاص بفريكسوس.
لو تركت هذا الأمر لفريكسوس الضعيف،
لانتهى به المطاف بتسليم رقبته لإينو.
لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً كما توقعت.
‘حسنًا، حان وقت العودة.’
لكن رائحة عشبية منعشة فاحت من مكان ما،
فتوقفت هيلي عن السير بشكل غريزي.
اقتربت إينو، صاحبة تلك الرائحة،
وهي تقف خلف هيلي، وقالت:
“سمعت أنك ستعودين إلى القصر الرئيسي.”
“أجل.”
“أود مناقشة أمر معك،
هل يمكنني دعوتك لتناول الشاي؟ هل وقتك مناسب؟”
نظرت هيلي إلى إينو بنظرة غامضة، ثم أومأت برأسها.
أخذت إينو هيلي إلى غرفتها واستقبلتها بحفاوة.
مع مراعاة ذوق هيلي التي لا تفضل الشاي الساخن أو الحلويات،
أعدت شايًا عشبيًا باردًا مع الثلج وحلوى غير سكرية.
ثبتت إينو عينيها على ساقي هيلي وقالت بصوت مفعم بالصدق:
“أنا سعيدة جدًا لأن ساقيك وأذنيك قد تعافيا.
أفرحني ذلك حقًا.”
“بصدق؟”
“بالطبع.”
‘…لو لم تكوني أنتِ من دبر ذلك الحادث بالعربة،
لكان هذا الموقف أكثر دفئًا.’
كبحت هيلي ضحكة ساخرة أمام هذا التصرف المثير للسخرية.
تسبب المرض ثم تقدم العلاج.
ابتسمت إينو ابتسامة عريضة، فتحولت عيناها إلى هلالين.
“هل هذا كل ما تريدين قوله؟ لقد خصصت وقتًا لكِ،
فإذا كان هذا كل شيء، أخشى أن يكون مضيعة للوقت.”
أطرقت إينو ببطء، ثم فتحت فمها بصعوبة.
“أود أن أعتذر عن الوقاحة التي ارتكبها ميليكير سابقًا.”
“آه، نعم. لقد كان ميليكير وقحًا بالفعل.”
قال إن ساقيها المتعافيتين ستُباع الآن بسعر مرتفع.
أليس هذا ما قاله؟
ضحكت هيلي، متخيلة وجه ميليكير الغائب عن هذا المكان.
“لكن، إينو، اعتذارك لا يعني لي شيئًا. بل إنه عديم الفائدة تمامًا. سيكون من الأفضل لو جاء ميليكير بنفسه واعتذر.”
قد يكون اعتذاره بنفسه عديم القيمة والفائدة أيضًا،
لكن على الأقل سيكون أفضل من اعتذار إينو.
“إذن، سأستدعي ميليكير الآن.”
“الآن…؟”
هل هي حريصة إلى هذا الحد على جعل ابنها يعتذر؟
إينو التي أعرفها ليست من هذا النوع.
إنها امرأة ستحمي ابنها بكل ما أوتيت.
…هناك شيء مريب.
شعور سيء للغاية، ما الذي يحدث؟
أدركت هيلي على الفور سبب هذا الشعور المزعج.
‘للحظة، بدا أن إينو لا تريد مني العودة إلى الملحق.’
لكن إينو ليست من النوع الذي يفكر بهذه الطريقة.
شعرت كأنها تحاول إبقاء قدميها مثبتتين في القصر الرئيسي.
‘ما الخدعة التي تحاولين لعبها في الملحق!’
بعد أن أدركت هذا، لم يعد هناك سبب لبقاء هيلي، مهما قالت إينو.
“لا، ميليكير هو من أخطأ، فهل يُعقل أن أتي إلى القصر الرئيسي لأتلقى اعتذاره؟ هذا لا يبدو لائقًا.”
قالت هيلي ذلك ونهضت من مكانها.
نهضت إينو معها وسألت:
“هل ستغادرين؟”
“حان وقت قيلولتي.”
بدت إينو محرجة من هذا الرد الواهي،
لكن هيلي تجاهلت ذلك بسهولة.
“إذن، قريبًا… سأرسل ميليكير إلى الملحق.”
أومأت هيلي برأسها بإهمال لكلام إينو، ثم هرعت إلى الملحق.
لكن، على عكس حدسها، كان جو الملحق كالمعتاد.
‘هل كنت مخطئة؟’
ربما كنت حساسة أكثر من اللازم.
تركت هيلي هذا الشعور المزعج خلفها وعادمت إلى غرفتها.
ثم أدركت أنها لم تلتقِ بفريكسوس في طريق عودتها إلى الغرفة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 3"