استمتعوا
روز رمشت بعينيها.
“أتالانتي؟“
“نعم. اخترتُ الاسم وأنا أتخيلك تركضين بسرعة.
هذا الاسم سيكون دليلك على أنك فزتِ برهاني.”
“أعجبني كثيرًا!”
ابتسمت روز بسعادة عارمة، وكان منظرها جميلاً إلى درجة أن كاليستو، التي كانت واقفة بجانبها، ابتسمت بحرارة وأومأت برأسها.
“لكن لا تخبري أحدًا بعد. تفهمين، أليس كذلك؟“
لو سمع الناس أن الأميرة الأولى منحت الأميرة الثانية اسمًا جديدًا، لثاروا.
الإمبراطور حتمًا لن يعجبه الأمر.
“طبعًا! إنه سر بيننا نحن الأربعة فقط!”
أتالانتي، أتالانتي.
راحت روز تهمهم باسمها الجديد.
‘حين تتوّج أختي على العرش، سأغير اسمي رسميًا فورًا!’
روز كانت تتمنى موت والدها بأسرع وقت!
وفي تلك اللحظة، كانت هيلي تحدق بروز التي نالت اسمًا جديدًا.
‘…أتالانتي؟‘
روز في الرواية لم تحمل هذا الاسم. كانت فقط روز.
لقد عاشت خاضعة لمصيرها.
لكن اليوم، وبعد أن استمدت القوة من التفسير الجديد للنبوءة، راهنت ديانا، ونالت اسمًا جديدًا.
قلبها خفق بشدة.
إلى حدٍّ جعلها تُطبِق شفتيها بقوة خوفًا من أن ينفجر قلبها خارج صدرها.
هيلي، في هذه اللحظة، أيقنت أن شيئًا قد تغيّر.
***
بعد أن زارت روز وهيلي، غادرت ديانا إلى العاصمة فور الانتهاء من الغداء. حزنت روز لذلك، لكنها استعادت مزاجها حين وعدتها ديانا بلقاء قريب في العاصمة.
في تلك الليلة، أغمضت هيلي عينيها مبكرًا لتنام.
“بما أنكِ تدربتِ جيدًا اليوم، ستغفين مباشرة.”
تذكرت ما قالته كاليستو أثناء الغداء.
وكما قالت، اجتاحها الإرهاق سريعًا.
ديانا وكاليستو كانا يعلمان أن هيلي لا تنام جيدًا ليلًا.
لذا، أخرجها الاثنان في الصباح الباكر لممارسة الرياضة،
متمنيين أن تنهار من التعب وتنام بعمق.
وبالفعل، أغلقت عينيها بسهولة، مما يعني أن خطتهما نجحت.
لكن، للأسف، لم تمضِ مدة طويلة حتى فتحت هيلي عينيها في قبو جناح تابع لقصر الماركيز.
كانت في الزاوية المظلمة من القبو مجددًا.
نفس الحلم مرة أخرى.
‘شبكة الحُلم هذه لا تقوم بواجبها.’
كان من المفترض ان تمنع الأحلام السيئة، لكنها لم تفعل.
ربما لأن الشبكة بين الحلقات لم تكن محكمة.
‘بالمناسبة، كم مرة تكرر هذا الحلم؟‘
عشرون؟ واحد وعشرون؟
لم تعد تتذكر، فقد رأته كثيرًا.
بعد وقتٍ قصير، سقط فريكسوس من الدرج،
واختبأ إيدن في الزاوية.
نزلت هيلي الدرج وعانقت فريكسوس وهي تبكي.
وعينها التي لم تستطع إغلاقها بدأت تدمع.
في الحلم، هيلي ذات الواحد والعشرين عامًا ستغادر القبو قريبًا.
‘ثم ستتجمد أطرافي تدريجيًا وأفيق من الحلم.’
استعدت هيلي لتقبّل الألم الذي اعتادت عليه.
لكن في تلك اللحظة، تذكّرت كلمات أحد الرجال.
“…إذا رأيتِ ذلك الحلم مجددًا، جربي القيام بشيء فيه.”
“قبل أن يتحوّل جسدكِ إلى حجر، استخدمي يدكِ أو رأسكِ – ما بقي لكِ من حرية الحركة – للقيام بشيء.”
‘أن أفعل… شيئًا؟‘
هكذا قال.
توقفت دموعها الحزينة.
كانت على وشك مغادرة القبو، إذًا عليها أن تفعل شيئًا قبل ذلك.
كي تتمكن هيلي في الحلم،
وهي أصغر بعام واحد من الحقيقية، من رؤية إيدن.
أدارت هيلي رأسها وتفقدت جانبيها.
الحائط على اليسار كان مسدودًا بالكامل،
أما الزاوية اليمنى فكان إيدن مختبئًا فيها.
‘أوه، هذا الحقير.’
لم كان عليّ النظر إليه.
أشاحت بنظرها عنه لأنها لم ترد حتى رؤيته.
وبعد لحظات، أصبح تعبيرها أكثر جدية.
بحثت بيدها في كل اتجاه، لكن لم تلمس شيئًا مفيدًا.
لم يكن هناك ما يمكن استخدامه.
وقبل أن تستسلم، فتشت خلف ظهرها.
‘همم؟‘
كان هناك فراغ بين ظهرها والحائط.
‘لم أنتبه لهذا التفصيل من قبل.’
كانت منشغلة بتفقد اليمين واليسار، ولم تنتبه لما خلفها.
وبفضول، راحت تفتش بيديها إلى الخلف.
أصابعها لمست شيئًا باردًا وصلبًا.
‘ما هذا؟‘
التقطته دون تردد.
كان طويلًا بما يكفي لتمسكه دون انحناء.
وحين أدركت ما هو، اتسعت عيناها.
‘…شمعدان فضي.’
في شتاء العام الماضي، كانت هيلي قد عانقت فريكسوس وهي تبكي في القبو، واكتشفت وجود إيدن بفضل الشمعدان الفضي الذي تدحرج نحوها حينها.
‘إذًا، هذا الشمعدان في يدي الآن… هل هو انعكاس لذاكرتي ويأس الماضي؟‘
أحكمت قبضتها عليه.
‘إن فوّت هذه الفرصة، سأندم.’
وحين خمد نحيبها بالكامل،
دحرجت هيلي الشمعدان نحو مكان وجودها في الحلم.
وفي تلك اللحظة،
‘…!’
“من يدري؟ ربما في الحلم القادم، ستلتقي عيناكما.”
هيلي ذات الواحد والعشرين عامًا، استدارت.
من خلف الصندوق في زاوية القبو،
التقت بعيني نفسها في الماضي.
‘…أوه، شعرت وكأنها رأتني حقًا.’
فوجئت لدرجة أن قلبها كاد يتوقف.
وبعد لحظات، رأت مشهدًا لم تره من قبل في أي حلم.
“لمَ هذا الشيء فجأة…؟“
حين تدحرج الشمعدان، استغربت،
فالتقطته ثم رفعت المصباح لتتفقد.
إيدن الذي كان مختبئًا في الزاوية اليمنى ارتبك،
وظهر ظلّه على الحائط.
هيلي، التي كانت تمسك بشمعدان صلب من الفضة،
اقتربت من الزاوية.
وأخيرًا،
أخيرًا،
رأت هيلي إيدن.
“أيها الحقير…”
لم يحدث يومًا أن تطور الحلم بهذا الشكل.
راحت هيلي تضرب إيدن بجنون على رأسه،
وهي مستمتعة بسماع صوت ارتطامه.
وفي تلك اللحظة، كانت أطرافها قد بدأت تتحول إلى حجر.
‘سأستيقظ قريبًا.’
اصبح تنفسها صعبًا، لكنها ابتسمت.
كان ألمًا ممزوجًا باللذة.
“آه….”
وبعد لحظات، استيقظت هيلي من الحلم، ولامست وجهها.
كانت الابتسامة التي ظهرت في الحلم لا تزال مرسومة على شفتيها.
“أن أمضي حياتي أتحسر على عجزي… كان ذلك دائمًا عبئًا.”
لكن الشمعدان الفضي الذي ساعدها حينها، أمسك بها مجددًا.
لو كانت، كما في الأحلام السابقة،
غادرت القبو بهدوء، لما رأت إيدن.
كانت لتصدق أن إينو وإيدن ماتا في حادثة كما قيل في النبوءة، دون أن تكتشف الحقيقة.
“حتى في الحلم… يبدو أنني أستطيع أن أفعل شيئًا، أنا.”
كان حلمًا يواسي ماضيها العاجز.
حلمٌ يربت على كتفها ويقول لها: لا تأنبي نفسك، ارتاحي الآن.
لم تعد تندم أو تتحسر على ذلك الحلم.
أغمضت هيلي عينيها مجددًا.
ومنذ ذلك اليوم، انتهى العقاب الذي كان ينزل عليها في أحلامها.
***
بعد بضعة أيام، ركبت هيلي عربة مع ديلان.
كان قد طلب منها مرافقته إلى مكانٍ معين.
وحين سألت إلى أين، قال إنه سيخبرها عند الوصول.
شعرت بأنه ليس مكانًا مريبًا، فوافقت.
وبعد وقتٍ قصير، توقفت العربة.
نزل ديلان أولًا، وفرك يديه بخفة وهو يستدير.
“هيا بنا.”
ثم أمسك بيدها ودخلا معًا مبنى أبيض.
“لا أحد هنا؟“
“العرض يبدأ غدًا.”
تجولت هيلي بفضول حتى توقفت نظراتها نحو عمق المبنى.
كانت على الجدران لوحات متعددة،
وعلى الجدار الأيسر تعريفٌ بالفنان.
「كاريل لاكني (649~)」
“…هذه…”
شعرت هيلي بتوتر في يدها، ثم تراخت يدها سريعًا.
سحبت يدها من يد ديلان.
“هناك معرض لكاريل في العاصمة، وكان اليوم آخر فرصة.
أنتِ تعرفين كم أحب كاريل.”
رنّ صدى صوت الرجل الذي اختفى، وهو يحمل نصف روحها.
حين عرفت من صاحب المعرض، اختنقت أنفاسها.
“لماذا هذا هنا…”
لم تستطع إكمال جملتها.
شعرت وكأن أحدًا يخنقها.
حين اضطرب تنفسها، وضع ديلان يده على كتفها ليهدئها.
وأكمل الحديث بدلًا منها.
“حين تحدثتِ عن كاريل قبل أيام، شعرت أنا أيضًا بالفضول. فاستغللت بعض نفوذي. حتى لو كنا معزولين، يجب أن نستمتع بالحياة، أليس كذلك؟“
كان من المفترض أن تُعرض اللوحات في متحف آخر.
لكن ديلان ‘خطفها‘ بكل بساطة.
لأن الليلة التي قضاها مع هيلي بقيت عالقة في ذاكرته.
“دائمًا ما يُقال إن التوائم بينهم اتصال، أليس كذلك؟
من يعلم، ربما الأمير ترافيا يشعر بما ترينه الآن.”
ولهذا، نظّم هذا اللقاء.
بصوتٍ ناعم شرح لها السبب.
لكن هيلي لم تكن تسمع، كانت تحدق في اللوحة أمامها.
ظن أنها ستتجاهله كليًا، لكنها،
على غير العادة، تركت كلماته تتردد في أذنها طويلاً.
تسللت الكلمات من أذنيها إلى صدرها.
كلام فارغ. وكانت تدرك أنه كذلك.
ما الذي يمكن أن يكون مشتركًا مع شخص ميت.
لا يمكن أن يرى فريكسوس ما كانت تراه الآن.
ولكن…
‘مع ذلك.’
قبضت هيلي على يدها. كانت عيناها تؤلمانها.
“…”
حين طال الصمت، راقبها ديلان بقلق.
“هل… تجاوزتُ حدودي؟“
“أبدًا. أبدًا، أبدًا لا.”
أشارت بيديها بحدة.
لم تهز رأسها ولم تلتفت إليه، فقط لوّحت بيديها،
لأنها لم ترد أن تحيد بنظرها عن اللوحة.
كانت هناك موجة مرسومة على قماش كبير يغطي جدارًا بأكمله.
كأنها ستبتلع الناظر إليها.
رغم أنها تعلم أن الموجة ليست من الطبيعة،
بل مرسومة بيد إنسان، شعرت بخوفٍ حقيقي من أن تُبتلع.
فريكسوس.
كنت لتُعجب بهذه اللوحة كثيرًا، أليس كذلك؟
كنت لتتكلم بحماس وتفرض عليّ تحليلك.
كنت لأتظاهر بالاستماع، وأرد عليك ببرود.
رسمت هيلي في خيالها مشهدًا لن يحدث أبدًا، وابتسمت.
يا لها من متعة غريبة.
‘كنا نعرف كل شيء عن بعضنا البعض.’
لكن ذلك لا يعني أننا كنا نفهم بعضنا.
‘لم أكن أفهمك حقًا.’
حين أخبرها فريكسوس أنه سيموت هذا العام،
لكنه رغم ذلك أراد الذهاب لرؤية لوحات، لم تفهم.
ما قيمة تلك اللوحات؟
لعنته في سرها، يا له من أحمق.
‘لكن الآن.’
لم تعد كذلك.
الآن، عينا هيلي احتوتا لوحات كاريل، وحلم رجلٍ ما.
لوحة، تمنى شقيق يحتضر أن يراها.
حلمه.
العالم الذي أراده، كان يخطف الأنفاس من شدة جماله.
من المستحيل أن نفهم الآخر فهمًا كاملًا.
هيلي لم تستطع أن تفهمه تمامًا،
لكنها أرادت، على الأقل، أن تحاول.
واليوم، فهمت ولو قليلاً لمَ أراد فريكسوس أن يرى لوحات كاريل.
‘ربما أستطيع أن أقول إنني، على الأقل، بلّلت قدمي في عالمك.’
تمنت، لو استطاعت،
أن تقتلع عينيها وتقدمها له حيث يرقد في التراب.
ربما من كثرة النظر إلى اللوحات، بدأت عيناها تؤلمانها.
فركت عينيها، ثم غطتهما بكفيها،
وظلت تبكي وتضحك في آنٍ واحد.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 28"