استمتعوا
بينما كانت تتكئ على السرير وتنظر إلى القمر خارج النافذة، بدأت هيلي تسترجع ماضيها. الضوء المنبعث من أسفل السرير كان قد عالج جسدها، ونجت من حادثة دهس العربة،
كما أبرمت صفقة مع ديلان مقابل القوة المقدسة.
عندها انفجرت ضاحكة.
‘أنا التي ألوم الاوراكل،
أعيش الآن بفضل القوة التي منحني إياها الحاكم نفسه.’
كان الأمر مضحكًا بالفعل.
شعورها المتأخر بهذا التناقض جعلها ترغب في عض لسانها.
كانت لتعضه بالفعل ثم تعالجه بالقوة المقدسة،
لكن الألم لا يروق لها، لذا قررت ألا تفعل.
طَرقٌ خفيف—
صوت طرق خفيف على الباب وصل إلى أذنيها.
كان الصوت أشبه بطرقات ناعمة بأطراف الأصابع،
وليس بكف اليد كاملة.
ولم يكن هناك أحد يطرق باب هيلي بهذه الطريقة سوى ديلان.
بمجرد أن أذنت له بالدخول، دخل ديلان إلى الغرفة.
وعندما حاولت هيلي النهوض، لوّح بيده نافيًا الحاجة لذلك،
وجلس على كرسي إلى جانب السرير وسألها،
وهو يلاحظ أنها لا تزال مستيقظة عند بزوغ الفجر.
“لا تستطيعين النوم؟“
“نعم. يبدو أنني نمت كثيرًا البارحة.”
“وما نفع كثرة النوم إن كنتِ تتألمين طوال الوقت.”
هز رأسه مستنكرًا،
مشيرًا إلى أن الكمية دون الجودة لا تعني شيئًا.
صورة هيلي وهي تتلوى في نومها تحت وطأة كوابيسها، كانت تملأ رأسه.
كانت تتنفس بصعوبة ووجها شاحب كالموت، وتتفوه بلعنات.
وما زاد الطين بلة، أن هذه لم تكن المرة الأولى.
“…حين كنتِ تتظاهري بقضاء الليل في المعبد، كنتِ أيضًا ترين كوابيس.”
قالت ديانا ذات مرة، حين سمعت بأن البابا أغمي عليه من شدة الغضب، وضحكت ضحكة عالية.
فأمراض الروح لا تُشفى بالقوى المقدسة.
فكيف تُشفى القلوب إذًا؟
لم يكن ديلان يعرف الجواب.
“هل يظهر الكونت ترافيا في كل كابوس؟“
أومأت هيلي برأسها، ثم بدأت تشرح حلمها ببطء.
لم تخبر حتى إيفي بهذه الأحلام.
لأنها لم ترَ مثل هذا الحلم أمامها من قبل.
ولو كانت إيفي هي من رافقتها في تلك الليلة،
لربما كانت شاركتها الحديث عنه.
بعد أن أنهت شرح الحلم، أضافت هيلي بنبرة ساخرة.
“أشعر بالضيق. أخرج من المكان دون أن أكتشف أن القاتل مختبئ بالجوار.”
في الواقع، كانت قد ضربت إيدن على رأسه حين اكتشفته. لكن في الحلم، تركته يفلت منها، ما جعل صدرها يضيق ويكاد ينفجر.
وبينما كانت تزفر تنهيدة قصيرة، انقشعت الغيوم عن القمر.
أصبحت الغرفة أكثر إشراقًا، وظهر وجه ديلان تحت ضوء القمر.
وبعد لحظة من التفكير العميق، تحدث أخيرًا.
“هيلي…”
“نعم؟“
“…قد يبدو هذا سخيفًا قليلًا، لكن إن رأيتِ ذلك الحلم مرة أخرى، ما رأيك بتجربة شيء معين بداخله؟“
“مثل ماذا؟“
“تخيلي أن جسدك بالكامل قد تحول إلى حجر. لكن قبل أن تستيقظي، يمكنك أن تستخدمي ذراعك أو رأسك — الأجزاء التي لا تزال تتحرك — لتقومي بأي فعل، مثل طرق الجدار برأسك، أو إحداث ضجيج بيدك.”
لا صوت يخرج، ولا حركة في الساقين، لكن إن لم تكن الأجزاء العلوية متحجرة، فربما يمكنها المحاولة.
“من يدري؟ لعل في الحلم القادم تلتقي عينيكِ بعينيك الأخرى هناك.”
“هاها! ما هذا؟ لكن… سيكون ذلك فعلًا تجربة لا تُنسى.”
في تلك اللحظة، بدأت عينا هيلي تغمضان ببطء.
لاحظ ديلان التغيير، فانحنى قليلًا نحوها وهمس بلطف.
“أحلام سعيدة، هيلي.”
“وأنت أيضًا، يا صاحب السمو. لدي هذا الشيء، لذا الكوابيس لن تجرؤ على الاقتراب.”
وأشارت بأطراف أصابعها إلى الحالم المعلّق فوق النافذة.
هدية من روز، ربما.
“حامي مخلص إذًا.”
ابتسم ديلان بلطف. وكانت عينا هيلي قد أغلقتا تمامًا.
ظل ديلان يبتسم حتى بعد أن أغلق باب هيلي برفق،
ثم نزل إلى الطابق الأول حيث مكتبه، وفتح الباب.
“همم؟“
رمش بعينيه مصدومًا مما رأى، واختفت ابتسامته في لحظة.
كان هناك شخص بالداخل.
“…ديانا؟“
طَرق.
أغلق ديلان الباب بسرعة لا شعورية.
‘هل أنا متعب؟‘
قرص خده ليتأكد، ثم فتح الباب مجددًا.
لكن ديانا لا تزال هناك، تجلس على الأريكة،
ساق فوق ساق، بوجهها المعتاد الهادئ.
نظرتها الذهبية اتجهت نحوه.
“ما بالك واقفًا؟“
ارتسمت على وجه ديلان علامات الذهول.
“وأنتِ؟ ما الذي تفعلينه هنا؟“
“ألعب الشطرنج.”
كانت تلعب مع كالليستو. جلس ديلان مرتبكًا تمامًا.
“هذا ليس ما قصدته بسؤالي. هل يليق بك أن تأتي بهذه العجلة…؟ لا، بل لا بد أنكِ قدّرتِ أن قدومك جائز، ولهذا جئتِ.”
ديانا لم تكن لتغادر العاصمة بهذه السهولة،
لأنها لم تكن تثق بالإمبراطور.
ألم يكن ديلان من بقي في العاصمة بدلًا منها عندما اصطحبت هي هيلي إلى إيليسيون؟
“الأدميرال ماركونتي في العاصمة.”
آه، حسنًا. إذًا لا بأس.
أومأ ديلان برأسه وقد عاد إليه هدوءه بسرعة.
طالما أن الأدميرال، الذي وقف إلى جانب ديانا وميديا،
موجود في العاصمة، فلن يتمكن الإمبراطور من التلاعب بها.
***
تمت مهاجمة هيلي من قبل ديانا.
فبمجرد أن فتحت عينيها، اقتحمت ديانا وكاليستو غرفتها، وسحبتاها أمام الهدف لتختبرا مدى تحسن مهاراتها في الرماية.
كاليستو أمسكت بذراعها كما فعلت سابقًا.
“ارفعي ذراعك أكثر قليلًا.”
“لقد رفعتها كثيرًا.”
كلما قالت إحداهن شيئًا، قاطعتها الأخرى بأسلوبها، لدرجة أن هيلي ظلت واقفة هكذا رافعة ذراعها منذ خمس عشرة دقيقة دون أن تطلق سهمًا واحدًا.
فضحكت قائلة.
“يكفيني أنكم عرفتم أن القوس في يدي.”
“سأصمت.”
“لن أتحذلق مرة أخرى.”
وفي النهاية، تولت ديانا مهمة تدريبها بدلًا من كاليستو،
فأطلقت هيلي سهمًا أصاب الهدف.
لم تكن النتيجة جيدة، لكنها قررت أن تكتفي بكون السهم أصاب الهدف.
ثم، التقطت كاليستو قوسًا وبدأت بالرمي بدافع الملل،
فأصاب سهمها وسط الهدف بدقة.
عندها سُمِع صوت مألوف.
“اختي! اختي! اخــتــي!!! متى وصلتي؟!!”
كانت روز تركض من بعيد.
وسرعان ما وقفت أمام ديانا.
نظرت إليها ديانا وقالت باقتضاب.
“الفجر الباكر.”
“كنت مستيقظة، لماذا لم تناديني…”
“كنتِ تغطين في نوم عميق. لم تشعري حتى بدخولي غرفتك.”
“حقًا؟“
“لا، أمزح.”
لكن قولها بأن ذلك كذب كان بحد ذاته كذبًا.
وروز التي فهمت ذلك، ابتسمت ابتسامة مشرقة،
ثم أعلنت مستقبلها بثقة.
“اختي، سأصبح بطلة. لذا أريد أن أبايعكِ بولاء كامل.”
“حقًا؟ أتمنى لكِ التوفيق.”
وسأنتظر، وأترقب.
قالتها ديانا بنبرة هادئة.
وكان ذلك كافيًا ليسعد روز
سألتها كالليستو.
“ما الفريسة التي تريدين تقديمها للأميرة الثانية كعربون ولاء؟“
جميع من بايع ديانا قدموا فريسة ما.
“وأنتِ، ما الذي قدمته؟“
“أحضرت دُبًا.”
وكان ذلك بداية ولائها الأبدي.
“أنا… لا أريد دبًا.”
ماذا سيكون مناسبًا؟
خنزير بري؟
لا، يجب أن تكون فريسة أقوى.
على عكس كاليستو، كانت روز تحب الدببة،
لذا فكرت جديًا، ثم صفّقت فجأة.
“أسد! الأسد مناسب!”
إن قدمت أقوى الحيوانات، ربما ترى ديانا فيها فائدة حقيقية.
“وعند أداء قسم الولاء، تُلقي مَن تقدم الولاء قصيدة،
فيردّ عليها سموها بقصيدة تتضمن اسمها.”
“…”
ارتسمت على وجه روز ملامح الحيرة.
لم تكن ترغب بالمشاركة في الطقس باسم ‘روز‘.
‘لا.’
اتجهت نظراتها الذهبية نحو ديانا.
وسألتها الأخيرة وقد شعرت بنظراتها.
“لماذا تنظرين إلي هكذا؟“
“أريد أن تختاري لي اسمًا.”
“وماذا عن الاسم الذي منحك إياه الإمبراطور؟“
“سأتخلى عنه…”
قالت روز بحزن.
“هل يمكنك أن تختاري لي اسمًا رائعًا؟“
كانت ديانا قد فكرت سابقًا في منح روز اسمًا جديدًا.
لكن ما دام الإمبراطور حيًّا، لم يكن ذلك ممكنًا.
“همم. لا يمكنني منحك اسمًا هكذا فقط… لكن إن أصبتِ مركز الهدف بهذا السهم، سأمنحك اسمًا جديدًا. ما رأيك؟“
“عشر نقاط…؟“
“نعم.”
لكن إصابة العشرة نقاط كانت شبه مستحيلة بالنسبة لها هذا اليوم.
حين أصعد العرش، سأمنحك اسمًا رائعًا بعد تفكير طويل — هكذا فكرت ديانا.
ثم أومأت وكأنها ستفي بوعدها فورًا.
تناولت روز القوس والسهم من كاليستو.
“أوه…!”
لكن حتى شدّ الوتر كان صعبًا عليها.
بعد صراع طويل، أنزلت القوس على الأرض متنهّدة.
هل ستتراجع؟
راقبتها هيلي، لكنها رفعت رأسها، وابتسمت بعينين تتلألأان.
ثم أمسكت بسهم واحد، وركضت نحو الهدف.
“ما الذي تنوي فعله…”
تمتمت ديانا غير مستوعبة.
بسرعة خاطفة، وصلت روز إلى الهدف،
وغرست السهم يدويًا في مركزه.
لكنه لم يدخل عميقًا، وسرعان ما سقط.
ومع ذلك، صاحت روز بسعادة.
“لقد فزت!”
“أليس هذا خرقًا للقواعد؟“
“لكن اختي قالت إن الاسم يُمنح إذا أصاب السهم مركز الهدف.”
لم تقل إنها يجب أن تطلق السهم من القوس.
مع أن ذلك كان بديهيًا.
ورغم أن السهم سقط بعد قليل، لكنه بالفعل كان مغروسًا في المركز للحظة، لذا وجب على ديانا منحها اسمًا.
روز كانت تطبق أسلوب ‘البحث عن ثغرات في الكلام‘ الذي استعملته هيلي بالأمس، ببراعة.
زفرت ديانا تنهيدة قصيرة.
“من أين تعلمتِ هذا؟“
لا يمكن أن تكون تعلمت من ديلان.
“…”
أطبقت هيلي شفتيها وراحت تراقب تعابير ديانا.
يبدو أن تصرفها بالأمس قد أثّر على روز.
ضاقت جبين ديانا بحيرة،
لكن الابتسامة على شفتيها فضحت سعادتها.
كانت تستمتع بالموقف.
ربتت على رأس روز،
وقالت إنها تتجاوز عن هذه الحيلة هذه المرة فقط، ثم بدأت تفكر.
‘اسم… اسم…’
لكن…
حين استحضرت صورتك قبل قليل، وأنت تركضين بسرعة نحو الهدف ممسكة بالسهم، ثم تغرسينه بكل جرأة في قلب اللوحة، خطر لي اسم رائع بحق.
عندها، انفرجت شفتا ديانا، وخرجت منهما كلمة واحدة بكل هدوء.
“أتالانتي.”
إليكِ هذا الاسم، أيتها السريعة كالرّيح، والشجاعة—
“أمنحكِ إياه.”
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 27"