في ظهيرة مشمسة، تلقت هيلي دعوة غداء من روز في القصر.
كان مضمونها تدعوها لتناول بعض الوجبات الخفيفة معًا في غرفتها، سرًّا، ومن دون أن يعلم ديلان .
يبدو أن لدى روز شيئًا تود الحديث عنه في الخفاء،
رغم أن ديلان على الأرجح كان يعلم بالأمر كله.
“سيدة هيلي!”
عندما حان وقت الموعد وذهبت إلى غرفة روز،
استقبلتها الأخيرة بترحاب.
الأميرة الصغيرة بدت سعيدة فقط لأن زوجة أخيها جاءت لرؤيتها، وابتسمت لها بلطف بريء.
جلست هيلي إلى الطاولة، متظاهرة بالهدوء وهي تتناول الطعام، بينما تنظر إلى الفتاة الجالسة أمامها.
وعادت بذاكرتها إلى ما تعرفه عن هذه الطفلة.
روز فيدينتيا تيلون.
ولادتها كانت نتيجة خطة دقيقة من الإمبراطور.
منذ زمن بعيد، حين كان الإمبراطور آيغيل شابًا طموحًا،
ذهب إلى المعبد وتلقى وحيًا.
قال له الحاكم.
‘إذا رُزقتَ من تالوفيه بولد، فسيكون بطلًا يرفع مجدك عالياً.’
وهذا بالضبط ما كان يريده الإمبراطور: طفل مطيع يرفع من شأنه.
فأرسل إلى صديقه، ملك تالوف، الذي لم يتردد وأرسل ابنته أيترا لتكون محظيته. فكرة أن حفيده قد يصبح ملكًا لتيلون كانت مغرية له، واعتبر أن هذا الوحي فرصة لتقوية علاقات البلدين.
لكن، خابت التوقعات، إذ أنجبت الأميرة فتاة.
كان يجب أن يكون الطفل الأول صبيًا. أما الثاني، فلا قيمة له.
وعندما علم الإمبراطور بجنس الطفل، رمق خصلات شعرها الزهري وأطلق عليها اسم روز، ثم غادر قصر الأميرة من دون أن يلتفت.
‘أتذكر أنه قيل إن الأجواء في القصر كانت فظيعة آنذاك.’
قيل إن الإمبراطور تجاهل ابنته روز تمامًا.
ورغم كل ذلك، فإن روز اليوم كانت تبدو قوية، لم تنهزم رغم ما تعرضت له من إهمال.
وحين لاحظت هيلي هذه الروح المشرقة، فكّرت في أنها لحسن الحظ ليست من أولئك الذين يبالغون في قراءة مشاعر الآخرين.
لكن، فجأة…
“لماذا تنظرين إلي هكذا؟“
سألت روز.
هيلي بالكاد نظرت إليها لمحة، لكنها التقطت ذلك على الفور.
بدا أن روز رغم براءتها، حساسة تجاه النظرات.
وبعد لحظة من التردد، أجابت هيلي.
“لا شيء. فقط، شعرتِ أن لكِ نفس الهالة التي للأميرة الأولى.”
“حقًا؟“
ابتسم وجه روز على الفور.
وأشارت إلى صورة معلقة في منتصف الغرفة،
ثم بدأت تتحدث بحماس.
“تلك الصورة، أهدتني إياها أختي ديانا.”
“سموها؟“
“نعم. في أحد الأيام كنت أتمتم لنفسي قائلة. ‘ماذا أفعل إذا اشتقتُ لأختي ديانا عندما أذهب إلى بلوتاروس؟‘ فسمعتني وأحضرت لي الصورة كهدية.”
أحسنت هيلي حين فتحت موضوع ديانا، مستندةً إلى حديث سابق سمعته بين روز وخادمتها عندما اختارت ملابسها بناءً على تلك الصورة.
“هل كنتِ تهمسين بهذا الحديث بجانب أذن ديانا مباشرة؟“
“واو… نعم. كيف عرفتِ؟“
تبادلت الفتاتان الضحك.
بينما كانت روز تتناول فطيرة التفاح، سألت بحذر.
“سيدة هيلي، هل لديك وقت غدًا؟“
“نعم، لا أظن أن لدي أي التزامات.”
“إذاً! هل تذهبين معي إلى جبل سبيس؟“
“جبل سبيس؟“
‘أظن أنني سمعت بهذا المكان في دروس المعبد… أين يقع بالضبط؟‘
كانت منشغلة وقتها بالثرثرة مع ‘إيفي‘ وتبادل الملاحظات،
فلم تركّز في الدرس.
وبينما كانت هيلي تفكر، تدخلت روز بشرح سريع.
“نعم. يوجد هناك مكان مخصص للصلاة.”
“آه، صحيح.”
الآن تذكرت.
كان يُعد من الأماكن التي يُسمح بالصلاة فيها خارج المعبد الرئيسي.
وبما أن هيلي كانت منبوذة من المعبد، فهي ممنوعة من دخوله.
لكن جبل سبيس لا يخضع لهذه القوانين، وبالتالي يمكنها الذهاب.
“فكرتُ أنه إن رافقتِني، فربما يصغي الحاكم لصلاتي أكثر، بما أنكِ قد نلتِ نعمته.”
نظرت هيلي إلى روز لفترة طويلة.
‘لن يُحدث فرقًا إذا ذهبتُ أم لا.’
تساءلت في داخلها: ما الشيء الذي تود هذه الفتاة أن تدعو من أجله بكل هذا الإخلاص؟ لكنها لم تسأل.
فمن غير اللائق السؤال عن محتوى صلاة الآخرين.
‘ربما الأفضل أن أذهب معها.’
فهمت هيلي الغاية من دعوتها،
ثم التقطت قطعة خبز تبدو أقل جفافًا وقالت.
“حسنًا، سأرافقك. ولكن…”
“؟“
بلعت لقمتها وسألت.
“هل الجبل… عالٍ جدًا؟“
لو كان مرتفعًا جدًا فستكون مشكلة.
“لا، ليس مرتفعًا أبدًا. فقط، قليلًا… قليلًا جدًا.”
تمنت هيلي في تلك اللحظة لو لم تصدق روز.
لو كانت قد استوعبت شيئًا واحدًا،
فهو أن روز تملك طاقة بدنية خارقة.
في اليوم التالي، وصلت روز إلى سفح جبل سبيس وبدأت تتسلق بخفة. رغم أنها في الثانية عشرة فقط، فإن لياقتها البدنية كانت قوية، وتبدو كأنها تعرف كل المسارات جيدًا.
أما هيلي، فعلى عكسها، فقد كانت تلهث وهي تتبعها. لكنها شعرت بالامتنان لأن الطقس كان باردًا بما يكفي ليمنع التعرق.
‘قالت إنه ليس مرتفعًا…!’
رغم أن الجبل لم يكن شديد الانحدار، إلا أن هيلي، التي اعتادت التجوّل فقط في الأجنحة والردهة، وجدته مرهقًا جدًا.
أما ديلان، الذي كان يرافقهم مع بعض الحراس،
فكان يستمتع بالطقس الجميل.
“الجو رائع.”
“قلت إنك مشغول… فـ ــ هاه… لماذا لم تبقَ في القصر؟“
“من يدري.”
بينما كانت تستند لترتاح، حاولت هيلي الإمساك بشجرة لتدعم نفسها وتوجه بعضًا من قواها المقدسة لجسدها.
لكن الشجرة كانت أبعد مما ظنت.
“……!”
شتمت نفسها بسبب تقديرها السيء للمسافة،
واستعدت للسقوط وهي مغمضة العينين.
“هل كنتِ ستقعين؟ لهذا السبب رافقتكم، على ما يبدو.”
كان ديلان قد أمسكها من خصرها، وابتسم بمرح وهو يكمل كلامه.
لم تنكسر أنفها بفضل تدخله،
لكنها شعرت بالحرج، فنظرت إليه بضيق.
“لا تضحك. لقد كنت على وشك كسر أنفي.”
“أنا أضحك لأنكِ لم تكسرينه.”
وعندما تذكّر ديلان كلام روز عن احتمال أن تصبح عمة قريبًا، أسرع بسحب يده عن خصرها.
***
عند القمة، شرعت روز في تكديس الحجارة لتبني برجًا صغيرًا.
أثناء تسلقها الجبل، كانت تجمع الحجارة المناسبة لهذا الغرض.
ديلان، الذي كان يراقب روز من الخلف، همس لهيلي.
“هل أخبرتكِ روز بما تنوي أن تدعو من أجله؟“
هزّت هيلي رأسها.
“لا. وهل أنت تعلم؟“
“……لا، لهذا سألتكِ. كنت آمل أن تكون قد قالت لكِ.
في مرة سابقة، سألتها عن ذلك وغضبت مني.”
قالت له إنه لا يليق بالسؤال عن صلوات الآخرين،
متسائلة إن كان لا يعرف أبسط قواعد الأدب.
وبما أنها لم تخبر أحدًا، شعر ديلان بالقلق وعدم الارتياح.
“……هل يمكن أن يكون أمرًا لا نستطيع أنا وديانا مساعدتها فيه؟“
فروز اعتادت الصعود إلى هذا الجبل كثيرًا، تبني الأبراج وتصلّي.
والآن، وهي أمام البرج، أغمضت عينيها وبدأت تصلّي بحرارة.
هيلي وديلان واصلا النظر إليها بصمت.
كانت حدّة نظراتهم تجعل مؤخرة رأس روز تشعر بالحرارة.
‘……همم؟‘
شعرت هيلي بنظرة غريبة، فالتفتت بسرعة لتتفقد المكان.
وتلاقت عيناها بعينَي رجلٍ ذي شعر رمادي شاحب.
لكنه بدا ضبابيًا وكأنّه حلم، ثم اختفى بين الأشجار.
نظرت هيلي مذهولة إلى المكان الذي اختفى فيه،
وسألها الحارس القريب.
“هل هناك خطب ما، سيدتي؟“
“قيل لي إننا وحدنا هنا اليوم،
لكني شعرت وكأن أحدًا مرّ من هناك.”
“سأذهب للتأكد فورًا.”
انحنى الحارس، ثم اصطحب معفارسًا آخر وتوجه إلى حيث أشارت هيلي.
***
انتهت روز من صلاتها مع حلول المساء.
كان هناك نزل صغير على القمة مخصص للزوار.
عدد الحراس المرافقين: ثمانية.
مع هيلي وديلان وروز، يصبح العدد أحد عشر.
‘لكن لا يوجد سوى غرفتين فقط.’
لم يكن من المنطقي حشر الفرسان الثمانية في غرفة واحدة،
لذا تقرّر أن يتشارك الستة رجال والخمس نساء غرفة واحدة
في المساء، عاد الفارسان اللذان خرجا للتفقد، وجاءا إلى هيلي ليقدما تقريرهما.
“بحثنا في المكان الذي ذكرته، لكن لم نجد أحدًا.”
“حقًا؟“
“نعم.”
أومأت هيلي برأسها بهدوء، مصدقة كلامهم الواثق.
“صحيح، من الغريب أنني شعرت بشيء لم يشعر به صاحب السمو.”
لكن، كانت متأكدة من وجود شخص ما.
“”همم… أيمكن أنه لم يكن إنسانًا؟ حين أفكر في الأمر، يبدو أنه لم يكن يملك ساقين أيضًا.”
“… ماذا؟“
لم يفت على الفارسين تلك الجملة التي تمتمت بها هيلي بهدوء، فشحب وجهيهما في الحال.
‘وجود شبح أخفّ وطأة من وجود إنسان متخفي.’
لوّحت هيلي بيدها لتشير إلى أنهم ليسوا بحاجة للقلق.
“لا بأس. أحسنتما العمل.”
لكن ملامحها، رغم ما نطقت به من كلام يبعث القشعريرة، بدت هادئة بدرجة مريبة.
‘لقد سمعنا كل شيء، فكيف تقولين “لا بأس” بهذه البساطة، سيدتي…!’
الإنسان يمكن التغلب عليه بالقوة، أما الشبح… فلا حيلة معه.
وفي تلك الليلة، نام فرسان بلوتاروس ملتصقين ببعضهم حتى لا يتركوا فجوات بينهم، سرًا لا يعرفه سواهم.
أما الغرفة الأخرى التي شاركتها هيلي مع ثلاث فتيات أخريات، فكانت أكثر راحة، لأن وجودها منحهم شعورًا بالأمان، باعتبار أنها تملك قوة إلاهية لا تجرؤ الأشباح على الاقتراب منها.
‘أشعر بالنعاس…’
كانت مرهقة بعد تسلق الجبل. وأثناء استماعها إلى صوت روز وهي تتحدث مع الفارسات، أغلقت هيلي عينيها ونامت بهدوء.
لكن بعد وقت قصير، استيقظت.
لم تكن الغرفة نفسها.
لكن المكان لم يكن غريبًا أيضًا.
‘القبو.’
وجدت نفسها في نفس القبو الذي شهدت فيه موت فريكسوس أكثر من مرة، أسفل الجناح الخارجي.
قدماها كأنهما جذور، لا تتحركان.
وبدأ الكابوس مجددًا.
كما في كل مرة، كانت قدماها متحجرتين.
ثم، بعد لحظات، تدحرج فريكسوس من الدرج،
وتهشّم رأسه كما لو كان ثمرة بطاطا.
لم تستطع أن تبعد عينيها عن المنظر،
وبدأت كعادتها تعدّ بصوت داخلي.
واحد،
اثنان،
ثلاثة،
أربعة،
خمسة.
مات الرجل.
مات مجددًا.
“فريكسوس!”
صوت مألوف.
هيلي من الماضي دخلت القبو باكية، تنادي فريكسوس.
أما إيدن فاختبأ في الزاوية.
رأت نفسها القديمة تبكي، لكنها لم تستطع الاقتراب منها.
‘هل أملك الحق في مواساة أحد؟‘
هيلي الحاضرة لم تكن تستحق مواساة نفسها القديمة.
‘…بأي وجه أطلب العزاء؟‘
هيلي السابقة، الغارقة في جهلها، لم تكن تستحق العزاء.
بدأ عنقها يتصلب، وجسدها كله تحوّل تدريجيًا إلى حجر رمادي.
التحجّر الذي جعلها غير قادرة على التنفس، كان عذابًا صنعته بنفسها.
وهكذا، قبلت هيلي العقوبة التي رآها القدر مناسبة لها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 25"