لهذا السبب بالذات لا يشرب الكحول، ولهذا السبب… حاول ما تبقى من وعي ديلان المقاومة، لكن حتى هذا الجزء سرعان ما ابتلعه الشراب تمامًا.
“لو قمتُ بتصرفٍ جميل… هل ستدللينني؟ … لا، لا أسأل لأنني أريد القيام بشيء لطيف، فقط أنا… فضولي.”
أضاف هذا التبرير البائس.
“لا أعلم. ربما أفكر في الأمر بعد أن أرى مدى لطف ما ستفعله.”
رفعت هيلي طرف شفتيها بابتسامة خفيفة. لم تكن ملامحها متوترة أو منزعجة كما كانت عندما اكتشفتهما وهما يدخنان مع إيفي ويعالجان نفسيهما بالقوة الإلهية. بل بدت هادئة للغاية.
مدّت هيلي أصابعها تلمس التربة في أصيص الزرع.
وفجأة، دارت حول تلك الحركة اللامبالية هالة زرقاء،
وبدأت نبتة خضراء تشق طريقها من التراب.
ولم تمضِ سوى لحظات حتى أزهرت زهرة وردية من نوع هيالوس فوق الأصيص.
بفمٍ مفتوح قليلاً، حدّق بها ديلان بحالة من الشرود وكأنه في حلم.
ثم رفعت هيلي الأصيص ووضعته على حافة النافذة وقالت وهي تنظر إلى الزهرة.
“جميل.”
“شكرًا لك.”
“… لم أكن أتحدث إليك يا سمو الأمير.”
“آه، حقًا؟ كنت أظن أنني قد فعلتُ شيئًا لطيفًا دون أن أعلم.”
أطلق ضحكة بوجه لا يخلو من الجرأة، لكنه بدا محرجًا قليلاً لإساءة فهم المقصود، فبدأ يتحسس عنقه ويديره ببطء لتخفيف تصلبه،
ثم نظر إلى كلٍ من هيلي وزهرة الهيالوس بالتناوب.
لم يكن ذلك واضحًا تمامًا، لكنه كان محمر الوجه، وقال لها.
“ومع ذلك… أشعر بشعورٍ جيد.”
“بسبب ماذا؟“
“بسبب سماعي لكلمة ‘جميل‘… رغم أنكِ لم تقوليها لي.”
ابتسم ديلان بخفة وهو يرمش بعينيه ببطء، وكأنها كلمة تسعده كثيرًا.
‘تصرفٌ جميل، ها؟‘
كان الأمر يبدو سخيفًا، لكن لمجرد أنه سمع كلمة ‘جميل‘،
راوده شعور بالرغبة في القيام بتصرفٍ جميل.
طالما أن مجرّد سماع تلك الكلمة يشعره بكل هذا الفرح،
فكيف سيكون شعوره لو غُمر حقًا بالمحبة؟
قرر حينها أنه سيقوم بتصرفٍ جميل… إلى درجة لا يمكن لهيلي إلا أن تحبه.
ضوء القمر يتسلل من خلال النافذة.
جلس الاثنان جنبًا إلى جنب على حافة السرير،
حدّقا طويلاً إلى زهرة الهيالوس الموضوعة على حافة النافذة،
ثم غفيا معًا وكأنهما سقطا في النوم من شدة النعاس.
***
في فجر ذلك اليوم، فتحت هيلي عينيها وهي عابسة.
في الحقيقة، لم تكن قد استيقظت بإرادتها.
فالليلة الأولى في مكانٍ غريب عادةً ما تكون صعبة.
“آه، رأسي…”
يبدو أنها شربت الكثير من الكحول.
فحين رأت الكحول بعد فترة طويلة،
فرحت أكثر مما يجب، وخلال حديث الذكريات،
شربت أكثر مما كانت تنوي.
“أوووه…”
ديلان، الذي كان بجانبها، تألم وهو يقطّب وجهه بالكامل.
‘أنتَ من بالغ في الشرب.’
كان ديلان وهيلي يدفعان الآن ثمن اللذة التي عاشاها في الليلة الماضية.
بادرت هيلي أولاً باستخدام القوة الإلهية على نفسها،
ثم مدّت يدها وبدأت تمسح برفق على رأس ديلان.
انتشرت القوة الإلهية برقة في جسده.
“هل يُعدّ هذا استخدامًا مفرطًا، أم لا؟“
وماذا يهم الآن؟ كلُّ شيء بات رهن مشيئتي.
راحت عينا هيلي تتفقدان ملامح ديلان،
التي أصبحت أكثر هدوءًا وراحة،
ثم سحبت الغطاء وأغمضت عينيها من جديد.
***
استلم الأمير الثاني ثيسيوس من الإمبراطور مفتاح المبنى الذي يُحتفظ فيه بالصوف الذهبي، كنز تلّون العظيم.
الصوف الذهبي، رمز ازدهار تلّون.
ولمنع سرقته، وُضِع في القبو عددٌ هائل من النسخ المقلّدة.
لكن الرجل الذي دخل القبو لم يلقِ نظرة واحدة على تلك النسخ، واتجه مباشرة إلى موقع الصوف الحقيقي بخطواتٍ هادئة.
وقف أمام الصوف الذهبي الحقيقي ورفع رأسه ببطء.
‘… يالهمنجمال.’
في زمنٍ قديم، حين كانت تيلّون مجرد مملكة، مرّت بفترة انحدار حاد. فأمر الملك حينها، لاختبار الحظ، ابنه السادس إياسون، الذي كان بلا قيمة تُذكر، أن يجلب له الصوف الذهبي.
إذ كانت هناك أسطورة تقول إن من يملك الصوف الذهبي سيزدهر يومًا بعد يوم.
لكن ذلك الصوف كان محروسًا من تنين لا ينام.
وقد قُتل العديد من الطامعين به على يد ذلك التنين.
فجمع إياسون بعض الرفاق، وخرج في رحلة يرتجف فيها من الخوف.
الناس جميعهم ظنوا أنه سيموت.
لكن إياسون عاد حيًا. ومعه الصوف الذهبي.
اعترف الملك بإنجازه، وجعله وليًا للعهد،
ثم زوّجه أميرة من مملكة مجاورة بعد أن أصبح ملكًا.
لكن زوجته وأولاده توفوا في وقتٍ مبكر،
ولم يستطع إياسون تحمّل الحزن، فانتحر.
فهل تلقى عقابه المتأخر على سرقة الصوف؟
إذن، هل يجب علينا إعادة الصوف للتنين؟
أثير هذا الجدل، حيث خشي الناس من أن عدم إعادته قد يجلب الخراب بدل الازدهار.
لكن لحسن الحظ، توقفت المأساة عند إياسون وأبنائه،
وتلاشت الآراء المطالبة بإعادة الصوف.
‘يا للسخرية.’
كان إياسون الأتعس بين الجميع،
ومع ذلك يقولون إن من حسن الحظ أنه الوحيد الذي عانى.
بعد موته، ووفقًا للأسطورة، أصبحت تيلّون محمية بالصوف الذهبي، وانتصرت في كل الحروب، واتسعت أراضيها لتصبح إمبراطورية.
تفقد ثيسيوس وقته في ساعة الجيب التي أهداها له الإمبراطور.
كان لديه موعد بالغ الأهمية.
***
وافق الإمبراطور على مضض على طلب ثيسيوس لرؤية الإمبراطورة السابقة.
وصل ثيسيوس إلى قصر ماركيز تان، حيث أُرشد إلى الغرفة التي كانت فيها ميديا.
وبينما كان يمشي في الردهة، تذكّر ما قاله له الخادم.
“لا يجوز أن تناديها بالإمبراطورة. لقد خُلِعت من منصبها.”
‘حسنًا، لم أرد مناداتها بذلك على أي حال.’
لم يكن ثيسيوس يرغب بالاعتراف بأن تلك المرأة كانت زوجة آيغِل.
“ولا يجب أن تُظهر تواضعًا مفرطًا أمامها أيضًا.”
لم يكن ينوي ذلك. فهو أمير نبيل.
صرير–
فُتح الباب.
كان يتظاهر بوجهٍ وديّ لأميرٍ لطيف، وبصوتٍ ناعم قال.
“أقدّم تحياتي للسيدة ميديا. أنا،“
“لا داعي –”
قاطعته بصوتٍ يشبه رياح الشتاء.
“اجلس فقط.”
وأشارت برأسها إلى المقعد.
رفع رأسه ونظر إلى الإمبراطورة السابقة.
كانت تبدو أكبر سنًا من آخر مرة رآها فيها.
‘إذًا أنتِ تكبرين في العمر كذلك.’
أو ربما… لستِ أنتِ.
‘… أيهما أتمنى؟‘
هل أرجو أن تكوني الشخص الذي أتذكره؟ أم أرجو ألّا تكوني؟
أتمنى فقط أن يتعرف أحدهم بي.
وإن أمكن، فليكن ذلك الشخص أنتِ.
بل، لأُصحّح عبارتي…
أتمنى فقط أن تكوني أنتِ، من تتعرفين على من يقف أمامك الآن.
قال ثيسيوس.
“لا تزالين جميلة كعادتك.”
وابتسم وهو ينظر إلى ميديا بعينين مبهورتين. لكن ردّها جاء باردًا.
“تقول ‘كعادتك‘… وكأنك التقيت بي من قبل.”
كانت ميديا حذرة منه.
تذكّرت ما قالته ديانا حين زارتها قبل فترة.
“ذلك الرجل… شعوري تجاهه ليس جيدًا.”
“لقد التقيت بكِ من قبل. لكن يبدو أنكِ لا تتذكرينني.”
‘التقينا؟‘
لكن ميديا لم يكن لديها أي ذكرى بذلك.
ربما ينوي أن يختلق كذبة سخيفة،
ويدّعي أنها قتلت والدته الراقصة سابقًا.
جلست ميديا قبالة ثيسيوس، واحتست الشاي بهدوء.
“حقًا؟ لا أعلم متى كان ذلك،
لكن كان يجب أن أقتلك وقتها. يا للأسف.”
“… ها! هاهاهاها…!”
توقف ثيسيوس لحظة، ثم انفجر ضاحكًا.
ضحك كثيرًا وبصوتٍ مرتفع حتى احمرّ وجهه.
‘تمامًا كما عهدتكِ.’
لم تتغير هذه المرأة.
كبرت قليلاً فحسب، لكن أسلوبها وحديثها كما هو تمامًا.
‘هل يعقل أنها لا تتذكرني؟‘
تحركت شفتاه.
لكنه أبقى ذكرياته القديمة معها محبوسة في داخله.
“هل ستشرب الشاي؟“
“كلماتكِ قبل قليل كانت مخيفة جدًا، فلا أظنني أستطيع.”
أجاب مازحًا، متظاهرًا بالخوف من أنها تأسفت لعدم قتلها له.
“إن كان لديك سببٌ للمجيء، فقله واذهب.”
كانت الإمبراطورة السابقة متعجرفة ووقحة كما تذكرها.
“جئت فقط لألقي التحية.
رغم خلعكِ، إلا أنكِ كنتِ لسنوات طويلة بجوار جلالة الإمبراطور.”
“أوه، حسنًا. تلقيت التحية.”
أي بمعنى. ارحل من هنا فورًا.
“… هاها، حسنًا، سأذهب إذن.”
وقف ثيسيوس وهو يضحك، وكأنها منحته أمرًا ملكيًا بالطرد.
‘إن قالت اخرج، فلا بد أن أخرج.’
فهي، بطبيعتها، سترش عليه الشاي لو لم يفعل.
لكنه قبل أن يغادر، استدار نحو ميديا وقال.
“سؤالٌ أخير.”
عند صوته الجاد، تحولت عيناها الحمراوان نحوه.
“حقًا… ألا تتذكرينني؟“
كان يبدو يائسًا.
تفاجأت ميديا بتغيّر نبرة صوته،
لكن سرعان ما استعادت تعبيرها الطبيعي وأجابت.
“حقًا يبدو أنك تعلمت الأدب بنفسك، كم مرة ستكرر السؤال ذاته؟“
ابتسم ثيسيوس بسخرية، وكان في ضحكته شيءٌ من الخيبة.
“لاحقًا، لحسن الحظ، ألحق بي جلالته معلمًا، لذا لم أكن متعلمًا ذاتيًا.”
ثم ابتسم ابتسامة باهتة، وغادر غرفة ميديا.
رغم خروجه بسهولة، إلا أنه لم يبتعد عن الباب مباشرة.
لم يستطع رفع قدميه.
وقف ثيسيوس أمام الباب،
ونظر خلفه بحنين، متخيلًا ميديا التي كانت خلف الباب.
وضع يده، الممتلئة بالندوب، على وجهه، وتمتم.
“… هل حقًا لا تتذكرينني؟“
في السابق، كنت أريد قتلكِ بشدة.
كنتُ أنوي طعنكِ مباشرةً في القلب لو صادفتكِ يومًا.
لكنني الآن، لا أستطيع… لا أستطيع قتلكِ أبدًا.
‘ميديا…’
يا ساحرتي، من أردت نسيانها حد الألم،
لكنني أشتاق لمواجهتها حدّ العشق.
رأى ثيسيوس نملة على راحة يده.
وبدون تردد، سحقها بين إصبعيه وقتلها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 24"