استمتعوا
في داخل العربة المتجهة نحو بلوتاروس، بدأ ديلان يشرح لهيلي تفاصيل حملة التطهير بينما كان جالسًا أمآمهآ.
“ستبدأ الحملة في نوفمبر. وحتى ذلك الحين، سيخضع الفرسان للتدريب، وسنقوم بمراقبة تحركات وحوش الحدود بشكل دوري. لحسن الحظ، لم نلاحظ أي تحركات غريبة حتى الآن.”
في الشتاء الماضي، هرع ديلان إلى بلوتاروس عندما سمع أن الوحوش قد ظهرت عند الحدود.
في ذلك الوقت، كانت بلوتاروس تعيش في توتر وقلق شديدَين، لدرجة أن ديلان اقترح أن تُعاد الأميرة الثانية روز إلى العاصمة.
لكن حتى الآن، لم تظهر أي مؤشرات فعلية على محاولة الوحوش تجاوز الحدود. أي أن حالة التوتر قد هدأت إلى حد ما.
لكن لا يمكنهم العيش في هذا الوضع إلى الأبد.
كان على ديلان أن يتخلص من وجود الوحوش التي تنشر القلق في بلوتاروس.
لذلك قرر أن يشن حملة تطهير ضد وحوش الحدود الشمالية في نوفمبر المقبل.
حاول المعبد أن يرسل له ثلاثة كهنة لا يمتلكون سوى فتات من القوة المقدسة، ولكن بفضل صدفة محظوظة، جلست أمام ديلان الآن هيلي التي تمتلك قوة مقدسة وفيرة بدلًا من الفتات.
هزّت هيلي رأسها وهي تستمع إلى شرح ديلان عن خطة التطهير. وفجأة، خطرت ببالها قصة البطلة روز المقيمة في بلوتاروس.
روز، الأميرة الثانية، بطلة رواية <سيدة كرمة الورد>.
‘الآن تبلغ من العمر اثني عشر عامًا.’
للأسف، كل ما تعرفه هيلي عن روز هو ما بعد بلوغها، عندما أصبحت شابة جميلة تقاطرت عليها عروض الزواج من الرجال، ووقعت في علاقات معقدة ومؤلمة معهم.
ما تعرفه هيلي من الرواية يبدأ بعد وفاة ديلان. إذ يُقتل ديلان خلال حملة التطهير.
‘وأنا، كان من المفترض أن أموت في شتاء العام الماضي.’
لكنها لم تمت، بل كانت تستعد لاستقبال الصيف التالي.
‘إذا تغيّر قدري، فهذا يعني أن قدر شخص آخر يمكن أن يتغير أيضًا.’
في اليوم الذي مات فيه فريكسوس،
كانت هيلي تؤمن بأن مصير البشر لا يمكن تغييره.
لكن إن كانت تتمسك بهذا الاعتقاد، فهي بذلك تنكر وجودها نفسه. لأنها كانت تعيش بالفعل قدرًا قد تغير.
‘إذًا، ربما أستطيع منع وفاة الأرشيدوق أيضًا؟‘
بالطبع، حالتها كانت فريدة من نوعها،
فقد رأت الضوء الذي خرج من تحت سرير فريكسوس.
بلوتاروس التي دمرتها هجمات الوحوش في الرواية… قررت هيلي أن تحاول تغيير الأحداث، ولهذا السبب اختارت الذهاب إلى بلوتاروس دون تردد، وأسندت ظهرها إلى جدار العربة.
كانت الغرفة التي أقامت فيها في المعبد أضيق من هذه العربة، لكنها لم تكن بهذه الراحة. وبينما كانت العربة تهتز، تحدثت هيلي.
“كيف هي الأميرة الثانية؟ لم أسمع عنها كثيرًا بما أنها لا تقيم في العاصمة.”
“روز؟“
مال ديلان برأسه وهو يتذكر شقيقته غير الشقيقة،
التي تصغره بإحدى عشرة سنة، وبدأ يتحدث مبتسمًا بشدة.
“همم، روز تجيد الركض بشكل مذهل. تبدو وكأنها تطير مع الريح. أظنها كانت أسرع من ديانا حين كنا أطفالًا. إنها فتاة قوية وحيوية، تمامًا كالمحاربين في القصص القديمة.”
“فهمت.”
“آه، وهي تحب الدببة كثيرًا. في السابق، أهدتها والدتنا دمية دب، وقد أحبّتها بشدة. لا تزال تحتفظ بها في غرفتها حتى الآن.”
“دمية دب؟“
“أجل. لذا احذري، هيلي.
فهناك من كاد أن يموت من الرعب عندما رأى تلك الدمية ليلًا.”
خفض ديلان صوته محذرًا بجدية.
هيلي لم تستوعب السبب وراء كل هذا الذعر، فسألت باستغراب.
“وما الذي قد يكون مرعبًا في دمية دب؟“
“……هذه ليست دمية دب لطيفة كما تتخيلين.
إنها دمية على هيئة دب حقيقي. بالحجم الفعلي أيضًا.
كل مرة أراها، أكاد أقفز من مكاني، أووه…!”
وقبل أن يُكمل كلامه ويذكر كيف كاد يُغمى عليه عندما رآها فجرًا، توقفت العربة فجأة.
“……عضضت لساني.”
“القديسة على متن هذه العربة!!!”
تجعد وجه ديلان من الألم، وتبعته هيلي بتعبير مماثل.
‘هل هناك من يستهدفني؟ اللعنة على هذه الحياة…’
لم تتوقع أن يحدث شيء كهذا حالما تم الإعلان عن الرحلة الرسمية إلى بلوتاروس.
من خلال النافذة الصغيرة، سُمع صوت فارس.
“يا صاحب السمو، تعرّضنا لهجوم.”
“كم عددهم؟“
“يبدو أنهم أكثر بقليل من عشرة أشخاص،
نعتقد أنهم مهربو مخدرات. سنتعامل معهم فورًا.”
مال ديلان نحو هيلي ولف ذراعه حول كتفها،
وحين تلاقت عيناهما، ألقى نكتة خفيفة ليطمئنها.
“يبدو أنك مشهورة للغاية. أشعر بالغيرة كزوج.”
“……”
نظرت هيلي إليه بنظرة.
“هل هذا وقت النكات؟“
“لا أرى الأمر ممتعًا.
إن شئت، يمكنني أن أشاركك في هذه الشهرة.”
“سأعتذر. أخاف من لفت الأنظار.”
ضحك ديلان بخفة.
وكان مظهره مستفزًا إلى درجة أن هيلي أرادت أن تضرب فمه بكفّها عدة مرات.
“……لكن هل من الآمن أن نبقى داخل العربة هكذا؟“
كان الخارج يعج بأصوات المعركة، بينما داخل العربة ساد هدوء مريب، مما جعلها تشعر بعدم الارتياح.
“مثل هذه الأمور تنتهي في أقل من ثلاث دقائق عادةً.
طالما لم يرموا سهامًا مشتعلة نحونا، فسنكون بخير داخل العر-“
“يا صاحب السمو! العربة اشتعلت فيها النيران!”
“!”
فتح ديلان باب العربة على الفور وقفز منها.
مدّ يده نحو هيلي وهو يصرخ.
“لماذا لا تخرجين بسرعة؟!”
“أوه، بحق الجحيم…!”
أمسكت هيلي بيده وقفزت من العربة.
أمسكت هيلي بيد ديلان. كانت يد ديلان باردة للغاية، لكن هيلي لم تملك وقتًا للدهشة من تلك البرودة، إذ قفزت من العربة على الفور. ثم رمقت ديلان بنظرة جانبية وقد بدا شديد الوقاحة
عندما التقت به فجرًا في المعبد، كان يحمل هالة غامضة وثقيلة.
أما الآن، فلم يكن سوى مهرّج من الدرجة الأولى في نظرها.
اقترب منهما بعض الفرسان وتوقفوا أمامهما.
‘هل انتهى الأمر بهذه السرعة؟‘
يبدو أن الهجوم قد تم احتواؤه خلال لحظات خروجهم من العربة. كانت أجساد المهاجمين مغطاة بالدماء ملقاة على الأرض أمام فرسان بلوتاروس، وهو ما يؤكد ذلك.
“……لم نتوقع أن يطلقوا سهامًا مشتعلة. نعتذر، يا صاحب السمو.”
“لا بأس. هناك عربة أخرى تسلك طريقًا مختلفًا. سنركبها عند نقطة الالتقاء، بعد أن نتابع سيرنا على الخيول.”
طالما لم يتعرضوا لهجوم آخر.
والجانب المطمئن هو أن الطريق بعد هذا الغابة مفتوح من كل الجهات، ما يقلل بشكل كبير من احتمال حدوث كمائن.
‘تقريبًا خرجنا من الغابة.’
وهكذا كانت تفكر هيلي، حتى وقعت عيناها الزرقاوان على جبهة أحد الفرسان الواقفين قبالتها، حيث كان الدم يسيل منها.
‘…هل شُقّت جبهته؟‘
اقتربت هيلي من الرجل وأمسكت بمعصمه وهي تمر بجانبه،
ثم انحنت قليلًا كأنها تلقي التحية.
“لقد أُصبت، أليس كذلك؟ أرجو أن تميل برأسك نحوي.”
“……كيف لي أن أقبل أن تخاطبني سموكِ بهذا الاحترام؟
أرجو أن تخاطبيني براحه.”
أوه.
توقفت هيلي لوهلة عند سماع حديثة،
ثم ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها.
“اخفض رأسك. سأعالج الجرح الآن.”
كانت هيلي سريعة التكيف.
عند أطراف أصابعها، بدأت تدور هالة بلون أزرق يشبه عينيها، ثم اختفى الجرح في جبهته بشكل نظيف. كان ديلان يراقبها، ثم قال.
“أنا أيضًا مصاب.”
“أين؟“
“لساني. عضضته قبل قليل وما زال يؤلمني.”
فتح فمه قليلًا ليُظهر لسانه الأحمر،
ثم نظر إليها ضاحكًا بمكر وهو يشير إلى فمه.
“ألن تعالجيني؟“
“بل ضع عليه لعابك فقط.
لا حاجة لاستخدام القوة المقدسة من أجل ذلك.”
أدارت هيلي وجهها مبتعدة ببرود عن ديلان الذي كان يمزح بلا داعٍ.
“هاهاها!!”
انطلقت ضحكة صافية من خلفها.
***
بعد ذلك، وبعد أن ركب كل من هيلي وديلان خيولهما محاطَين بالفرسان، استقلّا العربة البديلة عند نقطة الالتقاء.
وبين بعض الأحاديث الخفيفة والنقاشات الجدية،
تكررت لحظات النوم والصحو بينما تستند هيلي إلى النافذة، ة
حتى أدركت أنها وصلت أرض بلوتاروس.
“وصلنا أبكر مما توقعت.”
ابتسمت هيلي بهدوء عندما داعبت الرياح خصلات شعرها.
“بالفعل، الجو أكثر برودة من العاصمة.”
سيكون الصيف هنا أكثر احتمالًا.
لم تكن هيلي تعلم بعد أن مستقبلاً قاسيًا ينتظرها في أيام الشتاء،
حيث ستخرج من فمها الشتائم مع كل نسمة ريح تعصف بها.
مدّ ديلان يده إلى هيلي، فأمسكت بها الأخيرة.
باستثناء عدد قليل من سكان قصر الأرشيدوق، كان الجميع يظن أن ديلان وهيلي وقعا في الحب في المعبد. لذا، كان عليهما أن يتظاهرا بالمحبة والاهتمام، ويلعبا دورهما بجدية وإتقان.
ففي حال انتشرت أخبار عن تصدّع العلاقة بين ديلان وهيلي، فقد يتدخل ثيسيوس في الأمر، رغبةً في أن يكون هو محور السلام في تيلّون، وبطل النبوءة.
هيلي رسمت ابتسامة لطيفة على وجهها وهي تتلقى التحايا من سكان القصر. فكرت بأنه من الأفضل أن تحافظ على علاقة طيبة معهم، فهي ستعيش هنا.
لن تفعل ما فعلته في المعبد، كأن تقذف الكراسي على مائدة العشاء أو تحطم زجاج غرفة الصلاة بالمطرقة.
‘على كل حال، لا أظن أن شيئًا كهذا سيحدث هنا.’
فقد كان أفراد المعبد هم من كانوا يستفزونها حتى تنفجر.
أما حياة الشغب في المعبد، فقد حان وقت توديعها.
دخل ديلان القصر وراح يدير رأسه بحثًا عن شخص بدا غائبًا عن المكان.
“أين روز؟“
“إنها تتردد في اختيار ما ترتديه،
لأنها المرة الأولى التي تلتقي فيها بالقديسة…”
كان كبير الخدم يشرح حينها،
“أخي ديلان!”
دوّى صوت صافٍ من أعلى الدرج.
فرفع ديلان وهيلي رأسيهما فورًا.
فتاة بشعر وردي وعيون ذهبية قفزت بخفة من أعلى الدرج لتقف أمامهما.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 21"