استمتعوا
طَرق.
قامت كاليستو بضرب كتف هيلي بخفة بكتفها.
“سمعتِ، أليس كذلك؟ سموّها قالت إنها وجدت طريقة.”
وكان ذلك يعني أن عليها أن تدفع القطع الذهبية الخمس حسب الرهان.
“……فهمتُ.”
أخرجت هيلي خمس قطع ذهبية من كيسها ووضعتها في يد كاليستو. وكانت كاليستو في قمة الحماس لحصولها على المال بسهولة، فأخذت تدندن وهي تستدعي الناس كما أمرت ديانا.
ولم تمضِ فترة طويلة حتى خرجت ديانا من المعبد وهي تحمل جرة.
وكان هناك كاهن يتبعها لقياس كمية الماء التي ستملؤها.
انتشرت شائعة أن الأميرة ستملأ الجرة بالماء، فبدأ المزيد من المتفرجين يتبعونها. بدا المشهد وكأنه حكاية عازف المزمار والأطفال الذين يتبعونه.
رغم أن بعض النظرات كانت لا تزال تنظر لهيلي باشمئزاز كونها منبوذة، إلا أن وجود ديانا بجانبها حال دون أن يُظهر أحد ذلك.
كانت ديانا تحمل الجرة بيد وتدندن بأغنية، ثم خاطبت هيلي.
“منذ أن اختُطِفت من قبل القراصنة،
لم أتجول مع هذا العدد الكبير من الناس من قبل.”
“لكن ماذا حدث للقراصنة الذين ذهبوا مع سموّكِ في تلك الرحلة الميدانية؟“
“أصبحوا أدميرالات.”
… أدميرالات؟
صُدمت هيلي من رد ديانا العادي، وظنّت أنها لم تسمع جيدًا.
“لكن، الأمر لم يكن تجربة ميدانية، لقد كان اختطافًا.”
سواء أجابت ديانا أم لا، كانت هيلي غارقة في الارتباك.
‘… لحظة، لا يمكن أن يكون…’
“لا تقصدين أن تلك القرصانة… هي الأدميرال تيتيـس ماركونتي؟“
“هم؟ نعم. ألم تعرفي؟“
الأخوات الثلاث، ميتي، إيريس، وتيتيس، اللواتي قُدن معركة مارجيونا البحرية بين تيليون وكولكيان نحو النصر.
كن قراصنة في الأصل، ولكن الأسرة المالكة اعترفت بإنجازاتهن ومنحتهن ألقابًا، وجعلتهن مسؤولات عن البحر في تيليون.
“ألم أقل لك ذلك في المغارة؟ … آه.”
لقد قُطِع حديثها يومها عندما ظهر أكتايون فجأة أثناء الاستحمام.
ورغبة منها في الحديث، تابعت ديانا ما لم تكمله في ذلك الحين.
“حسب ما قلنَ، كنّ في البداية مجرد تاجرات صغيرات في التجارة، ولكن بطريقة ما أصبحن قراصنة.”
حاولت هيلي أن ترتب القصة في ذهنها.
إذًا، تلك الأخوات القراصنة حصلن على صِلات مع الإمبراطورة من خلال تجربة ديانا الميدانية!
وبعد أخذهن لديانا في تلك التجربة، حققن إنجازات عسكرية في معركة مارجيونا وغيرها، وحصلن على مكانة دائمة في تيليون.
“هاه…!”
‘أي نوع من البشر هؤلاء؟‘
أميرة تُدبر اختطافها بنفسها، وإمبراطورة تدفع مالًا لتُعيدها القراصنة سالمًة. تيليون حقًا مملكة عجيبة.
استدارت ديانا برأسها نحو اليمين، حيث كانت كاليستو.
“كاليستو! أنا أشعر بالملل، غني لنا أغنية!”
“أمركِ، سموكِ!”
بدأت كاليستو تغني أغنية عن صيد الدببة. ويبدو أنها كانت أغنية شهيرة، فبدأ من يتبعهم بالتصفيق والغناء معها. أما هيلي، فبما أنها لم تكن تعرف الكلمات، اكتفت بالتصفيق فقط.
وبينما كانوا يواصلون السير في أجواء أشبه بالنزهة،
بدأ عبير البحر يلوح في الأنف.
‘آه…’
جرفٌ شاهق يطل على بحرٍ شاسع.
مشهد كلوحة فنية خطت فيه ديانا خطواتها.
وقفت على حافة الجرف الخطرة، وربطت مقبض الجرة بحبل ثم علّقت حجرًا عليه. وبعدها تركت المقبض.
سقطت الجرة من يد ديانا،
فهوى صوتها في البحر،
“فوووش!”
ابتلعتها الأمواج.
وسط أصوات الأمواج المتلاطمة بالصخور،
اختفت الجرة عن الأنظار.
وبينما كانت تحدق في سطح البحر المضطرب، استدارت ديانا.
وأومأت برأسها نحو الكاهن الذي أحضرته معها.
“هل يمكنك أن تقيس كمية الماء التي ملأتها في الجرة؟“
“… لا أستطيع.”
ابتلع الكاهن ريقه، ثم تابع.
“لكن، وفقًا للنبوءة، يمكنني تحديد من ملأ الجرة بأكبر كمية من الماء.”
“ومن تكون تلك الشخص؟“
“إن أرض قاع البحر أصبحت القطعة الأخيرة التي أغلقت قاع الجرة المثقوبة.”
جرة من الطين.
وكانت آخر قطعة فيها… الأرض.
أرض قاع البحر أصبحت هي القطعة المتممة التي أغلقت القاع الفارغ.
حينها،
“ولأن البحر واسع وعميق إلى حد لا يُمكن إدراكه، فقد امتلأت الجرة به-“
تألقت عينا ديانا.
“سموّ الأميرة الأولى، أنتِ من ملأت الجرة بأكبر كمية من الماء.”
“فهمت.”
ارتسمت على وجه ديانا ابتسامة رضا.
وبعد كلام الكاهن، بدأ الناس يتهامسون.
“آه، ماذا؟ كان قاع الأرض هو القطعة الأخيرة من الجرة؟“
“أنا كنت أبحث تحت شجرة التفاح بلا فائدة.”
كان هناك عدد من الردود الفاترة أكثر من الانبهار.
عادة، حين تُفسَّر النبوءة بشكل صحيح، فإن الناس لا يقولون “يالها من عبقرية!”، بل يقولون: “آه، كيف لم أفكر في ذلك؟” أو “آه، هذا ما كان يعنيه؟“
إنها من طبيعة النبوءات أن تكون مزعجة عند تفسيرها،
وفيها نوع خاص من السخرية.
وربما كان جمال النبوءة في كونها لغزًا لم يُحل بعد.
وقفت هيلي على يسار ديانا، وكاليستو على يمينها.
وضعت ديانا ذراعها على كتف هيلي.
“ما رأيكِ، هيلي؟ قررت أن أسمي هذا المكان ‘بحر هيلي‘،
تخليدًا لرحلة صداقتنا. ما رأيكِ؟“
“هاه؟“
بحر هيلي؟… كأنني غَرِقت فيه أو متُّ هناك!
لكن لم يكن من الحكمة قول ذلك علنًا،
خصوصًا بعد ما قالته كاليستو مباشرة.
“……إن لم يُعجبكِ الاسم، فليس أمامكِ سوى تغيير اسمك. لا أحد يستطيع ثني سموّها عن رأيها.”
همست كاليستو بسرعة، وابتسمت ديانا بمكر عند سماعها.
هبت نسائم البحر من الأمام.
استنشقت هيلي تلك الريح المنعشة بعمق. كان الصيف يقترب.
***
في فجر يوم الرحيل إلى بلوتاروس، توجهت هيلي إلى قبر فريكسوس برفقة ديلان. ترجّلا عن فرسيهما وكانا يرتديان عباءات تغطيهما بالكامل. وبينما كان الضباب يغلف المقبرة، تمتم ديلان.
“هل سنرى أشباحًا اليوم؟ لماذا الجو بارد هكذا-“
“هشش.”
وضعت هيلي إصبعها على فم ديلان.
ثم أشارت بنفس الإصبع إلى الأمام.
“هناك أحد.”
عندما ظهرت ظلٌّ لشخص ما أمام قبر فريكسوس، توقف الاثنان عن التنفس.
كان هناك شخصان. أحدهما طويل القامة، والآخر قصير.
ومن تحت عباءة القصير، تدلّت خصلات شعر أحمر بلون التفاح.
“……إينو؟“
هيلي لم تستطع أن تفهم لماذا جاءت إينو إلى قبر فريكسوس في هذا الوقت المبكر. ولكن ما أزعجها أكثر، هو من كان يقف بجانبها، حين كشف عن غطاء عباءته بعصبية.
“ما هذا…؟“
في اللحظة التي رأت فيها وجهه،
شحب وجه هيلي كأن الدم انسحب منه.
إنه إيدن.
إيدن، الذي قيل إنها قتلته، كان حيًا ويمشي على الأرض.
قيل إنه مات… فكيف يكون على قيد الحياة؟
لكن ما إن استوعبت ذلك، حتى شدت هيلي قبضتها غاضبة.
‘… أبي كذب عليّ.’
يا لها من سذاجة.
صدقت كل ما قاله البابا عن أن صاحب العربة صدمها وهرب، وصدقت ما قاله الماركيز عن موت إيدن دون أن تشكك.
‘كان يجب أن أطلب رؤية جثته بنفسي. كنت ساذجة جدًا.’
ربما لأنها كانت تريد أن تصدق موته،
لهذا تقبّلت الرواية دون مقاومة.
وبينما كانت هيلي لا تزال تحبس أنفاسها، سألها ديلان.
“ما الذي أفزعكِ؟ كأنكِ رأيتِ شبحًا.”
“لأني رأيت رجلاً كنت أظن أنني قتلته وهو حي.”
لذا، لم يكن ديلان مخطئًا حين قال إنها رأت شبحًا.
ارتبك قليلًا، لكنه تظاهر بالهدوء ورفع كتفيه.
“……هل قتلتِ أحدًا من قبل؟ يبدو أن طريقكِ إلى القديسة مليء بالمصاعب.”
“أنا أيضًا كنت أظن أني قتلت أحدًا، لكن يبدو أنني فشلت.”
لم تعرف هيلي إن كانت تشعر بالراحة لكونها لم تقتل أحدًا،
أم بالغضب لأنها لم تتمكن من قتل قاتل أخيها.
كانت مشاعرها مشوشة جدًا.
ثم لاحظت أن إينو وإيدن يتجادلان.
‘… نحن بعيدون، لا أستطيع سماع ما يقولانه.’
لكن الاقتراب أكثر قد يفضح وجودهم.
فقررت هيلي أن تكتفي بالمراقبة دون تدخل.
بعد لحظات، أمسك إيدن بمعصم إينو بخشونة، ثم جرّها وغادرا المقبرة معًا.
لم يستطع هيلي وديلان التنفس بارتياح إلا بعد أن تأكدا من ابتعادهما تمامًا.
وقفت هيلي أمام قبر فريكسوس.
كان هذا هو الموضع نفسه الذي كانت فيه إينو وإيدن قبل قليل.
أخرجت من جيبها زجاجة صغيرة مملوءة بالرمل.
كان ذلك الرمل من شاطئ إيليسيون الذي زارته مع ديانا.
أخذت قبضة صغيرة منه وذرّته فوق قبر فريكسوس.
بدا وكأنه رماد عظام.
ظنّت أنه سيفضّل أن يُهدى تراب أرض لم تطأها قدماه،
على أن يُقدّم له الزهور أو الخمر التقليدية.
لذلك، نثرت هيلي حفنة من الرمال البيضاء فوق قبر فريكسوس.
بينما كانت واقفة بصمت، يراقبها ديلان بهدوء، ثم سأل.
“هل يمكنني أن أسألكِ لماذا حاولتِ قتل ذلك الرجل؟“
“الأمر بسيط. لأنه الشخص الذي تسبب بشكل مباشر في وجود هذا القبر.”
انطفأت نظرة هيلي ببرود.
هذا القبر هو قبر فريكسوس ترافيا، شقيقها التوأم.
والسبب في وجود هذا القبر، هو موت أخيها.
والشخص الذي تسبب في ذلك… هو إيدن.
“إذًا، ذلك الرجل كان هو القاتل الذي قتل السيد الشاب ترافيا قبل قليل.”
“نعم. لقد وجدتُ إيدن مختبئًا بعد أن دفع بأخي من على الدرج، وقتلته باستخدام الشمعدان الذي تدحرج نحوي في اللحظة المناسبة. كنتُ أظن أنه مات… لكن يبدو أن عمره طويل حقًا.”
ابتسمت هيلي بهدوء.
عندما سمعت كلمة قاتل، راودتها فكرة غريبة.
ماذا لو لم تكن إينو هي الشريكة في الجريمة، بل هيلي نفسها؟
لو لم تكن هيلي قد ربطت قدمَي فريكسوس في الجناح الجانبي بتلك السذاجة، لما قُتل بيدَي إيدن.
فريكسوس…
أنا شريكة خفية في قتلك، دون قصد، وأخت حمقاء عاشت في ألم بعد فقدك، وحيدة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 20"