استمتعوا
هيلي وديلان لم يُقيما حفل زفاف، بل اكتفيا بتسجيل زواجهما رسميًا. لم يكن هناك سبب للبقاء طويلًا في العاصمة، ولا رغبة في ذلك أيضًا.
حتى موعد انطلاقهما إلى بلوتاروس، كانت هيلي تقيم في قصر ديلان في العاصمة، رافضةً جميع طلبات اللقاء التي كان يرسلها لها الماركيز.
“إذًا، فلنتحدث قليلًا عن القواعد التي ينبغي مراعاتها في الحياة الزوجية.”
“بالطبع.”
في ظهيرة هادئة، دخل ديلان إلى غرفة هيلي واضعًا ورقة وقلمًا على الطاولة.
ومع صوت احتكاك القلم، بدأت حروف سوداء ترتسم على الورقة البيضاء. على عكس مظهره الحاد، كانت خطوط ديلان دائرية وأنيقة. هيلي، التي كانت تتعرض للتوبيخ مرارًا بسبب رداءة خطها من قِبل معلمتها الخاصة، أثنت على خطه بإخلاص.
“خطّك جميل يا صاحب السمو.”
“…أحقًا؟ شكرًا لك.”
رغم نبرته المتظاهرة بالهدوء، بدا عليه الخجل.
ثم قال ديلان، وهو يعض شفتيه.
“لست أطلب منك الكثير. فقط عالجي المصابين خلال حملات قتال الوحوش. وفي كل مرة أحتاج فيها إلى القوة الإلهية، عليك التعاون الكامل دون تردد.”
‘…في كل مرة يحتاج فيها الارشيدوق؟ دون قيد أو شرط؟‘
نظرت هيلي إلى ديلان بعينين نصف مغمضتين.
كانت قد اختارته للزواج لأنه بدا خيارًا معتدلًا يبتعد عن التجاوزات غير القانونية، لكنها الآن بدأت تخشى من مطالبه غير المتوقعة.
وما إن التقت نظراتها الباردة بعينيه،
حتى تقلص جسد ديلان تلقائيًا.
ثم قال، وكأنه يقرأ ما يدور في ذهنها.
“…أنا لا أستخدم القوة الإلهية لأغراض تافهة.
رغم ما يبدو، إيماني قوي جدًا.”
لكن نظرته المائلة والساخرة لم تعكس شيئًا من الإيمان.
ومع ذلك، فإن الغطرسة التي ارتسمت في عينيه لم تكن سوى قناع دفاعي لحماية نفسه.
بعد نقاش قصير، توصّلا إلى اتفاق.
إذا لم يكن الهدف من استخدام القوة الإلهية هو علاج المصابين خلال القتال، فإن قرار استخدامها يُترك لتقدير هيلي الشخصي.
ما دام الأمر لا يدخل في دائرة المحرمات، لم تكن لدى ديلان مشكلة تُذكر مع هذا الشرط.
“الوحيدون الذين يعرفون حقيقة ما حدث تلك الليلة في غرفة الانتظار هم قائد فرسان بلوتاروس ونائبه ومساعدي الشخصي. ربما من الأفضل إبلاغ كبير الخدم في القصر أيضًا.”
“نعم، فذلك سيسهل عليّ الإقامة هناك.”
كان عدد الذين يعرفون حقيقة تلك الليلة المشؤومة، التي قيل إن هيلي وديلان ارتكبا فيها شيئًا مشينًا، قليلًا جدًا.
بعد تنسيق بعض الأمور الإضافية،
تبادلا توقيعهما على عقد الزواج.
عندها، أدار ديلان نظره إلى النافذة.
رأى ديانا تنزل من العربة برفقة كاليستو وتتقدم بخطوات واثقة نحو القصر.
“يبدو أن ضيفتك قد وصلت.”
رأت هيلي ديانا متأخرًا قليلًا، فسألت.
“أليست قادمة لمقابلتك، يا صاحب السمو؟“
“ديانا لا تأتي لرؤيتي أبدًا، إلا إذا استدعيتها.”
منذ أن كبرت، لم تأتِ ديانا لرؤية ديلان ولو لمرة واحدة من تلقاء نفسها.
‘لكنها ستأتي إلى جنازتي بالتأكيد.’
غرق ديلان في تأملاته، بينما هيلي مالت برأسها في حيرة.
‘ألم يكن ممكنًا أن تأتي لرؤيته؟ أنا كنت أزور فريكسوس كثيرًا… وهو أيضًا كان يزورني باستمرار. أه… ربما كنا قادرين على ذلك لأننا كنا نعيش في الجناح الجانبي؟ لو لم يجلب أبي إينو وبقيت عائلتنا متماسكة…’
مجرد أفكار لا طائل منها.
فأخ هيلي دُفن بالفعل في الأرض الباردة.
“هيلي!”
اخترق صوت ديانا أفكارها.
“ألم أقل؟“
رفع ديلان كتفيه وهو ينظر إلى هيلي،
مؤكدًا ثقته بأنها ليست قادمة من أجله.
اجتازت ديانا ديلان مباشرةً وتوجهت نحو هيلي قائلة دون مقدمات.
“أفكر في الذهاب إلى إليسيون. هل تودين مرافقتي؟“
“إليسيون… أليست تلك المنطقة التي ظهرت فيها الجرة التي ذكرتها النبوءة مؤخرًا؟“
‘تحت شجرة التفاح في معبد الطرف الغربي. من يعثر على قاع الجرة المدفونة هناك ويملأها بأكبر قدر من الماء، سيجلب المجد العظيم إلى تيلون.’
إليسيون، الواقعة في أقصى الغرب من تيلون.
عندما نزلت النبوءة، حمل كهنة إليسيون المعاول وذهبوا بأنفسهم إلى تحت شجرة التفاح. وهناك، كما ورد في النبوءة، عثروا على جرة مدفونة.
لكن المشكلة أن قاع تلك الجرة كان مثقوبًا بثقب كبير.
ومنذ ذلك الحين، بدأ الناس يبحثون عن قاع الجرة المفقود.
وكان من المتوقع أن ينضم ثيسيوس أيضًا إلى هذا البحث.
“نعم. ديلان سيعود إلى بلوتاروس بعد أسبوع، لذا لدينا وقت. أليس كذلك، ديلان؟“
أومأ ديلان برأسه. وعندما تأكدت هيلي من أن هناك وقتًا كافيًا، سألت ديانا.
“هل تنوين ملء الجرة بالماء بنفسك؟“
“إذا كنا سنملأها، فالأجدر أن نملأها بأكبر كمية ممكنة.”
لسبب ما، شعرت هيلي أن ديانا قادرة على تحقيق ذلك.
بل أيقنت أن ديانا ستنجح في ملء الجرة بأكبر كمية من الماء، وتجلب المجد لتيلون.
لكن كانت هناك عقبة منعتها من قبول الدعوة فورًا.
“أود الذهاب، ولكن… هل سأكون ذات فائدة لسموكِ؟ لقد تم حرماني من دخول المعبد ولا أستطيع حتى وطأ أرضه.”
“أنا لم أطلب مساعدتك. لم أعرض عليك المجيء لذلك السبب.”
“نعم؟“
إذًا، لماذا طلبت منها المرافقة؟
رمشت هيلي بدهشة، فأجابت ديانا بنبرة عادية.
“إليسيون تشتهر بالكركند اللذيذ. المأكولات البحرية هناك ممتازة. لن تجدي مثلها في بلوتاروس، لذا من الأفضل أن تستمتعي بها الآن.”
“آه…”
“سموها ستدفع الفاتورة.”
قالت كاليستو، التي دخلت خلف ديانا، وهي تهمس لهيلي.
بعبارة أخرى، كانت ديانا تعرض على هيلي المتعبة، التي عانت من النفي والتشهير، رحلة سياحية لتغيير الأجواء. وبما أنها ستذهب إلى إليسيون على أي حال، رأت أنه من الجيد أن تصطحب هيلي معها للاستجمام.
ووفقًا للمعلومات، فإن ثيسيوس سيغادر إلى إليسيون بعد أسبوع.
لذا كان على ديانا أن تسبقه، وتملأ الجرة قبل أن يفعل.
‘لا يمكنني تحمّل رؤيته ينجح.’
وجميع من كانوا في الغرفة فكروا في الأمر ذاته.
“هل تودين المجيء؟ كل ما عليك فعله هو الاستمتاع بهواء إليسيون ومأكولاتها.”
“موافقه. لكن عليكِ أن تحميني من الحجارة التي قد تُرمى عليّ. شعبيتي في الحضيض بسبب الفضائح.”
“ومن سيجرؤ على رميك بالحجارة وأنت معي؟ وحتى لو رُميت، فإن كاليستو ستتصدى لها جميعًا.”
“اتركي الأمر لي، آنسة هيلي!”
قالت كاليستو وهي يتضرب صدرها بقوة.
لم يكن لدى هيلي ما يشغلها حاليًا،
فوافقت بسعادة على اقتراح ديانا.
كما أن اتصالات الماركيز المتكررة للقاء بها كانت قد بدأت تثير أعصابها أيضًا.
قال ديلان، الذي كان يُصغي إلى حديث الاثنتين.
“عندما تعودين، أحضري لي مخلب كركند كتذكار فقط–”
“ما الذي تهذي به.”
“سيجذب الذباب.”
وهكذا، في مساء ذلك اليوم، غادرت ديانا وكاليستو وهيلي إلى إليسيون الواقعة غرباً.
أما ديلان، الذي بقي في العاصمة، فقد ناقش جدول الأعمال مع فرسان فلوتاروس، ثم عاد إلى حجرته ليقرأ موسوعة النباتات.
***
هيلي، وقد نُبذت من المعبد، لم يكن يُسمح لها بدخوله.
لذا، أوكلت ديانا إلى كاليستو مهمة مرافقتها وحمايتها.
“إذاً، سنذهب لتذوق شيء لذيذ في الجوار!”
استغلت كاليستو الفرصة لتفرغ جيب ديانا بحماسة.
وبعد أن ودّعا ديانا التي دخلت المعبد مع أحد الفرسان،
خرجا يتجولان في السوق القريب.
المكان الذي اصطحبت كاليستو هيلي إليه كان أحد محال الشواء الصغيرة.
“في المرة السابقة، تناولت مع سموّها سيخ أخطبوط من هنا، وكان لذيذاً جداً. أعتقد أننا أكلنا ما يعادل سبعة أخطبوطات معاً.”
ثم تنهدت كاليستو قائلة إنها شعرت أن فكها لم يعد يعمل جيداً منذ ذلك الحين، ومع ذلك واصلت مضغ الأخطبوط بحماس، ووضعت سيخاً آخر في يد هيلي.
هيلي، التي كانت تستمع، بدأت تمضغ الأخطبوط بتردد.
وما إن لاحظت كاليستو ذلك، حتى بادرت بطرح فكرة مثيرة.
“هيلي، ما رأيك برهان صغير؟“
“أي نوع من الرهانات؟“
“حول موعد نجاح سموّها في مهمتها.”
لم يفكر أبداً باحتمال الفشل.
فكاليستو أيضاً كانت واثقة بأن ديانا ستكون صاحبة النبوءة.
“حسناً، لا بأس.”
وما إن وافقت، قالت كاليستو.
“أنا أراهن بخمس قطع ذهبية على أنها ستنجح اليوم.”
“إذاً، سأراهن بخمس قطع ذهبية على أنها ستنجح غداً.”
وبهذا بدأ رهانٌ لا تعرف عنه ديانا شيئاً.
***
كانت قاعة الانتظار في معبد إليسيون أكثر بساطة من تلك الموجودة في العاصمة. وربما لهذا السبب بدت أكثر ترتيباً ونظافة.
في منتصف القاعة، وُضِع الجرّة التي ورد ذكرها في النبوءة.
ركّزت ديانا نظرها عليها.
جرة زرقاء باهتة، تبدو قديمة جداً حتى من النظرة الأولى.
وفي قاعها، كان هناك ثقب كبير.
‘قالت النبوءة أن نبحث عن قاع هذه الجرة.’
بعد أن تحقق بعض الناس من شكل الجرة، اصبحوا يبحثون عن باقي الأجزاء في أنحاء المعبد. بل إن بعضهم جلبوا المجارف ليحفروا عند الشجرة التي عُثر فيها على الجرة.
والسبب في هذه الفوضى التي أحاطت بالمعبد هو الجزء الذي ورد في النبوءة.
‘ابحث عن قاع الجرة المدفونة تحت شجرة التفاح–’
وهذا ما جعلهم يعتقدون أن قاع الجرة مدفون أيضاً مع الجرة تحت تلك الشجرة.
وبعيداً عن تأويل النبوءة، فبما أن الجرة وُجدت هناك،
فمن المنطقي أن تكون القطعة الناقصة في الجوار أيضاً.
لذلك، بدا الجو داخل المعبد فوضوياً للغاية.
أحد الكهنة المكلفين بمرافقة ديانا قال متردداً وهو يراقب تعابير وجهها.
“هل تريدين أن نُبعد الناس، سموّ الأميرة؟“
“لا داعي لذلك.”
وقفت ديانا تراقب الكهنة وهم يحفرون تحت الشجرة.
في الحقيقة، كانت تراقب الأرض. وتساءلت في نفسها. من أي مادة صُنعت هذه الجرة؟ وبعد قليل، ارتسمت ابتسامة على شفتيها.
‘أعتقد أنني وجدت القاع.’
وفي اللحظة ذاتها، خطر ببالها أيضاً كيف يمكنها ملء الجرة بأكبر كمية من الماء.
أشارت إلى أحد الكهنة وقالت.
“في الزقاق هناك، حيث تُباع أسياخ الأخطبوط، ستجد فارستي. بلّغها أن تجمع أكبر عدد ممكن من الناس.”
كان على ديانا أن تُري أكبر عدد ممكن من الناس لحظة قيامها بملء الجرة. فكلما زاد عدد الشهود، انتشرت الأنباء أسرع.
“المعذرة؟“
“وقل لها أيضاً إنني أعتقد أنني وجدت قاع الجرة، وكذلك طريقة لملئها.”
“هل تقصدين أنكِ عثرتِ على قطعة القاع؟“
“نعم. لذا، اطلب من الجميع أن يتوقفوا عن الحفر.”
قالت ديانا بهدوء وثقة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 19"