استمتعوا
عندما كانت هيلّي تتناول العشاء في منزل عائلة الماركيز،
كانت ديانا وديلان أيضًا يتناولان العشاء في قصر الإمبراطور بعدما تلقّيا دعوة منه.
ورغم أنهما كانا يتبادلان الحديث بقدر من اللباقة،
إلا أن الإمبراطور فجأة نظر إلى ديانا وقال.
“الآن وقد تذكّرت، ولي عهد مملكة جوريم يبحث عن امرأة ليتزوّجها.”
تجمّدت ملامح ديلان، بينما ارتسمت ابتسامة على وجه ديانا،
غير أن طرف تلك الابتسامة كان ملتويًا بخفة.
‘وليس أميرًا فحسب، بل ولي العهد؟ هل ينوي طردي إلى جوريم؟‘
للابن الجديد الجميل، يريد أن يمنحه أجنحة بالزواج من القديسة، أما الابنة العاقة، فيريد أن يبعدها بعيدًا.
كان هدف الإمبراطور واضحًا وبشكل مثير للضحك.
‘لقد وقع في غرام ابنه الجديد تمامًا.’
تبادلت ديانا وديلان نظرات بينهما،
وقد راودهما شعور بالرغبة في مضايقة الإمبراطور.
وكانت ديانا هي من بادرت بالرد أولًا.
“أحقًا؟ أتمنى أن يجد امرأة تليق به.”
“وأنا أيضًا أؤيد زواج ولي العهد.”
“……”
لم يكن هذا هو الرد الذي كان ينتظره الإمبراطور.
وبعد أن تخلّص بالكاد من حرج الموقف،
تخلّى عن التلميح وطرح سؤاله مباشرة على ديانا.
“وأنتِ، ما رأيك؟ ولي عهد جوريم شاب ممتاز.”
“آه، صحيح! سمعت أنه بارع جدًا في الرماية.
ألا ترين أن تقابليه مرة واحدة على الأقل، ديانا؟“
أضاف ديلان تعليقًا، فأمالت ديانا رأسها قليلًا.
“حقًا؟ وماذا عن مظهره؟ هذا هو الأهم.”
“يقال إنه وسيم للغاية.”
ردّ الإمبراطور على الفور قبل أن ينطق ديلان،
وعندما أظهرت ديانا اهتمامًا،
أمر الإمبراطور كبير الخدم بإحضار صورة ولي العهد على الفور.
وهكذا، عُرضت صورة ولي عهد مملكة جوريم على مائدة العشاء.
أوريون، ولي العهد.
تأملت ديانا صورة أوريون بنظرات تشبه تقييم سلعة.
“هممم…”
وبعد لحظة من التردد، قالت للإمبراطور.
“سأقابله.”
“حقًا؟“
“نعم. ما رأيك بدعوة ولي العهد إلى الإمبراطورية وتنظيم مسابقة صيد؟“
وكان الإمبراطور على وشك أن يوافق بفرح،
لكن ديانا أكملت حديثها.
“أخشى فقط أن أخلط بينه وبين الطرائد وأصيبُه بسهمي.”
“……”
“لكن، إن لم يكن لديك مانع طبعًا.”
ابتسمت ديانا على اتساعها،
وهي تعلن مسبقًا عن نيتها في القتل.
سيموت أوريون.
ففي حال بدأت مسابقة الصيد، ستصوب ديانا سهمها نحو أوريون الواقف في أعماق الغابة كأنه نقطة في البعيد.
ثم ستقول إنها ظنّته وحشًا عن طريق الخطأ.
ولكن، لا يمكن أن يكون ذلك مجرد خطأ.
منذ سن الخامسة عشرة، لم تُخطئ ديانا أبدًا في أي صيد.
فإذا أطلقت ديانا سهمها على إنسان بحجة الخطأ،
فإنما سيكون صيدًا آخر متنكرًا في هيئة خطأ وسوء تقدير.
تبادلت ديانا و ديلان الضحكات وهما جالسان وجهًا لوجه.
ثم نظرت ديانا إلى الساعة بنظرة مبالغ فيها وقالت بنبرة مبالغ فيها.
“يا إلهي، لدي موعد آخر. يجب أن أذهب.”
“مع من الموعد حتى تغادري بهذه العجلة؟“
“مع ديلان. ذلك الشقي يغضب بشدة إن تأخرت.”
‘أنا هنا، فكيف أصبحت لدي موعد؟‘
تفاجأ ديلان من الموعد المفاجئ،
لكنه قرر أن يسير وفق ما أرادت ديانا.
فلو استمر هذا العشاء في مثل هذه الأجواء، فإن حتى صاحب أقوى معدة كان ليصاب بعسر هضم. وديلان لا يريد أن يعاني من ذلك. ولا يريد أن يُجرح أصبعه، ولا أن يتناول دواءً مريرًا.
وبعد مغادرة ديانا القصر، وقف ديلان أيضًا.
“سأذهب أيضًا، لدي موعد مع ديانا!”
وحين غادر الاثنان قصر الإمبراطور بمظهر مرح،
ضرب الإمبراطور الطاولة بقوة حتى صدر عنها صوت عالٍ.
“…هؤلاء الوقحون! التوأم يتآمران عليّ؟!”
لم يتمالك آيغيل نفسه من الغضب،
فرفع قبضته وضرب الطاولة مرة أخرى.
***
أن تكون أميرة، ثم ولية عهد، ثم إمبراطورة.
هذا كان حلم ديانا وهدفها.
أن تعتلي العرش بطريقة شرعية، وبكامل شرعيتها.
لكن العقبات بدأت تظهر،
وأصبح تحقيق هذا الحلم أكثر تعقيدًا مما توقعت.
فهل عليها الآن أن تتخلّى عن هذا الحلم؟
عادت ديانا إلى جناحها، وكانت تقبض يدها وتفكها تكرارًا.
بينما ديلان يراقبها بصمت، قال بقلق.
“أفهم شعورك، لكن ضرب والدنا الآن سيكون عملًا متهورًا وخطيرًا.”
“ما الذي تهذي به؟“
قبل لحظات، كان يتصرّف بانسجام تام،
والآن خرج عن السياق تمامًا.
عندما يتفق معها، يكون ممتازًا،
لكن حين يخطئ، فإنه يخطئ بشدّة.
“سمعت أن والدنا خصّص معلمًا لذلك الوغد ثيسيوس.”
“نعم، فعل ذلك.”
كان ثيسيوس قد عبّر عن رغبته في تعلّم الآداب فقط،
لكن الإمبراطور لم يكتفِ بذلك.
فقد استدعى كايرون، المعلم الذي علم التوأم،
ليُدرّس ثيسيوس مجموعة من المواد.
غير أن الإمبراطور غفل عن أمر واحد.
العلاقة بين كايرون والتوأم كانت أوثق بكثير مما يتصوّر.
فما إن صدر الأمر بتعليم ثيسيوس،
حتى أبلغ كايرون ديانا بذلك وطلب رأيها.
ولفحص مستوى ثيسيوس، وافقت ديانا بسهولة.
ثم أمرته.
علّمه بخفة، لكن لا تُظهر ذلك بشكل فاضح.
“المعلم قال إن ذلك الفتى يستوعب المعلومات بسرعة ويُجيد تطبيقها.”
اختفت الابتسامة من وجه ديانا.
“وكأنه يتعلم شيئًا سبق له أن درسه.”
فالطريقة التي يتفاعل بها المرء مع شيء يدرسه لأول مرة تختلف عن المرة الثانية. ومهما حاول أن يخفي الأمر، ستظهر الفروقات.
وفي إحدى الحصص، ارتكب ثيسيوس خطأ باستخدامه معلومات كان من الواضح أنه تعلّمها من قبل. وكايرون، الذي درّس عددًا لا يُحصى من الطلاب، لاحظ ذلك فورًا.
“من الواضح أنه تلقى الدعم والمساندة من أحدهم.”
كان ثيسيوس تحت حماية أحدهم.
وربما هذا الشخص هو من أخفاه ليجعله ورقة رابحة في المستقبل.
فمنذ أن تعرّضت والدته للقتل على يد لص،
في عمر الثانية عشرة، أصبح ماضيه غامضًا.
“تحقّقنا من أن الميتم الذي عملت فيه الراقصة كان في مقاطعة بارون كوتيا. من المحتمل وجود علاقة بين البارون وثيسيوس.”
“عائلة البارون كوتيا…”
ظهر في ذهن ديلان اسم واحد.
‘إينو كوتيا.’
فـ إينو، العشيقة السابقة لماركيز ترافيا،
كان خالها هو بارون كوتيا.
“وهكذا، فإن الرابط بين البارون وثيسيوس قد يمتد إلى عائلة ماركيز ترافيا.”
“بالضبط. ومن خلال تدبير ما، جعلوا ثيسيوس يظهر أمام الإمبراطور على أنه بطل. وقد زاد من حماسهم صدور نبوءة تنادي بزواج الإمبراطورية من القديسة. تخيّل كم كان الماركيز مبتهجًا.”
لكن يبقى هناك سؤال محيّر.
كيف لم يكن الإمبراطور يعلم بوجود ثيسيوس؟
‘هل تعمّد الماركيز إخفاء الأمر؟‘
الذهول الذي أبداه الإمبراطور حين علم بهوية ثيسيوس في الحفل لم يكن تمثيلًا أبدًا.
وبينما كانت ديانا غارقة في التفكير، دخلت كاليستو من الباب.
“صاحبة السمو، لقد التقيتُ مؤخرًا بكاميلا وريا،
ويبدو أن الأمير الثاني اقترب من القديسة.”
كان غاضبًا، مدعيًا أن الأمير أراد إركابها الحصان فقط ليلفت أنظارها.
“وماذا حدث؟“
“القديسة كانت تشتمه بعينيها، ويبدو أنها طلبت من الصيادين مساعدتها على الركوب.”
سمع ديلان ذلك فشعر بالتوتر، لكنه سرعان ما شعر بالارتياح.
فقد عضّ شفته السفلى حين علم أن ثيسيوس حاول اخذ هيلي،
لكنه تنفّس الصعداء حين علم أنها ذهبت بمساعدة الصيادين.
وما إن انتهت كاليستو من كلامها،
حتى وقف ديلان وأمسك بمقبض الباب.
“إلى أين أنت ذاهب؟“
“عليّ أن أرى القديسة.”
ردّ ديلان وكأن الأمر طبيعي جدًا، فرفعت ديانا حاجبها باستغراب.
“لكنني لا أذكر أن لكما موعدًا اليوم؟“
“……آه.”
توقف ديلان في مكانه، وخفّت قوّته عن مقبض الباب.
‘ما هذا الذي كنت على وشك فعله؟‘
كاد أن يذهب إلى غرفة الصلاة دون موعد.
فقط لأنه شعر بأنها قد تكون بانتظاره هناك.
تذكّر وجه هيلي حين كانت مختبئة تحت الطاولة، تنتظره بصمت.
‘…حتى إن لم يكن هناك موعد.’
ربما بسبب ما حدث اليوم مع ثيسيوس،
ستشعر بالقلق وتنتظره أيضًا في غرفة الصلاة.
شدّ قبضته على المقبض.
“على أي حال، من يدري.”
“……”
تحدّق ديانا وكاليستو في ظهر ديلان بنظرات حادة.
“…أقولها منذ فترة، لكنني حقًا لا أكنّ أي مشاعر خاصة للقديسة!”
قالها ديلان بتوسّل، متأثرًا بنظراتهم الحارقة.
“ديلان.”
“نعم…؟“
استدار بحذر نحو الصوت المنخفض الذي ناداه.
خشي أن تطير نحوه وسادة من حيث لا يدري.
ثم سمع صوت ديانا مجددًا.
“أنا لم أقل شيئًا بعد.”
“……!”
كانت جالسة على الأريكة، وقد شبكت ساقيها،
ورفعت كتفيها بخفة. خجل ديلان فجأة، فخفض رأسه.
“…سأعود لاحقًا.”
“لا داعي للعودة، فقط اذهب.”
“ذاهب! ذاهب!”
بوووم!
أغلق ديلان الباب بعنف.
وبعد لحظات، جاء صوته من الخارج.
“…إنه فقط الهواء!”
“هاه…”
فكّرت ديانا أنها تتمنى فقط لو يختفي عن ناظرها بسرعة.
***
وهكذا، دخل ديلان إلى غرفة الصلاة بهدوء، ونظر حوله.
لكن على عكس توقعاته، كانت الغرفة فارغة تمامًا.
حتى أنه تفحّص أسفل الطاولة، لكن هيلي لم تكن هناك.
‘ليست هنا.’
المجيء إلى هذا المكان كان تصرّفًا اندفاعيًا.
‘تمامًا كما حدث في ذلك اليوم.’
اليوم الذي شهد مراسم مباركة ثيسيوس، حين مدّ يده إلى القديسة الواقفة على الدرج — كان ذلك بدوره فعلًا اندفاعيًا للغاية.
لما رآها تقف أعلى الدرج، ووجهها كأنها تنظر إلى هاوية مخيفة، بدا وجهها في غاية الخطورة، حتى أن ديلان، وعلى غير عادته، صعد الدرج واقترب منها، مادًّا يده نحوها.
كان ديلان جالسًا على المقعد،
وقد أغمض عينيه وهو يسترجع ذلك اليوم.
ككيييك—
عند سماعه صوت باب قاعة الصلاة القديمة وهو يُفتح،
توترت حواسه بأكملها.
خطوات خفيفة ومبهمة أخذت تقترب شيئًا فشيئًا،
حتى توقفت تمامًا.
‘إنها القديسة.’
ومع تنفسها المرتجف، أدرك ديلان، بدافع الحدس،
أن صاحبة الخطوات هي هيلي.
وبحكم عادته القديمة، بدأ يفرك يديه ببعضهما،
ولم يشعر بالدفء فيهما إلا بعد قليل.
نهض ديلان من مكانه واستدار ليواجه هيلي.
وما إن أبصر وجهها، حتى نسي للحظة كيف يتنفس.
‘مرة أخرى… ذلك التعبير.’
كان على وجه هيلّي نفس التعبير الذي رأى به وجهها يوم وقفت أعلى الدرج. لكنها، لأنها لا ترى وجهها، لم تكن تعلم كم بدا وجهها هشًّا وخطيرًا.
وحين رأى ديلان ذلك الوجه مرة أخرى، اجتاحه نفس الاندفاع الذي شعر به حين صعد الدرج فجأة.
“يبدو أن علينا تقديم الخطة.”
“هذا ما كنت أتمناه.”
قالها وهو واقف أمامها بهدوء، فأومأت هيلي برأسها.
“أما عن التوقيت…”
تردد ديلان قليلًا، لأن ما قاله قبل لحظة كان وليد لحظة اندفاع، فأكملت هيلّي عبارته عوضًا عنه.
“ما رأيك أن يكون الآن فورًا؟“
“هذا ما كنت أريده.”
وما إن أنهى ديلان كلامه، حتى أمسكت هيلّي بأكمام ردائه، وجذبته نحو قاعة الانتظار الخلفية.
وبينما شدّته إليها بيدها، استجاب ديلان بسلاسة، مسلِّمًا لها معصمه، ثم تبعها طائعًا، كما لو أنه سلّمها زمام جسده بأكمله.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 16"