استمتعوا
في ذلك العصر، أعلن المعبد عن نبوئتين جديدتين نزلتا للتو.
غربت الشمس، ومرّ الزمن، حتى بزغ فجر يوم جديد.
وطئت قدما ديلان أرض المعبد.
على خلاف المرة السابقة، كانت الزيارة هذه المرة رسمية.
إلا أن لقاءه مع هيلي لم يكن مدرجًا ضمن الجدول الرسمي،
لذلك ابعد ديلان الكهنة الذين كانوا يرافقونه بحجة رغبته في الصلاة منفردًا، ودخل إلى غرفة السجل المعروفة بأنها خالية.
تاركًا حرّاسه أمام الباب.
خطا ديلان خطوات متعمدة تُصدر صوتًا كي يعلن عن وجوده،
ثم سعل بخفة.
“همم، أيتها القديسة؟“
“آه، لقد جئت سمو الأمير.”
أخرجت هيلي رأسها كالسلحفاة من تحت الطاولة،
كما فعلت المرة الماضية، ثم زحفت خارجًا.
“لن يأتي أحد خلال الساعة القادمة.
وحتى لو أتى أحد، فحرّاسي يقفون عند المدخل، فلا داعي للقلق.”
عند سماع ذلك، جلست هيلي براحة على طرف الطاولة.
كانت متعبة من الاستيقاظ في الفجر، فشدّت جفونها حتى لا تغفو.
جلس ديلان على الكرسي المقابل للطاولة، وبدأ بالكلام أولاً.
“يبدو أن المعبد فسّر الوصايا الجديدة على أنها إشارة إلى زواجك من أحد أفراد العائلة الإمبراطورية. والاحتمال كبير أن يكون ذلك صحيحًا.”
“أحقًا؟“
“زواجي بك سيكون وسيلة تسمح لك بمغادرة المعبد. صحيح أن جلالته يفضل زواجك من الأمير الثاني، لكنني أيضًا من الأسرة الإمبراطورية. وإذا تزوجتني، يمكنك مغادرة الشمال بسهولة.”
توقف ديلان عن الكلام لحظة ونظر إلى هيلي، ثم تابع.
“لكن هذه الطريقة لا تُلبّي رغبتك الأساسية في أن تُنبذي من المعبد.”
الخطة التي طرحها ديلان كانت تقضي بزواج هيلي من دوق الأكبر وهي لا تزال قديسة تابعة للمعبد.
لكن هيلي لم تعد ترغب بالبقاء كقديسة، لذا كانت تأمل في الطرد.
وكان زواجها من ديلان ضروريًا بعد طردها من المعبد لتفادي تدخل الماركيز.
“حتى وإن طُردت من المعبد،
فإن حقيقة أنني نلت نعمة الحاكمة لن تتغير.”
لذا، لم يكن من مشكلة حقيقية في تنفيذ وصايا الحاكمة بعد الطرد.
“لهذا، بعد التشاور مع أختي،
فكرت بطريقة يمكن بها طردك من المعبد.”
“إذاً اصبح لدينا خطتان. فأنا أيضًا فكرت بخطة.”
قالت هيلي وهي تبتسم، ممددة إصبعيها.
وفكر ديلان أن ابتسامتها كانت هادئة مثل الفجر.
لكن تلك الابتسامة كانت تحمل في نهايتها خوفًا من قدوم الصباح الكامل. لأنها كانت تخشى المستقبل المجهول.
رفع ديلان يده مشيرًا إليها أن تتكلم أولاً.
“الفكرة التي فكرت بها هي—”
وبصوت هادئ تشرح طريقة جريئة، احمر وجه ديلان.
وبعد انتهائها من الشرح،
تظاهر بتعديل صوته ليتغلب على شعوره بالإحراج.
“… إذًا لدينا خطة واحدة فقط.”
“ماذا؟“
“لأن فكرتك هي نفس فكرتنا.”
“آه…”
— يُطرد الكاهن الذي يُقيم علاقة جنسية من المعبد.
في الليلة السابقة، حينما قرأت هيلي هذه القاعدة…
‘إذن يكفي أن أُمسك يده وأنام بجانبه في المعبد.’
هكذا فكّرت.
لم يكن لدى ديلان ما يخسره في شيء كهذا،
فهو يملك كل شيء أصلًا، وهيلي لم يكن لديها ما تخسره أيضًا.
لذا، قررت هيلي و ديلان خرق المحرمات المعبدية بشكل فعّال.
فسألت هيلي بينما يضعان الخطة.
“لكن، هل ستكون بخير؟“
“ماذا تقصدين؟“
“بما أننا ننفذ إرادة الحاكم من أجل سلام تيلون،
فلن نستطيع الطلاق لاحقًا.”
“لا يهم. لطالما قررت أن أتزوج من شخص يمكنه أن يُفيد ديانا.”
ولهذا السبب، استطاع اقتراح زواج عقدي بسهولة في السابق.
وليس لأنه كان يعتقد أنه عريس مغرٍ يمكنه الزواج مجددًا متى شاء، بل لأن ديلان كان يرى نفسه عبئًا لا نفع فيه.
بعد أن أنهت هيلي حساباتها، أومأت برأسها.
“حقًا، سيكون في هذا فائدة لي.
ليس فقط لسمو الأميرة ديانا، بل للدوق أيضًا.”
زواج هيلي و ديلان سيكبح جماح ثيسيوس، وقوة هيلي الروحية ستساعد في القضاء على وحوش بلوتاروس .
وكذلك تنقذ ديلان من الموت.
لذا، من المؤكد أن هذا الزواج لن يكون خسارة لـ ديلان.
“نعم. ولهذا، سأبذل قصارى جهدي لأجعل من وجودي فائدة لكِ أيضًا.”
وكذلك، هذا الزواج لن يكون خسارة لـ هيلي أيضًا.
***
بعد عدة أيام، استدعى البابا إكزافير هيلي على انفراد.
وبينما كان يجلس بهدوء على الأريكة داخل مكتبه، قال لها.
“الآنسة هيلي، اليوم عليك زيارة قصر الماركيز.”
“… هل تقصد منزلي الأصلي؟“
“نعم. يبدو أن الماركيز يشتاق لرؤية ابنته.”
أومأت هيلي برأسها، وهي تدرك أن الزيارة تحت ذريعة الشوق، لكنها في الحقيقة متعلقة بالنبوئة الجديدة.
“من المفترض أن تُرسل عربة من قصر الماركيز في تمام الساعة الخامسة. بالمناسبة، في طريقك، أود منك المرور بالمطبعة والتأكد من الأوراق التي وكلت بها. وقد استأذنت الماركيز مسبقًا بذلك.”
“هل يعني هذا أنني أصبحت مكلفة بالأعمال الصغيرة أيضًا؟“
“آنسة هيلي…”
وبعد توسلات البابا المؤثرة، أومأت هيلي على مضض.
***
في ذلك العصر، زارت هيلي المطبعة كما طلب البابا.
وبعد أن تفقدت حالة الوثائق،
قيل لها إنها ستكون جاهزة بحلول المساء.
فقررت أن تذهب لقصر الماركيز أولًا ثم تعود لأخذها لاحقًا.
وبينما كانت تغادر المطبعة…
“… ما هذا؟ أين ذهبت؟“
اختفت عربة قصر الماركيز.
كان الأمر غير معقول.
تحدث أحد حرّاس المعبد الذين رافقوا هيلي.
“أم… يبدو أنهم تركونا ورحلوا.”
“هل يُعقل ذلك؟“
لا يمكن أن يكون السائق قد جن ليفعل هذا عمدًا.
فالعربة ليست من المعبد بل من قصر الماركيز،
ولا يُعقل أن تترك هيلي في مكان آخر دون سبب.
وبما أن الحارس دخل معها إلى المطبعة،
فلا يمكن أن يكون هو من صرف العربة.
لكن تصرفه البارد يدل على علمه المُسبق بما حدث.
‘ما الذي يمكن أن يستفيده أحد من منعي من ركوب العربة؟‘
ما النتيجة؟ التأخر عن الموعد فقط؟
ولو كان هناك رغبة في تأخيرها، لكان بالإمكان تأجيل الموعد ببساطة أو جعلها تنتظر في قاعة الاستقبال.
‘ما الغرض من هذا كله؟‘
لم يكن الحارس الذي بجانبها شخصًا يُفصح بسهولة،
خصوصًا أنه كان من المتعصبين للبابا اليوم.
كظمت هيلي غضبها وحركت إصبعها.
“اذهب، واستأجر عربة أو حتى حصان من مكان قريب.”
“لا يوجد مكان مناسب حولنا.”
“إذن، اذهب للمعبد وأحضر واحدة.”
“لا يمكنني ترك القديسة وحدها.”
“… لا يمكنك استئجار عربة، ولا تركي وحدي؟
إذن أرسل شخصًا آخر، أعطه بعض المال، واطلب منه الذهاب.”
“آسف، لا أملك مالًا الآن.”
ذلك اللعين لا يوجد، لا يوجد، لا يوجد…
تمتمت هيلي بشتيمه منخفضة، وأخرجت قطعة ذهبية من جيبها.
“أما أنا… فأملك.”
كلينغ—
وبمجرد أن نقرت بأصابعها، دارت القطعة الذهبية في الهواء، فأسرع الحارس بمد يده وأمسكها.
“أحضر عربة. سأنتظرك داخل المطبعة.”
لكن قبل أن تدخل، أمسك بها الحارس فجأة.
“آه، سيدتي القديسة. هناك شيء قادم من هناك!”
نظرت هيلي نحو الاتجاه الذي أشار إليه الحارس.
لكن القادمين لم يكونوا من قصر الماركيز ولا من المعبد.
من بعيد، اقترب شخصان على صهوة جواديهما.
وما إن اقتربا حتى توقّفا أمام هيلي.
رجل يضع على صدره الأيسر دبوسًا ذهبيًا على شكل كبش،
رمزًا لازدهار تيلّون، ومعه مرافقه.
تجمدت ملامح هيلي تدريجيًا.
“إنه سمو الأمير الثاني!”
صرخ أحد المارة بفرح، وما إن رأت هيلي وجه ثيسيوس حتى شعرت باليأس.
وما إذا كان يعلم ما في قلبها أم لا، ابتسم ثيسيوس بلطف.
“نلتقي مجددًا، أيتها القديسة.”
“تبًا…!”
“مم؟“
“… أُحيّي سمو الأمير الثاني.”
من فوق جواده، نظر ثيسيوس إلى هيلي والحارس، ثم سأل.
“هل من مشكلة هنا؟“
“لا، لا توجد مشكلة—”
فلتكمل طريقك إذًا، يا سمو الأمير.
كان هذا ما تنوي قوله، لكن فجأة!
“كنّا في طريقنا لقصر الماركيز بأمر من البابا،
لكن يبدو أن السائق ارتكب خطأ وترك القديسة هنا.”
ذلك الحارس المزعج، الذي لم يكن يعرف سوى قول ‘لا‘،
قاطع كلامها فجأة وتدخّل في الحديث.
‘ما خطبه هذا الأحمق؟‘
نظرت هيلي إليه بدهشة.
“هل اختفى السائق والعربة فجأة؟ هذا يضعنا في موقف صعب.”
لكن ثيسيوس لم ينزعج، بل تابع الحديث بسلاسة.
كأنه يتبع سيناريو مُعد مسبقًا.
‘هل يُعقل…؟‘
الكلمات التالية التي نطق بها ثيسيوس جعلت شكوك هيلي تتحول إلى يقين.
“ما رأيك أن تركبي معي؟ أنا في طريقي للبحث عن سيفي،
وإذا لم يكن لديك مانع، أوصلك إلى قصر الماركيز.”
كل هذا لم يكن صدفة.
بل كان سيناريو محكم التخطيط.
أتاس ترافيا، اللعين.
أبهذه الحيلة السخيفة تحاول الإيقاع بي؟
نظرت هيلي بسرعة حولها.
‘ما الأمر؟ لماذا ازداد عدد الناس؟‘
مع انتشار خبر وصول الأمير الثاني،
تجمّع المزيد من الناس لمراقبة الوضع.
وإذا استمر الأمر، سيزداد عدد المتفرجين أكثر.
وشعبية الأمير الثاني في أوجها حاليًا.
“لا داعي، أخشى أن تنتشر شائعات لا أساس لها.”
“تخافين من الشائعات… نعم، أمر مفهوم.”
ضحك ثيسيوس بصوت خافت، ثم نقر على ركبته بأصابعه.
“لكن رغم ذلك، أمسكتِ يد دوق هايدل جيدًا أمام الجميع.”
كلامه فضح غيرته الصبيانية المكبوتة.
ردّت هيلي دون تردد وكأن الأمر لا يعنيها.
“كان ذلك قبل انتشار وصايا الحاكمة بين الناس.
الوضع مختلف الآن.”
كليك، كليك.
توقفت أصابعه عن الطرق على ركبته.
نظر ثيسيوس إليها بنظرة باردة.
“هل لأنني لست ابن الإمبراطورة… تحتقرينني؟“
عيناه الزرقاوان، الموروثتان عن أمه الراقصة، تشبهان البِركة.
وفي أعماق تلك البركة،
كانت نار عقدة النقص تتوهج لا يطفئها حتى الماء البارد.
“إنك تسيء الظن كثيرًا.”
“أتمنى حقًا أن يكون ذلك مجرد سوء ظن مني.”
قال ذلك، لكن الحقيقة أن هيلي التي فقدت أخيها على يد عشيقة والدها، لم يكن لديها سبب لترحب بابن غير شرعي يتصرف بتعجرف.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 14"