استمتعوا
‘إن اتحاد كائن نال نعمة الحاكمة مع العائلة الإمبراطورية لتيلون سيقود تيلون إلى السلام.’
“شجرة التفاح في معبد أقصى الغرب.
من يجد قاع الجرّة المدفونة تحت تلك الشجرة،
ويملؤها بأكبر قدر من الماء، سيجلب أعظم مجد لتيلون.”
على غير العادة، كان محتوى الوحي هذه المرة يتكوّن من جزئين.
اهتزّت يد البابا التي كانت تمسك بالتراب.
وبدا أن بعض الكهنة الذين كانوا حاضرين قد سمعوا صوت الحاكمة أيضاً. ومع ذلك، لم يجرؤ أحد منهم على فتح فمه أولاً.
هيلّي أغلقت فمها بإحكام، وهي تراقب البابا بعناية.
ثم تظاهرت بعدم سماع شيء.
تمامًا كما فعلت طوال العام الماضي.
في المعبد نوعان من الكهنة. الكهنة في المعبد يُقسمون إلى قلة قليلة ممن يملكون قوة روحية تمكنهم من شفاء الناس من خلال التحكم في الطاقة الحيوية، وآخرين قادرين على سماع صوت الحاكمة دون الحاجة إلى استنشاق الغاز المقدس.
بعدما استعادت سمع أذنها اليمنى، بدأت تسمع الوحي عبرها. لكنها أخفت تلك الحقيقة عن الجميع.
فقط امتلاكها لقوة روحية تفوق الآخرين جعل حياتها مزعجة،
فلو علموا أنها قادرة على سماع صوت الحاكمة أيضاً،
فستزداد الأمور سوءًا بالتأكيد.
وبعد أن بقي البابا ممسكًا بالتراب لبعض الوقت، خفف قبضته، فانسلّ التراب الناعم بين أصابعه وعاد إلى موطنه.
ثم التفت البابا عن المذبح ونادى على هيلّي.
“آنسة هيلّي.”
“نعم، قداسة البابا.”
“لقد تأخر الوقت، فاذهبي لترتاحي الآن. غدًا هناك طقس مهم،
ولك دور جوهري فيه. من المهم أن تستريحي جيدًا.”
“يسعدني ذلك. إذن، سأذهب أولاً.”
ابتسمت هيلّي بخفة وانحنت برأسها.
نظر إليها بعض الكهنة بنظرات غريبة،
ربما بسبب الوحي الذي نزل للتو.
كانت الوحيدة التي عادت إلى مسكنها.
أما بقية الكهنة، فبقوا واقفين في أماكنهم دون حراك.
في طريق العودة،
حاولت هيلّي أن تفسّر الوحي على طريقتها الخاصة.
“كائن نال نعمة الحاكمة.”
بعدما وصفها البابا بذلك، أصبح هذا التعبير يُشير إليها.
‘يبدو أن البابا فسّر أن اتحادي مع العائلة الإمبراطورية سيقود تيلون إلى السلام.’
الكلمة المفتاحية ‘اتحاد‘ تعتمد على تفسير المعبد لها.
وربما الاحتمال الأكبر هو…
‘الزواج، بالتأكيد.’
لو كان لديهم ذرة من الضمير، فلن يكون المقصود هو الإمبراطور، بل ربما الزواج من الأمير الأول ديلان أو الأمير الثاني ثيسيوس.
‘تبًّا…! ليس فقط أنني لم أستطع الفرار من المعبد، بل يبدو أنني سأمضي حياتي عالقة بين المعبد والعائلة الإمبراطورية!’
عادت هيلّي إلى غرفتها، وكتبت ورقة قصيرة موجهة إلى ديلان، الذي سيزور المعبد غدًا برفقة الأمير الثاني.
***
في صباح اليوم الباكر،
بدأت مراسم مباركة الأمير الثاني لتيلون، ثيسيوس، بطل الأمة.
وكما يليق بشخص يحظى بحب الشعب،
امتلأ المعبد بالحشود القادمة لمشاهدة الطقس.
وسط هتاف الجميع، بدأ ثيسيوس يسير حافي القدمين على قماش أبيض مُزين بالزهور.
واصل السير فوق القماش الطويل، ثم صعد الدرجات.
وهكذا، وصل أمام البابا وهيلي، وركع على إحدى ركبتيه.
اختفت عينا البابا الذهبيتين وعينا هيلي الزرقاوين تحت الجفون، ثم ظهرتا مرارًا.
الهيبة النابعة من الدم الملكي أعطت انطباعًا وكأنه عاد إلى مكانه الطبيعي.
لكن، يبدو أن حياته في القصر لم تترسخ بعد،
إذ بقيت في ملامحه مسحة من البراءة.
“ليحلّ بركة حاكم الأرض وصوف الذهب على الأمير الثاني ثيسيوس رايدن تيلون.”
وعندما أنهى البابا صلاته الطويلة وكلماته المباركة، تسلمت هيلّي تاج الزهور من أحد الكهنة إلى جانبها، ووضعته على رأس ثيسيوس.
ثم بدأت ببطء بنفخ القوة الروحية فيه.
بدأت الزهور تتفتح من حيث لمستها يد هيلّي.
كان المنظر مذهلًا إلى درجة أن ثيسيوس بقي يحدّق في التاج دون أن يتنفس.
“والآن، قف واذهب إلى هناك.”
أفاق ثيسيوس لكلام البابا، ووقف أمام المذبح.
وبحسب تعليمات البابا، رفع كمّه وأمسك حفنة من التراب،
ثم بدأ يردد نص الطقس.
“أنا، ثيسيوس رايدن تيلون، أقسم أن أخدم مجد تيلون تحت بركة حاكم الأرض وصوف الذهب. سأتذكّر الأرض التي تطأها قدماي في كل لحظة، وسأتذكّر أنه ينبغي عليّ أن أنحني لأراها.
وسأحب الأرض التي نعيش ونخطو عليها نحن البشر.”
ومع أن الطقس كان مملًا، إلا أن هيلّي أدارت رأسها بفتور.
كان الكثيرون ينظرون إلى ثيسيوس من أسفل المنصة،
بعيون لامعة تناقض كليًا نظرة هيلي.
ثم وجّهت نظراتها إلى جهة معينة.
كان ديلان، الذي حضر بأمر الإمبراطور للمشاركة في طقس التبريك، واقفًا عند أحد أطراف الدرج.
رأته بعينيها الخاليتين من الحياة، ومع ذلك، دبت الحياة في عينيها للحظة قصيرة.
ذلك لأنها وجدت مخرجًا سيفيدها قريبًا.
ومع مرور الوقت، وصل الطقس إلى مرحلته النهائية.
بمجرد أن ينزل الأمير الثاني الدرج بأمان، ينتهي كل شيء.
ولكن، فجأة، مدّ ثيسيوس يده إلى هيلي قبل أن يبدأ في النزول.
“أعتذر حقًا… هل يمكنك مساعدتي؟ أشعر بأنني متوتر جدًا، وركبتاي ترتجفان. أخشى أن أنزلق على الدرج.”
قال ذلك مبتسمًا بإحراج،
وكأنه لم يتوقع وجود هذا العدد من الناس.
يمد يده ليطلب الإمساك بها؟
‘ما الذي يخطط له هذا الأحمق الآن؟‘
لكن رغم ما بداخلها، حافظت هيلّي على ابتسامة هادئة، وأشارت برأسها إلى اثنين من الفرسان المقدسين الواقفين قرب العمود.
كان واضحًا أنهما أكبر حجمًا وأقوى منها بكثير.
اقتربا منها.
“ما الأمر قديسة؟“
“سمو الأمير يخشى أن تنزلق قدماه بسبب ارتجافه،
فساعداه على النزول.”
“المعذرة؟ آه… حاضر! دعيه لنا!”
“سمو الأمير، سنمسك بيديك من الجانبين! ثق بنا!
سنبذل قصارى جهدنا لخدمتك حتى النهاية!”
مدّ الفارسان المقدسان، القويان ليس فقط جسديًا بل ذهنيًا أيضًا، يديهما إلى ثيسيوس من الجانبين.
بديا وكأنهما والدان يأخذان طفلًا في نزهة.
لم يكن ثيسيوس يتوقع هذا الموقف، فتجمّدت ملامحه من الصدمة.
“ما هذا بحق…؟“
“الفرسان المقدسون أكثر نفعًا مني بكثير، أليس كذلك؟“
“ها… هه…”
ضحكة مشوبة بالذهول.
لكن بين تلك الضحكة، التقطت هيلّي إحساسًا ما.
ذلك الإحساس كان…
‘إنه غاضب.’
ثيسيوس كان غاضبًا، بل غاضب جدًا.
غطى وجهه بيده، وهو يضحك، ثم أنزلها ببطء.
“شكرًا جزيلًا، قديسة.”
“لا داعي للشكر، سمو الأمير.”
“بفضلك، ضحكت كثيرًا، وذهب توتري. أشكر لطف الفرسان، لكني أظنني قادرًا الآن على النزول بمفردي.”
“كنت واثقة من أنك ستقول ذلك.”
رفع ثيسيوس يده بلطف، ودفع أيدي الفرسان جانبًا.
“يسعدني أنني كنت ذات فائدة.”
وضعت هيلّي يدها على صدرها وابتسمت،
وكأنها تقول بصدق إنها سعيدة لخدمته.
شعرت بنظرات البابا الحادة، لكنها تجاهلتها تمامًا.
وراقبت ثيسيوس وهو ينزل الدرج بثبات وثقة.
‘أليس هذا الرجل مجرد مهرج؟‘
الإمبراطور والبابا صديقان مقربان.
وبلا شك، أخبر المعبد الإمبراطور بالوحي الذي نزل الليلة الماضية أولًا.
والإمبراطور يحب ابنه الجديد، ثيسيوس، كثيرًا.
لذلك، الأمير الثاني ثيسيوس…
“إن اتحاد كائن نال نعمة الحاكمة مع العائلة الإمبراطورية لتيلون سيقود تيلون إلى السلام.”
علم بمحتوى الوحي الجديد، وحاول استغلاله بوقاحة أمام هيلّي.
‘إنهم حقًا ينوون تزويجي بالأمير الثاني.’
لو أمسكت بيده ونزلت الدرج أمام هذا الجمع الغفير، فستُلغى فكرة زواجها من ديلان نهائيًا، وتُجبر على الارتباط بثيسيوس.
ولو تزوجت هيلّي بالأمير الثاني، فستكون قد تزوجت بصفتها قديسة، وبالتالي لن تستطيع الاستقالة من منصبها أبدًا.
‘قالوا إن قوة الأمير الثاني سيُقضى عليها بواسطة الأميرة الأولى.’
لو تزوجت هيلّي به، فستُعتبر من أتباعه أيضًا.
أي أن ثيسيوس حبل مهترئ،
ونجاتها تعتمد على الإمساك بيد الأميرة الأولى.
شعرت بالاختناق.
أرادت أن تصدق أن هناك مخرجًا، لكن الطريق كان مظلمًا جدًا.
رأت أمامها درجًا شاهقًا.
تذكّرت فريكسوس، الذي سقط من الدرج ومات.
أرادت أن تسقط كما رأت في حلمها، وتنهي كل شيء.
بدأ العرق البارد يتصبب منها، لكنها لم تلاحظ.
بل بدأت تركّز على شيء آخر، خارج نفسها.
‘…مهلا، أليس هذا خطرًا؟‘
ما فعله ثيسيوس اليوم يمكن تفسيره على أنه إظهار لطموحه نحو العرش.
‘هل الأميرة الأولى على علم بهذا الوضع؟‘
يجب أن تتحدث مع الدوق والأميرة الأولى لتتأكد.
وصلت أطراف أصابعها المرتجفة إلى الورقة داخل كمّها.
كتبت فيها الليلة الماضية محتوى الوحي،
ومكان اللقاء، ووقته، تحسّبًا لأي طارئ.
‘المشكلة هي… كيف أوصلها.’
نظرت هيلّي إلى ديلان.
وعلى عكس المرة السابقة، التقت أعينهما هذه المرة.
عندما رأى تعبير وجهها، تذبذبت نظرات ديلان.
وبعدما نزل ثيسيوس الدرج، همّت هيلّي بالنزول، لكن…
“هاه؟“
“سمو الدوق…؟“
رجل كالغُراب في زيه الأسود،
بدأ يصعد الدرج المُزيّن بالزهور البيضاء.
كان يفرك يديه الباردتين واليابستين كما اعتاد دومًا.
وقف ديلان أمام هيلّي، ومدّ يده وقال:
“يبدو أن الدرج مُغطى بالزهور المتناثرة.”
أدهشتها تصرفات ديلان غير المتوقعة،
ولم تقل شيئًا سوى أن رمشت بعينيها.
‘لماذا يتصرف هكذا فجأة…؟‘
لكن سرعان ما وجدت الجواب.
‘هل من الممكن أنه سمع هو الآخر بالوحي الليلة الماضية؟‘
إن كان كذلك، فهذا…
‘خطوة أولى نحو عرض زواج!’
تمامًا كما فعل ثيسيوس قبل قليل،
مدّ ديلان يده علنًا ليُظهر للناس شيئًا.
“إذن، أرجو أن ترافقني للنزول.”
بهذا الاستنتاج، أمسكت هيلّي بيده، ودسّت الورقة في كمّه بلطف.
عندما تسللت أصابعها داخل كمّه، ارتجف ديلان فجأة.
وبينما كانا ينزلان الدرج سويًا، قالت هيلّي بصوت خافت.
“يبدو أنك سمعت عن الوحي.”
“مؤسف، لكن لم يبلغني شيء بعد.”
كانت فقط ديانا من سمعت بالوحي حتى الآن،
لذا هزّ ديلان رأسه نافيًا.
‘لم يسمع به بعد؟‘
في لحظة قصيرة، ظهرت شقوق في الابتسامة التي كانت ترسمها هيلّي أمام الجمهور.
“إذن، لماذا مددت يدك لي؟“
“عندما تلاقت نظراتنا…”
واصل صوته الهادئ أثناء نزولهما.
“بدا على وجهك التوتر والخطر، فأقلقني ذلك.
مددت يدي لأني لم أرغب أن تسقطي.”
…هل كانت هذه الدرجات بهذا القُصر؟
كانت تبدو عالية حتى الدوار،
لكن هاهو قدم هيلّي يطأ أرض أسفل الدرج.
وحين أفرجت عن يدها، انفصلت الأيادي المتشابكة.
التقطت زهرة صفراء سقطت على الأرض.
وبما أن الزهرة ذبلت من طول مدة الطقس، نفخت فيها الحياة بقوتها الروحية وأعطتها لديلان.
“شكرًا لك، سمو الأمير. بفضلك لم أسقط.”
“…آه.”
هل لأنها لم تكن هدية متوقعة؟ رمش ديلان مرتين ببلاهة.
لكن سرعان ما ابتسم ابتسامة مشرقة وهو يستلم الزهرة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 13"