1
استمتعوا
كانت ليلةٌ يبتلع فيها صوت المطر كل أصوات العالم.
مطرٌ بهذه الغزارة،
لن تصل معه صرخات استغاثة أحدهم اليائسة حتى إلى السماء.
وكأنما يضيف نكهةً إلى رتابة صوت المطر،
ضرب رعدٌ مدوٍّ يهز الأرجاء.
كانت هيلي تتكئ على إطار النافذة،
محدقةً في الخارج بنظرةٍ شاردة. انكشف بين جفنيها عينان زرقاوان كانتا مختبئتين، فنظرتا إلى العالم.
تساقطت قطرات ماءٍ لم تجف بعد على شعرها الفضي الذي يشبه خيوط المطر.
في تلك اللحظة، بينما كانت عيناها مسلوبةً بقطرات المطر المتدفقة على زجاج النافذة،
نوك نوك نوك!
دوّى صوت طرقٍ صاخب على الباب،
واقتحم أخوها فريكسوس غرفتها كمن يفر من خطرٍ وشيك.
“هيـ، هيلي! هناك شيء في غرفتي!”
“ماذا؟”
صرخ فريكسوس، الذي اندفع إلى الغرفة،
بوجهٍ شاحبٍ كلون شعره الأبيض.
“هناك حشرة في غرفتي! أعتقد أنها تسللت تحت السرير!”
على عكس نظرة الازدراء في عينيها، سألت هيلي بصوتٍ رقيق:
“فريكسوس كم عمرك الآن؟”
“…هيه.”
“أليس عمرنا الواحد والعشرين سواءً؟”
بل إن هذا الأحمق أكبر منها بدقيقتين.
أليس كبيرًا بما يكفي ليترك التشبث بثوب أخته التوأم بسبب شيءٍ تحت السرير؟
شعر فريكسوس بجرح كبريائه، فغطى وجهه بيديه.
“الأشياء ذات الأرجل الكثيرة مقززة…”
هيلي وفريكسوس، التوأمان من عائلة الماركيز ترافيا.
على الرغم من هيبة العائلة العريقة، لم يكن هناك خادم يتبعهما.
فقد طُرد التوأمان منذ زمنٍ بعيد إلى الجناح الجانبي،
تاركين القصر الرئيسي لعشيقة والدهم وأبنائها.
قبل سبع سنوات، أصيبت هيلي في حادث عربة،
فأصبحت تعرج بإحدى ساقيها وفقدت سمعها في أذنها اليمنى.
استغلت إينو، عشيقة والدها، مرض هيلي كذريعة لإرسالها إلى الجناح الجانبي بحجة راحتها.
بعد فترة وجيزة، انتشرت شائعة أن فريكسوس أصيب بمرضٍ معدٍ، وسرعان ما قُرر نفيه إلى الجناح الجانبي.
من يجرؤ على دخول مكانٍ يُقال إن مريضًا بمرضٍ معدٍ يقيم فيه؟
تذكرت هيلي هذا الأمر بعد طول نسيان، فضحكت ساخرةً من قدرها وهي تتجه إلى غرفة فريكسوس، متكئة على عصاها بيدٍ واحدة.
كان هذا الأخ البائس يجعل أخته تتكبد المشقة.
“إذا أمسكت بالحشرة، ماذا ستفعل لي؟”
“العائلة لا تتصرف هكذا.”
تجاهلت هيلي كلام فريكسوس وتفحصت غرفته بعينيها.
لم ترَ شيئًا واضحًا، فبدت الحشرة قد تسللت تحت السرير بالفعل.
ركعت هيلي وأمالت جسدها نحو أسفل السرير.
وفي تلك اللحظة،
“…ما هذا؟”
تزامنًا مع وميض البرق، انبثق نورٌ أبيض ساطع من تحت السرير، فغمر هيلي بعنفٍ لا يُرحم.
كان شعورًا ناعمًا ودافئًا، لكنه وقحٌ وعنيف. خنقتها قوته الهائلة.
“آخ، آه…!”
“هـ، هل أنتِ بخير؟ هيلي!”
دُهست هيلي بقوةٍ مقدسةٍ ما، فأغمضت عينيها تاركةً صوت فريكسوس يتلاشى خلفها.
***
في صباح اليوم التالي، فتحت هيلي عينيها بسهولة غير معتادة.
وقفت بضع خادمات بالقرب من سريرها، ربما سمعن بخبر سقوطها.
هل توقف المطر؟ كانت أصوات العصافير تتردد من خارج النافذة… لحظة.
‘ألا تؤلمني ساقي؟’
كانت ساقها اليمنى المصابة تؤلمها كل صباح، لكن الألم اختفى.
بل إنها سمعت صوت العصافير بأذنها اليمنى التي فقدت سمعها منذ زمن.
نهضت هيلي من السرير وأنزلت العصا التي اعتادت حملها.
ثم خطت خطواتها ببطء وحذر شديد.
‘هل أنا حقًا سليمة…؟’
لم تعد هيلي تعرج. بل بدأت تسمع الأصوات بوضوح.
“يا إلهي!”
“آنستي، ساقكِ!”
لم تخفِ الخادمات دهشتهن من شفاء هيلي.
أشارت هيلي برأسها إلى إحداهن.
“أنتِ، اذهبي واستدعي الطبيب فورًا. يجب أن أتحقق من حالتي.”
“حسنًا، حسنًا! فهمت!”
في حيرتها من هذا التغيير المفاجئ، أمرت هيلي جميع الخادمات بمغادرة الغرفة. وبينما كانت وحيدة، كررت المشي عدة مرات ثم جلست على حافة السرير. بعد قليل، سمعَت طرقًا على الباب.
لا يمكن أن يكون الطبيب قد وصل بهذه السرعة… أهو فريكسوس؟
ابتسمت هيلي بسخرية وقالت:
“أنا بخير، ادخل بسرعة.”
لكن، خلافًا لتوقعاتها، لم يكن فريكسوس من فتح الباب. كان إيدن، رجل والدها وأخ عشيقته إينو، أقرب أعوانها، والمسؤول الأول عن نفي هيلي وفريكسوس إلى الجناح الجانبي. دخل غرفتها بأريحية، فتجهم وجه هيلي فور رؤيته.
‘أفعى حقيرة.’
لم يبالِ إيدن بأفكارها، فنظر إليها مبتسمًا.
“سمعتُ أنكِ سقطتِ الليلة الماضية، فجئتُ قلقًا، لكن الخادمات كن يتحدثن عن أمرٍ مثير.”
“…أنت.”
“يقولون إن ساقكِ شفيت؟”
اقترب إيدن منها ومد يده كما لو كان يساعدها على النهوض.
غاصت عيناها الزرقاوان في برودةٍ قارسة وهي تحدق في يده،
ثم رفعت عصاها وضربت رأسه بقوة. أطلق إيدن أنينًا من الألم.
“ما الذي تفعله الآن-“
“من أنتَ لتمد يدك إليّ؟”
إيدن محبوب من والدها وعشيقته، لكنه ليس محبوبًا منها.
أمسك بمكان الضربة بيدٍ واحدة وابتعد عن نطاق هجومها.
“…هذا خبرٌ سار، يجب أن أخبر الماركيز.”
“افعل ما شئت.”
“لا تمرضي. لقد صُدمتُ كثيرًا عندما سمعتُ أنكِ سقطتِ.”
“حقًا؟ سأكون سعيدة جدًا لو مرضتَ أنتَ وسقطتَ.”
وأسعد لو متّ.
كان إيدن على وشك مغادرة الغرفة بعد تحيته، لكنه نظر إليها وقال:
“بالمناسبة، هذا مؤسف.”
“ماذا؟ أنني شفيت؟”
“نعم. كان من الممتع قليلًا رؤيتكِ تكافحين على السلالم الكثيرة.”
“أنت حقًا مجنون.”
تلوى وجه هيلي اشمئزازًا.
“كنتُ أظن أنكِ ستلجئين إليّ يومًا ما… لكنكِ لم تلتفتي إليّ قط.”
“لو كنتَ مكاني، أكنتَ سترغب في رؤية وجهك المقزز؟
لن أطلب مساعدتك أبدًا، فاخرج من هنا.”
إيدن، ذو الوجه الجذاب نوعًا ما لكن المقزز من وجهة نظر هيلي،
هز كتفيه.
“من يدري إن كنتِ لن تطلبي مساعدتي يومًا.”
“ماذا؟”
“قد تُصابين بساقكِ مجددًا، أليس كذلك؟”
يا له من…
قبضت هيلي قبضتها غضبًا من نبرته الناعمة.
رأى إيدن قبضتها فغادر الجناح الجانبي مسرعًا.
لو بقي أكثر، لكانت وجهت قبضتها إلى وجهه.
بعد دقائق، تلقت هيلي استدعاءً من والدها.
يطلب لقاءها لأمرٍ ضروري، بينما يتجاهل طلباتها لشهور.
كان سريعًا فقط في مثل هذه الأمور.
يا لها من عائلة بائسة حقًا.
***
“سمعتُ أن ساقكِ شفيت؟”
“نعم.”
التقى الأب بابنته بعد غياب طويل،
وبدأ الحديث مباشرة دون مقدمات.
رجل أرسل زوجته الشرعية إلى إقطاعية الماركيز،
وأدخل عشيقته وأطفالها إلى القصر الرئيسي.
لقد تخلت هيلي منذ زمن طويل عن أي توقعات من والدها،
لذا لم تشعر بخيبة أمل كبيرة.
ومع ذلك، كانت تشعر دائمًا بالتوتر الذي يجعل صوتها ويديها ترتجفان كلما وقفت أمامه. كان ذلك هو الحال دائمًا منذ أن تلقت صفعة على وجهها بعد أن قالت إنه يجب طرد إينو.
“اشرحي لي الوضع.”
لم تجد عذرًا مناسبًا، لكنها لم ترَ داعيًا للاعتذار، فشرحت الحقيقة.
قالت إنها ذهبت إلى غرفة فريكسوس بدافع الملل،
ثم فقدت وعيها عندما أصابها نورٌ من تحت السرير.
وفي الصباح، استيقظت لتجد ساقها قد شفيت.
حتى وهي ترتجف، كان عليها قول كل شيء.
“قال الطبيب الذي التقيته للتو إن ساقي شفيت تمامًا.”
ابتسم ماركيز ترافيا راضيًا عن شرحها.
“إذن، ذلك النور هو ما شفى جسدكِ.”
‘إذا كان الآن، قد يوافق على طلب صعب بعض الشيء.’
لم تفوت هيلي تعبير والدها، فنسجت كذبة بين الحقائق.
“نعم. وبما أن فريكسوس تعرض للنور أيضًا،
فلا بد أن مرضه قد شفي.”
“فريكسوس أيضًا؟”
بالطبع، لم يتعرض فريكسوس للنور.
كان يقف بعيدًا.
لكن هيلي أومأت برأسها بهدوء وقالت ما تريده.
“نعم. لذا، أرجو أن تسمح لي ولفريكسوس بالعودة إلى القصر الرئيسي.”
الآن، لن يستطيعوا حبسهما في الجناح الجانبي بحجة مرض فريكسوس المعدي.
“حسنًا. لم يعد هناك سبب لبقائكما هناك.”
فكر الماركيز قليلًا ثم أومأ موافقًا.
شكرته هيلي وغادرت مكتبه.
بينما كانت عائدة إلى الجناح الجانبي لملاقاة فريكسوس،
“أيتها الحمقاء!”
أوقفها صوت صبيٍ صافٍ كأشعة الشمس.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات على الفصل " 1"