1
الفصل 1 :
كان الجو في كوريا في يناير باردًا كأنه سيجمِّد العالم بأسره. توقفت الثلوج، لكن السماء كانت ملبدةً بالغيوم وكأنها لم تُفرغ ما في جعبتها بعد. كان جاي هيوك يُحدِّق في السماء طوال الوقت من داخل السيارة التي كانت تقله. لقد عاد إلى كوريا بعد ما يقارب الثلاث سنوات، وكانت البلاد غارقة في اللون الرمادي.
ثم لمح ساعة رقمية تومض على أحد المباني الكبيرة.
[17:32]
‘ترى كم الساعة هناك الآن؟’
ألقى جاي هيوك نظرةً على ساعته التي لم يضبطها بعد على توقيت كوريا. عندها تحرك حاجباه قليلًا. ففي إفريقيا، حيث كان يعمل حتى الأمس في نشاطات الـNGO، كانت الشمس في تلك اللحظة تضرب بأشد حرارتها، والرياح الرملية الحارة والرطبة تعصف بالمكان. لكن، لماذا شعر وكأن في أنفاسه حبات رمل؟ ابتسم جاي هيوك بسخرية، ربما لأن كوريا ما زالت غريبة عنه.
بّبـااانغ!
أعاد بوق السيارة انتباهه إلى النافذة.
رغم أنه عاد إلى وطنه الذي اشتاق إليه، إلا أن شعور التوتر كان يغلب على الدفء. كانت سيول كالعادة مزدحمة. السيارة التي تقله شقت طريقها بصعوبة بين سيل السيارات، متجهةً نحو مكان الموعد. وبعد أكثر من ثلاثين دقيقة، دخلت السيارة إلى موقف مطعم فاخر للأكلات الكورية التقليدية، بدا وكأنه بطن حوت أسود ضخم.
رأى هناك رجلاً في منتصف العمر ينتظره. وما إن وقع بصره عليه بعد ثلاث سنوات، حتى فهم فورًا سبب شعوره بالغربة في بلاده.
ترجَّل جاي هيوك من السيارة وتوجه نحوه.
“كيف حالك؟”
“بخير.”
مدّ الرجل يده لمصافحته، على ما يبدو كان هو أيضًا يشعر بالحرج. أمسك جاي هيوك بيده بسرعة ثم أفلتها بابتسامةٍ باهتة.
“هيا ندخل. النائب لي هو-سوك وزوجته بانتظارنا.”
“أبي.”
انشدَّ صوت جاي-هيوك وهو ينطقها، فعبس والده ما سونغ-هون كما لو كان متوقعًا ذلك.
“لا تتصرف بطيش. اعتبرها جلسةً عائلية.”
لقد شكّ في الأمر منذ أن سأله والده عن موعد عودته. فحتى بعد مرور سنوات لم يكلف نفسه عناء الاتصال للسؤال عن أحواله، فلماذا فجأةً يسأله عن موعد عودته؟ ولماذا يدعوه إلى مطعم فاخر كهذا في يوم وصوله؟ لكن بدا أن الوقت فات لطرح الأسئلة، خاصة وأن والده كان يسير في المقدمةً برفقة سكرتيره.
‘كما أنت يا أبي، دائمًا الرجل المتفرد برأيه.’
هز جاي-هيوك رأسه وهو ينظر إلى والده أمامه. وفيما كان يلحق به، انضمت إليهم فجأة امرأةٌ ترتدي معطف فرو من طرف الممر.
“كيف حالك؟”
رسم خط رفيع بين حاجبي جاي-هيوك عند سماع صوتها الأنثوي ذي النبرة العالية. لكن والده رحب بها بكل ودّ وكأنه رجل مسن لطيف.
“أوه! آنسة جو-إي، كيف حالكِ؟”
“وأنت يا سيدي، بخير؟”
كان جاي هيوك يراقب التبادل الودّي بينهما من على بعد ثلاث خطوات، قبل أن يلتفت والده نحوه.
“تعارفا. هذا ابني ما جاي-هيوك. وهذه الشابة الجميلة الآنسة لي جو-إي، ابنة النائب لي هو-سوك.”
كلمة “جميلة” لم تكن لتناسبها كثيرًا، لكن من طريقة تقديمها، كان واضحًا ما يكنه والده من نوايا تجاهها. أراد أن يترك انطباعًا جيدًا، فهي ابنة سياسي بارز من المتوقع أن يفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة، وهذا يعني أنها ستكون ابنة الرئيس المستقبلي.
“سمعت الكثير عنك. أنا لي جو-إي.”
اقتربت منه تفوح منها رائحة عطر قوية.
“ما جاي-هيوك.”
انحنى قليلًا وألقى التحية، ثم حوّل نظره بعيدًا. شعر أن من حسن الحظ أنه في كوريا، فلو كان عليه القيام بتحية على النمط الغربي، لكان الموقف محرجًا. صداع خفيف بدأ يطرق رأسه من قوة رائحتها.
طوال حياته التي امتدت ستة وثلاثين عامًا، كان جاي-هيوك يثق كثيرًا في الانطباع الأول. ومن مظهر جو-إي المبالغ في التأنق، ومن ابتسامتها المائلة العينين، ومن خطواتها التي تقرّب المسافة، شعر بانطباعٍ أولي واحد: النفور.
“أنت طويلٌ جدًا، أليس كذلك؟ 190؟ 193؟”
كانت تفحصه بعينيها من رأسه حتى قدميه كما لو كانت تُجري مقابلة. لكن الأمر لم يكن لقياس الطول فحسب، بل كان في نظرتها ما يوحي بأنها تعرف كل المعلومات عنه مسبقًا، وهذا ما أزعجه كثيرًا. اكتفى جاي-هيوك بابتسامةٍ مقتضبة كجواب.
“تبدو كعارض أزياء من بعيد. وبنيتكَ رائعةٌ أيضًا.”
كانت ابتسامته محاولة لرسم حدود، لكن يبدو أن جو-إي لم تكن تنوي التراجع. على أيّ حال، لم يكن ذلك ليغير كثيرًا من انطباعه الأول.
بدأ اللقاء العائلي المتخفي في هيئة مناسبةٍ اجتماعية بالكشف عن نواياه الحقيقية بعد تبادل بضع كلمات فقط.
“ألم يكن جاي-هيوك أستاذًا في مستشفى ميونغسان قبل أن يغادر إلى إفريقيا للعمل التطوعي؟ إذًا، هل سيعود إلى الفرع الرئيسي لمستشفى ميونغسان؟”
سألت زوجة النائب، التي ستصبح السيدة الأولى إذا فاز زوجها بالرئاسة. وقبل أن يجيب جاي-هيوك بابتسامة ساخرة، جاء صوت والده مقاطعًا.
“على الأرجح سيكون كذلك.”
“لقد أحسنت تربية ابنك يا سيادة القاضي. العمل التطوعي الطبي في مناطق النزاع، يا له من أمرٍ رائع.”
“إنه نسخةٌ عنك يا سيادة القاضي ما سونغ-هون. ما أروعكما، أبًا وابنًا!”
شارك النائب لي بالمديح والنفاق. أما جاي-هيوك، فكان يبحث بعينيه وأذنيه عن أي مخرج من هذا الموقف. النظر إلى سياسي يتملق والده، الذي يشغل منصب القاضي الكوري الوحيد في المحكمة الدولية التابعة لإحدى المنظمات العالمية، كان يترك طعمًا مرًّا في فمه.
“جاي-هيوك في السادسة والثلاثين، وجو-إي بلغت الثالثة والثلاثين. صحيح أنه لم يعد هناك سن محدد للزواج، لكنني أتمنى ألا ينقضي هذا العام قبل أن نحتفل بزواجهما.”
كـ سياسي ذكي، دس النائب جملته بين المديح. عندها حدق فيه جاي-هيوك بلا كلام. والآن، ظهر هدف اللقاء جليًا. يريدونه أن يتزوج من ابنة هذا السياسي الذي التقى بها للتو! بدأ وجه جاي-هيوك يتغير.
“هذا العام مناسبٌ تمامًا. ولايتي ما زال فيها نصف المدة، وكذلك سيكون عامًا جيدًا للنائب لي.”
“إنه لشرف وشرفٌ مضاعف أن تدعمني هكذا يا سيادة القاضي.”
لكن جاي-هيوك لم يعد يحتمل الجلوس أكثر. حتى لو كانت المناسبة تتطلب المجاملة، فقد وصل إلى الحد الذي يمكن أن يفعله كابن. جلس باستقامة وقال:
“أعتذر على المقاطعة، لكن لا أعتقد أن هذا يناسبني.”
ارتجت عيون الأربعة الآخرين وكأنهم تعرضوا لقصف مفاجئ. لكن جاي-هيوك تابع كلامه بثبات.
“لو علمت أن الأمر يتعلق بالزواج، لما أتيت من الأساس.”
“ما جاي-هيوك!”
ارتفع صوت ما سونغ-هون حتى كاد يلامس السقف، لكن جاي-هيوك نهض ودفع كرسيه نحو الطاولة.
“كنت أظن أنني سأجلس مع والدي على عشاء بعد ثلاث سنوات، لكن يبدو أن توقعاتي كانت أكبر من اللازم. بما أنني ابنٌ غير بارّ بلا نيةٍ للزواج، فسأنسحب. أتمنى لكم عشاءً شهيًا، وحوارًا نافعًا من أجل كوريا. سأغادر الآن.”
انحنى بعمق، ثم استدار وغادر. حاول والده النهوض بغضب، لكن صوت النائب لي وهو يمسكه أوقفه.
زاد جاي-هيوك من سرعة خطواته وهو يخرج من الغرفة. كان الغضب يمتزج بالضحك في داخله. من الذي أعطاه صورةً سلبية عن الزواج في المقام الأول؟ لماذا عاش كل حياته مقتنعًا بأنه لا مكان للزواج في حياته؟ أليس هو نفسه الشخص الذي يحاول الآن تزويجه من شريكة يختارها بنفسه؟
‘أبي دائمًا على حاله، بشكل يثير الرعب.’
لم يتغير شيء سوى أن إصراره القديم على أن يصبح ابنه سياسيًا قد تحول إلى تزويجه من ابنة سياسي. هل كان يظن أنه إن ضغط عليه هكذا فسوف يرضخ دون اعتراض؟ لقد مضى ستة عشر عامًا منذ أن بدأ كلاهما السير على خطين متوازيين، ويبدو أن هذين الخطين سيستمران حتى يوم موتهما.
عبث جاي-هيوك بعنف في شعره الأمامي، ثم خطا نحو بوابة الحديقة بخطواتٍ غاضبة. لكن عند طرف الحديقة، رأى مجموعةً من الناس متجمهرين.
“يا إلهي! عزيزي! أفق رجاءً!”
كان هناك شخصٌ ممدد على الأرض، والناس يتحركون حوله باضطراب. بدا أن أحد أفراد أسرته يحاول هزه في هلع، فيما كان آخر يبلغ الإسعاف على الهاتف.
“اسمحوا لي، لحظة من فضلكم.”
عندها، شقت طريقها بينهم امرأةٌ نحيلة ترتدي معطفًا أبيض من الصوف.
“أنا طبيبة. دعوني أراه.”
“أأنتِ طبيبة يا آنسة؟”
كانت ملامحها صغيرةً وناعمة، ما جعل عائلة المريض تنظر إليها بقلق وعدم ارتياح. أما جاي-هيوك، فظل يحدق بوجهها وهي تقترب من أنف المريض لتتحقق من تنفسه. كانت هذه الشابة هي سو-لينا، وقد تجمدت ملامحه وهو يراها.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"