63
ما إن سمعت “تشيشا” صوت انفجار المعبد، حتى أدركت أن ما كان متوقعًا قد حلّ أخيرًا.
كانا رجلين متناقضين تمامًا.
لم يكن من المعقول أن يجلسا معًا لاحتساء الشاي وضحكاتهما تملأ المكان.
كانت تتوقع حدوث شيء ما، لكن…
“أن يُفجرا المعبد؟”
على أي حال، كان “كييرن” و”هايلون” متشابهين في هذا.
شخصيتان متضادتان كليًا، لكن عندما يفقدان أعصابهما، يصران على حسم الأمر حتى النهاية، وهذا ما لم تفهمه “تشيشا” قط.
كانا لا يعرفان معنى “الاعتدال”، مما جعل “تشيشا” وحدها تتكبد المعاناة.
“…ألا يجب أن نذهب لنرى؟”
سأل “إيشويل” وهو يجذب كم “بيلزيون”.
كان “بيلزيون” والتوأمان قد توصلا إلى هدنة ضمنية، ثم اتجها مع “تشيشا” نحو مكان “كييرن”.
تبعوا مصدر الطاقة المتأججة، وتسلقوا فوق مبنى المعبد لينظروا إلى الأسفل.
لم يكن التسلل إلى الأعلى صعبًا، فقد تهدم المبنى بالكامل.
رأوا “كييرن” يواجه “هايلون”.
لحسن الحظ، كان مختبئًا بهدوء خلف دوقة “إيفروييل”.
كان أعزل، بلا سيف، وما لم يلجأ إلى السحر الأسود، لم يكن ليصمد أمام “هايلون” الذي يمتلك السيف المقدس.
كانت دوقة “إيفروييل” ساحرة بارعة حقًا.
كانت تتحكم بالسحر بمهارة فائقة وهي تقاوم “هايلون”.
“لكنها ستهزم في النهاية.”
لم يكن الأمر يتعلق بقياس إجمالي القوة.
بل كان معركة.
إذا تساوت القوى، أو حتى إذا كانت إحداهما أقوى، فإن الخبير في القتال قادرٌ على هزيمة الأقوى بسهولة.
كانت أيام “إيفروييل” كبطلة حرب تعود إلى عقود مضت.
لا يمكن مقارنتها بـ”هايلون” الذي لا تفارقه رائحة الدماء أبدًا.
خاصة إذا استخدم “هايلون” سلسلة العقاب، التحفة المقدسة، فسيكون الأمر محسومًا أكثر.
“جنية…”
أن تكون الكونتيسة المتوفاة جنية؟
لا تزال “تشيشا” تشعر بصداعٍ نابض من الحقيقة التي تفوه بها “كارها” دون قصد.
كانت مشوشة، لكن الطريق أمامها واضح.
ربما كان “كييرن” هو من يعرف الحقيقة التي تبحث عنها “تشيشا” طوال الوقت.
كان عليها أن تسمع منه الكثير.
“يجب أن أنقذه.”
عزمت “تشيشا” أمرها بقوة.
ثم نقرت بإصبعيها على صدر “كارها” الذي يحتضنها.
عندما أنزلها “كارها” إلى الأرض، نظرت إلى الفتيان وقالت:
“ارموني إلى هناك.”
“…ماذا؟”
أشارت “تشيشا” إلى قلب المعركة وقالت:
“إلى هناك!”
“ماذا؟”
“لا!”
“هل جننتِ؟”
صرخ كل من “كارها” و”بيلزيون” و”إيشويل” بصوتٍ مختلف.
كادت أذناها تطنان من شدة الصخب.
حاولت “تشيشا” بصبر أن تقنعهم:
“لا أحب أن يتقاتلوا بسببي…”
أصرت على التدخل لإيقاف القتال، موضحة رأيها بحماس.
تبادل أبناء عائلة “باسيليان” الثلاثة النظرات.
سواء عادت “تشيشا” إلى عائلة “باسيليان” أم لا، اتفق الجميع على ضرورة إيقاف هذه المعركة أولاً.
“بسرعة!”
حثت “تشيشا” الفتيان المترددين.
مهما كانت طريقة رميها، فإن الثلاثة هناك قادرون على استقبالها بسهولة.
كانوا سيوقفون القتال بالتأكيد ليلتقطوها.
لكن الثلاثة ظلوا مترددين.
من شدة الإحباط، ركضت “تشيشا” نحو حافة المبنى بخطوات سريعة.
كانت تنوي معاينة الموقف مجددًا، عندما…
“آه…؟!”
“كوازيك”، انهار المبنى المليء بالشقوق تحت قدميها.
“لا!”
في لحظة سقوط “تشيشا” مع الحطام، لفّتها ريحٌ عاتية.
كان “إيشويل” قد أطلق تعويذة.
يداه المرتجفتان رسمتا دائرة سحرية غير متقنة.
نجحت الريح الممزوجة بالضوء الذهبي في تعويم جسد “تشيشا” في الهواء، لكن…
“…!”
لم تعدها إلى المبنى، بل قذفتها بعيدًا في اتجاه آخر.
طارت “تشيشا” مع الريح، ثم سقطت من السماء فجأة.
“كيييييياه!”
صرخت بصوتٍ عالٍ، آملة أن ينتبه إليها الجميع.
كان الصوت فعالاً.
“كييرن”، “هايلون”، ودوقة “إيفروييل”، جميعهم فتحوا أعينهم دهشةً ونظروا إليها.
كل شيء كان مثاليًا حتى تلك اللحظة.
“آه! ذلك الساحر الأسود المجنون!”
بينما كانت سلاسل العقاب تنتشر في كل الاتجاهات، ارتفع ظلٌ أسود متلوٍ بقوة.
كان “كييرن” قد لجأ إلى السحر الأسود ليلتقط “تشيشا” الساقطة.
كان هناك اثنان قادران على استقبالها بأمان، فلماذا فعل ذلك؟
صرخت “تشيشا” الآن بصدق: “كيييييياه!”
لم يكن شيء يسير على ما يرام بسبب “كييرن”.
“بعد كل ذلك التستر على كونه ساحرًا أسود، ها هو يفضح نفسه!”
حاولت أن تطلق سيلًا من الشتائم بلسانها القصير النشط، لكن عندما التقت عيناها الحمراوان بعينيه، عجزت عن النطق.
نظر إليها “كييرن” بعينين يملؤهما اليأس.
كانت يداه الممدودتان تنبضان بالإصرار.
ربما استخدم قوته دون وعي.
وإلا، لما بدا خائفًا وقلقًا إلى هذا الحد من أن تسقط على الأرض.
مدت “تشيشا” يدها نحوه دون تفكير.
من سقوطها في السماء إلى احتضان “كييرن” لها، بدا كل شيء بطيئًا كالحلم.
امتدت السلاسل والظلال كشبكة في كل مكان، وتألقت دوائر سحرية بنفسجية تنثر الضوء.
وسط تصادم القوى الهائلة، هبطت “تشيشا” نحو “كييرن”.
احتضنها وهي تسقط كنجمةٍ نيزكية، وأطلق تنهيدةً كان يكتمها:
“هااا، تشيشا…”
كأنما أُفلتت رقبته من قبضةٍ خانقة، تنفس بصعوبة وهو يلهث.
“دوكون، دوكون، دوكون.”
شعرت “تشيشا” بنبض قلبه، وتمتمت متأخرة:
“احنق…”
“ماذا؟”
كانت تقصد “أحمق”، لكنها ألقته بلا مبالاة فخرجت كلمة غامضة.
بالطبع، لم تكن تنوي تصحيحها.
اكتفت بتفريغ شتائمها في داخلها بجدٍ.
“هاها.”
ضحكت “سيريا” بيأس.
بددت دائرتها السحرية، وأعربت عن رأيها بكلمة واحدة:
“اللعنة.”
لم تكفها الشتيمة، فصرخت “آآآه” بصوتٍ عالٍ:
“لو كنتُ أعلم أن الأمر سينتهي هكذا، لكنتُ تركته يقاتل من البداية! أضعتُ طاقتي عبثًا.”
رفعت “سيريا” يديها إلى السماء وصاحت بقوة:
“اقبضوا عليه، اقبضوا عليه! ارموا به في غرفة التحقيق ليعفن هناك مدى الحياة!”
لم يهتم “كييرن” بلعناتها.
وسط أعين الجميع، سأل “تشيشا” بلطف:
“جئتِ لرؤية أبي؟”
بدا سعيدًا، بل إن وجهه احمرّ قليلاً.
كان مفتونًا بـ”تشيشا” لدرجة أنه لم يعد يرى شيئًا آخر.
“يا للدهشة… لماذا فعلتِ شيئًا خطيرًا كهذا؟ من الذي أسقط تشيشا من السماء؟”
سألها بهدوء، فشعرت “تشيشا” بالإحباط.
كشف أنه ساحر أسود، وجعل عائلة “باسيليان” تواجه خطر الدمار، لكنه لم يبدُ مهتمًا بذلك على الإطلاق، مما أذهلها.
“إذن، كنتَ ساحرًا أسودًا بالفعل؟”
جاء صوتٌ منخفض.
نظر “كييرن” إلى “هايلون” أخيرًا:
“وأنتَ محقق هرطقات، إذن.”
ابتسم بخفة:
“سمعتُ شائعات عنك. قيل إن محقق هرطقات استثنائيًا ظهر في هذا العصر، يتحكم بتحفة مقدسة لم يتمكن أحدٌ من السيطرة عليها.”
نظر “كييرن” إلى السلاسل التي غطت المكان بإعجاب:
“حقًا… تحفة مقدسة مذهلة.”
بينما كان “هايلون” يضيّق عينيه متشككًا في هدوئه الغريب، رنّ صوت “طق” خفيف.
كان صوتًا واضحًا بشكلٍ عجيب من نقرة أصابع.
تأججت عيناه الحمراوان كشعلةٍ متقدة.
ارتفع صوت سحب السيوف من حولهم.
أخرج فرسان القداسة سيوفهم المقدسة، ووضعوها على أعناقهم.
أما الكهنة بلا سيوف، فأمسكوا أعناقهم بأيديهم.
كأنهم سيعصرونها حتى الموت بكل قوتهم.
كان ذلك تحكمًا عقليًا جماعيًا.
سيطر على عقول عشرات الأشخاص، حتى أولئك الذين يمتلكون القوة المقدسة، في لحظة واحدة.
أمام هذا الجزء من قوة “كييرن” المكشوفة، اغتمت عينا “هايلون”.
ارتجفت سلاسل العقاب برفق، ثم ازداد صوتها “جلجل جلجل” تدريجيًا.
“لا تسيئوا الفهم. ليس لدي نية لإيذاء الفرسان أو الكهنة. أردتُ فقط تهيئة بيئة للحوار.”
ابتسم “كييرن” محاولاً تهدئة “هايلون”:
“وإلا، لما تظاهرتم حتى بالاستماع إليّ.”
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 63"