كانا في حالة فوضى لا تُوصف، حتى شعرت بالخجل قليلًا بصراحة.
لحسن الحظ، لم يأبه جيهان بردة فعل التوأمين.
تجاهلهما واقترب من تشيشا أكثر.
عبس إيشويل، الذي كان يحملها، بامتعاض شديد، لكنه لم يبالِ.
“يشرفني أن أتلقى تحيتك.”
وضع جيهان يده على صدره، رافعًا تحية خفيفة مفعمة بالأدب، ثم أضاف:
“أنا جيهان.”
بما أنه قدّم اسمه، ردت تشيشا، الطفلة المؤدبة، باسمها أيضًا:
“أنا تشيشا! تشيشا باسيليان.”
عندها، انخفضت زاويتا فم التوأمين معًا بامتعاض واضح، فهما لم يحبا أن تتحدث مع جيهان.
ومن المدهش أن جيهان، الذي أظهر ودًا خفيًا، لم يسعَ لإطالة الحديث معها.
“سعدت بلقائك، لكن أتمنى ألا نلتقي مجددًا.”
أليس من المفترض في مثل هذه الأجواء أن يقول “أراك لاحقًا”؟
ربما لأنه من العالم السفلي، كانت طريقة تفكيره غريبة بعض الشيء.
مالت تشيشا برأسها متسائلة:
“هل أنا غير محببة لك؟”
“كلا.”
نفى جيهان على الفور، ثم أضاف بهدوء:
“لأن رؤيتي ليست أمرًا جيدًا أبدًا. ستكون هذه التحية الأولى والأخيرة.”
كانت كلماته قصيرة، لكنها حملت شعورًا عميقًا متجذرًا.
كانت كراهيةً ذاتية.
شعرت تشيشا بالحرج لأنها لمحت شيئًا لم تكن تنوي استكشافه.
لم تتمالك نفسها من الدهشة.
“لم أكن أعلم أنه شخص من هذا النوع.”
كان يتصرف كمن جُرّد من المشاعر، فظنته شخصًا لا يبالي بشيء.
أحست نحوه بشيء من الشفقة.
فقالت له بلطف:
“مع ذلك، أعتقد أنني سأكون سعيدة إذا رأيتك مجددًا! سأحييك في المرة القادمة أيضًا.”
“…”
صمت جيهان.
فتح شفتيه كأنه سيقول شيئًا، لكنه أغلقهما مجددًا.
ثم تراجع فورًا.
“حان وقت عودتكم الآن.”
اختفى جيهان بنفس السرعة التي ظهر بها.
بقي التوأمان وتشيشا وحدهم في شارع تغطيه الغبار.
—
كان السوط في العادة ناعم السطح، لكن عندما يشاء جيهان، يتحول إلى شيء حاد كالخطاطيف.
يصبح، عند الحاجة، سلاحًا فتاكًا يمزق لحم خصومه وينتزعه.
“آه، ارحمني، أرجوك، آه!”
كان جيهان يطارد صيادي العبيد الهاربين بلا مبالاة، بينما يقطر الدم من أجسادهم.
مع كل ضربة سوط، كان الصيادون يفقدون أذرعهم وأرجلهم، عاجزين عن الفرار.
كان تصرفه في تعطيل عشرات الرجال عن القتال أو الهروب خاليًا من أي عاطفة.
لم يتردد يداه وهما تمزقان اللحم وتريان الدم.
لأي ناظر، كان مشهدًا ساحقًا لقوي يسحق الضعفاء.
لكن جيهان شعر أنه لم يكن مركزًا كعادته.
كانت أفكاره مشوشة بالهواجس.
كان قد سمع عنها من قبل مرارًا.
الطفلة التي تبنتها عائلة باسيليان حديثًا.
كائن غريب بعينين ورديتين في مكان لا يسكنه سوى أصحاب العيون الحمراء.
زهرة صغيرة تتفتح في غابة الثعبان الأسود.
أثار ذلك فضوله قليلًا، وتمنى في قرارة نفسه أن يراها ولو مرة.
ظن أن شخصًا مثله، محكومًا بالعيش في الظلال، لن يلتقيها أبدًا.
لكن بفضل تصرفات التوأمين الطائشة، رآها.
كان ذلك كافيًا ليشعر بالرضا.
“مرحبا…؟”
تحية خافتة نطقتها بشفتين صغيرتين مترددتين.
لم يخطر بباله أن يتلقى تحية مفعمة بالود موجهة إليه.
“مع ذلك، أعتقد أنني سأكون سعيدة إذا رأيتك مجددًا!”
وجهها المبتسم كان كبرعم يتفتح في الربيع، بريئًا وهشًا.
طفلة صغيرة مكونة من النقاء، لم تقدم سوى الود.
“سأحييك في المرة القادمة أيضًا.”
متى كان آخر مرة طلب فيها أحدهم رؤيته مجددًا؟
ربما منذ عشرين عامًا، عندما غطى عينيه لأول مرة.
كانت طفلة لا تعرف شيئًا بعد.
علم أن كلامها كان عفويًا، لكنه لم يستطع منع قلبه من الخفقان.
كان شعورًا بالفرح لم يذقه منذ زمن بعيد.
في العالم السفلي، كان رمزًا للشؤم.
كان يُعتبر تجسيدًا للنحس والتعاسة والشر.
أن يلتقي هو، بشخصيته تلك، بفتاة ثمينة كهذه كان بحد ذاته أمرًا مشينًا.
لا يجب أن يلتقيا مجددًا.
لا يحق له حتى أن يتمنى ذلك.
لكنه، رغم علمه بذلك، وجد نفسه يرسم لقاءً آخر في ذهنه دون وعي.
“لأن من يبتسم لي نادر جدًا…”
كان الرغبة في رؤيتها مرة أخرى أمرًا لا يملك السيطرة عليه.
“…”
سحب جيهان سوطه.
كان صيادو العبيد الذين هاجموا التوأمين وتشيشا من عائلة باسيليان اليوم قد تحولوا إلى كتل دم تتلوى على الأرض.
بينما كان يهدئ أنفاسه ببطء، سمع صوت خطوات تقترب بهدوء.
رجل يرتدي بدلة أنيقة لا تتناسب مع أزقة العالم السفلي، يسير فوق الدماء المتناثرة.
في يده عصا يتكئ عليها، وهو يهمس بأغنية هابطة بلا إيقاع أو نغمة صحيحة، لكنه يغنيها بمتعة واضحة.
“السيد.”
ناداه جيهان بهدوء.
اقترب الرجل وضحك بخفة وسأل:
“أليست لطيفة؟”
لم يكن هناك حاجة للسؤال عمن يتحدث.
تذكر جيهان الطفلة ذات العينين الورديتين والخدين كالتفاح، وأجاب:
“نعم.”
انفجر الرجل ضاحكًا لردّه الصريح دون تردد.
بعد أن ضحك لوقت، نظر حوله ببطء.
“صيادو عبيد عاديون. كنت أتوقع المزيد.”
تذمر الرجل أنه لا حاجة لاستجوابهم، فجثا جيهان على ركبة واحدة.
تبلل بنطاله بالدماء اللزجة، لكنه لم يبالِ وخفض رأسه.
“أعتذر.”
“أوه، لم أقصد توبيخك.”
ربت الرجل على رأس جيهان بلطف.
أنزل جيهان عينيه تحت لمسة يده.
ابتسم الرجل ابتسامة خفيفة لرؤية طاعته المطلقة.
“سأتولى إنهاء الأمر.”
صفق بأصابعه.
رنّ صوت فرقعة أصابع مرحة في الزقاق.
وبعد لحظة صمت قصيرة، تناثرت الدماء الحمراء كالنوافير من كل جانب.
تلوّنت الجدران البنية بسرعة بلون أحمر داكن.
نظر الرجل إلى المشهد الوحشي بعيون خالية من أي انفعال، بعد أن أزهق عشرات الأرواح في لحظة.
نهض جيهان ببطء.
مرر الرجل يده على شعره المبعثر قليلًا وسأل بلامبالاة:
“والجنية؟”
“لم نعثر على أثرها منذ ذلك الحين.”
“همم… ليست من النوع الذي يعيش بهدوء.”
طرق الرجل بعصاه بأصابعه وهو يفكر، ثم تكلم:
“اكتشف أين هي وماذا تفعل.”
“حاضر، سيدي.”
“جنية تستحق أن يزورها محقق الهرطقة بنفسه…”
ضحك الرجل بمرح وهو يقف فوق الدماء وقال:
“بالتأكيد ستكون مفيدة قريبًا.”
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 39"