**الفصل 194**
انتهت كل الفترات الملضية ولازمنة التي انتقلوا اليها .
تحطم العالم، وسقطت تشيشا وهيليىون وكييرن في فضاء أسود قاتم.
كان الشعور بالطفو في الفراغ الأسود الخالي من كل شيء غريبًا ومربكًا.
حدقت تشيشا في كييرن وهي معلقة في الفراغ.
“….”
كان يبكي بهدوء.
وجهه مبلل بالدموع، يواجهها بنظراته.
كانت هذه المرة الأولى التي ترى فيها كييرن يبكي.
عيناه الحمراوان، اللتان طالما بدتا متعاليتين، كانتا الآن مشتتتين، محطمتين.
اختفت نظرته اللامبالية التي كانت تشبه التكبر، تاركةً طفلاً يذرف الدموع كمن طُعن بأشواك الورد.
تحدث كييرن دون أن يمسح دموعه المتساقطة:
“قالوا إن جنية مجنونة تتجول…”
بدت كلماته صعبة، توقف ليأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يتابع:
“كانت تلك روز.”
لم تستطع تشيشا أن تقدم له أي تعزية.
في اللحظة الأخيرة، كان كييرن وروز في نفس الزمن.
تقاطعت أزمنتهما بعد أن عادت روز بضع سنوات إلى الماضي.
لكن كييرن لم يعرف أن الجنية المجنونة هي روز، فتركها تمر.
كانت تعرف جيدًا ماذا يعني له تفويت تلك الفرصة، فلم تستطع قول شيء.
“والهدية الأخيرة التي تركتها لي روز…”
تمتم كييرن بصوت خاوٍ وهو ينظر إلى تشيشا:
“كنتِ تشبهينها كثيرًا… ولم أدرك شيئًا.”
أغمض عينيه ببطء، ثم فتحهما، فتساقطت الدموع المتراكمة.
“لماذا… أنا… كيف…”
ضحك كييرن ضحكة جوفاء.
ضحك بصوت متعب، ثم استنتج:
“يبدو أنني دمرت كل شيء.”
رأى دموع تشيشا تتجمع، فواصل ببطء:
“تركت روز تموت وحدها، والآن أحاول إحياءها بينما أضحي بابنتي…”
تذكر كييرن اللحظة التي فقد فيها عقله.
أثناء مطاردته لزمن روز، فقد وعيه للحظة.
في تلك اللحظة، نسي أنه سافر عبر الزمن مع تشيشا وهيليىون.
كل ما كان يفكر فيه هو إنقاذ روز أمامه.
حتى عندما نادت تشيشا روز بـ”أمي”، لم يكن في وعيه ليدرك ذلك.
لو لم يستعد وعيه، لكان بالتأكيد…
لاختار أسوأ خيار: محاولة سحر الإحياء وهو محاصر في فجوة الزمن.
بالتفكير الآن، كان دائمًا يختار الخيارات السيئة.
عندما التقى روز لأول مرة، وعندما التقى تشيشا لأول مرة.
وحتى عندما كان الأخوة الثلاثة يعانون من غياب أمهم.
كان كييرن دائمًا يختار الخيار الخاطئ.
بينما كان يتظاهر بالذكاء، انتهى به الأمر بإغراق الجميع في التعاسة.
“حقًا… أنا الأسوأ. أب سيء حقًا.”
مسح كييرن دموعه بظهر يده ببطء، مبتسمًا بمرارة.
نظر إلى تشيشا التي بدأت تبكي مثله، وتمتم:
“كنت أتمنى لو كان أبوكِ شخصًا آخر…”
بينما كان ينظر إلى تشيشا الباكية، لم يستطع مد يده، فقط حدق بها بلا حول.
“لو كان كذلك، لربما كنتِ سعيدة، كما تمنت روز.”
في اللحظة التي كادت فيها روحه أن تُبتلع بالظلام اللامتناهي، اندفعت تشيشا نحوه.
في عالم مظلم بالكامل، احتضنت الجنية المتلألئة بالضوء الذهبي كييرن بقوة.
احتضنته بكل قوتها، منقذة إياه.
كما فعلت روز.
“أبي.”
بكت تشيشا وهي تحتضن كييرن، داعية إياه:
“أبي، أبي…”
كأنها تفرغ كل الحزن الذي لم تستطع التعبير عنه، نادت كييرن “أبي”.
لم يستطع كييرن أن يلمس ابنته التي كانت تبكي متشبثة به.
بعد أن تجمد لفترة، احتضنها بحذر، كما لو كان يلمس بتلة ورد هشة.
“…نعم، يا تشيشا.”
احتضنها بيد مرتجفة، وأجاب بهدوء:
“أباك هنا…”
وهو يحتضن طفلته الباكية، قرر كييرن آخر ما يجب عليه فعله.
رفع عينيه لينظر خلف تشيشا.
اقترب هيليرون ببطء، وقال بصوت منخفض:
“كلما طالت بقاؤنا هنا، زاد التأثير السلبي على عقولنا.”
كان الثلاثة يعرفون جيدًا الآن ماذا يحدث عندما تتلوث روح جنية.
الفضاء الأبيض تحت الإمبراطورية المقدسة.
كان ذلك أيضًا فجوة زمنية.
كلما خضع هيليرون لتدريب الملك المقدس، كان يُحبس في فجوة زمنية.
كانت قوة الجنيات المحفورة في نقوش الفضاء الأبيض تخلق الفوضى، بينما كانت القوة المقدسة تساعد على الخروج من فجوة الزمن.
“إذا استخدمنا سلسلة العقاب، يمكننا الخروج من هنا.”
لكن هذا الفضاء بُني على أساس دائرة سحر الإحياء التي استخدمها كييرن بالسحر الأسود.
لم يكن من الواضح كيف ستعمل.
بما أن دائرة الإحياء تتطلب تقديم قربان، فقد يكون الخروج ممكنًا فقط بعد دفع “ثمن”.
وكما هو متوقع، أكد كييرن ذلك:
“لا، يجب تقديم قربان أولاً. سلسلة العقاب تأتي بعد ذلك.”
مسحت تشيشا دموعها بسرعة وهي تلهث، ثم نظرت إلى كييرن وهيليرون بوجه محمر من البكاء:
“سأبقى هنا.”
قبل أن يعترضا، سارعت بالتفسير:
“لقد استنفدت معظم قوتي الحياتية قبل دخول هذا المكان… إذا خرجت، سأموت على الفور.”
كانت قد أدركت ذلك منذ البداية.
بعد رؤية كل الأزمنة الماضية، أصبح الأمر أكثر وضوحًا.
كان هذا المكان قبرها.
كان البقاء هنا والموت أمرًا مخيفًا بعض الشيء.
لكن تشيشا كانت بخير.
في النهاية، كان الفرق بين الموت خارجًا أو هنا.
إذا كان بإمكانها استخدام حياتها المنتهية لأجل من تحب…
كان ذلك كافيًا.
‘لكنني أندم على عدم وداعهم.’
مرّ هاتا، الأخوة الثلاثة، آران، ثيو، ليميل، زاهان… كل من ارتبطت بهم في ذهنها.
“لذلك، من الصواب أن أبقى. أنا بخير…”
“سأبقى أيضًا.”
“…؟”
نظرت تشيشا إلى هيليرون بذهول.
حدق بها بلا تعبير، وأضاف:
“سأرسل كونت باسيليان باستخدام سلسلة العقاب. ألا يحل ذلك المشكلة؟”
“لا، لا حاجة لزيادة التضحيات دون داع…”
“أنتِ دائمًا هكذا.”
لمع ضوء حاد في عيني هيليرون الزرقاوين.
انكمشت كتفي تشيشا لا إراديًا.
“لا تعرفين شيئًا عن قلوب الآخرين.”
قالها ببرود، كأنه اتخذ قراره بالفعل، وأشار بذقنه:
“إذا بقينا محاصرين هنا، سيكون لدينا وقت لا نهائي للحديث. على أي حال، سأبقى أنا وريتشيسيا.”
نظر إلى كييرن:
“اخرج وحدك، يا كونت.”
ابتسم كييرن.
في اللحظة التي رأت تشيشا ابتسامته، شعرت بقلق مفاجئ.
كانت ابتسامة مريحة بشكل غريب، كأنها تسدل الستار على النهاية.
“حسنًا، لا أشعر برغبة في الخروج أيضًا.”
تنهد كييرن بخفة وقال:
“أعهد إليك بابنتي، يا سيدي هيليرون.”
“…لحظة.”
“سأبقى هنا.”
“لحظة، يا أبي. أنا على أي حال سأموت إذا خرجت…”
“من سيترك ابنته تموت يا تشيشا ؟ ”
نادى كييرن “تشيشا” بصوت حنون.
ابتسم بعذوبة، عيناه الحمراوان تلمعان:
“هذا سحر إحياء، أليس كذلك؟”
“…!”
اتسعت عينا تشيشا عند كلامه.
قبل أن تفهم كلامه بالكامل، تابع كييرن:
“اباك سيُبقي تشيشا…”
تألقت عيناه الحمراوان بالندم.
مع مشاعر معقدة لا تُحصى، أقسم لتشيشا:
“سأجعل تشيشا على الأقل تعيش.”
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 194"