**الفصل 150**
كانت مملكة الجنيات، المشكّلة من عالم وهمي هائل، ساحرة الجمال.
تفيض المناظر بأزهار وأشجار ونباتات متنوعة، كأنها أمسكت بلحظة الطبيعة الأكثر تألقًا وحبستها في إطارٍ خيالي.
فضاءٌ خالٍ من أي بناءٍ اصطناعي، مؤلفٌ فقط من عناصر الطبيعة الخالصة.
في هذا المكان، بدت السلاسل البيضاء الناصعة التي هوت فجأة غريبةً وناشزة.
وكانت تشيشا تعرف جيدًا من هو صاحب تلك السلاسل.
الذي كان يطاردها دائمًا، قد تتبعها أخيرًا إلى مملكة الجنيات.
كان الأمر بالنسبة لتشيشا محيرًا ومثيرًا للغضب. .
“كيف بحق السماء وصل إلى هنا؟!”
حتى تشيشا، وهي جنيو، لم تتمكن من العثور على هذا المكان إلا بعد جهدٍ طويل.
بينما أذهلها إصرار هيلرون، شعرت في قرارة نفسها بفرحةٍ غريبة.
كان دائمًا يعثر عليها.
مهما اختبأت، حتى لو كانت محاصرةً في عالمٍ وهمي غير الواقع.
“ظننتُ أن أحدًا لن يجدني.”
خفّ قلقها قليلاً، مطمئنةً إلى أنها ليست وحيدة.
لكن، على عكس اطمئنان تشيشا، كانت الجنيات يتزايد توترهن.
حدّقن في السلاسل بنظراتٍ غاضبة.
كانت ليا، التي سبق أن قُيدت بسلاسل العقاب، ترمقهن بنظراتٍ أكثر حدةً من الجميع.
بزخمٍ وكأنها ستهشم السلاسل في أي لحظة، فكرت تشيشا في نفسها:
“ألم تكن الجنيات محبّات للسلام…؟”
كان هناك شيءٌ يناقض فهمها التقليدي.
بدأ بردٌ يتسرب من السلاسل ببطء.
تسلل نسيمٌ بارد عبر الهواء الدافئ الناعم، مثيرًا قشعريرةً على الجلد.
دوى رعدٌ ثقيل من الغيوم السوداء المعلقة في السماء، كأن سلسلةً ثانية ستهوي قريبًا.
دُمية الأرنب المعلقة على كتفها بدأت تتلوى بأطرافها.
كانت تضرب بقدميها القطنيتين بقوة، حتى شعرت تشيشا بألمٍ طفيف من الضربات.
عندما حاولت الدُمية النطق بتفاهةٍ أخرى، جذبت تشيشا أذنيها.
“الملكة يجب أن تتحمل واجباتها… آخ!”
أصدرت الدُمية صوتًا غريبًا وصمتت.
علّقت تشيشا الدُمية على كتفها بعشوائية، ثم وضعت يدها على السلاسل.
تسلقت كروم الزهور التي نبتت عند قدميها السلاسل بانحناءاتٍ متعرجة.
ظهرت فراشةٌ فجأة، ترفرف حول تشيشا.
ومع وميضٍ ساطع، شدّت الكروم السلاسل بقوة.
صدر صوتٌ معدني مزعج من السلاسل.
“…”
عبست تشيشا، وزادت من قوتها.
هبت ريحٌ قوية، فتطايرت خصلات شعرها وأطراف ثوبها.
تمايلت الزهور، ولفّت بتلاتها المتساقطة تشيشا كإعصارٍ دائري.
في لحظةٍ شدّت فيها الكروم السلاسل بقوةٍ أكبر،
دوى صوتٌ حاد كالانفجار، وتحطمت السلاسل.
تناثرت إلى أشلاءٍ من الضوء الأبيض.
تنفست تشيشا برفق، واستدارت ببطء.
حدّقت الجنيات في تشيشا، التي كانت تقف تحت الضوء المتلألئ، كأنهن مسحورات.
“آه…”
أفلتت إحداهن تنهيدةً خفيفة.
يبدو أن استخدام تشيشا لقونها ترك انطباعًا عميقًا عليهن.
قبل لحظات، كانت نظراتهن مجرد إعجابٍ مبالغ، أما الآن فقد أصبحت تقترب من التقديس.
تحت وطأة تلك النظرات، قالت تشيشا بحرج:
“بما أن هذا حدث بسببي، سأتحمل المسؤولية.”
كان هيلرون الخصم الذي واجهته تشيشا أكثر من أي شخص.
من المؤكد أنه سيدرك أنها هي من حطمت السلاسل.
“لقد فهم أنني لا أريد الخروج، لذا سينتظر قليلاً.”
لكن صبره لن يطول بالتأكيد.
“كما قلتُ سابقًا، لا يمكنني البقاء هنا إلى الأبد.”
نظرت تشيشا إلى الجنيات واحدةً تلو الأخرى، متحدثةً بلطف:
“هناك أناس ينتظرونني. قد يتسببون، مثلما حدث الآن، في إيذاء مملكة الجنيات.”
كان هذا المكان الملاذ الأخير الذي أعدته الجنيات للهروب من البشر.
لم ترغب في تدميره، فأضافت بحماسةٍ صادقة:
“لا أعني أنني سأتخلى عنكم إلى الأبد. أنا فقط…”
توقفت تشيشا لحظة.
كان هذا السؤال الذي شغلها طويلاً.
مفترق طرقٍ يتطلب اختيارًا واحدًا فقط:
أن تعيش كريتشيسا، أم كتشيشا باسيليان؟
في تلك اللحظة، أدركت الجواب.
“لا أريد التخلي عن أي شيء.”
كانت تعلم منذ البداية أن ذلك مستحيل.
لكنها أرادت أن تجرب حتى النهاية.
لأن كليهما عزيزٌ عليها بما لا يسمح بالتخلي.
“لذا، ساعدوني.”
طلبت تشيشا بثقة.
ساد صمتٌ بين الجنيات.
فتحت ليا فمها بهدوء:
“…لأن الملكة ترعرعت بين البشر…”
تمتمت بنبرةٍ حزينة:
“فقد أحبتهم أيضًا.”
رغم عينيها اللتين بدتا على وشك البكاء، ابتسمت ليا.
“لو طلبتُ منكِ أن تنظري إلينا فقط، لكان ذلك نزوةً طفولية.”
همست بلطفٍ حنون:
“ماذا تريدين؟”
“أريد أن أعرف عن أمي.”
سألت إن كنّ رأين جنية تشبهها، لكن الجميع هزّوا رؤوسهم.
بعد تردد، غيّرت تشيشا سؤالها:
“إذًا… كيف كانت الملكة السابقة؟”
إذا كانت حقًا تحمل دم الملكة، فلا بد أن تكون الملكة السابقة مرتبطة بها بطريقةٍ ما.
لكن ليا هزّت رأسها مجددًا.
“لقد مرت مئات السنين منذ اختفاء الملكة السابقة.”
رغم طول عمر الجنيات، لم يكنّ خالدات.
بعد مرور الزمن، حدث تغييرٌ في الأجيال، ولم يعد هناك من يتذكر الملكة السابقة.
“لكن…”
أشارت ليا بحذر إلى شجرةٍ في وسط المملكة.
“هذه شجرة ااجنيات، نبتت من بذرةٍ تركتها الملكة السابقة.”
كانت الشجرة عمودًا يدعم العالم الوهمي، وجذورًا للمملكة.
نظرت إليها وقالت:
“قد تُحدث أعجوبةً لا تُفسر، فربما تحققين ما تريدين.”
رفعت تشيشا عينيها إلى الشجرة.
حتى مع إمالة رأسها، لم تتبين نهايتها الممتدة إلى السماء.
نظرت إلى الشجرة المورقة، وابتسمت لليا:
“شكرًا.”
كانت في عجلة.
مدّت تشيشا يدها إلى شجرة الجنيات.
التصقت يدها الصغيرة بالجذع الضخم.
أمسكت الجنيات بأيدي بعضهن، محيطاتٍ بتشيشا والشجرة دائرةً.
بدأن يغنين، وأزهرت الزهور حولهن.
مع تراكم الأغنية والزهور، أضاءت الشجرة.
ألقت تشيشا نظرةً على دُمية الأرنب.
كانت صامتةً منذ فترة.
“…”
أثار صمتها الغريب انتباه تشيشا.
رفعت الدُمية ذراعها القصيرة إلى أذنيها، ومسحت تحت عينيها المصنوعتين من الأزرار.
كأنها تمسح دموعًا، رغم أنها دُمية لا تبكي، لكنها بدت وكأنها تنتحب.
فجأة، قالت الدُمية:
“لستُ حزينة. لستُ متألمة. لستُ وحيدة.”
رمشت تشيشا ببطء، ثم انتفضت.
تشقق الجذع بصوتٍ مدوٍ.
قبل أن تتنفي، سُحبت تشيشا إلى داخل الشجرة.
في الظلام الدامس، سمعت صوت الدُمية:
“بوجود الألم، توجد الفرحة. بوجود الموت، توجد الولادة.”
تك تك، تلاشى صوت عقرب الساعة البعيد.
فتحت تشيشا عينيها.
بشعورٍ مفاجئ، أدركت:
لقد تسللت إلى شقٍ في الزمن، عابرةً إلى ماضٍ يعود لمئات السنين.
ظنت للحظة أن الشجرة أرسلتها إلى الماضي.
لكن لا.
الشجرة فقط أيقظت “حاستها”.
“ملكة الجنيات، أنا…”
شعرت تشيشا بحاسةٍ جديدة تملأ جسدها، وأدركت:
“أستطيع عبور الزمن.”
ما رأته في الغرفة البيضاء أو ممرات العالم الوهمي لم تكن مجرد شظايا ذكريات.
كانت تشيشا تعود إلى الماضي فعلاً.
قبل أن ترتجف من الاكتشاف،
سدّت تشيشا فمها أمام مشهدٍ مروع.
امرأةٌ شقراء ملطخة بالدماء، مستلقية على طاولة تجارب بيضاء باردة.
هذه المرة، رأتها بوضوح:
امرأةٌ بعيونٍ وردية كعينيها.
أمها، وملكة الجنيات السابقة…
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
حسابي عالانستا : annastazia__9
التعليقات