**الفصل 115**
عندما أحضر تشيشا من الملجأ للمرة الأولى،
كان قد أكمل تحرياته مسبقًا بكل دقة.
كما هو الحال مع معظم الأطفال الذين يُتركون فجأة في الملاجئ، لم يكن تتبع أصولهم أمرًا يسيرًا.
لم يحصل كييرن على أي معلومات ذات قيمة تُذكر.
ولهذا السبب بالذات، ظل يراقب تشيشا بشكوكٍ متزايدة.
بالطبع، الآن قد عزم أمرَه على قبول تشيشا مهما كانت هويتها.
لكن الطريق إلى هذا القرار لم يكن مفروشًا بالورود بحالٍ من الأحوال.
تشيشا، وكييرن، وإخوة باسيليان الثلاثة،
كلهم عانوا من صراعاتٍ مريرة حتى وصلوا أخيرًا إلى هذا السلام الهش.
لكن فجأة، ظهر ذلك الكاردينال المتطفل ليعكّر هذا الصفو.
كبح كييرن ابتسامةً ساخرة بالكاد.
أتزعم أنك تعرف حقيقةً لا يعرفها حتى أنا، سيد عالم الظلال؟
كان تصرفه المتعجرف المتهور مضحكًا لدرجةٍ لا تُطاق.
كان يود لو يمزّق أطرافه في الحال.
لكن…
رغم علمه التام بأن الكاردينال، المحاصر في مأزق، قد جاء متعجلًا حاملًا كذبًا وخداعًا،
لم يستطع كييرن استبعاد الأفكار السوداوية تمامًا.
عقله المضطرب بدأ يتخيّل احتمالاتٍ ضئيلة من تلقاء نفسه.
ماذا لو أن الكاردينال ميليورد قد عثر فعلًا على والد تشيشا الحقيقي، وأحضره أمامه؟
ماذا لو أُعيد ربط الروابط العائلية المنقطعة؟
كان يمكن أن يتقبل فكرة “ابنة الساحرة”.
فريتشيسيا، على أي حال، كانت من القلائل الذين يحمل لهم كييرن بعض الود.
صحيح أن كونها جنيةً تسبب له في بعض الانزعاج، لكنه الآن يستغل ذلك كذريعةٍ ممتازة لتوظيف محقق الهرطقة هيلرون لصالحه.
لكن الأب الحقيقي…
ذلك الوغد الذي ترك الساحرة تتخلى عن طفلتها في الملجأ،
كان من الصعب تقبّله، حتى لو كان فعلًا الأب البيولوجي.
طرح كييرن سؤالًا جديدًا على نفسه:
ماذا لو كان الأب قد اضطر للانفصال عن طفلته لظروفٍ قاهرة؟
ماذا لو كان قد بحث عن تشيشا في كل مكان حتى تحقق لقاءٌ عاطفي مؤثر؟
“هذا سيجعل الأمور أكثر تعقيدًا.”
كييرن كان ثعبانًا نشأ يتغذى على الأجواء الخبيثة للغابة السوداء.
طباعه الكئيبة والمثابرة كانت متأصلة فيه، فلم يكن بإمكانه أن يكون أبًا عاديًا بحالٍ من الأحوال.
كان يخشى أن يأتي شخصٌ بما هو مستحيل بالنسبة له، فيغتصب مكانته إلى جانب تشيشا.
بل إن فكرة أن تتعلق تشيشا بوالدها الحقيقي كانت أكثر إثارةً لغضبه.
كييرن أحب أن تناديه تشيشا بـ”أبي”.
لم يكن يرغب في أن يُسلب منه هذا اللقب.
مجرد تخيّل تشيشا تبتسم وتنادي شخصًا آخر بـ”أبي” كان يكفي ليُغرقه في مزاجٍ سيء.
أليس الدم أغلى من الماء؟
ربما تمنح تشيشا كل عاطفتها لوالدها الحقيقي بمجرد لقائه.
فكرة أن شخصًا سيحصل بسهولة على ما كافح كييرن لأجله، فقط لأنه يشاركه الدم، جعلت أحشاءه تشتعل.
“مزعج…”
“ماذا قلت للتو؟”
عندما تفوّه بأفكاره دون قصد، هاجمه صوتٌ حاد على الفور.
ابتسم كييرن بودٍ وأجاب:
“لا شيء.”
كان عليه أولًا أن يتعامل مع هذا الكاردينال الذي تسبب في هذه الأفكار المعقدة.
على أي حال، من المستبعد أن يكون هناك أبٌ حقيقي.
لم يكن يعتقد أن الكاردينال عثر على ما عجز هو عن إيجاده.
على الأرجح، كل ما لديه هو معلوماتٌ متفرقة جمعها ولفّقها بشكلٍ مقنع.
حسنًا، حتى لو كان هناك أبٌ حقيقي فعلًا…
ابتلع كييرن نواياه المظلمة ورسم ابتسامةً خبيثة.
“لا أعرف شيئًا عن والد الطفلة الحقيقي.”
وجه لسانه الماكر نحو الكاردينال:
“أرجو أن تُنيرني بمعرفتك.”
***
كان عددهم قليلًا، لكن الكائنات الخيالية كانت تتفوق على البشر بمراحل.
الجنيات، أشهر وأبرز الكائنات الخيالية، كانت تثير الرهبة بمجرد وجودها.
لم يستطع ميليورد نسيان الصدمة التي شعر بها عندما رأى جنيةً للمرة الأولى.
كانوا رائعين، وكانوا أقوياء.
عندما ترى كائنًا متفوقًا بوضوح، لا يسعك إلا أن تفكر:
إنهم محبوبون من الحاكم أكثر من البشر.
كان البشر هم من يمجّدونه.
لكن أن تكون الكائنات الهرطوقية هي من تُحَب؟ هذا ظلمٌ لا يُطاق.
ومع ذلك، لم يكن بإمكانه لوم الحاكم.
فكانت فكرته أن يصبح البشر “كائناتٍ كاملة”.
جهودُه المستميتة للاقتراب من الحاكم والحصول على حبه بدت، للوهلة الأولى، مثيرة للشفقة.
لكن ميليورد فهم اختيارات أسلافه بعمق وتضامن معها.
لهذا انخرط بكل إرادته في التجارب التي استمرت لمئات السنين.
ربت الملك القديس سيانور على كتف ميليورد، الذي أبدى استعداده للتعاون، وقال:
“شكرًا لك. كنت أعلم أنك ستتبع إرادة أسلافنا.”
كانت هذه المسؤولية التي قاسمها الملك القديس، الذي كان يحمل وحده الحقيقة الثقلها.
لم يجد ميليورد هذه المسؤولية الدموية ثقيلة.
بل شعر بالفخر لكونه أصبح الخادم الأكثر إخلاصًا، حتى إن قلبه كان يطفو بالفرح.
مهما ثار محققو الهرطقة، كل ما يفعلونه هو التجوال في الخارج، يلوحون بسيوفهم بجهل ويلوثون أيديهم بالدماء.
لكن ميليورد هو من يخدم الملك القديس داخل الإمبراطورية، ويعرف أعمق أسرار هيلدرد.
بل ربما كان يطمح لمنصب الملك القديس القادم.
لكن أحلامه الطامحة بدأت تنحرف في تجمع صلاة القديسين الصغار، وبالأخص بسبب عائلة باسيليان.
تقدم كونت باسيليان أمام الملك القديس وأعلن ولاءه الثابت .
سخر ميليورد من كلامه:
“يا لها من أقوال رخيصة.”
شعر بتحسن طفيف بعد خيبة ليميل.
لكن الأمور بدأت تأخذ منعطفًا غريبًا.
توقع أن يسخر سيانور أيضًا، لكنه بدلاً من ذلك بدا متوترحًا.
ما هو “عهد الغابة السوداء” الذي يجعله يتصرف هكذا؟
حتى ميليورد، الذي يعرف أدق أسرار الإمبراطورية المقدسة، لم يكن يعلم شيئًا عن هذا العهد.
لكن الملك القديس أظهر اضطرابًا واضحًا، بل وصرخ.
أدرك ميليورد أن الأمر ليس عاديًا.
فألقى بليميل في المختبر، وهرع للقاء كونت باسيليان.
“لم أكن أرغب في استخدام هذه الورقة.”
كافح ميليورد ليحافظ على تعابير وجهه.
كان قد أعد هذا السلاح لمنع عائلة باسيليان من الفوز في تجمع صلاة القديسين، لكنه كان يفضل عدم اللجوء إليه.
والسبب أن عائلة باسيليان…
“مثيرون للاشمئزاز.”
نظر ميليورد إلى الرجال أمامه بنظرة خاطفة.
في الوسط، يجلس كونت باسيليان، كييرن، باسترخاء.
وإلى جانبيه، جلس الإخوة الثلاثة مقسمين على الطرفين.
ومقابله، جلس ميليورد، مكونًا مربعًا متوترًا.
ابتلع ميليورد ريقه لا إراديًا.
كانوا أصغر سأنًا وأقل خبرة منه بوضوح.
حتى كونت باسيليان، وبالأخص الفتيان الذين لم يتجاوزوا سن الرشد، كانت ملامحهم لا تزال صبيانية.
ومع ذلك، وهو يواجه أعينهم الحمراء المتقدة، شعر ميليورد بألمٍ وكأنه يُخترق.
كانت رائحة حادة تخز جلده، تتغلغل في عضلاته، وتصل إلى عظامه.
على الرغم من تجربته الطويلة مع أنواع البشر المختلفة حتى صعد إلى منصب الكاردينال،
كان رجال عايلة باسيليان مختلفين بطريقةٍ ما.
لم يعرف السبب، لكن أحيانًا كانوا يبدون ككائنات من نوعٍ آخر
.
على أي حال، كانت عائلة اختارها محقق الهرطقة هيلرون.
لم تكن عادية، لذا كان من الحكمة الحذر منهم.
تحدث ميليورد، حريصًا على ألا يرتجف صوته:
“والد الطفلة المتبناة… هو هرطوقي يتعامل مع السحر الأسود في العالم السفلي.”
توسعت الأعين الحمراء المتركزة عليه قليلًا.
كان خبرًا صادمًا بلا شك، لكن رد فعلهم بدا فاترًا بشكلٍ غريب.
كانت نظراتهم تميل أكثر إلى الفضول بدلاً من الدهشة.
شبك كونت باسيليان أصابعه الطويلة، واتكأ على ظهر الأريكة باسترخاء.
كانت وضعيته وقحة أمام كاردينال، لكن ميليورد المتوتر لم ينتبه لذلك.
“في العالم السفلي، السحر الأسود؟”
ردد كييرن كلام ميليورد بنبرةٍ كسولة وواضحة.
“نعم. لو أن الطفلة تحمل دم هرطوقي يتعامل مع السحر الأسود، فإن كشف هذا سيثير ضجة كبيرة.”
حاول ميليورد إقناع الكونت بجدية:
“هل هناك داعٍ لإثارة مشكلة؟”
“هذا صحيح، ولكن…”
مدد الكونت كلامه وسأل:
“ألا ينبغي أن تقدم لي ولو دليلاً بسيطًا؟”
قال إنه يحب ابنته المتبناة بصدق، ويصعب عليه تصديق أنها تحمل دم هرطوقي، وهو يخفض حاجبيه بحزن.
“من أين علمت بهذا؟”
سعل ميليورد وقال:
“لا تندهش كثيرًا.”
“في الحقيقة، أنا… لدي صلة بسيد العالم السفلي.”
(آنا : الغباء ياعالم )
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 115"