4
في القصر الإمبراطوري، كان يُطلَق على الإخوة جميعًا لقب “الأمراء”.
لكنّ الإخوة كانوا دائمًا صِغار العقول ومشاكسين، ولذلك لم يُعجِب تيـو أن تُناديه فيرا بلقب “الأمير”، وهو يفضّل أن يُدعَى باسمه فقط.
وبطبيعة الحال، لم تكُن فيرا تعرف هذه التفاصيل الخفيّة، لكنّها استجابت لرغبة الطفل.
“حسنًا حسنًا، السيّد تيـو. هل أناديك هكذا من الآن فصاعدًا؟”
“أووونغ. نعم، أريدُ ذلك.”
هزّ الصغير رأسه صعودًا وهبوطًا بحماس، وكانت أذناه الدائريّتان على قمّة رأسه ترفرفان مع الحركة بشكل بالغ اللطافة والجاذبيّة.
كاد قلب فيرا يذوب كلّيًا من هذه البراءة، لدرجة أنّها شعرت أنّه لا بأس لو تحوّل جسدها إلى كتلة رخوة من شدّة الذوبان. لكنّها سرعان ما أفاقت على صوت سعالٍ متعمَّد خلفها، فتابعت الحديث بجدّية.
“إلى أين كنتَ ذاهبًا، أيُّها الأمير؟”
“أنا؟ كنتُ ذاهب ألعب مع راي. هناك، عند… إكوري!”
“إـ…كّوري؟ هل تقصد إِكْلِت؟”
“نعم! إيكّوري!”
كان واضحًا أنّ الصغير لم يكتمل نموّه بعد، ولسانه ما زال قصيرًا. تفهّمت فيرا ذلك، لكن كبح ضحكتها كان أمرًا صعبًا.
عضّت شفتَيها بقوّة كي لا تنفجر بالضحك، وهي تعلم أنّ إكلت منتجع بعيد تمامًا عن قرية تيمي.
‘لكن لِمَ إذن وقع الحادث هنا؟’
فالطريق من العاصمة إلى إكلت مجهَّز تمامًا، ولا حاجة للمرور من هنا أصلًا.
تبادلت فيرا وهارون النظرات باستغراب. وفي تلك اللحظة، مدّ تيـو يده ليمسك بكتفها.
“أريد أن أذهب مع راي الذي يقول كوكو!”
“آه، حسنًا. هل تذهب معي إذن؟”
“أووونغ!”
أجاب بحماس وبدأ يقفز فرحًا، وكلّما فتح فمه بانَت أنيابه الحادّة تتلألأ تحت الضوء، مما جعل هارون يبتلّ عرقًا بارداً.
إنّه ردّ فعل غريزي تمامًا لكائنٍ عشبيّ حين يواجه مُفترسًا.
“فيرا، أنا سأبقى هنا أرتّب المكان.”
“نعم، مفهوم.”
كانت فيرا، بصفتها بشريّة، أقلّ حساسيّة تجاه هالة الأمير الوحشيّة، وهذا ما سمح لها بالتعامل معه برفقٍ والتمكّن من لمس يده دون خوف.
لكنّ هارون لم يستطع سوى الارتجاف، تمامًا كما كان يفعل حين رأى فيرا تخيط جروح الرجل المصاب قبل قليل وهي تدندن بمرح.
الرجل الممدّد على سرير العلاج لم يكن قد أفاق بعد.
فجراحه لو كانت لشخصٍ آخر لاحتاج إلى ثلاثة أيّام من الراحة على الأقل. ومع ذلك، فقد استفاق للحظة وحتّى أشهر سيفه، ما يعني أنّ الأمر كان مرهقًا للغاية لجسده.
وبينما كانت فيرا تتذكّر برعبٍ ملمسَ سيفه الذي كاد يلامس عنقها، التقت عيناها فجأة بعينيه، وقد فتح جفنيه على غير توقّع.
“آآآه!”
صرخت فيرا كما لو رأت شبحًا، وتراجعت خطوةً إلى الوراء. وبدا أنّ صرختها أزعجت أذني الأمير الفضّيتين المستديرتين، فاهتزّتا بعصبيّة.
“اصمتي.”
قالها الرجل فجأة ببرود، فوضعت فيرا يدها على فمها. كان الأمر وقحًا ومهينًا، لكنّه يظلّ مريضًا، بل وربّما نبيلًا أيضًا، فلم يكن أمامها سوى أن تتحمّل.
ظلّ الرجل يحدّق بها بعينين متّسعتين، متفحّصًا إياها من أعلى لأسفل. بدت له طبيبة بيطريّة لكنّ ملامحها الساذجة لم تُشعره بالثقة.
وبينما كان يرمقها باستياءٍ صامت، برزت من الأسفل كتلة شعرٍ ذهبيّ كالعسل.
“راي!”
هرع تيـو إليه فاتحًا ذراعيه، فتحوّل بصر الرجل الحادّ فجأة إلى نظرةٍ دافئة.
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه، ومدّ يده بحذرٍ بالغ، حتى أنّ فيرا نفسها شعرت بالدغدغة من شدّة الرقة في حركته.
“تيـو، هل أنت بخير؟”
“نعم! تيـو قويّ وصحّي! هل راي كو-كو، نِمْتَ جيّدًا؟”
“نعم، نمتُ جيدًا.”
‘يا إلهي! كيف يجيب برفقٍ إلى هذا الحد…؟’
لم تسمع فيرا منه من قبل سوى أوامر باردة كالصقيع مثل “اصمتي”، فشعرت بالغيظ وهي تُقطّب وجهها.
مع ذلك، كان المشهد بينهما وسيمًا ودافئًا إلى حدٍّ مُدهِش، على الرغم من أنّ شخصية الرجل لا تمتّ للدفء بأي صلة.
لكنّه أفسد الانطباع عندما تكلّم مجددًا.
“ولماذا تحدّقين بي هكذا؟”
كان من الأفضل لو ظلّ صامتًا.
حاولت فيرا التبرير بأنّها كانت تنظر إليه بإعجاب لا عداء، لكنها آثرت الصمت.
“راي! فيرا إنسان! يجب أن تستعمل كلمات لطيفة معها!”
“ماذا؟”
“ليس لها أذنان ولا ذيل! هي ضعيفة! يجب أن يحميها تيـو وراي!”
قهقه راي ضاحكًا بخفّة على تعليق تيـو البريء، بينما ارتبكت فيرا وقد تحوّلت فجأة في نظرهم إلى كائن ضعيف بلا أذنين ولا ذيل.
لقد عاشت طويلًا بين السُلالات الهجينة من الأرانب، ولم يخطر ببالها يومًا أنّ كونها إنسانة يجعلها ضعيفة. لكن أمام المفترسات، الحقيقة كانت مختلفة.
وزاد الطين بلّة أنّ ابتسامته جعلت ملامحه أكثر وسامة. كادت فيرا تنساق وراءه بلا وعي، لكنها أسرعت بهزّ رأسها لطرد ذلك.
“صحيح. البشر ضعفاء، فلا تضربها بقسوة.”
“نعم! تيـو لا يضرب بقوّة!”
‘أهذا أسلوب تربية؟! أليس الأصح أن تقول “لا تضرب أبدًا” بدلاً من “لا تضرب بقسوة”…؟’
لكن تيـو كان أميرًا، ومن ذا الذي سيمنعه إن قرّر أن يضرب أحدًا؟ لعلّ هذا بالضبط ما يُسمّى “التربية على طريقة العائلة المالكة”.
وقفت فيرا مُحرجة، حين أشار إليها راي بيده بفتورٍ كما لو كان يستدعي كلبًا.
“اشرحي لي أين نحن بالتفصيل.”
كانت نبرته أشبه بالأوامر. لو كان أرنبًا من سكان هذه القرية لقال بلطف: “أعتذر، أنا مرتبك قليلًا. هل يمكنك أن تخبرني بلطف عن هذه المنطقة؟ سأكون ممتنًّا.”
لكن لا أثر لأيّ مجاملة في كلامه، الأمر الذي جعل تقييم فيرا له يهوي من الصفر إلى السالب.
“أجيبي.”
حتّى قبل أن تصل إلى سريره كان يُملي عليها الرد.
أسرعت فيرا قُدُمًا وقالت:
“نحن الآن في قرية تيمي، حيث يعيش أرانب الثلج. تقع على أقصى شرق إمبراطورية آمور.”
“أرانب…؟”
“نعم، نعم. بالضبط.”
كادت تتمّ جملتها بالدعاء أن يعود المفترسون سريعًا إلى مكانهم.
لكن تيـو رفع يده فجأة.
“تيـو يُحبُّ هذا المكان! سيبقى هنا!”
شهقت فيرا بفزع.
“ماذا…؟ أيُّها الأمير! ستبقى هنا؟!”
ضحكت بتوتر وهزّت رأسها ظنًا أنّه يمزح، لكنّ أمير آمور لا يعرف المزاح.
أعاد كلامه بجدّية:
“تيـو يُحبُّ هذا المكان. سيعيش هنا!”
“آه… ماذا؟”
ارتبكت فيرا وأدارت بصرها نحو راي، لعلّه يرفض. لكنّه بدلًا من ذلك، مسح شعر تيـو الذهبي وأجاب بهدوء:
“حقًا تُفضّل هذا المكان؟ إذن لسنا بحاجة للذهاب إلى إكلت؟”
“نعم! هذا المكان أفضل!”
أومأ راي دون تردّد، كأنّه عازم على تلبية كلّ رغبات الأمير.
ارتبكت فيرا أكثر ولوّحت بيديها نافيةً، لكن لم يكترث أحد لرأيها.
وفي غمرة حيرتها، سُمِع طَرقٌ خفيف على باب غرفة العلاج.
“فيرا، أنهيتُ ترتيب القاعة… هه!”
كان هارون قد دخل ليُخبرها، لكنّه تجمّد عند رؤية الرجل وقد فتح عينيه، وانتصبت أذناه الطويلتان خوفًا.
“هممم… هل ذاك الأرنب طبيب بيطري أيضًا؟”
“لا! هارون هو رئيس شباب هذه القرية. آه، انتظر قليلًا! سأتحدّث معه وأعود!”
تأمّل راي الرجل الأرنب برهة ثم هزّ كتفيه بلا مبالاة. وعلى الرغم من أنّ حركته قد تؤلم جراحه، لم يُظهر أيّ إشارة للألم.
‘يا له من قاسٍ…’ فكّرت فيرا وهي تدفع هارون سريعًا نحو الخارج.
وما زال الأرنب المسكين يرفرف بأذنيه مذعورًا وهو لا يدري ما الذي يحدث.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"