2
“فيرا، ألا تظنين أن جلبنا لهذين الاثنين خاطئٌ؟”
قال هارون وهو ينفض الدم والتراب عن جسد الرجل الجريح، بينما يضغط شفتيه بامتعاض.
فيرا كانت تشاركه الشعور ذاته. فقد ازدادت قناعتها بعد أن تفحّصت ملابس الطفل وأغراضه الشخصية.
“هارون، انظر إلى هذا. أليس هذا ختم العائلة الإمبراطورية؟”
“ماذا…؟!”
أسرع هارون إليها من ركن العيادة، فأشارت فيرا إلى عنق الطفل بوجه قلق.
كان حول عنقه قلادة يتدلى منها حجر ذهبي فاخر، وهو ما يرمز إلى ختم العائلة الإمبراطورية.
“أهذا ما يشبه ختم الأمراء؟”
هارون، الذي نشأ في قرية لم يعرف يومًا لا أمراء ولا نبلاء، لم يكن يعرف حقًا. فسألها بارتباك.
“مدرستي كانت تابعة لمؤسسة ملكية. خلال خمس سنوات، رأيت هذا الختم حتى مللت منه. لا شك في ذلك.”
شهقت فيرا متألمة وهي تقول ذلك، وهارون بجانبها يزداد وجهه جدية.
شعر أشقر عسلي، أذنان مستديرتان فوق رأسه، خدود ممتلئة بيضاء… مظهر طفل لطيف لا يُقاوَم.
لكن الذيل الطويل المرقط خلفه كان يؤكد أنه لم يكن مجرد طفل لطيف، بل أمير من الهجناء.
“إذًا… هذا الطفل، أو بالأحرى هذا الشخص، هو الأمير تيو الذي وُلد قبل بضع سنوات؟”
“نعم… يبدو كذلك! يا إلهي، ماذا أفعل؟ هل يجوز لي لمس جسد الأمير؟ ماذا لو زادت حالته سوءًا بعد علاجي؟ وماذا لو جررنا غضب البلاط على قريتنا؟!”
ارتجفت فيرا وانهالت مخاوفها بصوت عالٍ، فأمسك هارون بكتفيها بحزم، وصوته غارق في الجدية:
“فيرا، اهدئي. لا يمكننا ترك الأمير ينزف هكذا. هذا سيكون الجرم الأكبر. واجبكِ الآن أن تعالجيه بأقصى ما لديكِ من عناية.”
“آه… هارون، أنا خائفة.”
“صدقيني، أنا كذلك.”
لقد واجها أصعب ما مرّ عليهما في حياتهما البسيطة. لكن لم يكن أمامهما سوى أن يبدآ بالعلاج.
عرفا الآن أن الصبي ذو الشعر الذهبي والبشرة المضيئة ليس إلا الأمير الأصغر للإمبراطورية، أمير النمور الهجناء. لذا عملا بصمت وجدية دون تذمّر.
جروح الأمير تيو لم تكن خطيرة كما بدا في موقع الحادث. لم تتعدَّ بعض الخدوش الطفيفة من شظايا العربة المتحطمة.
أما الرجل الذي كان يحميه فكان في حال أسوأ. جرح طويل من كتفه إلى مرفقه، وكدمة حمراء داكنة في جانبه، ترجّح أن ضلوعه مكسورة.
تأملت عضلاته الصلبة المكشوفة للحظة بإعجاب، ثم أزاحت الفكرة فورًا. الآن وقت التركيز، لا وقت الانبهار.
تفحّصت تنفسه. كان منتظمًا، ما يعني أن الكسر لم يخترق الرئة.
“إذن… عليّ أن أخيط الجرح الآن…”
تمتمت وهي تبحث في كتب الطب الحيواني التي درستها. فكما تختلف أمراض كل نوع من الحيوانات، كذلك الهجناء. الأرانب لا تتحمل البروتين أو السكر، والقطط لا تأكل الأطعمة الساخنة… ولكل نوع علاجه الخاص.
لكن هذا الرجل… لم تستطع تحديد سلالته. شعره فضيّ كالثّلج، أذناه دائريتان بيضاوان، وذيله الأبيض مرقّط بالأسود. يشبه الأمير تيو قليلًا، لكن لون النمور الإمبراطوريين ذهبي، لا أبيض.
“لابد أنه… نمر الثلج.”
قرأت ملاحظات عن فصيلة “النمر الثلجي”، فبدت مطابقة.
“فيرا، أهو أمير هو الآخر؟”
“مم؟ لا أظن. لا يحمل أي رمز ملكي. الأرجح أنه فارسه الحارس.”
“أجل، هذا يفسر كل شيء.”
ألقى هارون نظرة إلى السيف الضخم بجانبه، وقد بدا مستعملًا ومتينًا، فازدادت قناعته.
“علينا معالجة الجرح الأكبر أولًا. فقط… لا أريد أن يستيقظ وهو يتألم. سيصرخ حتمًا.”
“فيرا، يبدو أنكِ اعتدتِ على حياة مريحة جدًا في قريتنا.”
انكمشت فيرا محرجة، كأن هارون تحوّل من صديق طفولة إلى أب صارم. لكنها استعدت بجدية، وجمعت أدوات الخياطة.
كانت قد تدربت على خياطة الجروح الصغيرة لأطفال القرية المشاغبين، لكن هذه أول مرة تواجه إصابة خطيرة كهذه.
عقمت الجرح بالكحول، وأمسكت الإبرة متمنية أن يظل فاقدًا للوعي.
“أوه…”
لم يحتمل هارون المشهد، فارتعش وخرج مسرعًا إلى الصالة. كان يُشفق على نفسه أكثر مما يشفق على المريض.
أما فيرا، فبمجرد أن بدأت الخياطة، أظهرت مهارة لا بأس بها. خيّطت الجرح بإحكام حتى لا ينفتح مجددًا، ثم لفت كتفه بضماد متين، وابتسمت بفخر لما أنجزت.
“كم هو رائع. لم يُصدر حتى أنينًا واحدًا.”
ربما لأنه فاقد الوعي، لكنها اختارت أن تراه إيجابيًا. رتّبت أدواتها وهي تدندن بارتياح.
لكنها لم تنتبه أن المريض قد فتح عينيه، وبريق أزرق بارد يحدّق في ظهرها.
وما إن انتهت من الترتيب حتى دوّى صوته العميق البارد كالجليد:
“مَن أنتِ؟”
شهقت فزعة. متى استيقظ؟ لم تشعر بأي حركة!
حاولت أن تستدير، لكن شيئًا باردًا لامس عنقها وأوقفها في مكانها.
“م-ماذا؟! أهذا… سيف حقيقي؟!”
“أجيبي أولًا عن سؤالي.”
تجمّدت فيرا وقد شلّها الخوف. ضغط عليها بالسيف أكثر، فصرخت:
“فـ-فيرا كيتن! أنا طبيبة… طبيبة بيطرية! لقد عالجتُكَ أنتَ والأمير فقط، هذا كل ما في الأمر!”
“…الأمير؟”
“نـ-نعم! بدل أن تهددني، عليك أن تطمئن على الأمير أولًا!”
انفجرت محتجة عليه، بل وافتخرت بخياطتها:
“انظر إلى كتفك! كم هو متقن! لن ينفتح مهما حصل…!”
لكن الرجل قاطعها بصرامة:
“كفى. أين الأمير؟”
أشارت فيرا مرتجفة إلى الصالة. تأفف الرجل، وسحب سيفه أخيرًا، ثم نهض بخطوات واسعة متجهًا نحو الأمير.
بينما جلست فيرا تلتقط أنفاسها، تحمد الله أن رقبتها ما زالت في مكانها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"