1
كانت فيرا الطبيبة البيطرية الوحيدة في قرية “تيمي”، وهي قرية للأرانب الهجينة تقع على أطراف إمبراطورية آمور حيث يتعايش البشر والكائنات الهجينة.
وُلِدت فيرا إنسانة، لكنها تُركت وهي رضيعة عند حافة الغابة، فتكفّل الأرانب الهجينة برعايتها حتى كبرت.
وكما هو حال الأرانب رمز الخصوبة، فقد كانوا بارعين في رعاية الأطفال، لذا لم يجدوا صعوبة في الاهتمام بفيـرا.
وبالرغم من أنّها إنسانة، فقد نشأت مثل الهجناء. وحين بلغت سنّ الرشد، أرادت أن تردَّ جميل القرية، فاتخذت أفضل قرار ممكن.
انتقلت إلى القرية المجاورة ودرست “علم الهجناء” خمس سنوات كاملة، ثم عادت إلى تيمي وقد أصبحت طبيبة بيطرية معتمدة.
“فيرا، استيقظتِ؟”
“نعم! أنا هنا!”
كان بيتها صغيرًا وهادئًا، يجمع بين السكن والعيادة. لولا الصورة المثبتة المثبّت عند الباب، لما انتبه أحد أنّ المكان مستشفى.
لكن، باعتباره المستشفى الوحيد في القرية التي لا تملك أيّ تجهيز طبي، كان بيتها مزدحمًا دائمًا.
وفي صباح ذلك اليوم، جاء أول مريض مبكرًا.
“آسف على الإزعاج باكرًا. لكن راني ظل يتلوّى طوال الليل من ألم في بطنه.”
“راني؟ تعالَ يا صغيري.”
اقترب الصغير بخطوات مترددة، وأذناه منكمشتان على رأسه من شدّة الألم. وبعد الفحص، تبيّن أنه مجرّد عسر هضم بسبب الإفراط في الأكل.
تنفست فيرا الصعداء وبدأت تشرح لوالدته:
“إنه مجرد سوء هضم من كثرة الأكل. رأيته أمس يحمل الكثير من الحلوى أثناء المهرجان…”
“ماذا؟! راني! ألم أقل لكَ ألا تأكل الحلوى؟!”
الأرانب الهجناء لا يتحملون السكريات بكثرة، ومع ذلك لم يستطع الصغير مقاومة شهيته. أمسكت الأم جبينها بيأس:
“يا إلهي! سترى ما سيحدث لك في البيت!”
امتلأت عينا راني بالدموع، فأسرعت فيرا للتخفيف عنه:
“في هذا العمر من الطبيعي ألّا يستطيعوا التحكم بما يشتهون. لا تبالغي في توبيخه. راني، ستعدني أنك لن تكرر ذلك، صحيح؟”
ومع غمزة لطيفة منها، هزّ الصغير رأسه متعهدًا مرات عديدة ألا يفرط في أكل الحلوى مجددًا. وبعد إصرار من فيرا، خفّ غضب الأم.
كان الهجناء من الأرانب ضعيفي الهضم بطبيعتهم، فالإفراط في البروتين أو الحلويات يسبّب لهم مشاكل كبيرة. وبسبب نهم الأطفال منهم، كانت عيادة فيرا دائمًا مكتظة.
ذلك اليوم خصوصًا كان شاقًا؛ فمعظم المرضى الذين جاؤوا بعد المهرجان كانوا يعانون من سوء هضم. وبالمقابل، جلبوا لفيرا شتى أنواع الخضار: بطاطا، ذرة، جزر… حتى صار مخزنها ممتلئًا أكثر مما تحتمل، لكنها لم تستطع ردّ كرمهم.
“آه، كم أنا مرهقة.”
انتهت آخر معاينة عند الثامنة مساءً. جلست فيرا منهكة على مكتبها بعد عمل متواصل لأكثر من 12 ساعة. كادت تغفو في الحال لولا أنّها تذكرت التنظيف.
وبينما أمسكت المكنسة، دوّى انفجار مهيب هزّ الأرض وأضاء السماء.
“ماذا… ما هذا؟!”
ارتجفت وهي تفتح الباب، والمكنسة ما زالت بيدها. بدا الصوت بعيدًا لكن لا مجال للاطمئنان. خرج جميع أهل القرية أيضًا مذعورين وآذانهم الطويلة ترتجف.
“سأذهب لأتفقد! ابقوا في منازلكم!”
قالها هارون، رئيس شباب القرية، فانضم إليه بعض الرجال، وكذلك فيرا. حاول الأهالي منعها خوفًا عليها، لكنّها أجابت بحزم:
“هذه قرية صغيرة لا يلتفت إليها أحد، لن يهاجمنا أحد عمدًا. لكن إن كان هناك جرحى، يجب أن أساعدهم.”
“ولكن…”
“إن بدا الوضع خطيرًا، سأهرب فورًا.”
لم يكن هارون قادرًا على ثنيها عن قرارها، فقد عرف عنادها منذ طفولتهما معًا.
وصلوا إلى مدخل الغابة فوجدوا حفرة ضخمة وكأنها صُنعت بقوة غامرة. بداخلها عربة مذهبة محطّمة تمامًا. لو كان أحد بداخلها، لكان في وضع خطير.
بينما هم يحدّقون بذهول، دوّى صوت بكاء ضعيف من داخل الحفرة. أسرع الهجناء ذوو السمع الحاد، فصاحوا:
“فيرا! هنا! هنالك جريح!”
تركت مكنستها وأسرعت بخطوات متسارعة. رائحة الدم غمرت المكان، وقلبها خفق بقوة. منذ بدأت عملها لم تواجه سوى حالات بسيطة من سوء الهضم، لكنها أدركت فورًا أنّ هذه المرة مختلفة تمامًا.
وكانت على حق. بين حطام العربة برزت يد صغيرة مرتجفة لطفل، بينما رجل ضخم يحتضنه غارقًا في الدم.
تعاون الجميع لرفع الحطام، وتمكنوا من إخراج الاثنين. تولّت فيرا الطفل، بينما أسند الشباب الرجل المصاب. كان ضخمًا جدًا حتى أن أطول شاب بينهم لم يصل كتفه إلى مستوى صدره.
وبعد التأكد من عدم وجود آخرين معهم، أسرعوا عائدين إلى القرية. الغريب أنّهما كانا وحدهما في عربة فخمة كهذه.
في العيادة، وُضع الرجل على السرير الصغير المخصص للمرضى، لكن ساقيه الكبيرتين تجاوزتا الحافة. أما الطفل فقد أراحته فيرا على الأريكة.
“لقد بذلتم جهدًا كبيرًا. سأهتم بهما الآن.”
“هل تستطيعين وحدك؟ سأبقى معك.”
“أشكرك. نعم، ساعدني من فضلك.”
لم ترفض مساعدته، فالرجل المصاب لم يكن عاديًا. رغم تغطيته بالتراب، كان شعره الفضي يلمع، وعضلاته أشبه بالصخر، وسيف طويل معلق على خصره.
أما بقية الشباب فانصرفوا مرهقين، تاركين فيرا مع هار
ون والجرحى المجهولين.
فبداخل البيت لم يبقَ سوى: فيرا… هارون… ورجل وطفل غامضان.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"